الحوار الإعلامي بين الجد والهزل
شهد أحمد الرفاعي
يمر الحوار الاعلامى العربى بمحنة ، فهو فى غيبوبة شبه كاملة ، نعم إنه كذلك ،فقد أصبح يفتقد إلى المصداقية وحرية التعبير والفكر بل وأسقط من قاموسه الحوارى فضيلة إحترام رأى الآخر، والأهم من ذلك كيفية إدارة الحوار المهذب وإنتقاء اللغة المناسبة ، ولكل مقام مقال.
هذا ما لمسته حينما شاهدت فى العاشرة مساءا احدى البرامج الحوارية الفضائية والحوار كان مع الإعلامية ليلى رستم ، إستخدمت المحاورة معها لغة الروشنة الشبابية قائلة ومعلقة على بعض فقرات من حوار الضيفة المهذب الراقى ، (يعنى كده كل ده خلاص بخ ) فلك أن تتخيل المفارقة الثقافية بين إعلامية من جيل إعلام الستينيات برقى حديثها وثقافتها المتعددة والمذيعة المتحاورة معها تتفوه بكلمة (بخ)..وهكذا الحال مع البقية من (جيل مذيعات فضائيات الروشنة طحن).
أيضاً، نسى أو تناسى القائمون على إدارة الحوار الإعلامي ، أن نشر الكلمة الصادقة والملتزمة والتى تحث على مكارم الإخلاق والبعيدة عن الغش والتدليس السياسى والإجتماعى والدينى وخلافه فى المجتمع ، هى الأساس فى الحوار الإعلامى ،ولكن وللأسف ، ما يحدث هو العكس تماماً ، ففى جولة لى على القنوات الفضائية الإسلامية السابحة فى الفضاء بلا رقيب ، وجدت أكثر من خمس قنوات تطرح موضوع النقاب فى حوار مشترك بين عدد من علماء الدين الإسلامى وكونه فرض أم واجب أو واجب ملزم ..الخ من التسميات التى وضعتنى بل أغرقتنى فى حيرة لم أجد لها حلا إلى الآن ، الحوارات الخمس خرجت منها بخمس فتاوى مختلفة عن النقاب ، ولك ان تتخيل عزيزى القارىء أن تأتيك خمس فتاوى فى خلال ساعات قليلة فلا تستطع الجزم بأى منها تقتدى؟ فهل أدرك القائم على هذه البرامج كم الجدل الذى سيخلق من وراء هذا التضارب فى الآراء؟ .
بعض القائمين على الشأن الإعلامى بمختلف وسائله لا يدركون أنهم يحملون على عاتقهم مسئولية بناء جيل بأكمله وتشكيل مجتمع بآسره بمختلف منظماته ومؤسساته ،وأنهم يسهمون وبشكل مباشر فى تشكيل حياة الناس بأبعادها الكاملة من إحباط ويأس وهزيمة أو طموح وإنتصار.
