حوار تربوي عن عقاب الطفل
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول ضرب الأطفال، وخصوصًا عندما طرح مشروع تقنين الطفولة بتوصية من الأمم المتحدة، والذي يقضي بأن يقدم الأبناء شكاوى للشرطة ضد آبائهم إذا تم عقابهم بالضرب.
وقد أثير الموضوع على نطاق واسع بعد إقرار قانون الطفل في البرلمان المصري، وما أعقبه من كتابات ونقاشات.
ومجرد طرح هذا الأمر للنقاش تشويه للحقائق والتربية الإسلامية، وإذا كانت كثير من الأسر متحيرة الآن في كيفية الثواب والعقاب والتعامل مع الأبناء فقد كان لنا هذا النقاش مع الدكتورة صفية عبد القادر، أستاذة التربية وعلم النفس بمعهد البحوث التربوية؛ لنستفيد من علمها وخبرتها في هذا الموضوع.
* ما أهمية ترسيخ مبدأ الثواب والعقاب لدى الطفل من الناحية التربوية؟
** التربية الإسلامية ضرورة حتمية وقضية إنسانية لتخليص الطفولة من التهديد والضياع بين النظم المادية غير الإنسانية، وبين الإباحة والتدليل والميوعة، وذلك بما تغرسه في الإنسان من العزة والشعور بالكرامة وتكوين الحس المرهف، بحيث يصبح السلوك لديه نابعًا من ضميره الإنساني.
والثواب والعقاب ضرورة تربوية هامة جدًّا، لكن الاستخدام السيئ لمبادئ الثواب والعقاب يؤدي إلى إيجاد حلقة من الصراع بين المربي والطفل، ولابد من وضع ضوابط طبقًا للمنهج الإسلامي وما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وآراء علماء المسلمين حول الجانب التطبيقي لهذه المبادئ.
وعلى الذين يحملون أمانة تربية أبناء أمتنا الإسلامية ألا يذهبوا شرقًا ولا غربًا بحثًا عن نظرية أو منهج، بل عليهم أن يلتمسوا من توجيهات الإسلام ما يضيء لهم الطرق إلى أداء تلك الأمانة على خير وجه.
وإذا كان الثواب يعزز سلوك الطفل من أجل تكرار السلوك الإيجابي، فإن العقاب ضرورة لوقف سلوك الطفل غير المرغوب فيه.
* من الناحية التطبيقية، كيف تمارس الأم أنواع الثواب والعقاب على الطفل؟
** هناك ثلاثة أنواع للعقاب، والتي يمكن أن تطبق بعد صدور السلوك غير المرغوب فيه من قبل الطفل.
النوع الأول: الهدف منه هو جعل الطفل يقوم بعمل غير سار أو عمل شاق حتى ولو كان له علاقة بالسلوك غير السار الذي صدر منه، وعليه يوجه انتباه الطفل إلى الحالة أو الموقف الذي ينتج عن عمله، فتذكر الطفل وتجعله يحس بإحساس الآخرين المتضررين من عمله، وتعود الطفل على عملية التعويض.
والنوع الثاني: الهدف منه حرمان الطفل من شيء سار, بمعنى حرمانه من الامتيازات، مثلاً حرمانه من مشاهدة التليفزيون عند إصدار سلوك غير مرغوب فيه أو حرمانه من الحلوى.
والنوع الثالث: وهو إنزال العقاب الجسمي والنفسي على الطفل كضرورة بشرط أن تكون معقولة ولا تؤثر على صحته أو نفسيته بشكل جارح.
أما أنواع الثواب التي يمكن للمربي أن يمارسها، فهي بعد الشعور بالارتياح والرضا للسلوك الإيجابي، وتتمثل في إعطاء الطفل أشياء محسوسة مثل الأكل والشرب واللعب، وكذلك شكره وتقديره من خلال عبارات الاستحسان والرضا والتشجيع.
* ما هي العلاقة بين الترغيب والترهيب والثواب والعقاب؟
** التربية الإسلامية تحرص دائمًا على تقديم الترغيب والثواب قبل التلميح بالترهيب والعقاب وتتجلى هذه الحقيقة بصورة واضحة في آيات القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيرًا} [البقرة:119] ، وقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160] والترغيب والترهيب في التربية الإسلامية يعتمد على الاقتناع والبرهان، فليس من آية فيها ترغيب أو ترهيب بأمر من أمور الآخرة إلا ولها علاقة بالإيمان باللَّـه واليوم الآخر، وهذا معناه تربويًّا أن نبدأ بغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الناشئين ليتسنى لنا أن نرغبهم في الجنة أو نرهبهم من عذاب اللَّـه، وليكن لهذا ثمرة عملية سلوكية، وهذا الأمر الإلهي مصحوب دائمًا بتصور فني رائع لنعيم الجنة أو لعذاب جهنم بأسلوب واضح يفهمه جميع الناس.
كذلك يعتمد الترغيب والترهيب على إثارة الانفعالات وتربية العواطف الربانية. وهذه التربية الوجدانية مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وتعتبر العواطف الربانية قوى دافعة للسلوك، مثيرة ومغذية لطاقات الإنسان، ولا تقل أهمية عن الدوافع الغريزية، بل إنها تهيمن عليها وتوجهها وتنظمها وتسمو بها، وبها يمتاز الإنسان عن الحيوان. وتعتمد أيضًا على ضبط الانفعالات والعواطف والموازنة بينها، فلا يجوز أن يطغى الخوف على الأمل والرجاء فيقنط المذنب من عطف اللَّـه ورحمته، وقد نهى اللَّـه عن هذا اليأس لأنه ضد الإيمان ويؤدي إلى القنوط، واللَّـه لا يرضى لعباده أن يصلوا إلى تلك المرحلة، بل يريد للإنسان دائمًا أن يجمع بين الخوف والرجاء، وينبغي أن نربي العواطف الربانية عند الناشئين باعتدال واتزان، فلا يتمادون في المعاصي مغترين برحمة اللَّـه ومغفرته مؤجلين توبتهم إلى اللَّـه، ولا ييأسوا من نصر اللَّـه وفضله ورحمته {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]
* هل كل مرحلة من مراحل الطفولة حتى الشباب تخضع للثواب والعقاب؟
** الطفل في سنواته الأولى لا يمكن أن يترك وشأنه، يعبر بحرية كما يشاء؛ إذ لا بد من المرشد والموجه الذي لا يكبت فيه حريته الصحيحة ولا يقتل حيويته، ولكن يحولها إلى الاتجاه النافع ،ويجب على المربي ألا يسرف في الإشراف فيحول دون تعبير الطفل بحرية عن شعوره وأفكاره، وألا يهمله لدرجة تجعل الحرية خطرًا على الطفل، والأمر موكول للمربي ليعرف مقدار القيادة الضرورية متى وكيف يقدمها.
وطبقًا لمبادئ التربية الإسلامية نجد الإنسان يمر بمرحلتين؛ مرحلة التربية، وهي الطفولة الأولى، والتي يخطئ فيها ولا نعاقبه، ولكن نوجهه، أما مرحلة التأديب والتي نؤدبه فيها على الخطأ.
وأول تأثير يتلقاه الطفل في حياته هو والداه وأهله في المنزل، فإذا شب قليلاً فإنه يختلط بغيره من الصبية، ثم بعد ذلك يتصل بالمعلم وهو من أهم الشخصيات المؤثرة في حياته؛ لأنه يقلدها ويحاكيها، ولذا يجب أن يكون الآباء والمعلمين على درجة كبيرة من الوعي النفسي والتربوي.
وإذا كان الطفل يحتاج إلى النمو الجسمي والعقلي فإنه يحتاج أيضًا إلى الحرية والقيادة والتوجيه السليم ويحتاج دائمًا إلى الطمأنينة والأمن من الناحيتين الجسمية والعقلية، فالمأكل والملبس الصحي لابد معه أيضًا الأمن وعدم الإحساس بالقلق والخوف.
والتربية القرآنية والسنة النبوية تحدد ملامح الثواب والعقاب تبعًا للمرحلة العمرية، فقد أمرنا رسول اللَّـه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع، ونضربهم عليها لعشر، وفي الصلاة منهج متكامل لرفع دعائم الإسلام والنهي عن الفحشاء والمنكر.
* كيف نستفيد من آراء علماء المسلمين في التربية الحديثة؟
** يرى ابن سينا أن النصح والتشجيع أجدى أثرًا من التوبيخ والتأنيب، وتعويد الطفل على الخصال الحميدة يبدأ منذ ولادته، وإذا اضطر المربي إلى معاقبة الطفل بالضرب يكون ذلك بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء، لإحداث الأثر، على أن تكون الضربات الأولى موجعة حتى تحدث في نفس الطفل الأثر اللازم.
أما الغزالي فيرى أنه لكل طفل معاملة تلائمه، وفرق بين الصغير والكبير في التأديب والتهذيب، وبين الطفل الحساس وذو الحساسية الأقل، وهو ضد الإسراع في عتاب الطفل المخطئ، ومع إعطائه فرصة ليصلح خطأه بنفسه، ومدحه وتشجيعه إذا قام بأعمال حميدة تستحق المكافأة؛ لأن هذا يدخل السرور على النفس فتتقدم، في حين أن التوبيخ يؤدي إلى الحزن والخوف وقلة الثقة بالنفس.
والزجر يجب أن يكون بالتلميح قبل التصريح الذي يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة في الهجوم على الخلاف. وينصح الغزالي بمدح الصبي وتكريمه على ما يقوم به من أفعال حسنة ويشجع على ذلك أمام ذوي الشأن، ولا ينصح بالتمادي في العقاب والتأنيب؛ لأن ذلك يهوّن على الطفل سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه، فليكن الأب حافظًا هيبته في الكلام معه فيلا يوبخه إلا أحيانًا، والأم تخوفه بالأب وتزجره أحيانًا.
أما ابن خلدون فضد استعمال الشدة والقسوة في تربية الأطفال؛ لأنها تعودهم على الجبن، وتبعدهم عن الحماسة والشجاعة، وتشعرهم بالظلم دائمًا، فالعنف في رأيه يذهب بالنشاط ويدعم الخمول والكسل، ويؤدي إلى الكذب والخبث والمكر والخديعة، خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه.
المصدر: شبكة تثبيت الإسلامية.