نظرات في حوار الأديان

للأستاذة الدكتورة الفاضلة : أمينة الجابر

ü لا يختلف اثنان على التأكيد على أهمية دور الدين في بناء الإنسان المتكامل نفسياً وعقلياً وجسمياً.. وأنه خليفة الله في أرضه لعبادته سبحانه، وإعمار الكون والمساهمة في رقي الإنسان وتقدم حضارته الإنسانية وفق منهج الله.

 

ü كما أننا لا نختلف على أن الديانات السماوية أصلها واحد وأنها جميعاً دعت إلى وحدانية الله عز وجل وتفرده سبحانه بالعبادة.. وأنها على أصولها جاءت للرقي بالإنسان وإثبات حقه بالحياة الفضلى القائمة على التعاون والاخاء والمساواة والسلام والمحبة والوئام لإعمار الأرض وتعزيز الحضارة الإنسانية.

 

ü كما أننا لا نختلف بأن الحوار لغة العقلاء وهبة من الله عز وجل لخلقه ليسود الحب والاحترام بين البشر وتنفتح الديانات على بعضها كما أرادها الخالق عز وعلا لتعزيز مسيرة التفاعل الحضاري لإسعاد البشرية.

 

ü هذه المسلمات عندنا نحن المسالمين.. نحترمها ونقدرها ونعمل على التأكيد عليها في كل المناسبات وعلى كل المستويات فليست لدينا اشكاليات تجاه الديانات الأخرى وأتباعها بدليل انهم يعيشون في المجتمعات الإسلامية منذ المجتمع الأول في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى يومنا هذا مكفولة لهم كل الحقوق المادية والمعنوية والدينية، كما أننا لا نجهل هذه الديانات لنعمق معرفتنا بها.. فحتى أطفالنا منذ نعومة أظفارهم يعرفون أن الإيمان بجميع الكتب السماوية وجميع الأنبياء ركن من أركان العقيدة لا يتم الإيمان إلا بها.

 

بالرغم من أن الحوار الذي يقصدونه ليس هو حوار الأنبياء وإنما هو مظهر من مظاهر التعددية الدينية التي يعيشها الغرب، وقد بدأته الكنائس النصرانية ثم انضمت اليهم الأديان الأخرى حتى أصبح حركة عالمية نشطة خلال مائة سنة من تاريخه، لها مجالسها ومؤتمراتها العلمية ومراكزها الدراسية في الجامعات، وإذا وجد له موطئ قدم في ديارنا فانما يقصد به التبشير بهذه الديانات.. وليست أدل من ذلك حرصهم على بناء الكنائس في بلاد تدين كلها بالإسلام.

 

ü والأسئلة التي تلقي بظلالها علينا.. من خلال محاور وأهداف هذه المؤتمرات..

 

ـ ما القواسم المشتركة بيننا وبينهم حتى نصل إلى القاسم المشترك الذي نبدأ منه الحوار؟

 

ـ هل يتعاملون معنا بشفافية وصدق كما نفعل نحن؟ أم بمنطق الاستعلاء والتكبر «ليس علينا في الأميين سبيل»؟

 

ـ هل يعززون ثقافة الحوار معنا بمبدأ «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم» أم بمبدأ من صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه ازارك.

 

ـ وهل موروثاتنا التاريخية المعتمدة على القرآن والسنة تمثل حقيقة عقبه التفاهم المشترك بيننا وبينهم؟ أم تمثل الركن الركين للأمة في مواجهة التنصير والتبشير والعلمانية التي يأتوننا بها؟

 

ü إن الحديث عن الحاجة إلى الحوار بين الديانات أملاً في التقريب بين الرسالات تمهيداً لتوحيد الاتباع في دين واحد يجمع بينهم «الإسلام ـ المسيحية ـ اليهودية» لن يكون.. مهما جند لذلك من هيئات ومؤسسات، وأنفق في ذلك من أموال تحت مسمى الإيمان بوجود إله خالق.. ورغم ما ينفق ويبذل من جهود ضخمة لإنجاح هذه المؤتمرات والندوات إلا انها سترجع خائبة خاسرة، لانه لا يمكن حدوث تقارب حقيقي إلا إذا اعترف أهل الكتاب بدين الله الذي هو الإسلام، كما قال سبحانه وتعالى «ان الدين عند الله الإسلام» «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه».

