الحياة الدينية عند الموريسكيين
نذ الأبحاث التي أجراها الأب "بدرو لونغاس" في العقد الثاني من القرن العشرين عن الحياة الدينية للموريسكيين،
أصبحت الفرائض الدينية التي حافظ عليها هؤلاء معروفة لدينا جيدا، فمنها التقويم الإسلامي وفيه شهر رمضان الذي يمثل العنصر الرئيسي وهو الشهر القمرى التاسع وخلال ذلك الشهر يجب على كل مؤمن أن يهتم بصورة أكبر بالصلاة والصوم، حيث كان الموريسكيون يمسكون عن تناول الطعام خلال النهار، ثم يتناولون وجبة فقط أو ربما وجبتين منذ غروب الشمس حتى طلوعها، وهاتان الوجبتان كانتا عادة من أنواع المخبوزات التي تصنع من الزيت والجبن .
وعند نهاية رمضان يقع العيد الأول من الأعياد الأربعة الكبرى، وهو العيد الأصغر ويسمى كذلك عيد الفطر الذي هو عيد نهاية الصيام ، وتتركز أهميته في أعمال البر التي تتجلى بالتصدق على الفقراء، وفي مثل هذه المناسبة كان مسلمو غرناطة يدفعون زكاة من القمح وذلك في عصر بني الأحمر ( 1232مـ 1492 م) .
والعيد الثاني هو "العيد الأكبر" الذي يحتفل به لمدة أربعة أيام ويسمونه كذلك عيد الأضحى، وكان يطلق عليه المسيحيون عيد الخروف حيث تذبح فيه الخراف إحياء لذكرى تضحية إبراهيم بابنه. وبعد هذا العيد بأربعين يوما يحتفلون بيوم عاشوراء وهو يوم الأنبياء ويتم الإحتفال بصومه، ثم بعد ذلك بثلاثة أشهر يحتفل بيوم التوسعة، ولا نعرف أي شيء عنه. من ناحية أخرى فإن الموريسكيين كانوا يجعلون يوم الجمعة للأمور الدينية متى كان ذلك ممكنا لهم، وذلك بالصيام والصدقة والصلاة، حيث يتوجهون ظهرا لأداء الصلاة بقيادة الفقيه وهو الزعيم الروحي لهم، كما اعتادوا تغيير ملابسهم الداخلية، وكانوا يجتمعون بينهم فيأكلون ويغنون ويرقصون .
ومن المناسبات الدينية المهمة أيضا التي ترافق بعض الأحداث العائلية الرئيسية: يوم الميلاد والزواج والوفاة؛ أما بالنسبة للميلاد فالعادات المهمة هي الفضض ويعني ذلك أن يوهب الطفل لله، وعندما يكمل أسبوعا يرسل من أجل تطهيره ويكتبون على جبهته بعض الكلمات ويعلقون في رقبته الأحجبة التي تتضمن آيات قرآنية ويسمى باسم إسلامي. وتذبح بهذه المناسبة ذبيحة، ويضاف إلى هذه العادات الختان الذي يجرى في اليوم التاسع، ثم أُجل فيما بعد حتى وصل إلى العام التاسع، أما عادة التطهر فتكون عند الزواج، بالإضافة إلى أن العروس ينبغي أن تضع وردة ملونة على رأسها وتدخل بيت زوجها بقدمها اليمنى. وعند موت أحد الموريسكيين تغسل جثته بماء معطر ويلف بأحسن ثيابه ثم تقرأ بعض الآيات القرآنية ويدفن في أرض لم تزرع، ووجهه إلى الشرق وذلك في المقبرة خارج العمران، ويوضع فوق القبر ماء وخبز وبعض عناقيد العنب. وامتناعهم عن بعض الأطعمة كان أيضا لوازع ديني، ويمكن أن نختصرها في ثلاثة : عدم تناول لحم الخنزير، وعدم شرب الخمر، وعدم تناول لحم حيوان ذبح ولم يذكر اسم الله عليه أو ذبح على غير الطريقة الشرعية ...
وباختصار فإن الموريسكيين كانوا يحافظون على الواجبات التي يحافظ عليها المسلمون متى كان ذلك ممكنا من صوم وطهارة وصدقة وصلاة، وكل ذلك كانت له أهمية كبرى عندهم. وحسب مرثيديس أرينال، تحولت الحمامات إلى هوية ثقافية بالنسبة للموريسكيين، فمن الواجب على المؤمن الطهارة قبل صلاة الفجر؛ كما كان الموريسكيون يغسلون أفواههم بعد كل طعام، وماء الطهارة المعتادة يجب أن يكون نظيفا خاليا من اللون والطعم والرائحة، كما يحرم تسخين الماء بواسطة الشمس، أما الصلاة فتتضمن القيام والركوع والسجود ، وربما ظلت تؤدى إلى وقت متأخر من وجودهم في اسبانيا. حيث يمكن أداؤها سرا دون أن يراها المسيحيون ، وكذلك فقد كانوا يتداولون كتب الصلاة بطريقة سرية، وكانوا يقرءون الفاتحة كثيرا وهي السورة الأولى من القرآن. أما أصعب الفروض بالنسبة لهم فهو الحج ؛ لأنه فرض مشروط بالاستطاعة وتتم به زيارة الأماكن المقدسة في الحجاز ، ومع ذلك فقد وجدت في أراغون مخطوطة بعنوان : " قصائد رحلة حج لبوي مونثون، رحلة إلى مكة في القرن السادس عشر " ، وهي تحكى عن تلك الزيارة ، مما يعني أن الحج ـ وإن كان نادرا بينهم ـ فإنه لم يكن مجهولا. يبدو واضحا إذنً أن الموريسكيين من وجهة نظر دينية لم يختلفون تقريبا عن باقي المسلمين .
ومع تحول الموريسكيين إلى المسيحية لم تختف الشعائر الإسلامية بينهم في قشتالة وأراغون، ومنذ اللحظة الأولى أثير نقاش حول مدى صلاحية هذا التحول وما إذا كان للتعميد الإجباري قيمة. وخلال القرن السادس عشر بكامله ارتفعت أصوات تنادي بعدم صلاحية التعميد الإجباري، وكان الأسقف "بيدرو دي ألبا" يري عدم صلاحيته لسببين: الأول أنه تم بالقوة، والثاني أن شروط تسليم غرناطة الواردة في الوثيقة الموقعة من طرف المسيحيين عام 1486 وعام 1492م لم تحترم؛ ولهذا كان الراهب الفرانسيسكاني "سوبرينو" يقول : " إن عدم تحول الموريسكيين إلى المسيحية حدث بسبب أخطائنا"، وحتى الحكام أنفسهم لم يكونوا دائما متأكدين من أن لهم الحق في ذلك، وهذا واضح في ترددهم في تنصير مسلمي فالينسيا...
بالنسبة لمجموع المسيحيين الإسبان: "إن الإجبار لا ينفي الاختيار"، حيث كان المسلمون يستطيعون الإحتفاظ بدينهم الأصلي والهجرة ، لكن بما أن الأغلبية فضلت البقاء، فقد تخلت عن دينها. وإلى جانب هذا الاعتقاد العام، كان الجميع على يقين بأن التنصير الظاهري لا يكفي دون إعداد الموريسكيين له، ولقد بدأت عملية التنصير منذ عام 1501 ـ إن لم يكن قبل ذلك ـ واستمرت خلال القرن السادس عشر.
ولقد كان لهذه الجهود بعض الثمار قبل ثورة عام 1499م ـ وقد اقتصر ذلك على أقلية محدودة جدا ـ ولهذا فبعد قرار التنصير العام، استجاب الملكان الكاثوليكيان بسرعة لطلب رجال الدين في قشتالة، لإرسال جيش من القسيسين إلى غرناطة ، وربما كان هذا هو ما تضمنه القرار الملكي الصادر في مدينة "سانتا في" 24 أكتوبر عام 1500م . أما الهدف فقد كان يجب تحقيقه على أفضل الوجوه في السنوات التالية ، ولهذا فقد كان من النادر وجود كنيسة بدون قسيس في مملكة غرناطة .
لم يحدث الشيء نفسه في فالينسيا فقد تأخرت إقامت شبكة من الكنائس عشر سنوات وذلك لاستيعاب الموريسكيين بعد تنصيرهم عام 1525م ، وقد حدث هذا فعلا عندما أمر أسقف "ثيوداد رودريغو" واسمه أنطونيو راميريث بإنشاء كنائس في أماكن وجود الموريسكيين ؛ حيث ثم إنشاء 120 كنيسة ، وكانت المشكلة الكبرى في هذا الأمر هي تمويل هذه الكنائس سواء في غرناطة أو فالينسيا والتي لم تكن تملك شيئا ؛ لهذا مُنحت جزءا من العشور أو الممتلكات الخاصة بالمساجد والأحباس أو أوقاف مساجد غرناطة ، وهي عبارة عن أراض وطواحين وغير ذلك يدفع خراجها لمسجد معين. في كثير من الأحيان لم يكن ذلك يكفي واضطروا للبحث عن مصادر أخرى . وفي عام 1535م منحت إحدى أسقفيات كنائس فالينسيا 2000 دوقية لهذا الغرض .
لكن يجب أن ننبه إلى أن إنشاء كنائس في القرى والمدن ، لم يكن يعني تحقيق مجهود فعال، فالقساوسة الموزعون على قرى الموريسكيين كانوا بصورة عامة دون المستوى المطلوب ؛ بل كانوا في أغلب الأحيان بمستوى مؤسف . كانوا أفرادا مشكوكا فيهم ، أو غير مناسبين، وكان يوجد بينهم مراهقون أو متهمون من قبل محاكم التفتيش ، وكثيرا ما رفع الموريسكيون ضدهم الكثير من الشكاوى خلال ذلك القرن ، فأحيانا كان الموريسكيون يشتكون من الإبتزازات التعسفية المبالغ فيها ، وأنهم يتعرضون لذلك في كل مناسبة ، وبعض القساوسة كان يجبر الموريسكيين على التنازل عن بعض املاكهم للكنيسة ، وبعضهم الآخر يجبرهم على العمل يوم الأحد في حديقته الخاصة ؛ كما اتهم بعض القساوسة بإقامة علاقة غير شرعية مع النساء اللاتي يترددن على الكنيسة .
وأغلب هذه الشكاوى كان لها أساس حقيقي ، وقد استغرب الملك كارلوس الخامس كثيرا من نتيجة بحث أجري خلال وجوده في غرناطة عام 1526م ـ حيث غرم 60 % من القساوس، وحرم عليهم الغياب عن مناطق عملهم ، للتفرغ لإنتاج الحرير، وأن يكرسوا كل وقتهم للقيام بمهام رعوية .
نقلاً عن كتاب "تاريخ الموريسكيين: مأساة الأقلية"، بتصرف. تأليف دومينغيث أورتيث، ترجمة عبد العال صالح