عوائق التجديد في التربية والتعليم ... إلى أين ؟!

د. عبدالعزيز بن سعود العمر

 

يشير التربويان Fullan & Miles (1992) إلى أن الأنظمة التعليمية محملة بمشكلات عديدة وبأضعافها من الحلول التي لا تعمل. وحتى قصص النجاح القليلة التي تُروى في هذا الشأن تتحدث عن إنجازات تعليمية لا تتجاوز أن تكون مجرد جيوب منعزلة من الإبداع، قابلة للنمو والامتداد أو الضمور والانحسار. والمشكلة ليست في قلة خطط التجديد والتطوير، بل إنها في هذا الكم الكثير من محاولات التغيير المتناثرة والسريعة الانطفاء. وعليه، فإن السؤال الذي أصبحت الإجابة عنه أكثر إلحاحاً هو: لماذا تخفق بعض محاولات التطوير والتجديد؟

 

وقبل أن نحاول الإجابة عن هذا السؤال نود أن نشير إلى مقولة لـ Bass بشأن التجديد التربوي.. «إن المجددين الحقيقيين هم أولئك الذين يقفون يومياً على خط إطلاق النار، ومعهم أولياء أمور ورجال أعمال يثمنون الدور الذي تؤديه المدرسة، ويعتبرون أنفسهم شركاء حقيقيين في مشروع الوطن التعليمي»، وهنا ينشط سؤال آخر: كيف يرى معلمونا إمكانية حدوث التجديد؟ إنهم (أي المعلمين) يعتقدون أن التجديد لن يحدث مالم يتحقق مايلي: تخفيض نصاب المعلم إلى (20) أو (18) حصة، تخفيض عدد طلاب الفصل إلى (25) طالباً، تفعيل مشاركة أولياء الأمور بحيث لا ينتهي دورهم عند إيصال أبنائهم إلى عتبة باب المدرسة، وأخيراً، إنفاق مزيد من المال على المدارس، ودون الدخول في مناقشة رؤية المعلمين تلك، فإنه يبقى أمر ملاحظ هو أن المعلمين نادراً ما يأخذون موقفاً دفاعياً عن التعليم، بل إنهم -للأسف- يميلون إلى التقليل من إنجازاته، ألم يقل (باس): "بأن التعليم تاريخ من الشكاوى والتذمر".

 

 نعود الآن إلى السؤال حول عوائق التجديد. نعتقد بأن جزءاً من تلك العوائق يكمن فيما يلي:

 

مشكلات معقدة

 

من أهم أسباب إخفاق كثير من جهود التجديد التربوي أن الحلول التي نبحث عنها ليست سهلة المنال، وفي بعض الحالات ليست معروفة. لقد توسعت مفكرة أعمال تجديد النظام التعليمي في السنوات الأخيرة، وأصبحت غاية في التعقيد (تغير شامل في طبيعة أهداف التعليم، وتغير في القدرات والإمكانات المطلوبة من الأفراد والمؤسسات لتنفذ عملية التجديد). ولكي نحقق أفضل النتائج الممكنة علينا أن نتذكر أنه من غير المنطقي أن نتصرف إزاء هذا التعقيد في النظام التربوي كما لو كنا نستطيع مواجهته بعصا موسى. يجب أن نتبنى منهجاً يقر بأنه ليس بالضرورة أن نعرف أو نحقق كل الحلول التي نحلم بها، الأمر الذي يُبقي على استمرار التزامنا قوياً نحو التجديد مهما كانت الظروف التي يمر بها النظام التعليمي (تخوف، ترقب، يأس.. إلخ). إن الالتزام نحو التجديد أمر مطلوب خصوصاً إذا علمنا أن التجديد في النظام التعليمي (وهو نظام محافظ بطبيعته) يعتبر عملية تراكمية مستمرة (Process) وليس حدثاً (Event) ينتظرالناس وقوعه في يوم ما.

 

الرمز والجوهر

 

تبين أدبيات التغيير أن الإدارة أو الجهة التعليمية قد تتبنى مشروعات تجديد تربوية لأغراض نفعية ضيقة بدلاً من البحث عن حل عملي لمشكلات بعينها. هذه التجديدات المظهرية تحضر معها عادة مصادر إضافية (لم تكن تستخدم بالضرورة للهدف المقصود) لتعطي انطباعاً بأن إجراءات قد اتخذت (سواء تم متابعتها أم لم يتم)، إن مجرد ظهور التجديدات بحد ذاتها يعتبر كافياً لتحقيق أغراض بعض قيادات التنظيم التعليمي (تقرير فاي دلتا كابا 1992). ولا شك أن الرموز والشعارات تبقى ضرورية لتحقيق النجاح، فدورها جوهري في بلورة الصورة، وجذب اهتمام مصادر القوى السياسية والمالية. الرموز والشعارات تعطي الناس الثقة عندما يتعاملون مع أهداف غير واضحة ومواقف غامضة. وعندما تندمج الشعارات والرموز مع أعمال حقيقية مشاهدة على الأرض فإن المزيج يعطي مردوداً هائلاً.

 

ومن جهة أخرى، تخفق أحياناً جهود التجديد المدرسي؛ لأن بعض القيادات التربوية تفضل الشعار على المُنتَج نفسه. التغييرات الحقيقية تتطلب عملاً شاقاً وذكياً على أرض الواقع، وهو ماقد لا يكون في بؤرة اهتمام تلك القيادات (التقرير السابق). وترتبط التغييرات الرمزية عادة بالاحتفالات والطقوس التي يؤديها يومياً أفراد المدرسة، علماً بأنه ليس بالضرورة أن تكون التغييرات الرمزية خالية من المحتوى. وعلى الرغم من أن التغييرات لا تكون فاعلة إذا لم ترافقها رموز وشعارات فإنه من الممكن أن يتدثر التجديد التربوي بشعارات دون أن يحمل تغييراً حقيقياً يذكر.

 

حلول سطحية

 

تخفق جهود التجديد التربوي أحياناً؛ لأ%E 4 ما يبذل من محاولات لحل مشكلاته هي محاولات في غالبها ظاهرية، وأحياناً مصطنعة (1992 Fullan & miles ) والحلول السطحية تظهر غالباً في وقت الأزمات لتجعل الموقف أكثر تعقيداً، وتحدث الكارثة عندما نتصدى لمشكلات كبيرة ومهمة بمثل هذا النوع من الحلول. والتجديد في الهياكل والبنى التنظيمية يكون عادة أكثر عرضة للحلول السطحية. وتعتبر الموضة والتقليد المبتور الهوية من أسوأ المشكلات المصاحبة للتجديد التربوي. فأحياناً تجري المؤسسات التعليمية تجديداً مجاراة لغيرها (دون قناعة منها) أو استجابة لضغوط خارجية تأتي من أفراد أو جهات تحاول الاستفادة من مكاسب التجديد. وفي مثل تلك الظروف تظهر الحلول السطحية، وحتى عندما تكون تلك الحلول ناجحة فإن تنفيذها المتعجل غير المدروس يؤدي إلى فشلها.

 

نجاحات محدودة ولكن !

 

يوجد الكثير من الأمثلة على نجاح بعض خطط التجديد التي ظهرت في بعض المؤسسات التعليمية. ولا يعرف عادة مدى استمرار هذا النجاح، لكن هناك اعتقاداً بأنه لن يستمر إذا تبدلت الظروف التي ولد فيها التجديد. خطط التجديد التربوي تظهر عادة بعد جهود كبيرة ارتبطت بفرد أو ثلة من أفراد المؤسسة التعليمية، وهي جهود لسوء الحظ تختفي بمجرد أن يغادر المؤسسة التعليمية نفر قليل من الأفراد المؤثرين. ورغم أن التجديد والتغيير في النظام التعليمي هو في الأساس جهد يطلق شرارته ويصنعه ابتداءًَّ الفرد، إلا أن الفشل في تَبنِّي التجديد بعد ذلك ليكون جزءاً من بنية المؤسسة التنظيمية هو السبب في اختفاء كثير من التجديدات الرائعة. وسوف تستمر هذه الجيوب من النجاح في التآكل والاختفاء ما لم يتح لها أن تتجمع لتنضوي تحت بنى وإجراءات وقيم مؤسسية ترعاها وتدفعها لتواصل كسب مزيد من النجاح.

 

المصدر: بتصرف عن : باب المقال.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك