حوار الحضارات لا تبرهن على فشله حادثة قتل

أحمد حسنين الحسنية

لو سُألت : من أكثر حكام العرب نفاقا ً؟
لأجبت : نظام آل مبارك ، ثم ملك نجد ، و الحجاز ، و ملحقاتهما ، عبد الله آل سعود .
الثاني منهما ، و أعني كبير آل سعود ، أرتدى الحلة الإصلاحية ، و أدعى إنه إصلاحي ، و لكن مكبل اليدين ، فماذا يفعل مع هؤلاء المتشددين الذين يجدهم في كل مكان في بلاده ؟
أما نظام آل مبارك فله سياستين ، بمثابة القدمين له ، أولهما تقوم على إثارة مشاعر الكراهية ، في مصر ، تجاه الغير ، أكان بين عنصري الأمة المصرية ، المسلمين ، و المسيحيين ، أو تجاه الخارج ، أياً كان أسمه .
و السياسة الأخرى ، هي مع العالم الحر ، الذي يظهر لهم نفسه بأنه ، و إن كان غير إصلاحي ، و غير ديمقراطي ، و لكنه صمام أمان ، فهذا الشعب الذي يحكمه - أي الشعب المصري - شعب متطرف ، عنيف ، كاره للغير ، و الديمقراطية لا تصلح له ، و فقط اليد الحديدية ، و الحذاء العسكري الثقيل ، هما ما ينفعا معه .
عمرو موسى ، هو جزء من القدم الأولى للنظام ، فلا نجد حادثة ، ممكن أن تستخدم لإثارة الكراهية ، إلا و رأيناه يتصدر لها ، مؤججاً لها ، و مضخماً لأثرها ، أو لمدلولاتها السلبية ، أو حتى مخترعاً لتلك المدلولات الكريهة .
في حادثة مقتل السيدة المصرية شيماء ، أطلق عمرو موسى ، تصريح خطير للغاية ، فإعتبر أن تلك الحادثة دليل على فشل حوار الحضارات .
كيف يسمح شخص ، في مثل منصبه الحالي ، لنفسه بإصدار مثل هذا التصريح ؟
و كيف تسمح المنظمة التي يترأسها ، بصدور قول كهذا من شخص يمثل واجهتها أمام الرأي العام الإقليمي ، و العالمي ، و أمام الجهات الرسمية في العالم ؟
الحادث ، الذي راحت ضحيته السيدة المصرية في ألمانيا ، حادث بشع ، لا جدال في ذلك ، و دليل على فشل الأمن داخل قاعات المحاكم الألمانية ، مثلما دليل على الأثر السيء الذي أدت إليه السياسات الإعلامية خلال الفترة من سبتمبر 2001 ، و إلى هذا العام ، بل و بالإمكان مد هذا التأثير الإعلامي السلبي إلى الوراء ، إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي ، و الكثير من الأفلام المنتجة من تلك الفترة ، و إلى عهد قريب ، تشهد على ذلك ، حيث تم تصوير العرب ، ثم المسلمين ، كإرهابيين ، و لصوص ، و شهوانيين .
لكن الفشل الأمني ، و تطرف بعض وسائل الإعلام ، و الإنتاج الفني ، شيء ، و القول بأن تلك الحادثة : دليل على فشل حوار الحضارات ، شيء أخر .
الحادثة ليست نتيجة سياسة ألمانية رسمية ، و لا حتى إتجاه ألماني شعبي عام ، مثلما كان الحال في ثلاثينيات ، و النصف الأول من أربعينيات ، القرن العشرين ، حين كان نظام الحكم الألماني آنذاك ، يعتمد على الكراهية كركيزة لحكمه ، لهذا ستظل الحادثة تمثل قلة .
حوار الحضارات ، لا يتأثر بحادثة فردية ، مهما كانت بشاعتها ، لأنه قائم منذ قديم الزمان ، حين بدأت الحضارات المختلفة ، تخرج من شرانقها ، و تنفتح على ما حولها ، فنجد آثار للحضارة المصرية القديمة في كافة ربوع الشرق الأوسط ، و في أوروبا الغربية ، و البحر المتوسط ، و كذلك وصلنا في مصرنا التأثيرات الحضارية الإغريقية ، و الرومانية ، و الآرامية ، و غيرهم .
و في العصر الذهبي للحضارة العربية إستمر هذا التواصل ، حين قامت بغداد ، و قرطبة ، بترجمة التراث الحضاري الإغريقي ، و الهندي ، و الفارسي ، و الآرامي ، ثم أضافت إليه ، و نقلته ثانية لأوروبا .
الحوار الحضاري يا أستاذ عمرو : لم يتوقف منذ فجر التاريخ الإنساني ، و لن يتوقف ، فمثلما لا تكسف الشمس لموت أحد ، فكذلك التواصل الحضاري لا يتم البرهنة على فشله بسبب مقتل أحد ، خاصة في عصر أصبحت فيه وسائل التواصل مع العالم متاحة بسهولة ، و بتكاليف معقولة ، و أصبحت هناك لغة شبه عالمية ، و إدراك لمعظم الإنسانية بضرورة إستمرار هذا التواصل .
رحم الله الفقيدة ، و لأسرتها عزائنا الحار ، و للسلطات الألمانية : نرجو أن تأخذ العدالة مجراها ، و للشعب الألماني : تصدوا لتيارات الكراهية بداخلكم ، حتى لا تستشري ، مثلما نتصدى نحن في مصر لها ، و للعالم : تأكد أن حوارنا معكم متواصل ، و التأثيرات الحضارية المتبادلة بيننا و بينكم ستستمر ، كما كانت دائماً منذ فجر الإنسانية .

المصدر: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=177643

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك