حوار الحضارات والاديان .. هل يتحول الى خديعة

 

طه محمد كسبه
 

 

(1) 

حوار الحضارات والأديان .. تلك الخديعة التي باتت تصيبنا بالغيبوبة والغثيان .. وتصيب عقولنا بالسكتة الفكرية ، وألسنتنا بالسكتة الكلامية .. وارادتنا بالشلل الرباعي .. 

(2) 

لا زلت واحدا ممن يؤمن بأن مهمة الحوار ـ أي حوار ـ ينبغي له أن يبرز الأفكار والقيم التي من شأنها توفير مناخ صداقة وسلام ، وأن يستبعد جميع مظاهر العداء في المواقف وفي التعبير عن الآراء، على ان يتوخى ، النفع المتبادل ـ بين الافراد أولا ، ثم بين الجماعات الانسانية والامم ويسعى ـ كذلك ـ في جهد مشترك مع الاطراف جميعا، للقيام بعملية حضارية كبرى، هي تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تسود المجتمعات وتعوق مسيرة التعاون والتقارب والتفاهم والحوار. بحيث يفتح الحوار المجال واسعا أمام تفاهم المجتمعات، ويؤدي الى تقارب الحضارات، ويساهم في تلاقح الثقافات، وهو ما نصطلح عليه هنا بالتفاعل الحضاري الذي يجب ان يدعم التعاون الدولي على مواجهة تحديات العصر ومشاكله والسعي لحلها.

هذا كلام جميل .. كتبته اكثر من مرة ، وناديت به في اكثر من مقال ، وذكرته في كتاب لي بعنوان " الغرب وكتابة التاريخ بدم الاخر " ـ صدر في العام 2005م . 

(3) 

لقد اقتضت هذا الحوار الحضاري ـ الذي كنت اتوسم فيه الخير ـ ضرورات عدة ، ومنذ أن أطلق بوش الأب صيحة النظام العالمي الجديد في اوائل التسعينات من القرن الماضي ، وخرج مأ أسماه صامويل هنتنجتون " بصدام الحضارات " أو صراع الحضارات .. والعالم يموج في صراع خفي ومعلن ، اتمها جورج بوش الابن حين اطلق المارد الارهابي من القمقم بتحميله مسؤولية تدمير برجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك لفصيل من التيار الاسلامي الذي تزعمه تنظيم القاعدة .. 

من يومها والعالم كله يصحو على دوي الانفجارات والتدمير والقتل والحرق والسحل ومعتقل جوانتامو واحتلال دول عربية ، والتي اسفرت عن تنامي دور الارهاب في تسميم الحياة على الارض ، بين فعل ورد فعل .. مساو له في القوة ، ومضاد له في الاتجاه .. 

أقول أن الحوار بات أمرا ضروريا لنا كبشر ، في ظل هذا التقدم الهائل في وسائل الاتصال ، واعجب اشد العجب ، كيف ان العالم وقبل هذا القرن الحالي من الزمان ، وكانت وسائل الاتصال هذه فقيرة في ادواتها وافكارها وابداعاتها ، وكان العالم يعيش في سلام .. واحترام متبادل وتفاهم مشترك .. وفي ظل ادبيات متعارف عليها .. صحيح لم تكن الحياة وردية بالكامل ، لكنها لم تكن مثلما نراها اليوم . ونعجز عن توفير الامن والامان .. والتفاهم والتواصل الحضاري المثمر الذي يبني ويشيد ويعلي من قيم البشرية والانسانية التي خلقنا عليها الله .

كنت قد كتبت الكتاب الذي اشرت اليه انفا " الغرب وكتابة التاريخ بدم الاخر " وقد خرج هذا الكتاب في سياق حوار الحضارات ، منتقدا من يقول بصدام الحضارات وانتهيت بالقول ان الحضارات لا تتصادم ، ولكنها تتكامل او تتلاقح او حتى تتواصل ، وان مقولة تصادم او صراع الحضارات هو امر من قبيل تمهيد الارض امام غزوة غربية أو اعتداء غربي ـ أو أممي ـ على الشرق ، مثل الحروب الصليبية ، وقد صدقت الى حد ما فيما قلت . حيث اصبح هذا الكتاب ـ صدام الحضارات Crash Of Civilizations " ـ الذي اعتذر عنه كاتبه فيما بعد ـ بعد فوات الاوان ، ان قامت الولايات المتحدة الامريكية ـ وكأن الحياة لم تعلمها شيئا ، بالاعتداء على كثير من دول العالم ، وانتحال شخصية شرطي العالم ، فقامت باحتلال عدد من دول العالم ، وقد غاصت اقدامها في الوحل ـ ولم تزل ـ سواء في افغانستان او في العراق او اليمن او الصومال وغيرها من دول العالم وتعيث الفساد والكراهية في العالم .. شرقا وغربا .. شمالا وجنوبا ..

غاية الحوار الذي كنا ننشده بين الشرق والغرب ، هو تواصل دول العالم ، وبدلا من ان يصبج في العالم شعوبا دنيا وشعوبا عليا ، يصبح العالم ـ حقيقة لا مجازا ـ قرية فعلية ـ وليست قرية معلوماتية تقنية ـ يشعر كل فرد فيها بالسعادة وليس بالخوف من جاره الاقوى ، ويبيت فيها كل شخص وهو آمن على حياته وحياة ابنائه وابناء وطنه ، وتعيش شعوب هذه القرية وهي تعمل لخيرها جميعا دون اطماع استعمارية من هنا او هناك . 

(4) 

لعلي هنا اشير الى فشلنا الذريع في ادارة هذا الحوار ـ وكأن مقولة سيظل الشرق شرقا والغرب غربا .. لايلتقيان ، مقولة ابدية لا سبيل الى تغييرها مهما فعلنا ـ الحوار بين الشرق ( المتخلف ) والغرب ( المتقدم ) ، والشمال ( الغني ) والجنوب ( الفقير ) ، وبالمناسبة انا لا اعترف بهذه التقسيمة الاستعمارية ، فهي من بقايا العصر الكولونالي ـ هذا الحوار الذي يتعيش من الاحداث ، والذي يجري بشكل موسمي ، لم نحقق من ورائه اي شئ .. فالمؤتمرات تعقد ، وجلسات الحوار ماتفتأ تنعقد ويخرج المتحدثون الى وسائل الاعلام ـ وتطرقع ـ فلاشات الكاميرات .. ثم لاشئ حيث يجف الحبر .. ثم نعود لطاولات الحوار .. ثم تنفض ايضا .. 

وتأتي هذه الرسوم المسيئة والافلام الوضيعة ، والهجوم غير المبرر على الاسلام ونبي الاسلام عليه الصلاة والسلام ـ دون غيرهما من الاديان السماوية والرموز الدينية الواجبة التقديس ـ تحت ذريعة حرية الابداع والرأي ـ لتعاود الكرة في كل مناسبة ومن دون مناسبة الا استفزاز مليار ونصف مليار مسلم ، وسط عالم ـ ميكافيلي الهوى ، انتهازي النزعة ، استعماري الفكر ، ليزيد من التعصب والعنصرية والعنف في العالم . 

لم تعد هناك جدوى من وراء هذا الحوار الذي لاينتهي بين الحضارات ، والديانات ، لان الحوار الصحيح والصحي ، هو حوار يجب ان يدور بين طرفين على نفس المستوى ، وبنفس الدرجة ، وان يعترف كل طرف بالاخر لا ان يحقره او يسبه او يسفه تفكيره وعقيدته ويهين هويته . 

المشكلة في هذه الحوارات التي لا تنتهي والتي نبحث عنها ، انها تتم بين شرق متدين شريف يتسلح بقوة اخلاقية وروحية عالية ، وبين غرب يستقوي بما لديه من قوة مادية زائلة لكنها مؤثرة في عالم يؤمن بالقوة المادية ، بين طرف يعترف بطرف بينما الطرف الاخر لايعترف به ، ولايراه اصلا في الجانب الاخر على طاولة الحوار ، فيصبح الوقت الذي ننفقه في الحوار ، وقت عبثي لا فائدة منه .. وتعود الكرة مرة اخرى .. لنفس الطاولة لندير حوارا لا فائدة منه . الا ان تكون احداثه مادة لتسويد صفحات الصحف ، ومبررا لوجود وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة .

(5) 

ولكي اعود الى موضوع الفيلم والرسوم ـ المسيء والمسيئة ـ فاقول ان هذه الافعال ليست وليدة اليوم ، كما انها لم تنتهي ولن تنتهي ..لانها باختصار هي نتاج سياسات تعليم ، والترهات والاكاذيب التي تنشرها هذه الاعمال ـ السفيهة ـ ليست سوى ترجمة لما تعلمه هؤلاء الناس في صغرهم في مدارسهم .. وعلى العقلاء منا ان يعودوا الى مناهج التعليم في بلاد الغرب كلها .. وليقرأوا ماذا كتبوا عن الشرق وعقائد ابناء الشرق وديانات الشرق ورموزهم الدينية .. فسوف تجدون العجب العجاب .. واسالوا المستشرقين ماذا كتبوا عنا . 

كتبت غير مرة ان معظم المستشرقين ـ الاستعماريين ـ كانوا جواسيس على الشرق ، كتبوا ماكتبوا بايحاء من زعماء الكنيسة الغربية ، وبايحاء من زعماء الصهيونية العالمية ، وبتوجيهات من اعداء الاسلام والمسلمين في عصور الظلام ليملأوا كتب الصغار بمثل ماقالوا .. 

واقول لعقلائنا ومفكرينا وساستنا .. ان اردتم ان توقفوا هذا العبث الذي يستفز جموع المسلمين .. عليكم ان تناقشوا ما كتبه المستشرقون في كتب الصغار والناشئة ومناهج التعليم التي تتحدث عن الشرق وعن العرب والمسلمين وعن عقائدنا ودياناتنا وان تعملوا على استبدالها بالحق والحقيقة .. وان تزيلوا هذه الترهات والاكاذيب التي امتلات بها كتب التعليم الامريكي والغربي في جميع مراحله التعليمية .. 

ساعتها لن تجدوا فيلما ولا رسما ولاقولا .. الا ويحترم الشرق .. ويقدر العرب ، ويوفي الاسلام حقه .  

المصدر: http://www.shbabmisr.com/com/file/002/317.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك