ثقافة التسامح واللاعنف على أسس المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر
خالد يونس خالد
لا شك أن العراق بلد ذو تنوع عرقي وديني وثقافي، وهذا التنوع يفرض علينا، نحن العراقيين، أن نفهم الفسيفساء العراقي بشكل يتطلب تقبل الرأي الآخر على أسس المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر، وضرورة الإتفاق على ما نتفاهم عليه، والحوار على ما لا نتفاهم عليه بعيدا عن العنف. ومن هنا تتطلب الوطنية أن نحتكم إلى العقل والإيمان. وقد أشار السيد محمد عبده أن ‘‘العقل قوة من أفضل القوى الإنسانية، بل هي أفضلها على الحقيقة‘‘. فـ ‘‘الحقيقة هي تلك التي تعمل‘‘، كما قال المفكر جون ديوي. إن عدم العنف هو التحرر من الخوف، ذلك أن العنف ليس سوى الوسيلة للصراع ضد سبب الخوف كما قال غاندي. وسبب الخوف هو الخوف من الآخر، وفقدان الثقة بين أبناء البلد الواحد. ومن هنا يجب التفكير بالعدالة في كل ناحية من نواحي الحياة لتحقيق المصلحة الوطنية العليا.
هنا أود أن أؤكد على الأطراف الوطنية، وليست الإرهابية أو تلك التي ساهمت في المجازر الجماعية والقتل العام، لأنه لا يمكن تحقيق المصلحة الوطنية على أسس طائفية أو حزبية أو إرهابية ترفض الآخر، وتمارس العنف تحت حجج علمانية أو دينية. فمن غير المعقول أن تلتقي ثقافة العنف بثقافة السلام. ومن الحمق أن نقول أن ثقافة رفض طرف وطني معين طرفا وطنيا أخر أو إلغائه يهيأ الأجواء للتسامح والمصالحة.
ينبغي أن نفهم أنه ليس من معيار الوطنية حرمان أقلية قومية أو دينية أو سياسية من حقوقها تحت طائلة المصالحة الوطنية والثقافية . ولا يمكن تحقيق هذه المصالحة، إذا حَرمت السلطة الحاكمة القوى الضعيفة والمهمشة من حقوقها المشروعة، أو رفضت الأغلبية حقوق الأقلية بأسم الوطنية.
لازال البعض من العراقيين يفكر تفكير القرن السابع الميلادي في التعبير عن رؤياه في الحياة، وبالحقد الدفين على هذه الطائفة أو تلك، وهذا المذهب أو ذاك، وإطلاق فتاوى باطلة بتكفير الآخر وجواز قتله، حاملا في رأسه الكراهية والعداوة.
وكل طائفة تمنح الحق والصواب والإيمان لنفسها وتحرمها على غيرها، فتشرزَمَ المجتمع العراقي وتفَرق في جذوره وفروعه، وعمت الفوضى الجميع، وعميت الأعين، وأبت شمس الحرية والاستقلال أن تشرق على أرض تُدفن فيها أبرياء قُتلوا على مذابح العقلية الطائفية والإرهابية المتخلفة من كل الجوانب.
للتاريخ عبر ودروس ينبغي الاستفادة منها. قصفت الطائرات الأميركية هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية إبان الحرب العالمية الثانية، وقتلت مئات الآلاف من اليابانيين الأبرياء، وتصالحت اليابان مع أمريكا لاحقا، والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني ووو ساري المفعول بينهما، وهما يحكمان العالم اقتصاديا إن صح التعبير، مع أن الجراح لا تندمل. إنه العقل الذي يحكم، لا الجهل والجذب بقوة مغناطيسية نحو الماضي ونسيان الحاضر وإهمال المستقبل.
الكل مسؤول أمام نفسه وأمام ضميره وأمام شعبه ووطنه. والكل ملزم بقبول الوطني الآخر للعيش بسلام ووئام، حيث يشعر كل فرد بمواطنته وحقوقه وواجباته.
إنَّ حق المعرفة واحترام العقيدة وحرية الإنسان فوق الحقوق، لأنه من غير الممكن تحقيق الحقوق بدون معرفة وإيمان. وهنا تأتي أهمية التأكيد على التربية والمعرفة.
هنا تطرح جملة من القضايا الأساسية نفسها لتصب في صالح المجتمع ككل:
- المسؤولية الوطنية مسؤولية فردية واجتماعية.
- بناء مجتمع مدني سلمي يكون المواطن فيه جوهر عملية المصالحة.
- الحفاظ على حقوق المواطن على أساس المواطنة وصيانة هذه الحقوق مقابل الواجبات طبقا للدستور الذي وافق عليه الشعب، وليس مرجعا دكتاتوريا معينا.
- التسامح والعمل على تحقيق مصالحة سياسية وثقافية.
- الفكر الديمقراطي وضرورة الممارسة الديمقراطية بعيدا عن الاحتكار المذهبي والطائفي ونظام الحزب الواحد.
- مساهمة المواطن في صنع القرار.
- مساهمة المواطن في عملية التغيير نحو ساحات أوسع من الحرية.
- الالتزام بالدستور من قبل القابضين على السلطة، لتشجيع المحكومين بالالتزام به أيضا.
- احترام بنود الدستور في الممارسة العملية من قبل القوى والمنظمات المشاركة في صنع القرار.
- تنفيذ بنود الدستور التي تتطلب تنفيذها طبقا لما ورد فيها.
- الاعتراف بالحقوق المشروعة للأقليات القومية والدينية في إطار الدستور ووحدة الدولة.
- مساواة الجميع أمام القانون بغض النظر عن العرق والجنس والدين .
- التعاون الجاد لتصفية الإرهاب، باعتبار أن هذه المهمة مسؤولية وطنية مشتركة.
- التعاون الجاد برفض التدخل الأجنبي، ولا سيما من قبل دول الجوار.
- رفض الاحتلال بكل أشكاله.
- محاربة الفساد المالي والإداري، وإتخاذ الاجراءات القانونية بإعادة ملكية الشعب إلى الشعب.
- ضرورة إعادة االثقة لدى المواطنين بالحكام وبالدولة.
- التأكيد على حكم القانون حكاما ومحكومين، والمساواة أمام القانون بدون تمييز.
- التأكيد على هيبة الدولة وحكم الدولة، مع التأكيد على لامركزية الحكم في الفروع على أساس وحدة الدولة.
- احترام الدستور الذي استفتى عليه الشعب، على أساس أن جمهمرية العراق دولة إتحادية (فيدرالية) ديمقراطية.
- العمل على تغيير ثقافة العنف إلى ثقافة التسامح والاعتذار عن الخطأ.
- التعاون والتفاهم والتسامح من أجل االمصالحة الوطنية وممارسة ثقافة التسامح والترابط والتكامل.
- بناء المجتمع مسؤولية الجميع .
لايمكن تحقيق مجتمع مدني بدون تحقيق السلام والاستقرار. ولا يمكن التفاهم بدون شعور كل مواطن عراقي بحقه في الحياة، وحقه في ممارسة حقوقه الإنسانية والتعبير عن إ رادته بحرية في إطار القانون.