حرية الفكر والتسامح في الإسلام

شمخي جبر

كرَّم الإسلام الإنسان بغضِّ النظر عن الجنس والدين والمعتقدات واللون والطائفة فلا إكراه في الدين لان الإسلام لم يفرض عقيدة خاصة بل دعا الإنسان إلى أن يتخذَ قراراته بحريةٍ تامة دون اضطهاد أو خوف أو إكراه أو تهديد.. يقول الإمام الشافعي(رأيي صواب ولكنه يحتمل الخطأ ورأي غيري خطا ولكنه يحتمل الصواب"وهذا نموذج التسامح وقبول التنوع والاختلاف ، فوجود أكثر من تصور حول القضية المطروحة،هو قيمة انسانية تعني احترام التعدد والتنوع والاختلاف، اما الواحدية ورفض التنوع والاختلاف واحتكار التأويل معناه إنكار الآخر وعدم الاعتراف بفكره وتصوره، وما عليه إلا التخلي عنه طوعاً أو كرهاً، وهو أمر يتعارض مع مبدأ الحرية الذي شيد الإسلام بنيانه عليه (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
اذا كانت قد توفرت حرية الفكر في فترة من حياة المسلمين فأنها قد تعرضت الى ضربة قاصمة ، وما شهد بعد ذلك من ماسي ، تعرض لها المبدعون من فلاسفة وكتاب وشعراء واصحاب رأي،فكانت انتكاسة تمثلت بالكثير من المواقف لبتي اتخذت الاقصاء والاكراه او الاستئصال للمختلف ، والا ماذا نسمي ذبح صاحب رأي تحت المنبر في جامع الكوفة من قبل خالد القسري الذي ذبح الجعد ابن درهم صباح عيد الاضحى داعيا المسلمين لذبح اضحياتهم .
وتلت هذا التناريخ الكثير من الاحداث، وما تعرضت له حرية الفكر من تضييق ،تمثلت بما جرى للحلاج وغيلان الدمشقي وابن رشد وابن سبعين ، وما مثله ذلك من نكوص للفكر وشيوع التخلف والجهل ومحاربة كل مفكر مبدع ، وحتى ما سمي بعصر النهضة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تعرضت للإقصاء والكبت الذي تمثل في مقتل الكواكبي مسموما ومحاكمة علي عبد الرازق وما أثير حول طه حسين حين نشر كتابه (في الشعر الجاهلي ) واستمر الفكر الاقصائي داخل النسق الثقافي الإسلامي حتى وصل الى مستوى العنف الجسدي ضد المبدعين والمجددين فاستشهد حسين مروة ومهدي عامل وفرج فودة والمفكر الإسلامي طه محمود ومحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ او اجراء محاكمات للبعض وتكفير البعض الآخر كما جرى للمفكر الاسلامي نصر حامد ابو زيد وتكفير الباحث الازهري ( خليل عبد الكريم لتناوله تاريخ الإسلام بطريقة علمية موضوعية ،او محاكمة الروائية الكويتية ليلى العثمان واحمد البغدادي ومنع اعادة طبع رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب حيدر حيدر التي تناولت الواقع الجزائري والعراقي في فترة ما .
واخيرا الكاتب والباحث الدكتور سيد القمني أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة عين شمس وتراجعه عن اراءه بعد تلقيه تهديدا بالقتل من جماعات إسلامية. يحرص النظام الاجتماعي وسلطاته الاستبدادية، ولا سيما السلطة السياسية، عندنا، على تربية العقول على الطاعة والإذعان، ويتوسل لذلك بتعاليم الدين وآدابه

والتسامح يجد معناه (استنادا الى الإعلان العالمي لمبادئ التسامح) في الاحترام والقبول بالآخر، وتقدير ثراء التنوّع الحضاري في الثقافة الحضارية المحلية والعالمية، وهو يعزز بالمعرفة واختلاف الآراء وكثافة الاتصال وتأصل حرية التفكير والمعتقد فللتسامح فعالية تجعل السلام ممكنا (بين الأفراد والجماعات)، وتسهم في استبدال ثقافة العنف والحرب بثقافة السلم.
لقد أعلنت الأمم المتحدة سنة 1995 سنة عالمية للتسامح، وأصدرت في 16 نوفمبر في ختام المؤتمر الدولي للتسامح إعلان مبادئ كونيا، أكد على الالتزام بمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات المتصلة به. ودعا الدول الى تأصيل سياسة التسامح في قوانين وثقافة المجتمع لمكافحة مظاهر التعصب الديني والقومي والعرقي
فالتسامح وثقافته لاتنبثق من فراغ بل لابد من التاسيس لثقافته،فهو اذن بحاجة الى بيئة حاضنة وتراكم وتربية، ليتحول الى قوة مادية {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} أكدت الآية ما كان قد توصَّل إليه الحكماء والفلاسفة من قَبل وأثبته الواقع التاريخي المُشَاهد من أن الإنسان مَدني بطبعه، بمعنى أنه لا تتحقّق حياته ولا ينبني كيانه ولا تكتمل ذاته ولا يكتسب ما تصبو إليه قدراته إلاّ داخل وسط اجتماعي متشابك فيه الخير والشر، وفيه التحابُب والتباغض، وفيه التجانس والتنافر، وفيه الأنا والأنا الآخر ،ولابد من قبول التنوع الذي هو اس التسامح.
وفي ظل التنوع والاختلاف ،يبقى قبول الاختلاف كجزء من الحياة يجب قبوله لأننا نتعامل معه بشكل يومي ،فهو واقع يفرض نفسه علينا ولا يمكن تجاهله في أي حال من الاحوال، وإذا كنا نرفض اختلاف الآخرين ونستهين بما لديهم فمن حقهم ان يسخروا منا ،فإذا كنا نريد ان يحترم الآخرون ما نحن عليه ،علينا ان نحترم معتقداتهم ( ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عَدْواً بغير علم)فالإنسان ابن بيئته، فهي التي تنشئه وتكونه وتلونه، وهي التي توفر له ما تملك مما يفي بحاجاته الأساسية، كما أنها ي التي تَكفيه مع ما تقدّس من شعائر وتطبعه بما تقدر من عادات، وهي التي تأقلمه بشكل يجعل ما هو من تعليقات ذاتيته يتناسق مع روحها العامة وينسجم مع ما لديها من غاية مشتركة، ضرورة هذا الاختلاف النمطي، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يهواها ويرتضيها {ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين} اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هو التعارف لا التَّناكر، والتعايش لا الاقتِتَال، والتعاون لا التَّطاحن، والتكامل لا التعارض، وبات واضحاً أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ضرورياً ضرورة الوجود نفسه.ومادام الآخرين لم يظهروا رفضنا او محاربتنا فلماذا نحاربهم او نرفض اختلافهم(لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يُقاتلُوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}فديننا دين التسامح الذي ينبذ الغلظة والفضاضة والجفاء ويحض على اللين والرّفق والسماحة والتيسير ويأمر بالتحابُب والتوادُد والتراحم والتآلف ويعترف بوجود الآخر ويُقر حقّه في التَّديّن ويُقدّر اختياره ويدعو إلى احترام ما ارتضاه من خصوصية وإلى التعامل معه بلطف وإحسان وينهى عن سبّه والتحرّش بدينه.
واذا كان هناك من ينظر الى التسامح على انه ضعف وتصوير ثقافة التسامح على انها لبس من ثقافتنا ،فان هؤلاء هم أعداء الحياة وأعداء الفطرة السليمة، إذ ينظر بعض الإسلاميين المتعصبين أو الاسلامويين، يعتبرون أي حديث عن التسامح يقود الى " التساهل ازاء العقيدة والى الإباحية"وفي هذا الصدد يقول احد الباحثين ان (فكر التشدد والتكفير وادعاء احتكار الاسلام وزعم النطق بإسمه، اكثر خطراً من الصهيونية والغرب والحكام المستبدين! اذ ان نشر جثث المغدورين على الانترنت او على الفضاءيات والادعاء بان هذا هو الاسلام وهذا هو الجهاد هو قمة الإساءة للإسلام ومبادئه وهو ما يمكن ان نطلق عليه توظيف تعاليم الاسلام ضد الاسلام ومجمل هذه الافعال ان كان لها ثمة فائدة فهي لاعداء الاسلام لانها اعطت اوراق مهمة ضد الاسلام والتحريض عليه يحرّض على الاسلام ويعاديه ويثير المخاوف منه وهو ما نسميه: الاسلامفوبيا : " الرهاب من الاسلام،وهو مايجري في مطارات العالم وموانئه وخوفهم من الإسلام ،ومن يقسم الناس الى فسطاطين هو الخطر على الإسلام والمسلمين فقرآننا يقول(قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل )
يقول سعد الدين إبراهيم لقد بدأت الدولة الإسلامية في المدينة بعد هجرة المسلمين من مكة المكرمة سنة 622 م. وكان من أولى الأحداث في تلك الدولة الجديدة توقيع صحيفة المدينة التي يسميها المؤرخون دستور المدينة. ذلك الدستور الذي ظهر قبل 500- إلى 600 سنة قبل صدور وثيقة "الماجنا كارثا أو الميثاق الأعظم".

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=93863

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك