حوار مع نجم الهيبز العالمي الذي تحول إلى داعية!
خالد بركات
- اتجهت إلى الإنشاد الديني لأخاطب المشاعر وأسمو فوق الماديات .
- ألبوماتي الدينية تحولت إلى أناشيد رسمية في المدارس الإسلامية .
- أرأس 4 جمعيات للتعليم وحقوق الإنسان ، وأنشأت جمعية لمساعدة المحتاجين ومدرسة إسلامية .
- ينفق على أسرته من عائد فندق صغير يمتلكه لا يقدم فيه سوى الأطعمة والمشروبات المباحة إسلامياً .
- قبلت الحكومة العراقية وساطته في حرب الخليج للإفراج عن أربعة أسرى من الجنود الإنجليز .
-----------------------------------------------------------
كات ستيفنز نجم الهيبز الذي أصبح أشهر داعية إسلامي ومنشد ديني في أوروبا والذي أطلق على نفسه اسم يوسف إسلام، كيف اعتنق الدين الإسلامي وتحول من مطرب مشهور يتمتع بكل وسائل الترف إلى داعية إسلامي يسعى لنشر تعاليم دينه.. هذا ما سنتعرف عليه من خلال الحوار التالي الذي تم على هامش زيارة سريعة قام بها إلى القاهرة..
كيف كانت بدايتك الفنية؟
عندما جئت إلى الحياة وجدت نفسي أتمتع بالترف والتكنولوجيا الحديثة، وكان كل من حولي يهتمون بالتجارة، ولذلك كانت نظرتي للأمور مادية فقط، وكنت أؤدي العبادات من منطلق أنني أحترم عقيدة عائلتي، ثم بدأت تدريجيًا الانسلاخ من الالتزام بممارسة العقائد والطقوس الدينية، وسخرت كل طاقتي للموسيقى والغناء اللذين كنت أحبهما منذ طفولتي المبكرة، وتحقق حلمي في أن أصبح مطربًا مشهورًا، وتابعت وسائل الإعلام نشاطي باهتمام بالغ منذ أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، ووصلت معظم أغنياتي (ألبوماتي) إلى قمة المسابقات العالمية، ومن أشهرها "ظل القمر" و "أحب كلبي" و "قطار السلام " و "العالم الموحش" و "أول قطفة هي الأعمق" ، وحققت ألبومات أخرى لي نجاحًا تجاريًا وأرقامًا قياسية في المبيعات، ومنها "شاي الفلاح" و "مشكلة قط معروف" ولم يكن يشغلني طوال تلك الفترة سوى الحصول على المال والشهرة والمجد مما أنساني الدين تمامًا، وبدأ المحيطون بي يقنعونني بأن هذا هو الطريق السليم، وأنه لا بد من أن أجمع الأموال بكل الوسائل الممكنة لأستمتع بالحياة، وأصبحت موسيقى البوب هي مثلي الأعلى.
كيف تحولت من حياة الغناء والصخب إلى دنيا الروحانيات؟
لقد حققت نجاحًا كبيرًا خلال فترة قصيرة، وأصبحت نجمًا عالميًا وأنا مازلت في سن المراهقة، وتحدثت عني وسائل الإعلام وتصدرت صوري أغلفة الصحف والمجلات الفنية، وكانت أغنياتي تذاع في كل أنحاء العالم، وكونت ثروة ضخمة، وأصبح لدي فائض ضخم من الأموال شعرت معه أني لا أتصف بالإنسانية، فكيف تكون لدي كل هذه الأموال ولا أساعد المحتاجين من حولي، ولذلك قربت المسافة بيني وبين الفقراء والمساكين والمحتاجين، وشعرت أن هذه التبرعات تجلب لي السعادة وتجعلني أحس بمشاعر لم أكن أعرفها مما أضفى على نفسي مزيدا من السلام النفسي والسكينة والطمأنينة، وهو ما جعلني أهتم أكثر بعالم الروحانيات وأكره دنيا الصخب والضجيج.
قلت في حديث صحفي : إن دخولك المستشفى كان له أثر كبير في تغير مجرى حياتك .. كيف كان ذلك؟
عندما فشلت في العثور على المشاعر الإنسانية والروحانيات التي أفقدها اتجهت إلى تعاطي المخدرات وإدمان الكحوليات حتى أنهكتني بشدة، وقضت على جزء كبير من طاقاتي الإبداعية كموسيقي ناجح وشاعر موهوب يكتب عددًا كبيرًا من أغنياته، وأصبت بعد ذلك بالدرن، وتطلب علاجي أن أعيش في المستشفى لفترة طويلة، في تلك الفترة وجدت نفسي إنسانا فاقد السيطرة على مجريات حياتي، ولا أتحرك إلا بأوامر الأطباء، وأصبح جسدي هزيلا للغاية، وكل هذا جعلني أعيد التفكير في أهمية الحياة، وسألت نفسي عن أهدافها، وماذا كنت أفعل طوال حياتي السابقة، وتأكدت من أن حياتي كلها كانت غير مفيدة.
وفي تلك اللحظة شعرت أن نورًا ربانيًا ورحمة من الله تصل إلى رأسي، وتساعدني على ترتيب أفكاري من جديد، وأن هناك فرصة قوية لكي أرى الدنيا بعيون جديدة.
واستغرقت فترة طويلة في البحث عن إجابات لهذه الأسئلة التي دارت في ذهني، وأبديت اهتمامًا، خاصة بالديانات الشرقية لأنها أكثر روحانية، وجذبتني فكرة الإيمان الصوفي الذي يقوم على أن المعرفة المباشرة بالله وبالحقيقة الروحية للإنسان يمكن أن تتم عن طريق التأمل أو الرؤية أو النور الباطني، والطريقة تختلف عن الإدراك الحسي العادي أو اصطناع التفكير المنطقي، وازدادت قراءاتي في الديانات الشرقية، وتملّكني خوف مزعج من الموت أوصلني إلى الإيمان بأن المشاعر والأحاسيس الرقيقة الطيبة يمكن أن تغير اتجاهات الإنسان، وأنه لابد أن يكون هناك وفاق بين الروح والجسد بعد استشعار قيمة هذه المعاني.
هل كانت فترة مرضك هي سبب ابتعادك عن لهو الدنيا وعالم الغناء واتجاهك إلى الإيمان بالله؟
بعد انقطاع طويل بسبب المرض، عاد إلي تألقي، واكتسبت مزيدا من الشهرة، ولكن كان لدي شعور غامض ظل مسيطرًا علي، وهو أن الموسيقى تحولت إلى عقبة في طريق بحثي عن الروحانيات، ووقعت فريسة تصارع نفسي داخلي حاولت إنهاءه بالاقتناع التام بإحدى ديانات آسيا الشرقية التي تقول إن الألم جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة، وفي استطاعة المرء التخلص منه بالتطهير الذاتي العقلي والأخلاقي، لكني لم أعتنق هذا الدين نتيجة خوفي الشديد من خروجي عن ديني الأصلي بالإضافة إلى تعلقي الشديد بالشهرة والنجومية، وكان خبر اعتناقي هذا الدين سيؤدي إلى اعتزالي الناس ويجعلني أعيش في صومعة، وكل ذلك لم ينتشلني من عالم الموسيقى الذي وجدت فيه متنفسًا لعرض أفكاري وآرائي الدينية فقدمت أغنية LYRICA التي تقول كلماتها "أتمنى أن أعرف كيف نذهب إلى الجنة ؟ وما الذي يؤدي إلى الجحيم؟" وقدمت أيضا أغنية "الطريق للعثور على الله".
كيف تعرفت على الإسلام؟
حتى هذه اللحظة لم أكن أعرف شيئًا عن الدين الإسلامي، وفجأة حدث لي ما يشبه المعجزة حينما زار شقيقي الأصغر ديفيد القدس، وزار خلالها المسجد الأقصى، وبهره تعلق المسلمين بهذا المسجد، وكيف أنهم يتفانون من أجله، فقرر شراء نسخة من ترجمة معاني القرآن ليمنحها لي كهدية لأنه يعرف أني أهتم بالديانات الشرقية.
وبعد أن قرأت هذه النسخة، واكتشفت مزيدا من الأشياء التي كانت تؤرقني، وعثرت على العديد من إجابات الأسئلة التي كنت أبحث عنها، مثل حقيقة الكون وأصل الوجود وتاريخ البشرية ومن أين أتينا ولماذا ؟
وهنا شعرت أن هذا هو الدين الحقيقي المليء بالأحاسيس والمشاعر البعيدة عن الفكر الغربي المادي، وأدركت أنه لا شيء أمامي إذا أردت النجاة إلا أن أكون مسلما، ثم وجدت أن ذلك صعب للغاية ما دام كل من حولي لا يعرفون شيئا عن هذا الدين الحنيف الذي يدعو إلى الرفق بالآخرين والعلاقات الطيبة بين الناس والإخاء بينهم بعيدا عن اعتبارات الدين واللون أو اللهجة والنوع.
وقررت زيارة المسجد الأقصى، وبين أركان هذا المسجد المهيب أعلنت رغبتي في اعتناق الإسلام، وبعد ذلك عدت لإنجلترا والتقيت بأخت مسلمة اسمها نفيسة، حدثتها عن رغبتي في إعلان إسلامي، فنصحتني بالتوجه إلى أحد أكبر المساجد في بريطانيا، وكان ذلك في عام 1977 أي بعد عامين ونصف من حصولي على هدية ديفيد شقيقي.
وبعد إسلامي شعرت بالراحة، وتخلصت من كل أعبائي النفسية التي لا حصر لها وأوهامي وأفكاري المتضاربة، وصار الطريق واضحا ومحددا أمامي، رغم أن كل اللذات الدنيوية التي كنت أنعم بها كانت تبرق أمام عيني، وحياتي الصاخبة كانت تجذبني بقوة، ولكني دعوت الله قائلا: إذا حفظتني يا الله سأعمل من أجلك دوما وأنذر حياتي لك وحدك".
وبعد عامين من إسلامي غيرت اسمي إلى يوسف إسلام، وتركت عالم الموسيقى للأبد، وقطعت على نفسي عهدا بأن تكون كل حياتي وتصرفاتي وكلماتي مسخرة لخدمة الدين ومحاولة نقل تجربتي للآخرين، وأخذت أحفزهم على اعتناق نفس أفكاري، ليس بالكلمات فقط إنما بتفسير القرآن والأحاديث والالتزام بتعاليم الإسلام في كل تصرفاتي حتى أكون نموذجًا مشرفًا للمسلمين، وتحولت إلى داعية يدعو المسلمين في بريطانيا لمزيد من التمسك بعقيدتهم ومساعدة من يرغبون في الهداية.
ويستطرد يوسف إسلام في حديثه عن الإسلام قائلا: الإسلام ليس مجرد شعائر تمارس، بل هو أسلوب حياة، وكل ما أستطيع قوله : إنني متأكد من أن الرسالة المقدسة بعثت من الله لإظهار دين الحق، وأن الله عز وجل وضعنا في الأرض خلفاء له وعلى قمة خلقه، ومن المهم جدا للإنسان أن يعرف أن حياته لو لم تكن في الطريق الصحيح لكانت في ضلالات وأوهام، ولا بد أن يفيق منها استعدادا للحياة الأخرى، كما أن الذي تفوته هذه الفرصة لن يستطيع إيجاد فرصة بديلة لها.
هل تستمع إلى أغانيك السابقة؟
أنا أرفض تمامًا أن يستمع أحد إلى أغنياتي القديمة -حتى أبنائي- وأفخر بتقديم نغمات وطنية لهم في أول ألبوماتي الإسلامية كمنشد بعنوان "حياة آخر الأنبياء" الذي رويت فيه القصة الكاملة لحياة الرسول، كما تضمن أغنية "طلع البدر علينا"
وصدر الألبوم الثاني عام 1997 نتيجة تأثري الشديد بمأساة البوسنة، وكان اسمه "ليس لدي مدافع هادرة " وكتبت أغنيتين من أغنياته، بالإضافة إلى هذين الألبومين سجلت عددا من الأغنيات الإسلامية للأطفال، من أشهرها "هذا من أجل الله" التي تحولت إلى نشيد رسمي في عدد كبير جدا من المدارس الإسلامية في بريطانيا.
وقدمت أغنيتين مع فريق الأناشيد الماليزي "ريحان" وهما "الله هو الفوز" و "خاتم الرسل"، وأرى أن الإنشاد الديني وسيلة صالحة لمحاربة الموسيقى الفاسدة، ومن غير الطبيعي أن نمنع الناس من الترفيه عن أنفسهم والاستمتاع بأوقاتهم، وإذا كنا نرى السوء في بعض الأشياء فعلينا مهمة توفير البديل الحلال ليستمتعوا به.
وأنا أحرص دائما على أن تكون أناشيدي الدينية على نفس المستوي الفني والتقني لألبوماتي السابقة حتى لا ينفر منها أحد، والحمد لله وزعت من هذه الأناشيد ملايين النسخ في العالم الغربي والإسلامي.
من هو يوسف إسلام؟
عرف باسم "كات ستيفنز" ولد في 21 يوليو 1948 لأب يوناني وأم سويدية ، واسمه الحقيقي ستيفن ديمتري جورجيو ، وتعددت أنشطته الدينية، فأنشأ عام 1986 جمعية للمعونة الإسلامية هي منظمة تساعد المحتاجين والعجزة المسلمين، كما تولى رئاسة أربع جمعيات خاصة بالتعليم وحقوق الإنسان، وصار واحدا من أبرز أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى في بريطانيا، وتولى مهمة تصحيح العديد من المفاهيم الغربية الخاطئة عن الإسلام.
أنشأ مدرسة إسلامية في كيل بورن شمال لندن لتعليم الأطفال القرآن والسنة وكيفية أداء العبادات الإسلامية، ونتيجة لنشاطه ومركزه فقد قبلت الحكومة العراقية وساطته أثناء اندلاع حرب الخليج، وأفرجت عن أربعة أسرى إنجليز، كما وافقت الحكومتان السعودية والكويتية على إقامة مخيمات سلام على حدودهما لفريق من دعاة السلام على رأسهم يوسف إسلام، وقام بمحاولات مستميتة لتهدئة الأجواء قبل اندلاع حرب الخليج، ونادى يوسف بعدم اللجوء إلى السلاح لأن دم المسلم على المسلم حرام، وقام بالعديد من الزيارات إلى البوسنة، وعقد العديد من الحفلات الدينية في سراييفو.
وتوقف يوسف إسلام عن الغناء لمدة عشرين عاما، وليوسف إسلام من الأبناء أربع فتيات وشاب، وهم الذين كانوا وراء اتخاذه قرارا بإنشاء مدرسة إسلامية، وصل عدد طلابها إلى حوالي 310 طلاب، ويستمر التدريس بها حتى المرحلة الثانوية، وتسهم الحكومة السعودية في دعمها ماديًا حتى تكون الدراسة فيها بأسعار مناسبة.
ويخصص يوسف إسلام إيرادات ألبوماته الدينية للإنفاق على الجمعيات الإسلامية التي يرأسها ولدعم نشاط المجلس الإسلامي البريطاني الأعلى، وينفق على أسرته من عائد فندق صغير يمتلكه لا يقدم فيه سوى الأطعمة المباحة إسلاميًا والمشروبات غير الكحولية
المصدر : عن الشبكة الأسلامية.