التربية بالأهداف طريق نحو التميز

نسيم بدارنة*

 

بعد أن استلم صافي شهادة تقدير لكونه أفضل معلم في بلدته، عاد إلى بيته ليضيفها إلى مجموعة أوراقه القديمة فاستدعاه الأمر إلى الاطلاع على تاريخ تحصيله المدرسي من خلال شهاداته في جميع مراحله المدرسية، وكانت دهشته كبيرة عندما وجد انه طوال سنين تعليمه كان تقديره وفق تحصيله وعلاماته متوسطا بل انه كانت هناك علامات دون المتوسط، فأخذ يتساءل باعتزاز ودهشة قائلا: الحمد لله الذي انعم علي بهذا التميز، ولكن كيف حصل ذلك وقد حرمت منه طوال فترة تعليمي ؟!.

 

هذه الحالة قد نجد شبيها لها يوميا في حياتنا، إذ أن الطالب يكاد لا يذكر بين أقرانه في المرحلة التعليمة الأولى وإذا به يتميز ويتقدم على العديد ممن كانوا يعتبرون من بين المتميزين والمتفوقين في مراحل حياته المتقدمة. هناك اعتقاد بان المدرسة والبيت قد يسيئان ولا يحسنان تقييم قدرات الأبناء وذلك من خلال المبالغة في التركيز على تحصيلهم المدرسي في بداية التحاقهم بالتعليم، فان لم يكن تحصيل الابن وفق ما يرضي الأهل تبدأ عملية إلقاء المسؤولية على المدرسة والمدرسة تلقيها على الأهل، فيقع الأبناء ضحية لهذا التراشق، فينتقل الأبناء إلى هامش سلم التقييم ليبدؤوا سلسلة من الإهمال وعدم التقدير.

 

لكن على الرغم من هذا الإهمال وعدم التقدير الذي يتعرض له الأبناء في المراحل الأولى من حياتهم، فانه تبقى في نفوسهم أمورا إذا ما زرعت في داخلهم فإنها ستنبت حتما ثمارا طيبة. ومن أهم هذه البذور هي زراعة الهدف في نفوس الأبناء، فإذا ما نجحنا في زراعة الهدف فذلك يعني أننا قطعنا شوطا مهما في صناعة مستقبل الأبناء، فالهدف كفيل بان يحرك الأبناء من الداخل ويكسب الفرد صفات عديدة تكون له زادا في الحياة مثل الإرادة والإصرار والأمل وكثير من هذه الأدوات التي تجعل من الأبناء كالأسود يتحروا الفرصة ليقتنصوها فيغنموا ويتميزوا.

 

إن زراعة الأهداف مهمة صعبة ولكن المهمة الأصعب هي تربية الأبناء على مهارة صناعة أهدافهم بأيديهم لكي يتمكنوا من تجديدها إذا لزم الأمر أو تطويرها، لتشكل مع بعض بنكا للأهداف يزود صاحبه برصيد وافر، وكلما تحقق مشروع أو فقد أهميته يتحول هذا البنك إلى زاد لهم لاستمرار البحث نحو فرصتهم في التقدم والتميز، في حين أن من عرفوا بالأمس كمتميزين كانوا قد توقفوا على بذل الجهد عند تحقيق أول انجاز رضوه وطابت به أنفسهم أو حققوا رضا الأهل ومن حولهم فاستكفوا بذلك بعد أن نفذ بنك أهدافهم.

 

لبناء بنك أهداف نحتاج إلى ثقة الأبناء بأنفسهم لأنها المدخل إلى انطلاق الأبناء نحو الحياة بأمان، وتلك الغاية يجب أن لا يتنازل عنها الأهل، مع أن العديد من الأبناء يقعون ضحية رغبات أهلهم في إثناء مسيرة التحصيل الدراسي فتتم عملية هدم لدعائم الثقة بالنفس عند الأبناء في سبيل الضغط المبالغ فيه نحو التحصيل الأمثل، فيبني الأبناء ثقتهم بأنفسهم فقط من خلال تحصيلهم المدرسي، لذلك نجد إن ثقة الأبناء بأنفسهم، أحيانا كثيرة، تكون ثمنا لتلك الثقافة والرغبة وبهذا نقطع الطريق أمام زرع و إنبات بذور الأهداف في نفوس الأبناء إلا إذا تم إصلاح وإعادة إعمار ما هدم من دعائم للثقة بالنفس ولكن حينها تكون الأمور قد خرجت من سيطرة الأهل والمربين، فعملية الإصلاح هذه تتوفر لدى الأبناء، غالبا وللأسف، عندما يبتعدوا عن بيئة البيت والمدرسة.

 

عندما ننجح في زراعة الأهداف وبناء المهارة على صناعة بنك الأهداف فان القلوب تبقى يقظة متفائلة على الرغم من فوات بعض الفرص، وهذه القلوب يكفيها بعض التشجيع والاهتمام لكي تنتقل إلى رصيد بنك أهدافها المتجدد، إضافة إلى أن العقول تبقى مرنة تتأقلم للمستجدات بسرعة فلا تستسلم للإحباط من جراء تقييم من حولهم لهم ولا تعرف التردد أو الخوف من خوض التجارب الجديدة فلا يتراجع إلى الوراء فتجده يتقدم حتى يسبق أحيانا في مسيرة حياته الكثير ممن كانوا يعرفون بين أقرانهم بالناجحين، لهذا نجد هؤلاء أصحاب تحركات دائمة في مجتمعهم وحتى في مسيرة تحصيلهم وان كانت متوسطة، فهم بعيدون عن قمع التنافس وإرهاب العلامات المغلقة.

 

يجب علينا أن نربي ونعلم أبناءنا مهارة تحديد الأهداف في الحياة وكيفية صناعتها لتتحول حياتهم إلى بنك من الأهداف المتجددة وكلما فاته تحقيق هدف استخرج هدفا آخر لتشكل هذه الأهداف مجتمعة فسيفساء جميلة مقسمة إلى أجزاء، الكبيرة منها والصغيرة، والملونة بألوان الاهتمامات والميول، والمختلفة الصور باختلاف المواضيع، وتخيل جمال هذه الفسيفساء التي سيحيا بها الفرد والى نفسيته الواثقة الواضحة المبتسمة، فكل أنوار طاقاته موجهة لتحقيق وإخراج هذه الصور إلى ارض الواقع، والسؤال الذي سأله صافي ألا وهو: كيف حصل ذلك ؟! فسيكون الجواب لان صاحب بنك الأهداف يحمل أهدافه بكل طاقته ويلتزم بها حتى تحين الظروف والفرصة فتثمر ويحين قطافها فإذا كان المسافر زاده الماء والغذاء فزاد أولائك هو الصبر والالتزام!.

 

 

نسيم بدارنة – رئيس جمعية اقرأ.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك