سؤال قبل الإجابة الشافية عليه أقول: إنه ليس بالأمر الهَيِّن بمناسبة ما أعلنته وزارة الداخلية عن إحباط تخطيطات وتكتيكات متنوعة ومُذْهِلة لخلايا تنظيمية شارك فيها (700) إرهابي معظمهم من السعوديين أُريد لها أن تنال شخصيات هامة ومنشآت مدنية وعسكرية– ولكن الله سلَّم ووقَى الوطن والمواطنين شرَّها- وإن السَّبْق الأمني الذي حقَّقه رجال الأمن في المملكة ليُذْكَر لهم ويُشْكَر على مستوى الأمن في الوطن العربي يشكره البعيد قبل القريب والمواطن والمقيم، ومع النجاح الباهِر للضربات الاستباقية من رجال الأمن للمخططات الإرهابية قبل تنفيذها، ونجد مع هذا أن عدد الإرهابيين يزداد ولا ينقص، ومخططاتهم وأضرارهم تتفاقم، وكلما قلنا: هدأت انفجرت من جديد بصورة أفظع وبعددٍ أكبر، وهذا يؤكد لكل متأمِّل وناظر ودارس أن المقاومة الأمنية وحدها لا تكفي. وأن العلاج الفكري الذي هو الوقاية لم يقدَّم بصورة كافية وصحيحة، ولابد اليوم وبعد اليوم من وَضْع النقاط على الحروف، فيقال وبصوت مرتفع يسمعه القاصي والداني:
1- إن الإرهاب في بلادنا لم ينشأ من فراغ، وإنما نشأ وترعرع في جوٍّ من التفسيق والتبديع حتى وصل إلى التكفير. إنه لن يقدم أحد على التفجير في الأفراد الآمنين وفي المرافق والمنشآت إلا وقد حُشِي فكره بالتكفير قبل التفجير.
ولهذا يتعين على العلماء ورجال الفكر والمؤسسات التعليمية والتربوية أن تعالج دعاوي (التفسيق والتبديع والتكفير) وتُضَيِّق دائرتها على الأقل بنشر روح العدل والإنصاف والتسامح وإشاعة روح الحوار والنقاش وتقبُّل الرأي الآخر ويجب عدم الاهتمام والعناية بالكتب التاريخية التي تركِّز على تلك الدعاوى؛ لأنها إجابات للأسئلة خاصة كُتِبت في فترة زمنية لا تصلح لغيرها ولا يكفي أن يقتصر العالم ورجل الفكر على الإدانة والتجريم فقط لهذا العمل التخريبي وأمثاله؛ فإن الإدانة والتجريم من حق القضاء وإنَّما واجب العالم والناصح كشف دعاوي وشبهات هؤلاء، سواء كانت دينية بَحْتة أو كان لها تعلُّق بقضايا اجتماعية وسياسية وغيرها، وعليهما– العلماء ورجال الفكر- بيان مخالفتها للدين من سَفْك الدماء واستحلال الأموال والأعراض المعصومة، وبيان ما يترتب على فاعلها والمؤيَّد لها من عقوبة في الدنيا والآخرة.
إن خفوت صوت العلماء ورجال الفكر في إصدار الفتاوى الرسمية أو الشخصية في تحريم الذهاب إلى العراق مثلاً ساعد كثيرًا في تنشيط هذا الفكر الضالّ ولو بالسكوت عنه. ولقد كشف بعض العلماء ورجال الفكر الإسلامي خطر اللبراليين والمتصوفة أكثر من كشفهم لمواقف أهل الفكر الضالّ وهو أخطر من أولئك.
2- الإرهاب نتاج الجهل الديني، والدليل على هذا أن عامة الإرهابيين الذين أحْبَطت مؤامراتهم الأجهزةُ الأمنية هم شباب دون سنِّ الثلاثين أي أنهم لم يتجاوزوا سنّ المراهقة، وتعليمهم لا يتجاوز الثانوية العامة تقريبًا، فهم لم يأخذوا نصيبًا كافيًا من العلم والثقافة، وهم جاهزون لمن يُغَرِّر بهم أو يختطفهم لمشروعه التخريبي، علاوة على أن أكثرهم يعيش البطالة ومن الناحية المالية وهم عالّة على مَن يساعدهم ماديًّا فضلاً أن يغريهم ويُغْنيهم بما يَكْفِيهم، بل ربما أوقعهم ذلك المُخْتَطِف الخبيث في جرائم المخدرات ونحوها.
وبهذا يتعين على الدولة إقامة مراكز ومناشط للشباب في الأحياء في جميع المناطق والمحافظات على مدار العام يمارس فيها الشباب هواياتهم الدينية والاجتماعية والرياضية ويفرغون فيها طاقاتهم بإشراف أساتذة مربيين موثُقين، ولا بأس أن يشارك معهم في الإشراف جهات دينية وأمنية.
3- إعلامنا على وجه الخُصُوص في جميع أجهزته الرئيسة: المسموعة والمقروءة فشل فشلاً ذريعًا في معالجة ظاهرة الإرهاب، في حين أن الإعلام اليوم سلاح خطير ومؤثِّر لا يقلُّ عن السلاح الأمني والفكري، وإنه من المؤسف أن كل ما يُقَدِّمه إعلامنا في هذا المجال هو إذاعة بيان رسمي بعد كشف خلية من خلايا الإرهاب أو ندوة وقتية أو مقال يندِّد بالإرهاب ثم سرعان ما يخفت ذلك الصوت ثم يصحو مرّة أخرى على دَوِيّ انفجارات أخرى أو ضربات استباقية لرجال الأمن أو اكتشاف لمؤامرة جديدة لأولئك الإرهابيين وهكذا دواليك.
وبهذا يتعيَّن وضع استراتيجية إعلامية وخطة طويلة المدى جاهزة لمكافحة الإرهاب.
وقد يقول قائل: إن أولئك الإرهابيين لا يسمعون للإعلام الرسمي، وأقول: إن رجال الإعلام والمسئولين فيه– لو أرادوا- لن يُعْجِزهم أن يَجِدوا الأسلوب الأمثل الذي يجعل الناس بشتى طبقاتهم وتياراتهم يتابعون البرامج في داخل المملكة وخارجها ثم إن الإعلام ليس موجهًا لتلك الفئة الضالة بقدر ما هو موجه لجمهور الأمة والشباب خاصة– لتعريفهم بدينهم وواجباتهم نحو وطنهم وأمتهم ولتحصينهم من تلك الأفكار الهدَّامة حيث إن الوقاية خير من العلاج.
4- المؤسسات والهيئات الفكرية العالمية ذات التبعية السعودية مثل (مؤسسة الفكر العربي) في بيروت وجامعة الأمير نايف ورابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها عليها مسئوليات كبيرة نحو تصحيح الفكر وتجفيف منابع الإرهاب لا سيما والإرهاب في السعودية له علاقة ببعض الهيئات والمؤسسات في الخارج. وإن كانت المؤسسات الثلاث الأخيرة قدَّمت ولا تزال تقدّم بعض دراسات وبرامج لا بأس بها عن الإرهاب وخطره والتحذير منه، وإن كان نشاط هذه المؤسسات متفاوتًا غير أن مؤسسة الفكر العربي في بيروت- ورئيسها رجل من رجال الدولة- لم تساهم في طرح هذا الموضوع في يوم من الأيام وهي مؤسسة فكرية، والإرهابُ في كل العالم- ومنه العالم العربي- فكرٌ قبل أن يُتَرْجِمَه الإرهابيون إلى حزام ناسف وقنبلة وصاروخ.. إلخ. ولا أعرف أن هذه المؤسسة دعت عالمًا شرعيًا أو داعية مسلمًا لعضويتها، اللهمَّ إلا إذا كان الذي تعنيه المؤسسة بكلمة (فكر) فكرًا لا علاقة له بالدِّين أصلاً، إن كان ذلك فأي فكر هذا، ومن هم العرب الذين لا يَدِينون بدين؟ إن نصارى العرب يَدِينون بالنصرانية ومتضررون من الإرهاب في ديارهم، وأقرب مثال حالهم في العراق ولبنان!! فماذا قدمت هذه المؤسسة للبلدين العربيين لمعالجة الفكر الإرهابي فيهما!؟
5- وإذا كانت السجون قد غصّت بأعداد من هؤلاء الإرهابيين وآخرها هذا العدد الضخم (700) وإذا كان مَن يدخل السجن أكثر ممن يخرج منه وجرائمهم متفاوتة ولا شكّ وأعداد ليست بالقليلة منهم انتهت محكوميَّتهم ومع هذا لا يزالون سجناء وآخرون لم يعرضوا على القضاء حتى الآن.. وآخرون.. وآخرون.
إن مدة بقاء السجين دون محاكمة يتعلم من خلالها الفساد والإجرام وتُوَلِّد عنده الكراهية والعداء للدولة ورجالها حتى بعد خروجه. وسيبقى متعاطفًا مع خصوم الدولة.
ونعلم أن كل سجين له في خارج السجن أهل وإخوان وربما أبناء وزوجة وأقارب ومعارف وجيران وأصحاب سيبقى كل هؤلاء متعاطفين معه ماداموا لا يعرفون جريمته ولا حكمها القضائي، فلو فرضنا أن عدد السجناء حاليًا (2000) سجين فإن كل واحد منهم له أقارب وأهل وأصحاب وأصهار.. إلخ، لا يقل عددهم عن (50) فردًا وسيبلغ عدد المتعاطفين مع هؤلاء السجناء حينئذ (100.000) فرد على الأقل كلهم ساخطون على الدولة تعاطفًا معه، وأعتقد أن هذه النسبة لا يرضى بها أي مواطن عاقل أو مسئول غيور!!
6- لقد دمّرت أمريكا وحلفاؤها العراق وجعلته مسرحًا وميدانًا للاحتراب الفكري والمذهبي والطائفي والولاءات العِرْقية قتل فيها مئات الألوف من الأبرياء من النساء والأطفال وفي العراق اختلط الحابل بالنابل حتى صار القاتل لا يدري لم يُقاتِل ولا المقتول فيم قُتِل؟! وصار العراق محلّ تَفْريخ وتدريب للإرهابيين في العالم وزرع القلاقل فيه وفي دول والجوار خاصة حتى تعددت فيه جهات وأحزاب ومنظمات القتال لا تكاد تحصى. أما ما يسمى بـ(القاعدة) فقد تشعبت هذه إلى شعب كثيرة– لا تغني من اللهب- ولكنها توقد الحطب وتشعل اللهب لقد تشعبت وتعددت ولآتها الأجنبية والعربية والفارسية وتنوَّعت مراجعها ومصادر تمويلها حتى صارت أخطبوطًا لا يُعْرف رأسه من ذيله حتى إنها وصلت أخيرًا إلى داخل فلسطين ومع هذا لا يزال كثير من الناس ومن أهل الصلاح– مع الأسف الشديد- يُحْسِنُون بها الظن مع أنها من أشدّ فصائل الاحتراب بين المسلمين وتكفيرهم.
قد يتساءل المرء إذا كان الحال كما ذُكِر فمتى ينتهي الإرهاب في بلدنا؟!
الجواب: لن ينتهي إلا إذا أخذ بأساليب العلاج الفكري قبل العلاج الأمني.
وأقترح أن تُعْقَد ندوات حوارية صريحة في جميع مدن المملكة على فترات بين رجال الأمن ورجال الفكر بعنوان « مقاومة الإرهاب بين رجال الأمن ورجال الفكر» أو : «ماذا يريد الأمْنيُّون من رجال الفكر، وماذا يريد رجال الفكر من رجال الأمن؟». والله أعلم.
المصدر: http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-42-13221.htm