تقدم وتأخر الأمم
محمود القلعاوى
"إذا أردت أن تقيس تقدم شعب من الشعوب فاصعد إلى عمارة في عاصمة هذا الشعب وراقب الناس في الطريق وقس سرعتهم في السير .. ثم عد إلى المكان نفسه بعد عام أو عامين أو عشرة أعوام .. وقم بقياس السرعة نفسها .. وقارن بين القياسين .. فإذا كانت سرعة السير قد زادت فهذا الشعب قد تقدم .. وإذا كانت سرعة الحركة عندهم كما هي فهذا الشعب كما هو .. أما إذا كانت سرعته قد قلّت وراح يتسكع في الطرقات فاعلم علم اليقين أن هذا الشعب قد تأخر" هكذا قال أحد علماء الاجتماع الألمان.
قرأت هذه الكلمات وأنا أتذكر حالنا في مشيتنا .. كيف يسير الشباب رمز أمتنا في شوارعهم وطرقاتهم ؟! .. وكيف يتسكع المتسكعون ؟! .. وكيف سقوط همهم في سيرهم ؟! .. أين سرعة الإيقاع في مشيتنا التي هي مدلول حياتنا كلها .. أين سرعة الإيقاع في إنتاجنا ؟! .. أين سرعة الإيقاع في يومنا وغدنا ؟! .. أين الاجتهاد في إنجاز أكبر قدر ممكن من أعمال تشهد لنا أمام ربنا ؟! .. أين سرعة الإيقاع في حياتنا ؟! أين سرعة الإيقاع أين .. ؟!
كان أسرع الناس مشية
يقول الإمام ابن القيم في كتابه " زاد المعاد " : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مشى تكفأ تكفؤاً .. وكان أسرع الناس مشية .. وأحسنها وأسكنها " .
قال أبو هريرة : " ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كأن الشمس تجري في وجهه .. وما رأيت أحداً في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له .. وإنّا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث " .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤاً كأنما ينحط من صبب ) .. وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة .. وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء .. وأبعدها من مشية الهرج والمهانة والتماوت .
قصة نجاح
انظر معي إلى هذا النموذج الحي من قصة هذا التاجر المسلم الذي بدأ من الصفر كما يقولون .. عبد الرحمن بن عوف الذي هاجر مع من هاجروا ولما آخى النبي – صلى الله عليه وسلم – بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري وآثره سعد بأحد زوجاته التي يختارها عبد الرحمن وكذا إحدى دوره .. فكان الرد العفيف من أهل العفة : بارك الله في أهلك ومالك دلني على السوق .. وهنا تبدأ قصة نجاح لتاجر مسلم في مجتمع عاشق للعمل والإنتاج .. ويعمل بن عوف ويواصل ليله نهاره وينتقل من نجاح إلى آخر ومن حَسن إلى أحسن .. حتى يفتح الله عليه فتحاً عظيماً فيحكى فيما وصل له :
" قدمت عير عبد الرحمن بن عوف على المدينة .. وكانت مؤلفة من سبعمائة راحلة .. وهي تحمل على ظهورها الميرة ( الطعام) والمتاع وكل ما يحتاج إليه الناس .. فما أن دخلت المدينة حتى رجت الأرض بها رجاً .. وتسمع لها دوي وضجة .. فقالت عائشة رضوان الله عليها : ما هذه الرجة ؟ .. فقيل لها: عير لعبد الرحمن بن عوف سبعمائة ناقة تحمل البُر والدقيق والطعام .. فقالت عائشة رضوان الله عليها: بارك الله فيما أعطاه في الدنيا ولثواب الآخرة أعظم .. وقبل أن تبرك النوق كان الخبر قد نقل إلى عبد الرحمن بن عوف فما أن لامست مقالة أم المؤمنين سمعه حتى صار مسرعاً إلى عائشة .. وقال: أشهدك يا أم المؤمنين أن هذه العير جميعها بأحمالها واقتابها وأحمالها في سبيل الله .
طالب مجتهد
قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- سنة سبع للهجرة وهو بخيبر وأسلم .
وعندما أسلم لم يملك أرضاً يزرعها أو تجارةً يتبعها .. وإنما يملك موهبة تكمن في ذاكرته فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة .. فعزم على تعويض ما فاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله إلى الأجيال القادمة...
فكان - رضي الله عنه- يقول: (ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني .. إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص .. فانه كان يكتب ولا أكتب )... وقال عنه الإمام الشافعي: ( ... أحفظ من روى الحديث في دهره )... وقال البخاري: ( روى عن ..... نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم) .. أظنك عرفته : إنه أبو هريرة
وفى النهـــــاية إن حياة الأفراد والأمم والشعوب لا تُقاس بأعمارها ولكنها تُقاس بأعمالها وإنتاجها بكل أشكاله وأنواعه .
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://eqraa.com/html/images/article...