الحوار الإعلامى الهادف المفروض أنه هو الأرض الخصبة لنمو حرية الكلمة ، وإزدهارها ، وبعيدا عن مسارات التعصب وتأثيم الأفكار،ولكن فى مشرقنا العربى نحن لا نعى ثقافة الحوار وإنما لدينا إشكالية الصواب المطلق ، فكل منا قابض على رأيه وكلمته ولا يريد لها تبديلا،
فالعلاقة بين الاعلام والحوار علاقة هشة ، فلا الإعلام يعطى الحوار الجاد حقه فى التواجد على الساحة الإعلامية ، ولا الحوار وأهله وموضوعاته المختلفة يحترمون بعضهم البعض عند التحاور، بل منهجهم فى إدارة الحوار هو التنابز بالألقاب ،،،،فمن أين يأتى الحوار الإعلامى الهادف وسط هذا المناخ الفاسد والمتدنى؟
ولا يخفى على أحد أن الحوار الإعلامي الموجود على الساحة ما هو إلا بساط من النفاق على مختلف الأصعدة ، أو هو احيانا نوع من التلميع الإعلامى للنظام الحاكم أو لفكرة ما أو لشخصية ما،أيضا قد يكون نوعا من التغطية والتعمية الإعلامية على حدث ما سياسى ، إجتماعى ..الخ ،وأحيانا وهو الغالب يكون الهدف المرجو من الحوار الإعلامى هدفا تجاريا بحتا يخدم القناة فى المقام الأول التى يبث من خلالها، واذا كان الحوار على الساحة الفضائية ،وفى ذلك حدث ولا حرج، فما هناك سوى الصراخ والسب والقذف..الخ ، والنتيجة النهائية ، تكون نلتقى بعد الفاصل،
اعتقد أنه قد حان الوقت لتثقيف أنفسنا بأبجديات الحوار ، بدءا من الأسرة اللبنة الاساسية فى ارساء قواعد الحوار الديمقراطى الهادىء الواعى ، مرورا بالمواطن العادى فى الشارع العربى وتعاملاته اليومية ووصولا الى المثقف العربى الذى يجهل الغالبية منهم ما هو الحوار ؟ وأقصد هنا الحوار المسئول والذى فى نهايته يصل الى المتلقى بيسر وسلاسة ويضعه على أبواب فكر جديد يضيف له ولا يأخذ منه، يرتفع ويسمو به ولا يهوى به فى دهاليز الفكرالهلامى أو المتشدد ...الخ والتى لا يعلم منتهاها الا الله ومن يخطط لها.
ذلك أننا نجد أنفسنا أمام حوارات إعلامية ثقافية أو هكذا يقال عنها ، تهتم فى المقام الأول بالشكل وتهمل المضمون، مع انه المفروض أن رسالة الإعلام الجاد التركيز على المضمون وليس الشكل ، فلا نجد اللغة الآداة والتى من شأنها الصعود بالمتلقى خطوة خطوة لتضعه على مشارف دروب المعرفة الراقية والفكر السليم ، تاركة له بعد ذلك حرية الإختيار، بل ما يحدث الآن من مدمنى التواجد الإعلامى وحب الظهور فى وسائل الإعلام المختلفة ، إما أنهم يجتمعون ويتحاورون والمحصلة النهائية لاشىء، أو أنهم يتاجرون بمشاعر الشعوب وقت الأزمات والحروب فيعزفون على الأوتار الدامية لتلك الشعوب الضحية، او أنك تراهم فى واد آخر وبعيدا عن هموم المواطن المطحون بآهوائهم الشخصية و التحليق خارج السرب ، فلا نرى منهم الحل أو حتى الرمى بطرف الخيط .
أخيرا ً،،،الحوار الإعلامى العربى يجب ان يكون مرآة عاكسة لمشاكل المجتمع يتاثر به ويؤثر فيه ، فلا يخفى على أحد أن من أهم وأخطر الحروب ،الحروب الإعلامية والتى نحن بصددها من الآخر وهدفا له، فلابد من تحصين الحقل الإعلامى ومن يعملون ويتعاملون فيه بالتسلح بمزيد من الخبرات المعرفية والمعلوماتية الإعلامية ، حتى نصل الى مستوى حوارى إعلامى يليق بأمة إقرأ التى أصبحت لا تقرأ وإن قرأت لا تفهم وإن فهمت لا تفعل.
فلكل مشكلة حل ، إما منظم أو خطأ ولكننى أرى أننا فى وطننا العربى نصر دوما على الحل الخطأ، ولا ننحى الأهواء الشخصية جانبا ، ولانعمل على تغليب المصلحة العامة ، مصلحة هذه الأمة التى ُتجر وُتجرجر بكاملها الى الهاوية ،فمتى نحرص على هذه الأمة حرص البخيل على درهمه؟.