حمار الحضارات مرة اخرى

حسين القطبي
دأب على ترديدها الساسة العرب، في المؤتمرات القومية والدينية، منذ ان اطلقها الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي "حوار الحضارات"، رغم ان هؤلاء الساسة لا يؤمنون اساسا بمبدأ الحوار
وهذه العبارة وان شاخت، وهرمت في ايران، ونسيها السيد خاتمي، الا انها بالنسبة لمسؤلينا ظلت اشبه بالنعمة، للتعويض عن الضعف في الانشاء، مازالت تتجدد وتلتمع، يتفوهها باعجاب، بل ركبها كموجة اكثر السياسيين في المؤتمر الاسلامي الذي عقد في مكة بين 7-8 من هذا الشهر "ديسمبر" 2005.
في هذا المؤتمر لم يستطع الوفد الفليبيني، برئاسة وزير الخارجية د. البرتو روميلو، من الاشتراك في الجلسات، ولا الرئيس التوغولي غناسنغبي اياديما، فقد منعا من دخول مكة لانهما مسيحيان، والمسلمون لايسمحون لابناء الاديان الاخرى من دخول المدينة.
اكتفا الرئيسان بمتابعة المؤتمر من خلال شاشات نصبت لهم، مع المراسلين الاجانب على بعد 70كم من المدينة.
الا ان العبارة-الموضة ترددت في الجلسة الختامية، في مضايف قصر الصفا (بغياب الضيفين طبعا)، ودون ان يتحسس مفارقتها احد من اصحاب السيادة.
ومع هذا فقد نزل البيان الختامي ذائبا على الورق، من فرط رقته ودروس الانسانية التي يلقنها للشعوب، والامم الاخرى، وصف الملوك فيه الحضارة الاسلامية التي يقودونها على انها:
"تقوم على قيم الحوار والوسطية والعدل والبر والتسامح، باعتبارها قيما انسانية راقية، في مقابل التعصب والانغلاق والاستبداد والاقصاء."
قبل اسبوعين عقد في برشلونه الاسبانية مؤتمر الشراكه اليورو- متوسطية، حضرته وفود من دول عربيه واسلامية بينهم رؤساء ووزراء مسلمين وعرب. ترى لو كان الاسبان قد استقبلوهم بالمنع، بذات الطريقة، بحجة المدينة المقدسة ونصبوا لهم شاشات في فالنسيا مثلا، فهل كنا سنقول عن حضارتهم بانها "الحوار والوسطية والعدل والبر والتسامح"، ام سنوصمها بـ"التعصب والانغلاق والاستبداد والاقصاء"؟
مع ان الاسبان لا يركبون العبارات مثلنا، ولايدعون لحوارات على طريقتنا، الا انهم لم يرتضوا لانفسهم هذا الستايل من التحضر.
المفارقة الاطعم جاءت في تشديد البيان على ضرورة نقل الصورة الحضارية المشرقة الى شعوب الارض، وهذا خطاب موجه للصحافه، الاجنبية منها على وجه الخصوص، في ذات الوقت اكتشف فيه الصحافيون الاجانب، الذين اوقفوا في جده، بان الشاشات التي نصبت لهم كانت تستعمل في الدوائر التلفزيونية المغلقة للجامعات بسبب الفصل بين الجنسين في التعليم السعودي.
في الدعوة لحوار الحضارات، التي صدرت من المؤتمر الاسلامي، لا اشفق على الوزير الفلبيني، كونه اهين بدينه، واضطر فوق ذاك ان يبتسم. فسيعود لعائلته ويقص عليها ما دار في بلد الحضارة الاسلامية، ولربما تسرب ذلك للصحافة، ولا اتألم على رئيس توغو، فهو الاخر اكتشف حقائقا جديدة عن العالم، قد اضافها الى رصيده المعرفي، الا اني لا استطيع ان اخفي اعجابي بالرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، الذي اطلق دعوة، بعبارة لم تكن جادة، الا انها تحولت بعد سنين من مضغها، الى موضة، يركبها الملوك والرؤساء الذين لايجيدون قيادة الحديث.