 

أما ما يحدث من حوارات إعلامية فإنها تبعد المسلم عن دينه، حتى يكاد يخرج منه ولا تدخل الكافر في دين الإسلام.. وتبقى الهوة سحيقة بينهم.

 

والذي ينبغي فعله هو العمل على تقريب وجهات النظر بين العاملين لدعوة الإسلام لأنهم جميعا يتوحدون عند أصول العقيدة وأركان الإسلام.. ولا ننشغل بالحوار مع الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى إلا بدعوتهم للإسلام لان الخلاف الذي بين الإسلام وغيره من الديانات الأخرى لهو خلاف في النظر إلى أصل الدين.. في وحدانية الله عز وجل.. والعبودية له وحده سبحانه دون غيره.. وفي الإيمان بكتبه ورسله جميعاً.. وفي حق الشعوب أن تعيش بسلام ووئام دون اعتداءات وانتهاكات للأعراض وسلب للأموال والأوطان.

 

ü فهل هذا متحقق مع أهل هذه الديانات التي نسعى للحوار معها؟!

 

إن الحوار مع هؤلاء القوم ليس وليد اليوم وانما قد بدأ منذ أكثر من الف وأربعمائة عام وكان المحاور الأول ـ نبي الأمة ـ محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. ألم يدعهم للحوار منذ ذلك الحين للاتفاق على قاسم مشترك في قوله تعالى:

 

«قل يا أهل الكتاب، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله، فإن تولوا، فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون»

 

آل عمران ـ 64.

 

بدأ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحوار معهم بناء على أمر الله ـ والخطاب لأمته من بعده ـ بدعوة أهل الكتاب وهم أهل التوراة والانجيل «إلى كلمة سواء» أي كلمة عدل بيننا وبينكم ـ ألا تحبون العدل وتطالبون به وتتشدقون بأنه قيمة إنسانية عالمية؟

 

والكلمة العدل هي ـ عبادة الله وحده ـ فهل تعبدون الله وحده حتى تكون هناك نقطة التقاء «بيننا وبينكم» «ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً».

 

إذن.. لنلتقي على قاسم مشترك ـ وحدانية الله ـ ونبرأ من كل معبود سواه «ولا نشرك به شيئاً» فهل تبرأون من قولكم عزير ابن الله أو ا لمسيح ابن الله أو الله ثالث ثلاثة... الخ الدعاوى التي لا يستسغيها عقل راشد، ولا قلب واع، ولا فكر ناقد، ولا منطق سليم.. وأنتم تدّعون الموضوعية والعقلانية والحيادية والشفافية.

 

إن وحدانية الله سبحانه هي التي جعلت موريس بوكاي ذلك الطبيب الفرنسي يقول:

 

«كان شعوري الفطري بوحدانية الله يحول بيني وبين الإيمان بعقيدة التثليث، وبالتالي بعقيدة تألية عيسى المسيح».

 

وهو ما أكده العالم الهولندي في تاريخ الأجناس البشرية «بأن الإيمان بوجود إله واحد، له السلطان المطلق فكرة تقتنع بها كل العقول المفكرة، وأنه ـ الله ـ الذي يحتاج اليه الخلق جميعاً، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد».

 

ثم بعد الدعوة لوحدانية الله.. العمل على تطبيقها كيف؟ «ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله».

 

أي لا يدين بعضنا لبعض بالطاعة العمياء ويعظمه بالسجود له كما يسجد لربه وخالقه، ويكون وصيا على عباد الله بيده صكوك المغفرة والجنة.

 

وهذا ما جعل ذلك الطبيب يقول: «كنت لا أستسيغ دعوى القساوسة الكاثوليك أن من سلطانهم مغفرة ذنوب البشر نيابة عن الله».

 

والعالم الهولندي يقول: «الصلة بين خالق الكون ومخلوقاته التي ميز الإنسان عليها صلة مباشرة، فلا يحتاج المؤمن إلى وساطة، كما لا يحتاج الإسلام إلى كهنوت.. إلخ»

 

وهي التي جعلت عالم الاجتماع البولندي «كثير الريب في العقائد المختلفة التي تدعو إليها الكنيسة الرومانية، ولم يكن باستطاعته أن يؤمن بالثالوث المقدس، ولا بتحويل القربان إلى لحم ودم المسيح، ولا في وساطة القساوسة بين الناس والله، ولا في تنزيه البابا من الخطابا، ولا مستسيغا عبادة السيدة مريم أو القديسين أو التماثيل.. إلخ».

 

لكن.. بعد دعوة الله سبحانه لهم بعبادته وعدم الاشراك به بمحاورة الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم» لهم.. هل أجابوه؟! كلا بل.. بالعكس.. تولوا عن محاورة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ودعوته لهم بالتوحيد.

 

يقول سبحانه «فإن تولوا» وهذا هو الواقع.

 

وهذا هو موقفهم من الحوار.. فقد أعرضوا عما دعاهم اليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكلمة السواء.. افتطمعون أن يجيبوكم إلى الحوار ويستمعوا لكم وهم قد أعرضوا عن نبيكم ولم يستجيبوا لدعوته.

 

وصدق الله: «أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون». البقرة ـ 75.

 

وما داموا لم يجيبوك يا محمد ــ وأنت رسول الله ـ ومن بعدك أتباعك المؤمنون «فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون» أي موحدون لله، مخلصون له العبادة، فهو إله واحد لا شريك له، وقولوا لهم: إننا لن ندع اسلامنا.. وخضوعنا التام لربنا عز وجل وانقيادنا لنهجه، ولن نقبل بغير الإسلام بديلا.

 

ü إذن.. لا يوجد بيننا قاسم مشترك واحد.. هناك خلاف جذري بيننا وبينهم، بين عقيدتنا وعقيدتهم، نحن موحدون بالله، وهم مشركون، يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله.

 

نعم إن الديانات السماوية أصلها واحد.. وهي وحدانية الله عز وجل.. لكن هل ثبتوا على هذه الوحدانية.. أم حرفوا وبدلوا وتقولوا على الله وأنبيائه.. يؤكد الله عز وجل هذه الحقيقة بقوله: «وقالوا اتخذ الله ولدا، سبحانه، بل له ما في السموات والأرض، كل له قانتون». آل عمران ـ 6.

 

كان أصحاب هذه الديانات مؤمنين حقاً في زمن أنبيائهم حتى بعثة محمد «صلى الله عليه وسلم»، تقبل ديانتهم تلك وإيمانهم في وقتها، فكان إيمان اليهود «التمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام» فمن انحرف عنهما ولم يتبع عيسى عليه السلام حين بعث ليمدهم إليهما مع شرائع جديدة كان هالكا.

 

وكذلك النصارى من تمسك بالإنجيل الحق وشرائع عيسى عليه السلام كان مؤمنا مقبولاً منه حتى مجيء سيدنا محمد «صلوات الله وسلامه عليه».. فمن بلغته دعوة محمد ورسالته ولم يتبعه من النصارى كان هالكا.

 

فما موقفهم من نبينا محمد «صلى الله عليه وسلم».. وهل آمنوا به وبرسالته.. كما نؤمن نحن بجميع الأنبياء وسالاتهم؟

 

يقرر القرآن الكريم.. أن أهل الكتاب يعرفون محمداً «صلى الله عليه وسلم» كما يعرفون أبناءهم بنعته وصفته يقول سبحانه: «الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون». البقرة ـ 146.

 

«الحق من ربك فلا تكونن من الممترين» الآيات 147.

 

وهذا ما أكدته السنة النبوية الشريفة..

 

روى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال: قلت يا رسول الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام».

 

وروى أن عيسى بن مريم قام خطيباً في بني إسرائيل حيث قال: «إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد».

 

ويروى عن عمر أنه قال لعبدالله بن سلام ـ وهو من أحبار اليهود قبل إسلامه ـ أتعرف محمداً كما تعرف ولدك؟ قال: نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين من الأرض بنعته، وإني لا أدري عن ولدي ما كان من أمه.

 

ü فهل اعترف أصحاب هذه الديانات بنبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورسالته؟.. فضلاً عن اتباعه.. ونحن نستقبلهم ونكرمهم كل عام، ونتحاور معهم في عقر دار محمد «صلى الله عليه وسلم» وبين أتباعه.

 

إن الله عز وجل قد أغنانا عن البحث عن الإجابة فقد كشف سوء نياتهم.. فهم يتولون عنك اذا دعوتهم لوحدانية الله.. وأنهم «ليكتمون الحق» عن الناس ما في كتبهم من صفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ «وهم يعلمون» أي عن معرفة وعلم وتحقق صدق الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» في دعوته ونبوته.. ولذلك ثبته الله بقوله «الحق من ربك فلا تكونن من الممترين».

 

ويبين الله عز وجل لأهل الكتاب. أنهم إذا لم يؤمنوا بمحمد «صلى الله عليه وسلم» ورسالته.. فليسوا على شيء ولا يقبل منهم عملهم.. يقول سبحانه: «قل يا أهل الكتاب لستم على شيء، حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم» أي القرآن. أي إذا اقمتموهما حق الإقامة وآمنتم بها حق الإيمان وصدقتم ما فيها من نبوءات الوحي بمبعث محمد «صلى الله عليه وسلم» ونعته وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: «الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل»

 

فهل أطاعوا الله سبحانه.. بل كتموا ذلك وكذبوا رسوله وحاربوه؟ ولذلك لعنهم الله وأضلهم بكتمانهم وكفرهم وعتوهم وعنادهم وتحريفهم خوفا على رئاستهم وخشيتهم من أن يتبعه الناس ويتركونهم.. فكتموا صفة محمد التي في كتبهم التي في أيديهم بما تشهد له بالرسالة والنبوة فباعوا أنفسهم فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة.

 

أما في الدنيا: فقد أظهر الله لعباده صدق رسوله وباءوا بغضب من الله.

 

وأما في الآخرة: فلا يظلمهم الله ولهم عذاب عظيم.

 

ü أما نحن فنؤمن بجميع الأنبياء ورسالاتهم ونصدقهم، بل لا يقبل إيماننا بدون ذلك.. فالإيمان بالله وكتبه ورسله جميعا ركن من أركان عقيدتنا.. وأتباع محمد «صلى الله عليه وسلم» أطاعوا ربهم وأطاعوا نبيهم فهم يتلون ليل نهار «قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون» آل عمران ـ 136.

 

ولذا سميت أمة محمد «صلى الله عليه وسلم» مؤمنين، لكثرة إيمانهم وشدة ايقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية.

 

وهذا النعت «المؤمنين» لا ينطبق إلا على أتباع محمد «صلى الله عليه وسلم» أما غيرهم من أهل الديانات فلا ينطبق إلا على متبعي أنبيائهم في زمانهم وعهدهم قبل بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام.

 

وأهل الكتاب بعد بعثة المصطفى «صلى الله عليه وسلم» وحتى قيام الساعة لن يستحقوا هذه الصفة «المؤمنين». إلا بعد إيمانهم بمحمد «صلى الله عليه وسلم» واهتدائهم بهديه واعترافهم بنبوته واتباعهم لأمره، يقول سبحانه: فإن آمنوا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق، فسيكفيكهم الله» فلا تخشوهم بل سينصرك الله يا محمد وأمتك من بعدك ويظفرك عليهم. دون الحاجة إلى هذه المؤتمرات والحوارات الزائفة لأنها لن تغير من موقفهم شيئا ازاء وحدانية الله ونبوة رسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقديس كتابه، واحترام أمته.. ولذلك عجزت هذه المؤتمرات عن استصدار توصية تحتج على الاساءات البذيئة التي تعرض لها رسولنا الكريم وتشجب ذلك، مع أنها في عقر داره «صلى الله عليه وسلم» وبين أتباعه وأمته.

 

فعن أبي هريرة ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» رواه مسلم

 

وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ «بعثت إلى الأحمر والأسود» وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة».

 

وعن أنس: أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضوءه ويناوله نعليه فمرض، فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم «يا فلان ـ قل لا إله إلا الله» فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه، فأعاد عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول: «الحمد الله الذي أخرجه بي من النار». رواه البخاري.

 

ü إذن.. واجبنا إذا اردنا أن نعقد المؤتمرات للحوار معهم.. أن ندعوهم إلى دين الله أولاً.. ولننظر ـ هل سيلبون الدعوة للحوار أم لا؟

 

ان الله عز وجل.. قد اختصكم بخير كتاب انزل «القرآن الكريم» وبخير نبي أرسل «وهو محمد بن عبدالله» وهذا فضل لا يحد ولا يوصف بما شرفكم به من اتباع نبيكم خيرة الأنبياء والمرسلين.. وهداكم به إلى اكمل الشرائع.. فحافظوا على هذا الفضل ولا تتبعوا الهوى.. وادعوا الآخرين إلى هذا الدين وبشروا به.

 

ü ولذلك.. فإن الحوار معهم لن يؤدي إلى نتيجة لأن الفرق شاسع.. إنهم يريدون ابعادكم عن دينكم ان استطاعوا ولذا يريدون تغيير موروثاتكم التاريخية لأنها قائمة على القرآن والسنة، وطمس هويتكم الإسلامية.. لأن هذه الموررثات التاريخية لديكم تكشفهم وتبين ضلالهم وحسدهم لكم.. وصدق الله «ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون» ولهذا يحذركم الله سبحانه من طاعتهم.. فيقول: «يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب، يردوكم بعد إيمانكم كافرين.. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم».

 

وقد جاء في الحديث: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه يوما: «أي المؤمنين أعجب إليكم إيماناً»؟ قالوا: الملائكة: قال: «وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم.. قالوا: فنحن، قال «وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم»؟ قالوا: فأي الناس أعجب إيمانا؟ قال: «قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها» ثم قال: ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم».

 

ألا تحب أن تكون من هؤلاء المؤمنين؟ بل كما بشرنا نبينا.. من أعجب الناس إيماناً.

 

اذن استمسك بالكتاب والسنة.. وكن ممن قال الرسول «صلى الله عليه وسلم» فيهم: «لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله»..

 

ü أن هؤلاء القوم الذين نحاورهم ونفتح بلادنا وقلوبنا لهم ونمد أيدينا لنصافحهم.. ليسوا بصادقين معنا إن الله عز وجل قد كشف لنا مستور ضمائرهم وحقيقة مشاعرهم فقال وهو أصدق القائلين:

 

«ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم خير من ربكم»

 

«ولن ترضي عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم».

 

ومهما حاولتم من الخطوات فلا يمكن أن يحدث تقارب حقيقي، فأولئك يدعون إلى النار ودين محمد يدعو إلى الجنة، وقد أكد الله عز وجل عدم إيمانهم بنبيكم وكتابكم بقوله سبحانه: «ولئن آتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض» ويأتيك التحذير الإلهي من اتباعهم.

 

«ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين».

 

وصدق الله.

 

«إن الدين عند الله الإسلام».

 

«ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه».

 

فديننا هو الحق.. واليهود والنصارى تبع لأمة الإسلام إن كانوا مؤمنين حقا برسالة موسى وعيسى عليهما السلام، يقول عليه الصلاة والسلام «لو كان موسى عيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي».

 

فالرسول محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين إلى يوم الدين، هو الإمام الأعظم المستحق الطاعة المقدم على الأنبياء جميعا بإمامته لهم ليلة الإسراء في بيت المقدس.

 

وكذلك هو الشفيع في المحشر في اتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي التوبة إليه فيكون هو المخصوص بها صلوات الله وسلامه عليه.

 

ü فليحذر الذين يتهاونون في حق هذه الأمة وهذا الدين.. أن تصيبهم قارعة أو يصيبهم غضب من ربهم، يقول عليه الصلاة والسلام: «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، فغدا لليهود وبعد غدٍ للنصارى» ويقصد يوم الجمعة.

 

واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى واليهود بيت المقدس، فهدى الله أمة محمد للقبلة.

 

واختلفوا في الصلاة، فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.

 

واختلفوا في الصيام، فمنهم من يصوم بعض النهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.

 

واختلفوا في إبراهيم عليه السلام، فقالت اليهود كان يهوديا، وقالت النصارى كان نصرانيا، وقد جاء قبل اليهودية والنصرانية، حيث جعله الله حنيفا مسلما فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.

 

واختلفوا في عيسى عليه السلام، فكذبت به اليهود، وقالوا في أمه بهتانا عظيما، وجعلته النصارى إلها وولدا وجعله الله روحه وكلمته، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك.

 

ü ولنحذر اختلافاتهم ودعواتهم إلى التعددية الثقافية والدينية بدعوى التعايش السلمي بين الأديان تحت شعار عالم واحد للجميع.. وهذه لا يسمح بها إلا في ظل العلمانية التي تدعى المساواة بين الأديان والحيادية أثناء المناقشات.. وهي لم تستطع ان تحقق ذلك حتى بين اتباعها وطوائفها.. وتاريخهم يشهد بذلك.

 

فالتعددية الدينية الغربية نظرتها أن جميع الأديان مرآة للحقيقة، وأنها جميعها حق.. هذه النظرة تتفق ومبدأ تعددية الحقيقة الذي يُعدُّ ركنا أساسيا للتعددية الفلسفية الغربية التي ترجع في اصولها إلى الفلسفات اليونانية الوثنية، وبالتالي تعكس النظرة السائدة وسط الحداثة الغربية أن الدين يمكن إعادة تفسيره وتأويله، وتنقيته من موروثات العصور الماضية ليتواءم مع العصر الحاضر فإن جاز هذا عندهم.. ووجد قبولاً لديهم فهذا دليل شكهم بدياناتهم، ونحن لا نشك بديننا.. ولهذا فإنه لا يناسبنا نهائيا.

 

لان التعددية في الإسلام الأمر مختلف تماما إذ ان أصول أي فكرة عندنا ترجع إلى الوحي ونصوصه في القرآن والسنة.. ومن يراجعها في كتب الأقدمين والمعاصرين يجدها ملأى بالحديث عن كثير من المبادئ والقيم والتوجيهات الخاصة بذلك.. ويعتبر التاريخ الإسلامي «الذي يراد لنا نسيانه والغاؤه من حياتنا شاهداً على تنزيل هذه المبادئ والقيم إلى واقع ملموس.. حين ضم العالم الإسلامي في جنباته على امتدادها ومساحتها كما هائلا من الجنسيات والأعراق واللغات والمذاهب والآراء والمعتقدات والأديان تفاعلت كلها «تحت راية الإسلام» فصنعت الحضارة الإسلامية.

 

ü إننا اليوم بحاجة إلى احياء هذه الموروثات وبعثها من جديد واستقرائها لتنزيلها في فقه الواقع مع الاستفادة من علوم الغرب الكونية والمادية ونظمه الإدارية فيما يتفق مع مقاصد الإسلام ومصالحه العامة المنضبطة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

المصدر: http://www.aslein.net/showthread.php?t=3941

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك