أزمة حوار الحضارات: مابين خرافتي التقريب بين المذاهب الدينية وحوار الأديان

محمود الزهيري

تجتاح العالم حمي الصراعات الدينية ويريد أدعياء التحضر والثقافة وفض الإشتباكات الذين تعقد لهم المؤتمرات وتفتح لهم أبواب الفنادق والمنتزهات , والباحثين عن الرفاهية من خلال ماسمي حديثاً بسياحة المؤتمرات , أن يبحثوا عن حلولاً واقعية أو شبه واقعية لفض هذه الإشتباكات وهم علي يقين علمي بأن هذه الصراعات لن يكون لها نهاية إلا من خلال إعادة مفاهيم الحرية أولاً وقبل إحياء مفاهيم التسامح وقبول الآخر في الدين والقبول بمبدأ المواطنة البعيد عن العنصرية الدينية وعنصرية الجنس البشري اللتين أوردتا العالم موارد الهلاك والدمار في الماضي ومازالت تورده نفس الموارد ولكن بأساليب وطرائق تناسب العصر الحديث من خلال إحياء النعرات الطائفية والمذهبية المبنية علي أساس ديني يحاول نفي الآخر في الدين الواحد وإقصاؤه من الوطن الواحد بل وإستباحة الدم والمال والحرث والضرع والزرع وكأن المخالف في المذهب الديني داخل إطار الدين الواحد يمثل الآخر المطلوب قتله وإعدامه بحبل التعصب والتطرف والإرهاب علي مرجعية دينية محتمية بنفس النص المقدس وبذات حروفه وآياته وأرقامها وتسلسلها في الكتب المقدسة لدي أصحاب الدين الواحد وذلك الأمر المرهب كائن في خلفيات وثنايا الكتب المقدسة لدي معظم المنتسبين للأديان السماوية منها والأرضية الوثنية منها في الجانب المواجه .

أين الأزمة إذاً ؟!! :

الأزمة كامنة ومختبئة داخل العقول المتطرفة الإرهابية التي تحتمي برداء التعصب للدين للحفاظ علي المصلحة المتوهمة للدين أو للإله أو للرب أو للنبي أو للرسول أو حتي للصحابة والسلف والخلف والأنصار والحواريين والأحبار والرهبان حسب الإنتماء لكل دين من الأديان السماوية أو الأرضية الوثنية .
فداخل نطاق وإطار الدين الواحد تجد العديد من المذاهب والفرق الدينية التي تناحر بعضها البعض وتناصب بعضها العداء في كل المفاهيم الدينية بما تحمله من تأويلات وتفسيرات دينية يرتأي أتباع كل فرقة أو ملة أو نحلة أو مذهب أو جماعة من الجماعات أو تنظيم من التنظيمات الدينية أنه علي الحق المطلق ويمتلك ناصية الحقيقة المطلقة وأنه ظل لله في الأرض التي هو حقيق بها وبالتصرف في مصائر من عليها من البشر سواء من هم علي منهجه أو المغايرين له من أصحاب الدين الواحد أو من أصحاب الديانات الأخري سواء كانت سماوية أو أرضية وثنية .

فكيف يمكن أن نحل معضلة التقريب بين المذاهب الدينية بين أصحاب الدين الواحد الذين يكفر بعضهم البعض ويستحلون دمائهم فيما بينهم دون مراعاة لأي ضمير ديني أو إنساني وكأنهم وحوش أو حيوانات قد خرجت لتوها من الغابات لتعيش بين البشر في دنيا الناس بمفهوم الوحش وليس بمفهوم الإنسان !!
ثم يتم الإدعاء بأن هذه الوحشية الحيوانية في التعاملات بين الناس تمثل إرادة الله وتنفذ أوامره وتمتثل للإنتهاء عن نواهيه وتـأتمر بأوامره ؟!!
فهل من الممكن أن يتم حوار بين المذاهب الدينية بين أبناء الدين الواحد والمنتمين إليه ولكن مع السماح بتواجد بعض الإختلافات التي يمكن أن يكون لها حلولاً فيما بين أصحاب هذه المذاهب وبعضها البعض من أبناء الدين الواحد ؟

نعم .. من الممكن أن يوجد حوارات وليس حواراً واحدا ً!! , ولكن الذي نسعي إليه ونبتغيه هل من الممكن أن يصل هذا الحوار إلي حلولاً واقعية لها صدي محسوس به ومعاش في واقع البشر والناس من خلال التعاملات اليومية بماتحمله من معاملات إقتصادية وعادات وأعراف وتقاليد إجتماعية لها أساس ديني أو إجتماعي , وحتي لو كان لها ظهور واقعي في المجتمع دون تعرض المنتمين لمذهب من المذاهب الدينية لأتباع أو أصحاب المذهب الآخر سواء بالتكفير أو التجهيل واللعن وإستباحة الدماء والأموال ؟!!

أعتقد هذا لن يكون في الواقع له وجود !!
إذ كيف يتم ذلك بين المنتمين للمذاهب الدينية من أصحاب الدين الواحد ويتولد عن هذه المذاهب فرق وجماعات دينية البعض منها يؤمن بالحتمية الإلهية الغيبية الهاربة من الحياة والمجتمع والناس إلي الآخرة حيث دنيا الله والجنان المنتظرة إياهم في الآخرة ولايعملون إلا بالتكفير والتجهيل ولعن المجتمع المخالف والعاصي لله وللأنبياء والمرسلين في رسالاتهم السماوية والتارك للكتب المقدسة وتعاليمها وما أتت به من هداية ورشاد للناس !!

والبعض من هذه الجماعات يؤمن بالحتمية الإلهية العسكرية المسلحة التي تبيح القتل والإرهاب والدمار للمخالفين والمعاندين لله وللرسل والأنبياء وأن تغيير هذه المجتمعات بقوة السلاح لهو الفريضة الغائبة من حياة المؤمنين والتي يتوجب عليهم إحياؤها إرضاءاً لله تبارك وتعالي , خاصة وأن الأنظمة الحاكمة تعتبر في نظر هذه التنظيمات أنظمة حكم كافرة لأنها لاتحكم بما أنزل الله ومن ثم توجب تكفيرها وتفسيقها ورميها برداء الظلم والفساد والإفساد ومن ثم كانت قوة السلاح المحتمية بالحتمية الإلهية العسكرية والتي يتم تفسير نصوص المقدس الديني علي هديها للخروج بالنصوص الشرعية والعمل علي إضفاء الشرعية الدينية علي تلك الأعمال المسلحة التي تؤمن بالتغيير بقوة السلاح والعنف المسلح !!

هل من الممكن أن نجري حواراً بين هذه الجماعات التي ذكرنا منها صنفين بينما يوجد العديد منها لامجال لسرده ؟!
فكيف نجري حواراً بين المذاهب الدينية ولانجري حواراً بين الجماعات والتنظيمات الدينية المخبؤة داخل هذه المذاهب والظاهرة منها ؟!!

وهل هذا الحوار سيجدي نفعاً بين الجماعات والتنظيمات التكفيرية الصامتة مؤقتاً والتنظيمت التكفيرية المسلحة حالياً ؟!!
أعتقد أن هذا من المستحيلات أن تجري هذه الحوارات ويتم الإتفاق علي حلول واقعية تجعل جماعة أو تنظيم أو فصيل ملتزم بالعقيدة التي يؤمن بها داخل إطاره الشخصي ودعوة الناس للإعتقاد بمعتقده دون عنف أو دماء أو تكفير أو تلعين , فهذا من شبه المستحيلات اللهم إن كانت هذه الجماعات من الجماعات ذات التدين الشعبي الذي يؤمن بالأولياء والكرامات والنذور والذكر وإحياء موالد المشايخ والأولياء , والتي كانت لها أدوار مسلحة وعسكرية في الماضي ضد الإحتلال والغزو والإغارة من طوائف أخري عليها وتم تحجيم هذه الجماعات والتي يمكن تسميها بالجماعات الصوفية وهي جماعات لايمكن حصرها أو عدها لأن ذلك من الصعوبة بمكان .

كيف يكون حوار الأديان ؟!!:

هل يصلح أن يكون هناك حواراً قائماً بين الأديان في ظل هذه الغابة من المذاهب والفرق والملل والنحل والجماعات والتنظيمات المنتمية لدين واحد من الأديان وذلك بين نفس أصحاب المنطق من أصحاب الديانات الأخري ؟!!
وعلي أي أساس يتم الحوار ؟!!
هل بإلزام الجميع بالإلتزام بدين واحد من الأديان السماوية ؟!!
وهل هذا العرض من المعقول عرضه من الأساس حتي يعقل القبول به ؟!!
وماهي الأسس إذاً التي يقوم عليها هذا الحوار بين الأديان ؟!!
هل هي من باب أن تفرط في جزء من دينك وأفرط أنا في جزء من ديني حتي يمكن التلاقي في محطة معينة من المحطات التي يستقل فيها أصحاب جميع الأديان قطار واحد ؟!!
أعتقد هذا لايجوز ولا يجزئ علي المطلق في حل أزمة الحوار بين الأديان ؟!!
أليس مايسمي مجازاً بمفهوم الحوار بين الأديان خرافة من أعظم الخرافات التي يتبناها البعض محاولين الكذب علي الناس بدعاوي من مثل هذه الدعاوي التي تبعد عن بعض الحقائق الواردة في الكتب المقدسة والمحمولة علي نصوص تحمل تفسيرات وتأويلات تحبذ علي نبذ الآخر ورفضه في الدين والوطن ؟!!
أليس هناك العديد من النصوص الدينية المحمولة علي تفسيرات وتأويلات تأمر بقتل وقتال الآخر المخالف في الدين والعقيدة والملة والنحلة ؟!!
بل .. أليس هناك نصوص دينية لها قدر من القداسة والإتباع تدعو وتأمربقتل حتي من يرتكب جرماً مخالفاً لنص من النصوص الدينية حسب التفسير والتأويل والمفهوم من هذه النصوص ؟!!
أليس هناك نصوص دينية تفرض القتل والقتال من أجل الإنتصار للدين , والدين فقط , علي إعتبار أن الوطن هو الوطن والوطن هو الدين ؟!!
بل .. أليس هناك من يزكي العنصرية الدينية والعنصرية الجنسية من واقع المفهوم من النصوص الدينية ؟!!
كيف يكون هنا أو هناك مايسمي بالحوار بين الأديان والمفاهيم الدينية بين الأديان حائرة ومشتتة وكأنها تطير مابين السماء والأرض ولاتجد لها محطاً أو منزلاً في دنيا الناس ؟!!

دول دينية وحوار أديان : كيف ؟!!

من تأزيمات الأمر أن توجد دول لها كيان سياسي ولها وجود في المجتمع الدولي وممثلة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تشهد بعضويتها فيها , ومن اللافت للنظر أن هذه الدول تقوم في كيانها السياسي علي أساس ديني أو عنصري ويتم إستخدام الدين أو العنصرية الدينية كمرجعية عليا لهذه الدول وهذا يتبدي من دساتير هذه الدول ومن قوانينها وتشرعايتها واللوائح المنظمة لشؤون الدولة , بل ومن أعلامها وشاراتها التي تعبر عنها و

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك