مفهوم العدل والتسامح
راندا جمال
من صفات الله الهامة التي دار عليها نقاش صفة العدل، العدل ليس فقط كما يشاع هو أساس الملك، لكنه أساس قيام السماوات والأرض في الدنيا والآخرة.
وإذا كانت إقامة العدل في الآخرة هي شأن الله وحده سبحانه، فإن إقامة العدل في دنيا الناس أمر خوَّله الله للإنسان الذي حمل الأمانة فحملها ليقوم بها ويقيمها في أقواله وأفعاله، ومعاملاته المادية منها والمعنوية؛ فبالعدل يتحقق عمران الأرض بما ومن عليها..
معنى العدل:
بالعدال تستقيم الحياة ويستقيم حال الناس ويرضى الجميع وتتحقق الأهداف بنمط يتماشي مع الخير والصلاح
عُرّف العدل في علم الكلام بأنه " عدم فعل القبيح و عدم الإخلال بالواجب و عدم التكليف بما لا مصلحة فيه"
فالعدل هو وضع الأمور في مواضعها، وإعطاء كل ذي حق حقه، والعدل ضد الظلم وهو الإثابة على الحسنة بالحسنة و المعاقبة على السيئة بالسيئة
والبعض يتصور ان المساواة والعدل واحد ولكن الحقيقة العدل غير المساواة، فالمساواة هى التوزيع بالتساوي، ويكون التوزيع بالتساوي متطابق مع العدل عندما توضع الامورفى موضعها الصحيح وقد يكون ظلماً لو لم يكن كذلك
مثلاً فلو أعطى المعلم لكل طلابه ذات العلامة مثل 15 على عشرين لكان ذلك مساواة بين الجميع، ولكنه ليس عدلاً لأنه حرم المجتهد الذي يستحق عشرين على عشرين من حقه فظلمه، وأعطى الكسول الذي لا يستحق أكثر من أكثر من حقه.
ودائمًا يأتي العدل كحد مستقيم ومعتدل بين طرفين:
• مثلا بين الحب والكراهية: فالحب والكراهية لا ينبغى ان يدفعا الانسان بعيدا عن العدل وجميع الاديان تحذر من عدم العدول بين الناس لمجرد كرهنا لهم بل يجب ان نتعامل معهم بمنتهى العدل والشفافية
• بين الاختلاف والائتلاف فليس معنى اختلافى مع الاخر ان انكر عليه الحق فى العدل
وتحضرنى مقوله للامام على يقول فيها: (العدل أساس به قوام العالم، العدل أقوى أساس، إن العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق ونصبه لإقامة الحق فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه)
دور المجتمع
المجتمع العادل يلتزم بالأمنِ الإنسانيِ والتطوير الإنساني لإنْجاز التقدمِ السياسي والإجتماعيِ والإقتصادى والثقافي.
المجتمع العادل يسعى لتعزيز أنظمتة الديمقراطية ويعلم أعضائه حقوقهم الديمقراطية وحرياتهم و يضمن إشتراك جميع مواطنيه في عملية إتخاذ القرارات في المستويات المحليّة والوطنية.
المجتمع العادل يسعى الى تحقيق المساواة الكاملة فى الحقوق والواجبات بين الرجل والمراة ويعزز من قيمة ودور المرأة فى بناء المجتمع ويتيح الفرص لتمثيلِ النِساءِ فى كافة النواحى العملية وعلى كل المستويات .
المجتمع العادل تشمل شرائعه العدل لتأمين الخير لعموم جميع المواطنين ولا يفرق بين مواطنيه على اساس العرق او اللون او الدين او المستوى الاقتصادى والاجتماعى وفيه يسرى القانون دون تفرقة على كل طبقاته .
المجتمع العادل يروج لحقوق وحريات كل مواطنيه ويحمى حقوق الاقليات ويسعى الى ترويج الوحدة وتقوية الهوية الوطنية ضمن كل شرائح المجتمع من خلال رصد ومحاربة حالات خرق الحقوقِ وإساءة استخدام السلطة.
المجتمع العادل يروج للنمو الاقتصادي العادلِ ويسعي لإعادة مهارة العمالِ الذين جعلوا عاطلين كنتيجة للإصلاح الاقتصادي َو للتغيرات الاقتصادية.
المجتمع العادل لا يَستطيعُ تَحَمُّل الفقر لذا سَيَعْملُ على إزالة عدمِ المساواة ويُروّجُ لمساواةِ الفرصِ في مجتمعاتِنا
المجتمع العادل يحمى الضعيف ويمد شباك الأمان إلى الفئات التى همّشتْ في المجتمعِ مثل القرى والنجوع ويوجه جميع أعماله لخدمة مصالح افراد المجتمع وطبقاته
واخيرا على مشرعين القوانين فى المجتمع ان يضعوا العدل نصب اعينهم عندما يسنوا القوانين حتى تصون القوانين جميع حقوق المواطنين، فلا تعدل القوانين، أو تغير إلاّ لتكون أكثر تعزيزاً لكرامة الإنسان وأكثر عدلاً بين الناس.
لذا فإن تطوير القوانين لتصبح أكثر عدلاً هو الطريق الأفضل لمنع العنف وصيانة السلام هذه هي أليات تحقيق العدل فى مجتمعنا التي تؤدي إلى حياة ومستقبل أفضل.
دور الفرد والاسرة
على الفرد ان يتعلم العدل ويطبقه فى كافة نواحى حياته ولن ينجح فى ذلك الا بإدراكه أن احتياجاته وحقوقه وأرائه ومشاريعه ليست أقل أو أكثر أهمية من تلك التي تخص الآخرين،
وفي ظل العدل عليه ان يطالب بحقوقه واحتياجاته ويعبر عن آراءه ومشارعيه في قوة ووضوح وفي نفس الوقت يحترم وجهة نظر الآخرين ويستمع إليها ويتقبلها فالعدل يضع الإنسان في علاقة مع الخيرات الخاصة، التي تعنيه شخصياً وتلك التي تعني سواه.
وعلى الاسرة البدء فى غرس صفة العدل فى اطفالهم منذ الصغر و تعريفهم بمعنى العدل وضده الظلم والحرص على ان يكونوا قدوة في تطبيق العدل أمامهم وان يوسعوا مفهوم العدل لدى اطفالهم ليشمل العلاقات بين الوالدين والأبناء وبين الأخوة والأخوات وبين الأصدقاء والأحباب وبين الحاكم والمحكوم و علاقة الإنسان بالأرض والنبات والحيوان..
كما يقصوا عليهم نهايات الظالمين والظلمة ونهايات الأمم الظالمة التى حادت عن العدل و هناك قصص واقعية ومعاصرة كثيرة في نهايات الظلمة مثل قصة هتلر وغيره.
معني التسامح
التسامح هو بلسم العلاقات مع الآخرين، وروح الاتصال الصحيح وبدونه تصبح الحياة جافة جدًا وتفقد قيمتها ولا يصبح للاتصال معنى ولا روح وهو أساس مهم جدًا في الاتصالات والعلاقات البشرية .
إن البشرية اليوم تعيش في مأساة عظيمة حروب وكوارث ومؤامرات وخيانات ويعاني ملايين النساء والأطفال والشيوخ والرجال من الظلم والقهر وقلة الأمان والخيانة والمكر والخداع، ولذا فاتصافنا بالتسامح ليس مفيدًا لنا ولا للمحيط الضيق الذي نعيش فيه فحسب بل هو مفيد للبشرية المنهكة المتعبة جمعاء.
إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا وللصفات الإنسانية لدينا. وهو الفضيلة التي تسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، ولا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شئ اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا فهو مسؤولية تنطوي علي نبذ الاستبداد
ان التسامح لا يعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها. بل يعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. و يعني بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام و أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض علي الغير.
دور الفرد والاسرة
التسامح مسألة ترتبط بالمجتمع والتربية والتسامح لغة ومنهج حياة لابد وأن يتعلمها الانسان منذ نعومة أظفاره،.فالانسان الذي يتصرف بعنف هو نتاج أسرة عدوانية أو مفككة ، لا تقيم وزناً لقيم المجتمع الإيجابية.
فالطفل وعمره 3 سنوات يعيش ثورة التمرد بامتياز لهذا وجب أن تستغل هذه الفترة لتدريبه على قبول الآخرين والتخلي عن صفات التملك وحصول على ما يريد بالصراخ والبكاء . فهذه السلوكيات الإنفاعلية تقود الطفل إلى التصرفات العنيفة وعلى أسرة الطفل أن تعرفه معنى التسامح وكيفية تطبيقه لأن ذلك سيكون أساساً في تعميق حسن السلوك لدى الطفل.
من هنا لابد أن يفهم الطفل أن التسامح المعنى المضاد للغضب ، وبمرور مزيد من الوقت سيتطور المفهوم لديه إلى أكثر من مجرد فكرة أو معتقد ، بل سيتجاوزه إلى ربط هذا التسامح بأداء حركي يقوم به الطفل حتى يصبح محبوباً من الآخرين سواء في الأسرة أو المدرسة، لنعلم أطفالنا قيمة التسامح فذلك وسيلة لبناء نفسي سليم لهم ، وللمجتمع ،فالتسامح فضيلة إنسانية ، والغضب رذيلة إجتماعية ، وكلما زادت قناعتنا بالمبادئ الصحيحة ، كلما انتقلت نفس المبادئ إلى أطفالنا بطرق بسيطة ومؤثرة.
دور التعليم
"أن التربية يجب أن تهدف إلي ... تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية"
والتعليم هو أنجح الوسائل لمنع اللاتسامح، وأول خطوة في مجال التسامح، هي تعليم الناس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها وذلك لكي تحترم هذه الحقوق والحريات فضلا على تعزيز العمل على حماية حقوق وحريات الآخرين.
أن تعليم التسامح في مجال التعليم ضرورة ملحة، ولذا وجب اعتماد أساليب منهجية وعقلانية لتعليم التسامح تتناول أسباب اللاتسامح الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية - أي الجذور الرئيسية للعنف والاستبعاد، كما وينبغي أن تسهم السياسات والبرامج التعليمية في تعزيز التفاهم والتضامن والتسامح بين الأفراد وكذلك بين المجموعات الاجتماعية والثقافية والدينية واللغوية وفيما بين الأمم بغضها ببعض .
إن تعليم التسامح في مجال التعليم يجب أن يستهدف مقاومة تأثير العوامل المؤدية إلي الخوف من الآخرين واستبعادهم، ومساعدة النشء علي تنمية قدراتهم علي استقلال الرأي والتفكير النقدي والتفكير الأخلاقي وتعزيز الثقة بالنفس.
الاهتمام بإعداد المعلمين،وتغيير مضمون المناهج الدراسية والكتب المدرسية وغيرها من المواد التعليمية بما فيها التكنولوجيات التعليمية الجديدة لتخدم هدف تحقيق التسامح وذلك لتنشئة مواطنين يقظين مسؤولين ومنفتحين علي ثقافات الآخرين، يقدرون الحرية حق قدرها، ويحترمون كرامة الإنسان والفروق بين البشر، وقادرين علي درء النزاعات وحلها بوسائل وطرق سلمية غير عنيفة.
يحضرنى مثال لبرنامج اوبرا الذى استضاف رجل وإمراة مات ولدهم نتيجة حادثة اطلاق رصاص حدثت فى احدى المدارس نتيجة لوجود مثل هذا العنف فى المدارس سخر الاب والام توجهاتهم وطاقاتهم لتغير سلوكيات أفراد المجتمع وبدأوفى عمل برنامج قاموا بتعليمه فى المدارس مجانا هدفه تغيير سلوك الاطفال لمنع حوادث العنف فى المدارس والتى هى البذرة الاولى لتطور فكرة انتقاله من عنف فى المدارس الى عنف فى المجتمع
دور الدولة ووسائل الاعلام
إن التسامح علي مستوي الدولة يقتضي ضمان العدل وعدم التحيز في التشريعات وعلى الدولة ان تصوغ تشريعات جديدة لضمان المساواة في المعاملة وتكافؤ الفرص لكل فئات المجتمع وأفراده دون أي تمييز فكل استبعاد أو تهميش إنما يؤدي إلي الإحباط والعدوانية والتعصب.
وقد يتجسد عدم التسامح في تهميش الفئات المستضعفة، واستبعادها من المشاركة الاجتماعية والسياسية، وممارسة العنف والتمييز ضدها. لذا يجب أن تتخذ كافة التدابير لضمان التساوي في الكرامة والحقوق للأفراد والجماعات و الاهتمام بالفئات المستضعفة التي تعاني من الحرمان الاجتماعي أو الاقتصادي ليشملها القانون ويحميها بحيث تنتفع بالقوانين الاجتماعية السارية ومساعدتها على التقدم والاندماج علي الصعيد الاجتماعي والمهني، ولا سيما من خلال التعليم. فبالتسامح يصبح لجميع الأفراد والجماعات الحق في أن يكونوا مختلفين بعضهم عن بعض.
والتسامح ضروري بين الأفراد وعلي صعيد الأسرة والمجتمع المحلي، لذا كان من الضرورى تعزيز التسامح بإصغاء البعض للبعض ويدرس في المدارس والجامعات وفي المنزل وفي مواقع العمل.
على وسائل الإعلام والاتصال إن تسعى وتعمل علي تعزيز التسامح واللاعنف عن طريق برامج ومؤسسات تعني بمجالات التربية والعلم والثقافة والاتصال وان تسخر كافة الوسائل لخدمة تحقيق هذا التسامح .
وأن تقوم بدور بناء في تيسير التحاور والنقاش بصورة حرة ومفتوحة، وفي نشر قيم التسامح وإبراز مخاطر اللامبالاة تجاه ظهور الجماعات والأيديولوجيات غير المتسامحة
والسعى إلي توعية المجتمع والتشديد علي أخطار عدم التسامح والتروج ليوم التسامح العالمى الذى يقام يوم السادس عشر من شهر نوفمبر من كل سنة دوليا لنشر ثقافة التسامح .
واخيرا على الدولة تحقيق الوئام علي المستوي الدولي وذلك أن يلقي التعدد الثقافي الذي يميز الأسرة البشرية قبولا واحتراما من جانب الأفراد والجماعات والأمم. فبدون التسامح لا يمكن أن يكون هناك سلام، وبدون السلام لا يمكن أن تكون هناك تنمية أو ديمقراطية...