راهب يعارض طرد الموريسكيين

توجد بأرشيف كتدرائية إشبيلية وثيقة في شكل رسالة موجهة من أسقف إشبيلبية "بيدرو باكا دي كاسترو" إلى الملك فيليب الثالث، بتاريخ 24 يناير 1610، يعبر من خلالها عن رفضه لقرار طرد الموريسكيين، وفيما يلي نص الرسالة:

 

"سيدي، لقد أعلن في هذه المدينة قرار ملكي لصاحب الجلالة، وذلك لإخراج الموريسكيين. وقد أحدث ذلك أسفاً وشفقة لأنه يبدو أن ذلك القرار العام جداً يشمل أبرياء، وأخاف أن يمثل ذلك خطراً على ضمائر بعضهم. ومن المرجح أن كل شيء يتم بعد الأخذ في الاعتبار المشاورات التي تتم دائما. وأنا باعتباري راهباً فإن هذا يحزنني ويؤلمني، وأرغب في إنقاذ الضمائر، وهذا يعطيني الشجاعة في كتابة هذه السطور.

 

إن الهدف الرئيسي وسبب هذا القرار الملكي ليس معاقبة جرائم، وإنما انطلاقاً من رحمة صاحب الجلالة، فقد قرر إبعاد هؤلاء الناس، وتجنب الخطر الذي يمكن أن يأتي منهم. وبالنسبة للموريسكيين الذين يقيمون في هذه المدينة يبدو أنه لا يوجد منهم أي خطر لأنهم قلة، فقد تم إخراجهم جميعاً في الثورة الماضية من هنا، وبقي القليل وهم أناس مستضعفون ولا يمثلون جزءاً من أي شيء.

 

كذلك لا يشكل خطراً النساء من جميع الأعمار، ولا الرجال الذين يزيد عمرهم عن 70 عاماً حيث لا يستطيعوا أن يشاركوا في أعمال الشغب أو حمل السلاح.

 

أما النساء الموريسكيات المتزوجات من مسيحيين قدامى فأبناؤهم من المسيحيين القدامى وكذلك أباؤهم وأجدادهم وأحفادهم. إن هؤلاء النساء على الرغم من أنهن موريسكيات، يجب أن يتمتعن بالإمتيازات نفسها التي لأزواجهن وآبائهن. لقد تزوج أزواجهن بتصريح من صاحب الجلالة، وفقاً لقوانينه وقوانين الكنيسة المقدسة. لماذا ترغبون في أخذ زوجاتهم منهم، ومن يستطيع أن يفعل ذلك؟ وإذا ذهب أي منهم حتى وإن كان موريسكياً متزوجاً من مسيحية قديمة فإن هذا سيحطم الأسرة. ثم بعد ذلك يبدأ الشك والتساؤل حول مدى صحة هذا الزواج، وذلك لأنه زواج مع اختلاف الملة، ثم بعد ذلك تأتي أضرار أخرى كثيرة.

 

أما بالنسبة للأطفال الصغار فلا يوجد منهم أي خطر، إلى أين سوف يذهبون؟ وبخاصة أولئك الذين ليس لهم آباء أو أمهات. في أي مكان سوف يتحولون إلى عبيد ويفقدون الإيمان والدين. إن عمرهم لا يتحمل العقوبة، فهم ليسوا بمجرمين ولم يجرموا. وحول الأطفال يوجد اعتبار آخر خطير جداً. فلو افترضنا أن تلك القرارات الملكية تفترض أنه إذا كان الآباء مسلمين وأبناؤهم تم تعميدهم هل يتركوا لآبائهم أم يؤخذوا منهم؟ إنه موضوع خطير جداً.

 

وإن من بين الرجال المشهور عنهم أنهم موريسكيون وأحفاد لموريسكيين، يوجد البعض الذين أعطوا أدلة وبراهين تدل على أنهم مسيحيون. وبين الكثير من هؤلاء من المؤكد وجود البعض الذين على هذه الصفة، حيث يؤمنون بالأسرار المقدسة، ويربون أبناءهم على الفضيلة ويلحقونهم بمراحل التعليم. وإن جلالتكم تجود عليهم بفضلك وتجعلهم موضع رعايتك فتقبلهم في المراتب المختلفة في الكنائس. ولقد قبلت أنا بعضهم في بعض الجماعات الدينية بعد أن تحققت بدقة من نشأتهم وعاداتهم، وأحد هؤلاء يعلِّم الناس أمور الدين علناً في جامعة هذه المدينة. ولا يبدو، ولا يصدق أن يكون هؤلاء قد تآمروا أو وافقوا على الثورة. الآن في هذا القرار تتم معاقبتهم ويطردون ويستولى على أموالهم. ماذا سنفعل بهؤلاء الذين انتموا إلى تلك الجماعات الدينية وهم نماذج للفضيلة، والذين بفضل صاحب الجلالة وإنعامه يمكن أن يكونوا مفيدين في اعتناق أهليهم للمسيحية؟.

 

وهناك آخرون خدموا في الثورة الماضية، تركوا أهلهم وخدموا صاحب الجلالة بصورة واضحة، ولهذا سمح لهم صاحب الجلالة بالبقاء في هذه المملكة وترك لهم أموالهم. وقد أفاد هؤلاء دائما وبقوا مخلصين عندما تمرد كل أهل المملكة على الرغم من أنهم كانوا وسط النيران مع أهليهم ولا يمكن أن يصدق أن يتمردوا الآن وهم بيننا بمفردهم.

 

وتحتاج هذه المملكة والمدينة لخدمات بعضهم وهنا يقدمون خدمات لكل إسبانيا وممالكها، وإنه نظراً للحاجة إليهم وعلى الرغم من أنهم قد اشتركوا في الثورة، فقد وافق صاحب الجلالة وأبقاهم في هذه المدينة، ومنهم اليوم أرباب مهن عامة يجيدها الموريسكيون فقط، ومن الواضح أن المداخيل الأميرية والمعاملات سوف تتضرر كثيراً إذا تم إخراج هؤلاء، حيث ستتوقف تلك المهن التي لا يجيدها المسيحيون القدامى ولا يجتهدون فيها. وسوف تتضرر المداخيل الأميرية بصورة كبيرة ثم بعد ذلك المداخيل الأخرى.

 

لقد أبدى صاحب الجلالة صورة الرحمة التي استخدمها مع هؤلاء الناس في أثناء التمرد في هذه المملكة عام 1570، حيث تمردوا وحملوا السلاح ورفضوا التعميد والإيمان والدين. وقد تم التغلب عليهم بقوة السلاح وتمت مصادرة أموالهم ومحالهم للتاج الملكي. في تلك المناسبة استخدم صاحب الجلالة الرحمة مع كثير منهم ووسعهم بعطفه، وقد ترك الكثير منهم الآن في فالنسيا. ولدينا كلنا أمل كبير في أن نتمتع بتلك الرحمة التي استخدمها في غرناطة.

 

إن الأجل الذي حدد ليخرج فيه هؤلاء يعتبر قصيراً، ولا يعطيني الفرصة لتصحيح أخطاء هذه المسودة؛ لهذا أتوسل إلى صاحب الجلالة أن يعفو عني، وأن يقبل رغبتي التي تسعى دائماً إلى خدمته والنصح له.

 

أدعوا الله أن يحمي صاحب الجلالة، وأن يرفع ذكر شخصه الكاثوليكي، ولما كنت أنا خادمه فأنا أتوسل إليه".

 

 

عن "تاريخ الموريسكيين مأساة أقلية" ، بتصرف، دومينغيث أورتيث، برنارد فينسينت، ترجمة عبدالعال صالح

المصدر: http://www.andalusite.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=305%3A2012-04-03-09-07-44&catid=24%3A2011-03-29-00-38-45&Itemid=14

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك