لنعمل من أجل التسامح واحترام الآخر
سلمان بارودو
إن الظروف الدولية والإقليمية التي تمر بها سوريا اليوم وخاصة الضغوطات التي تمارس عليها خارجيا وداخليا، يقتضي العمل والقيام بالإجراءات التي تحسن أجواء الثقة بين النظام والفئات التي تضررت من ممارساته عبر عقود طويلة وإعطاء مؤشرات حسن النية على الإصلاحات، لذا يجب على السلطة أن تعي واجباتها وتتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها عل اختلاف انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية، وإحداث تغييرات حقيقية وخاصة على مستوى إعادة صياغة الدستور الدائم في البلاد وسن قانون مدني يواكب العصر، وإجراء الإصلاحات السياسية والانفتاح على حركة المجتمع المدني والسماح بالتعددية السياسية في البلاد وإلغاء قانون الطوارئ الأحكام العرفية والاعتراف الدستوري بالقومية الكوردية كثاني قومية في البلاد بعد القومية العربية وحل هذه المسألة حلا جذريا ديمقراطيا عادلا لخدمة الشعبين العربي والكوردي وحل جميع حقوق القوميات والفئات الأخرى كالأرمن والآشوريين والجركس وغيرها...
إن هذه الأمور والمسائل إذا بقيت عالقة بدون حل ستزيد الوضع تأزما وتعقيدا وفتح الباب أمام الجهات التي لا تريد الخير لسوريا وسيكون أمن الوطن والمواطن في خطر دائم حيال هذه الجهات المتربصة الحاقدة.
لذلك يجب على السلطة اليوم وليس غدا إصلاح ذاتها وتغيير نهجها القديم الذي فاته الزمن وتجاوزته الأحداث والتطورات، ليكون المستقبل أكثر أمنا والوطن أشد قوة وازدهارا وتماسكا.
وإن السبيل الصحيح والناجع لتجاوز هذه الأزمة التي تعاني منها البلاد يستلزم الحوار البناء والانفتاح على الحركة السياسية الديمقراطية بشكل عام لاشراكها في شؤون إدارة البلاد وفي الحقوق والواجبات وذلك عبر هيئات تمثيلية منتخبة لا يتعارض مع الدستور وحقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني الحر، ووفق قانون سيد على الجميع عصري ديمقراطي سليم في خدمة الوطن والمواطن. علما أنه أثبتت جميع التجارب بأن هيبة أي سلطة أو نظام حكم تأتي من مدى تلبيته وحل مشاكل وقضايا أبناء مجتمعه ، ومعالجة همومهم ورفع كل أنواع الظلم والغبن اللاحق عن أبناء المجتمع ، وليس بمصادرة حقوقهم وسياسات الخاطئة التي لا تخدم المواطن وتضر بالوحدة الوطنية.
ولا شك إن هذه الخطوات مهمة أساسية لفهم الآخر وبناء السلام والتعايش الأخوي بين كل القوميات ومكونات الطيف السوري قوميا ودينيا وفكريا وفق أسس التسامح واحترام الآخر. وهذا ما يتطلب جهدا مشتركا من كافة المعنيين، وخاصة من قبل المثقفين الديمقراطيين العرب، لكسر العقلية الشمولية وإنكار الآخر وشطب دوره من دائرة الوجود إيذانا لفهم المختلف والتحاور معه واحترام خصوصيته ووجوده الإنساني، والبحث عن حلول واقعية، على أرضية التعدد والتباين وقبول الآخر قوميا وثقافيا.
إذ لا يمكن أن ينجح أي حوار إذا لم يقم على أسس سليمة راسخة وعلى قاعدة العدالة والتسامح.
وبدون نشر ثقافة التسامح وتكريس الفكر الديمقراطي الحر المبني على ثقافة الحوار والتفاهم وأصول الاختلاف وثقافة حقوق الإنسان والتعايش السلمي المشترك، ونبذ كل أشكال الكراهية والتعصب، لن يتحقق السلام الاجتماعي والمصالحة الوطنية الحقيقية.
إذ يشكل التعصب بكافة أشكاله وتجلياته عائقاً ابستمولوجياً واجتماعياً في نفس الوقت، يؤثر بشكل سلبي على العلاقات داخل المجتمع المدني الذي يفترض التعدد والتنوع وحتى الاختلاف في مكوناته، كما أنه يعوق إمكانيات الحوار وتبادل الرؤى والأفكار بين فئاته وطبقاته الاجتماعية.
فالتعصب في جوهره نفي الآخر وإقصاء لرأيه وصوته، وتمركز حول العقيدة أو الإيديولوجيا أو الذات، يمنع صاحبه من امتلاك أي تصور من الحقيقة يقع خارجه. وهو يفترض أحادية الحقيقة والانفراد بإمتلا كها، كما يفترض تقديم إجابات جاهزة على الأسئلة المطروحة والإشكاليات القائمة.
والتعصب بهذا المعنى يقتل الحافز للبحث والتفتيش عن إجابات جديدة أو حتى لصياغة الأسئلة القديمة بأشكال مبتكرة، أي أنه يساهم في تكريس السائد والمعروف والتقليدي ويصادر على المختلف والمغيب والمبتكر.
من هذا المنطلق يبدو الاهتمام بمبدأ التسامح الذي يعني – فيما يعنيه – إن المجتمع البشري بحاجة إلى نشر وتأصيل قيم التسامح كمنظور إنساني وأخلاقي، وتعميم فكرة قبول الآخر المختلف في ميادين السياسة والدين والقومية والاجتماع. لأن أي تعصب أو تطرف كان قوميا أو سياسيا أو دينيا سيجعل الحياة قلقة وغير آمنة، فبدون التسامح وثقافة الحوار والاعتراف بالآخر قوميا وفكريا ودينيا لا يمكن بناء مستقبل يسوده السلام والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
حيث إن قبول مبدأ التسامح والتعايش يعني الموافقة على ما هو مشترك، كما يعني تجاوز سبل الانقسام في المجتمع وحق العيش على نحو مختلف، فحق الحياة إضافة إلى الحقوق والحريات الأساسية ، قد شكلت الأساس الذي قام عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأصبحت جزءاً مكوناً من الديمقراطية المعاصرة.
ومن اجل بناء مستقبل خال من إقصاء الآخر والتعصب والاضطهاد بكافة أشكاله، لا بد من تضافر جهود جميع المثقفين والسياسيين من الأطراف المعنية للدخول معا في حوار جاد مستمر بناء، حوار فاعل يمكّن جميع أطرافه من التفاهم والتواصل، واحترام خصوصية الآخر على قاعدة إمكانية التحاور والعيش المشترك.
إن الطريق الصحيح لتجاوز هذه الحالة التي تعاني منها المجتمع لا بد التحرر من إيديولوجيات العقلية البائدة والأحكام المسبقة، إنه حوار لا ينفي الاختلاف ولا يحتكر الامتيازات، بل يضع ويمهد أرضية صلبة أمام تعايش وتفاهم من شأنه تجاوز كافة العراقيل والصعاب التي تعترض هذا الطريق.
وإن ما تحتاجه سوريا اليوم هي بناء الإنسان الحر الكريم الخالي من ثقافة الخوف والعنف، والتأسيس لوحدة وطنية حقيقية، عبر حوار وطني شامل يهدف إلى إقرار تفاهم حول مستقبل سوريا والسعي الجاد لإقامة دولة الحق والقانون، لمواكبة التطورات الجارية في المنطقة والعالم وتلبي طموحات الشعب السوري بكافة أطيافه ومكوناته. وهكذا يتبين إن فكرة التسامح والتحاور والاعتراف بالآخر ينطلق من منابع متعددة فكرية ودينية واجتماعية وفلسفية، فإذا كانت ثقافة حقوق الإنسان والتسامح غير سائدة بسبب عوامل التعصب وعدم الاعتراف بالآخر فإن ذلك لا يقلل من أهميتها، بل يؤكد على ضرورة نشر فكرة التسامح وتجاوز عوامل العنف والتعصب والفرقة في المجتمع.
حيث يقول الكاتب والسياسي الكوردي والعضو الناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا مشعل التمو: ((حقيقة نحن نعتبر إن الانفتاح على الآخر واحترام رأيه ووجوده يشكل الرافعة التي يتم عبرها تصحيح الآخر، وإزالة الآثار السلبية والمتراكمة فيه، لبناء مستقبل ذو أرضية صلبة، تكمن في الاعتراف بالوجود والتعدد القومي، وأحقية الجميع في مواطنية كاملة تتجسد عبر جدلية الانتماء، والحق والواجب، في مجتمع مدني يتساوى فيه الكل ( الأغلبية والأقلية ) أمام القانون، الذي يمثل مجموعة القيم العليا للمجتمع )).
إن تحقيق ذلك كله سيعزز من شأن سوريا دوليا وإقليميا، وسيساهم في خلق مناخ ديمقراطي وحراك سياسي مجتمعي، وسيتمتع في ظله كل المواطنين دون استثناء.