حقيقة الحوار بين الأديان

جوار بشارة

طغت الأوضاع الدولية علي أعمال مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي الذي عقد في بروكسل مع بداية العام الجديد والذي شارك فيه الأزهر وعدد من الكنائس و الفاتيكان . وشدد المشاركون في المؤتمر علي أهمية تعميم ما أسموه ثقافة الحوار والتعارف المتبادل والعيش المشترك ومعالجة جذور التوترات الطائفية وفك الالتباس بين التدين والتطرف . و فكرة حوار الأديان التي يتم الترويج لها اليوم فكرة خبيثة دخيلة وفقا لوجهة نظر المعارضين لهذا الحوار ويرون ان لا اصل لها في الإسلام ، لأنها تدعو إلى إيجاد دين جديد ملفق ، يعتنقه المسلمون بدلا من الإسلام على حد قولهم.
ويؤكد عدد من المنتسبين للمؤسسات الدينية والجهات الدعوية ان الغربيين بعد ان فشلوا في أبعاد المسلمين عن عقيدتهم عن طريق المبشرين والمستشرقين والمؤلفات الثقافية والتضليل الفكري والسياسي الإعلامي ، لجأوا إلى الجهات الرسمية في دولهم وفي دول أخرى ـ قد يبالغ المتشددون من المعارضين لفكرة مثل هذا الحوار في تلك المؤسسات إلى حد وصفها بـ "الدول العميلة" للغرب ـ وشرعوا في عقد المؤتمرات والندوات ، ويشكلون فرق العمل المشتركة ، ويؤسسون مراكز الدراسات في بلادهم وبلاد المسلمين ، كمركز اكسفورد للدراسات الإسلامية ، ومركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة درم البريطانية ، وكلية الصليب المقدس الأمريكية ويعتقد المعارضون أن الدعاة إلى مثل هذا الحوار عادة ما يستعملون ألفاظا عامة ومصطلحات براقة ، تدل على معاني ـ بحسب رأيهم ـ غير محددة ، من اجل التضليل والخداع مثل … التجديد ، الانفتاح على العالم ، الحضارة الإنسانية ، المعارف العالمية ، ضرورة التعايش السلمي ، نبذ التعصب والتطرف ، العولمة وغيرها. ويشير المعارضون لحوار الاديان الى ان الغربيين لجأوا للخلط بين مفهومي العلم والثقافة والحضارة والمدنية ، ليتخذوا من هذا الخلط مسوغا لمهاجمة الذين يتمسكون بوجهة نظرهم في الحياة ، بأنهم ضد العلم وضد المدنية الناشئة عنة ، ووصمهم بالرجعية والتخلف ، مع أن الأمر في الإسلام غير ما يدعون ، فهو يفتح ابوابه للعلم وللمدنية الناشئة عن العلم ، ويغلق ابوابة في وجه أي حضارة أو ثقافة غير الإسلام وثقافته ، لكونهما أفكارا ومفاهيم متعلقة بسلوك الإنسان الذي يجب أن ينضبط بالمفاهيم الإسلامية عن الحياة . كما يرى المعارضون أيضا أن اهل الغرب زينوا بعض الأفكار الرأسمالية للمسلمين ، وسوقوها لهم على أنها لا تخالف الإسلام ، حتى اعتبرها بعض المسلمين أنها من الإسلام ، كالديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية ( التي لا تحمل أفكارا إسلامية ) ، والاشتراكية وغيرها . بينما شنعوا على بعض الأفكار الإسلامية ، ونعتوها بأنها غير حضارية ولا تصلح لهذا العصر ، كالجهاد والحدود وتعدد الزوجات وغيرها من الأحكام الشرعية . ويرى عدد من المراقبين والمحللين ان الغرب ومؤسساته اخضعوا دراسة النصوص الإسلامية لطريقة التفكير الرأسمالية التي تجعل الواقع مصدرا للحكم وليس موضع الحكم كما جعلوا المقياس في اخذ الحكم أو تركة هو النفعية وليس الحلال والحرام ، مما دفع بعض المسلمين إلى استحداث بعض القواعد التي لا تستند إلى نصوص شرعية لفهم الإسلام مثل .. فقه الواقع ، فقه الموازنات ، وإطلاق قاعدة .. الضرورات تبيح المحظورات ، وغيرها . مما نتج عنة تمييع بعض أحكام الإسلام ، وعدم التمييز بين الدخيل والاصيل وبين ما هو كفر وما هو إسلام ، فصار الربا مباحا والاستشهاد انتحارا ويشير هؤلاء المراقبون لاسيما المهتمين منهم بالشأن الاسلامي الى ان الغربيين المشاركين فى الحوار مع بعض ممثلى الدين الاسلامى يتطلعون إلى تعميم وتوسيع الحوار ، فلا يظل محصورا بين الخاصة في المؤتمرات والندوات ، وإنما يشمل جميع شرائح المجتمع من نساء ورجال ، ومثقفين وعمال ، عن طريق المدارس والجامعات ، ومعاهد الدراسات والأحزاب والنقابات ، وهو ما عبر عنة بعض المؤتمرين بالمطالبة بإلحاق المسلمين وادماجهم فى النسق الحضاري السائد فى الغرب بدءا من الاقتصاد والاجتماع وانتهاءا بالسياسة والتعليم وغيرها . فالرأسمالية -على حد زعم الغربيين - هي الإنسانية والعقلانية والحرية والديمقراطية ، وهي الحضارة الحديثة الناجحة . وأما الإسلام ، فهو التقليد والاستبداد والتراث ، وهو سيادة الدين والرق وتعدد الزوجات ، فهو دين غير حضاري . ومن أساليب التعمية على المسلمين في مؤتمرات الحوار - وفقا لرأى الشيوخ والمؤسسات الإسلامية المعارضين لهذا النهج - هو إشراك المنتمين إلى بعض العقائد كالهندوسية والبوذية والسيخ وغيرهم ، مع المسلمين والنصارى واليهود ، كما حصل في المؤتمر العالمي للدين والسلام في اليابان حتى لا يظن المسلمون انهم وحدهم المستهدفون بالحوار ويتسائل هؤلاء المعارضون : كيف يقبل من يسمون بعلماء المسلمين أن يساوى بين الإسلام والبوذية وغيرها من الأديان . ويرى المسلمون الرافضون للحوار أن الهدف الأساسي الذي يسعى الرأسماليون الغربيون لتحقيقه هو الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحياة كنظام ،لانه يهدد بقاء مبدئهم وحضارتهم، ويقضي على مصالحهم ونفوذهم .أما الاهداف الأخرى الفرعية ، التي تخدم الهدف الأساسي بحسب ما يقوله المعارضون ـ فمتعددة فهم يهدفون إلى صبغ العالم بصبغة الحضارة الرأسمالية ، ولا سيما المناطق التي يعيش فيها المسلمون ، لإحلالها محل الحضارة الإسلامية ، ليتسنى لهم محو الثقافة الإسلامية من الأذهان ، وذلك بزعزعة ثقة المسلمين بها وبمصادرها وبأساسها ، لتحييد الإسلام في معركة الصراع الحضاري وهم يهدفون إلى صياغة شخصية المسلم صياغة جديدة ، بحيث لا يجد غضاضة في ترك الواجب وفعل الحرام ، ثم إفساد الذوق الإسلامي لديه ، وقتل الحمية للإسلام في نفسه ، فلا يبغض الكفر والكافرين ، ولا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ، ولا يجد غضاضة من حمل أفكار ومبادئ الرأسمالية .وبذلك ـ كما يوضح المعارضون ـ يزيلون المناعة الثقافية في الأمة الإسلامية التي تقاوم بها أي دخيل ، ويزيلون الحواجز الفكرية والنفسية التي تهدد الوجود الحضاري الرأسمالي في بلاد المسلمين ، فتصبح المحافظة على نفوذهم ومصالحهم سهلة ، ويضمنون بقاءهم واستمرارهم . وتشدد جبهة الشيوخ المعارضة للتحاور على إن الحوار الذي يرعاه الغرب و السلطات المحلية في بعض بلاد المسلمين ومعهم عدد من العلماء والمفكرين ، المقصود منة إيجاد دين جديد للمسلمين ، مبني على عقيدة فصل الدين عن الحياة ، فيه التشريع للبشر بدل أن يكون لله تعالى ، خالق البشر .ويستدل هؤلاء على ذلك بقول الله تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) و قوله تعالى ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ). وبما أن الحضارة الإسلامية أساسها العقيدة الإسلامية ، والحضارة الرأسمالية أساسها العقيدة الرأسمالية والجمع بينهما غير ممكن ، فيكون القصد من الحوار الذي يتزعمه الغرب هو العمل لتخلي المسلمين عن المفاهيم الإسلامية لحساب المفاهيم الرأسمالية ، لأنهم يدركون أن الجمع بين متناقضين غير ممكن . وفى النهاية يؤكد المسلمون المعارضون للحوار بين الأديان أن هذه الخطوة ضرب من الخيال وان الصراع الفكري بين الأديان والحضارات امر لا مفر منه لتمييز الحق من الباطل ، والطيب من الخبيث ،(فأما الزبد فيذهب جفاء .. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ).
وقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي بيانا حذرت فيه من خطورة البرامج والأعمال التي ينفذها مجلس التنسيق بين الأديان الذي أنشأته مجموعة من الحاخامات اليهود ، موضحة أن ذلك الحوار خديعة كبرى للشعوب الإسلامية ، ويؤكد الدكتور عبد الودود شلبي الأمين العام السابق للجنة العليا للدعوة الإسلامية " إن الحوار بين الأديان أسلوب جديد من أساليب التنصير والتبشير والغزو الفكري حيث أن الحوار ظاهره الرحمة وباطنه العذاب وللأسف وقع الأزهر وبعض المؤسسات الإسلامية بالدول العربية في مطب الحوار بحسن نية .. فأنشأ الأزهر لجنة تنسيق مع الفاتيكان أطلق عليها لجنة الحوار، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة هو الآخر أنشأ نفس اللجنة، وبعض الهيئات في الدول الإسلامية تهرول إلى هذا الحوار. وقال الدكتور محمد عبد المنعم البري الأستاذ بكلية الدعوة بالأزهر الشريف " إن التقارب الإسلامي المسيحي والحوار بين الغرب والشرق وحوار الحضارات وغير ذلك كلها أساليب المراد منها أن تنال من العرب والمسلمين ليس إلايظهر أن السياسة العالمية قد بدلت حركتهم فجأة بعد 11 سبتمبر وخلال عصر الدوت كوم (الذي يبدو الآن كزمن ساحر غابر ) كانت أمريكا تندفع إلى الأمام وكانت الشيوعية المنافس الكبير الأخير للديمقراطية الليبرالية، قد انهارت تماما كالفاشية والملكية قبلها وكان الاقتصاد الأمريكي في عز صعوده وبدت المؤسسات الديمقراطية وكأنها تتقدم في أنحاء العالم كله وقيل أن التكنولوجيا تقرب القرية العالمية أكثر إلى بعضها بعضا بطرق قللت من أهمية الدول القومية التقليدية . اليوم اختلف كل شيء . فالولايات المتحدة دخلت الحرب ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان بعد أن عانت هجمة ناجحة غير مسبوقة على أراضيها وتستنفر الآن أعداد كبيرة من المسلمين لمعارضة الولايات المتحدة، ويطلب من بلدان حول العالم أن تختار أحد الصراع وأصيب الاقتصاد بالركود في الولايات المتحدة والخارج في الوقت الذي ترمي فيه الاعتبارات الأمنية الرمل في حركة الاقتصاد المعاصر.
ما الذي يحدث هنا هل نرى بداية "صدام حضارات" تستمر لعقود تضع الغرب في مواجهة الإسلام المواجهة التي تمتد بوحشية من المستنقع الأفغاني لتصل تدريجيا إلى مناطق أوسع من العالم؟ هل ستتحول التكنولوجيا ذاتها التي بدت وكأنها تعزز الحرية كالطائرات وناطحات السحاب ومختبرات الأحياء ضدنا بأساليب لن تستطيع في النهاية وقفها؟ أم أن المواجهة الحالية ستتراجع ويعود العالم القديم ذو الاقتصاد العالمي المتداخل إلى وضعه فور الانتهاء من أسامة بن لادن وطالبان وطي صفحة شبكة الإرهاب؟
قبل 1. سنوات جادلت بأننا بلغنا "نهاية التاريخ" ولم أعن بذلك أن الأحداث التاريخية قد تتوقف لكن ما عنيته هو أن التاريخ الذي يفهم على أنه تطور المجتمعات الإنسانية من خلال أشكال مختلفة من الحكومات قد بلغ ذروته في الديمقراطية الليبرالية المعاصرة ورأسمالية اقتصاد السوق . إن وجهة نظري هي أن هذه الفرضية ما زالت صحيحة رغم الأحداث التي تلت 11 سبتمبر فالحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطية المتطورة ستبقى القوة المسيطرة في السياسة الدولية والمؤسسات التي تجسد مباديء الغرب الأساسية في الحرية والمساواة ستستمر في الانتشار عبر العالم إن هجمات 11 سبتمبر تمثل حركة إرتجاعية عنيفة يائسة ضد العالم الحديث الذي يبدو وكأنه قطار شحن سريع لمن لا يريد ركوبه.لكننا بحاجة لأن ننظر بجدية إلى التحدي الذي نواجهه . وذلك لأن وجود حركة تملك القوة الإحداث خراب هائل في العالم الحديث حتى وإن مثلت عددا قليلا من الناس فحسب يطرح أسئلة حقيقية حول قدرة حضارتنا على البقاء . والأسئلة الأساسية التي يواجهها الأمريكيون وهم يزحفون باتجاه هذه "الحرب" على الإرهاب هي ما مدى عمق هذا التحدي الأساسي
وما نوع الحلفاء الذين نستطيع تجنيدهم؟ وما الذي ينبغي علينا عمله للتصدي له .
يجادل صامويل هانتينغتون عالم السياسة البارز في هذه الصفحات بأن المواجهة الحالية قد تتحول إلى "صدام حضارات" وهي إحدى المواجهات التي تنبأ قبل عدة سنوات بأنها سترهق عالم ما بعد الحرب الباردة وفي الوقت الذي تؤكد فيه إدارة بوش عن حق بأن النضال الحالي هو ضد الإرهاب وليس حربا بين الغرب والإسلام فإن هناك مسائل حضارية واضحة تلعب دورا فيه .
ولقد نزع الأمريكيون للاعتقاد بأن المؤسسات والقيم الديمقراطية والحريات الشخصية وسلطة القانون والرخاء المستند إلى حرية الاقتصاد تمثل تطلعات لا بد أن يشاطرهم فيها الناس حول العالم في النهاية إذا توافرت لهم الفرصة وهم ميالون للظن بأن المجتمع الأمريكي له جاذبيته للناس من جميع الثقافات . ويبدو الملايين من المهاجرين من بلدان في أنحاء العالم كله الذين يتذمرون من بلدانهم ويودون الانتقال إلى امريكا وغيرها من المجتمعات المتقدمة وكأنهم يشهدون على هذه الحقيقة.
لكن أحداث ما بعد 11 سبتمبر تتحدى هذه النظرة فمحمد عطا والعديد غيره من الخاطفين الآخرين كانوا أناسا متعلمين عاشوا ودرسوا في الغرب . ولم يستطيع الغرب إغرائهم بل إن النفور مما شاهدوه كان لدرجة أنهم كانوا راغبين بالانقضاض بالطائرات على بنايات وقتل الآلاف من الناس الذين كانوا عاشوا بينهم والقطعية الحضارية هنا كما هي بالنسبة إلى أسامة بن لادن وأتباعه من الأصوليين الإسلاميين قد تبدو كاملة هل قصر النظر الحضاري لدينا يجعلنا نظن أن القيم الغربية هي قيم عالمية محتملة
هناك في الحقيقة أسباب للاعتقاد بأن القيم والمؤسسات الغربية تلقى قبولا كبيرا لدى الكثير من شعوب العالم غير الغربية إن لم نقل جميعها . وهذا لا يعني نفي العلاقة التاريخية بين كل من الديمقراطية والرأسمالية مع المسيحية أو حقيقة أن الديمقراطية تملك جذورها الثقافية في أوربا فكما أشار الفلاسفة من أليكسيس دي توكوفيل وجورج هيجل إلى فريدريك نيتشه، فإن الديمقراطية الحديثة نسخة علمانية للمبدأ المسيحي في المساواة الإنسانية عالميا.
إلا أن المؤسسات الغربية كالأساليب العلمية، التي وإن كانت قد اكتشفت في أوربا فإن لها تطبيقات عالمية . فهناك آلية أساسية تشجع على لقاء طويل الأجل يتجاوز الحدود الثقافية اقتصاديا في المقام الأول والقوى ومن ثم في عالم السياسة وأخيرا (وفي المقام الأبعد) حضاريا وما يدفع هذه العملية إلى الأمام في المقام الأول هو العلم الحديث والتكنولوجيا التي تعتبر إمكاناتها على خلق الثروة المادية وسلاح الحرب هائلة إلى الحد الذي يوجب على المجتمعات الأخرى أن تقدم على التفاهم معها . إن تكنولوجيا الموصلات أو الطب العضوي لا تختلف بالنسبة إلى المسلمين أو الصينيين عما هي عليه للأمريكيين والحاجة لاستيعابها تتطلب تبني مؤسسات اقتصادية معينة تشجع النمو كالأسواق الحرة وسيادة القانون . وتزدهر اقتصاديات الأسواق التي تقودها التكنولوجيا الحديثة استنادا إلى الحريات الفردية أي نظام يقوم فيه الأفراد وليس الحكومات أو رجال الدين على اتخاذ القرارات المتعلقة بالأسعار أو نسب الفائدة.
وبدوره ينزع النمو الاقتصادي نحو إنشاء ليبرالية ديمقراطية ليس بصورة حتمية ولكن غالبا ما يحدث ذلك بقدر يجعل العلاقة بين النمو والديمقراطية أحد "قوانين" العلم السياسي القليلة المقبولة عامة فالنمو الاقتصادي يولد طبقة وسطى لها حقوق ملكية ومجتمعا مدنيا معقدا وحتى مستويات تعليمية أعلى للمحافظة على القدرة على التنافس وتخلق هذه العوامل مجتمعة أرضا خصبة تنمو فيها مطالب المشاركة السياسية الديمقراطية التي تأخذ شكلا مؤسساتيا ضمن الحكومات الديمقراطية في نهاية المطاف.
والحضارة المعتقدات الدينية والعادات الاجتماعية والتقاليد الثابتة هي الحلقة الأخيرة والأضعف في مسلسل التحول والمجتمعات تمقت التخلي عن القيم التي تدق جذورها عميقا وسيكون من السذاجة الشديدة الظن بأن الثقافة الأمريكية الشعبية مهما كانت درجة إغرائها ستسود العالم قريبا . والحقيقة أن انتشار ماكدونالدز وهوليوود حول العالم أشعل سخطا عارما ضد أسس العولمة المنتظرة.
وبينما تبقى الفوارق الثقافية في المجتمعات المعاصرة فإنها تميل لأن توضع في صندوق منفصلة عن السياسة وتنسب إلى عالم الحياة الخاصة والسبب في ذلك بسيط إذا كانت السياسة ترتكز على شيء كالدين فإنه لن يكون هناك سلم اجتماعي لأن الناس لا يستطيعون الاتفاق على القيم الدينية الأساسية إن العلمانية هي تطور حديث نسبيا في الغرب كان الأمراء والرهبان والمسيحيون يفرضون المعتقدات الدينية على رعاياهم ويلاحقون المعارضين وقد نشأت الدول الديمقراطية العلمانية الجيدة نتيجة الصراع الديني الدموي في أوروبا في القرنين الـ 16 وال 17 حين ذبحت المجموعات المسيحية بعضها بعضا دونما رحمة وقد أصبح الفصل بين الدين والدولة أحد مكونات الحداثة المعاصرة بالضبط بسبب الحاجة للسلم الاجتماعي وهي أطروحة مذهلة جادل بها الفلاسفة من أمثال هوبز ولوك ضمن تقليد عظيم وصل ذروته في إعلان الاستقلال والدستور الأمريكي .
ويقترح منطق الحداثة الأساسي هذا أن القيم الغربية ليست نتاجا حضاريا اعتباطيا للمسيحية الغربية لكنها تجسد مسارا عالميا أكبر والسؤال الذي نحتاج لطرحه عندئذ هو هل هناك ثقافات أو مناطق في العالم ستقاوم أو تثبت أنها منيعة على عملية التحديث؟

سيكون من الصعب إذا نظرنا إلى آسيا رؤية عوائق حضارية أمام التحديث كان رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو يجادل بأن هناك "قيما آسيوية تدعم الاستبداد وليس ديمقراطية ناجحة . لكن السنوات الأخيرة شهدت انتقال كوريا الجنوبية وتايوان إلى ديمقراطية ناجحة مع زيادة ثرائهما وبالطبع فإن الهند أضحت ديمقراطية منذ استقلالها عام 1948 ورست أخيرا على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي قد تساعد على تخليصها من الفقر أيضا وفي أمريكا اللاتينية والدول الشيوعية السابقة في أوروبا فإن المعوقات الثقافية أقل بروزا فالمشكلة بالنسبة إليهم هي الفشل في تحقيق التحديث على الأرض بدل النقمة على الهدف ذاته وأفريقيا الواقعة جنوب الصحراء لديها العديد من المشاكل من الإيدز إلى الحرب الأهلية والحكومات الرثة لكن من الصعب رؤية كيف تمنع التقاليد الثقافية المتنوعة هناك التحديث إذا استطاعت هذه البلدان لملمة نفسها في نواح أخرى.
إن الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة ومع كل الحنكة التي تتمتع بها المجتمعات الإسلامية فإنها يمكن أن تتبجح بوجود ديمقراطية عاملة واحدة فقط (تركيا) وهي لم تشهد أي إنجازات اقتصادية مثل كوريا أو سنغافورة ومع ذلك فإنه من المهم أن نكون أكثر دقة في تحديد أين تكمن المشاكل الأساسية .

من المشكوك فيه أن يكون هنالك شيء موروث في الإسلام يجعله معاديا للحداثة فالإسلام كالمسيحية والهندوسية والكونفوشية أو أي ديانة أخرى من الديانات الكبرى أو التقاليد الحضارية عبارة عن نظام شديد التعقيد تطور بطرق متعددة مع مرور الوقت وأثناء الفترة المشار إليها أعلاه حين كانت أوروبا ممزقة بفعل الحروب الدينية كانت المذاهب المختلفة تتعايش بسلام في ظل نظام الملل العثماني وفي القرن الـ 19 وبداية القرن الـ 2. كانت هناك توجهات إسلامية ليبرالية مهمة في مصر وإيران وتركيا وأضحت جمهورية كمال أتاتورك أحد الأنظمة الأكثر علمانية في التاريخ الحديث.
ويختلف العالم الإسلامي اليوم عن غيره من الحضارات في وجه واحد مهم فهو وحده ولد تكرارا خلال الأعوام الأخيرة حركات أصولية مهمة ترفض لا السياسات الغربية فحسب بل المبدأ الأكثر أساسية للحداثة التسامح الديني واحتفلت هذه المجموعة بهجمات 11 سبتمبر لأنها قهرت مجتمعا اعتقدت أنه مجتمع فاسد في جذوره ولم يكن هذا الفساد يقتصر على الإباحية والمثلية الجنسية وحقوق المرأة فحسب كما هي موجودة في الغرب ولكنه نجم من وجهة نظرها من العلمانية نفسها وما يكرهونه هو أن الدولة في المجتمعات الغربية يجب أن تكرس التسامح الديني والتعددية بدلا من خدمة الحقيقة الدينية وبينما تجد شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية ودول المعسكر الاشتراكي السابق أو أفريقيا الاستهلاكية الغربية مغرية وتود تقليدها لو أنها فقط استطاعت ذلك فإن الأصوليين مثل الوهابيين السعوديين وأسامة بن لادن أو طالبان يرون في ذلك دليلا على الانحلال الغربي.
وعليه فإن هذه ليست ببساطة "حربا" على الإرهاب كما تظهرها الحكومة الأمريكية بشكل مفهوم وليست المسألة الحقيقية كما يجادل الكثير من المسلمين هي السياسة الخارجية الأمريكية في فلسطين أو نحو العراق إن الصراع الأساسي الذي نواجهه لسوء الحظ أوسع بكثير وهو مهم ليس بالنسبة إلى مجموعة صغيرة من الإرهابيين بل لمجموعات أكبر كثيرا من الراديكاليين الإسلاميين ومن المسلمين الذين يتجاوز انتماؤهم الديني جميع القيم السياسية الأخرى إنها الأصولية الإسلامية التي تشكل الخلفية لحس أوسع من المظالم أعمق بكثير وأكثر انفصالا عن الحقيقة من أي مكان آخر وهذا النوع من الإسلاميين هو الذي يرفض تصديق أن المسلمين كانوا متورطين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ويلقى اللوم بدل ذلك على إسرائيل وقد يشكو من سياسة الولايات المتحدة لكنهم يفسرون تلك السياسة على أنها جزء من مؤامرة أكبر على المسلمين (ناسين بشكل مناسب" أن السياسة الخارجية الأمريكية قدمت الدعم في الماضي للمسلمين في الصوم

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك