التربية بالحب

عشر وسائل مؤثرة فى التربية بالحب

 

أ.جمال ماضي

عشر وسائل مؤثرة فى التربية بالحب وتطبيقات نبوية

 

1- التعامل كأصدقاء :

سواء مع أبنائنا أو طلابنا أو الناس , أو كل من نتعامل معهم بالحب ، كيف تكون العلاقة , وكيف يكون الأثر, حينما نتعامل كأصدقاء ؟

 فلماذا يتعجل البعض , أو يفرق فى المعاملة ؟

 فالأصدقاء شأنهم غير شأن الآخرين , إنهم يعتذرون عند الخطأ ، ولايعيبهم أن يصححوا مواقفهم ، ولا يضعفهم الاعتراف بالعيب ، ولايقسو بعضهم على بعض ، فسر نجاح الأصدقاء الحب .

وهذا ما كان يدفع الأصحاب رضوان الله عليهم فى أن يستفسروا ويتحاوروا ويناقشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كصديق حبيب ، في ثقة متبادلة ، فيكلمونه بلا خجل ، عن أبى ذر رضى الله عنه قال : سألت النبى صلى الله عليه وسلم : أى العمل أفضل ؟ قال : [ إيمان بالله وجهاد فى سبيله ] ، قلت : فأى الرقاب أفضل ؟ قال : [ أعلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها ] ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : [ تعين ضائعًا أو تصنع لأخرق ] ، قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : [ تدع الناس من الشر فإنها صدقة بها على نفسك ] البخارى .

 

2- الملاطفة والعطف :

التأكد من السبب الحقيقى وراء أى تصرف من الآخرين ، يجعلك أكثر لطفًا وتعاطفًا ، فى مساعدتهم بكل الطرق المناسبة , فى تأكيدك لهم أنهم يستطيعون الحصول على مبتغاهم بطرق سهلة وميسرة ، خاصة أن جوهر التربية المؤثرة فى القدوة ، فهم يقتدون بكلامك ومواقفك ، فالإكثار من كلمات ( ممكن – من فضلك – لو سمحت ) تعمل عمل السحر فى النفوس ، ويا حبذا لو خالطها التبسم والبشاشة والهشاشة ، روى أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبى صلى عليه وسلم فأعطاه غنمًا بين جبلين ، فأتى قومه فقال : أى قوم أسلموا فوالله إن محمدًا يعطى عطاء من لا يخشى الفقر .

فكان الإحسان طريقًا لغرس الحب بأسلوب العطاء ، بوسائله السحرية من الملاطفة والعطف والكرم .

 

3- الاحتضان والقبلة والعناق :

هل من العيب فعل هذه المؤثرات التى تنفذ إلى الأعماق ؟ خاصة لأطفالنا إن كبروا ، ولأصدقائنا إن أقبلوا ، ولأحبابنا من الناس إن تعاملنا معهم ؟ العجيب أن البعض ما يزال يخجل من فعل ذلك ، والأولى بالمربين فعلها حتى لا يتركوا الآخرين فريسة لعواطف المصالح أو مشاعر المنافع ، ولذلك لا بد أن تكون هذه المهارات صادقة ، ولا يتأكد صدقها إلا بالممارسة والتطبيق ، فقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى ابنته السيدة فاطمة , قام إليها هاشًا باشًا مرحبًا بها ، ويوسع لها فى المجلس ، ويقبل يدها قبلة الحب والمودة والحنان .

لقد قبّل النبى صلى الله عليه وسلم أحد سبطيه الحسن أو الحسين ، وكان الأقرع بن حابس جالسًا , فقال : أتقبلون صبيانكم ؟ والله إن لى عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوأملك أن نزع الله الرحمة من قلبك !

 

4- لمسات الحب :

كما تبين لنا الفوائد العظيمة للمسة الحب ، وربما يكون فى التوجيه النبوى ترغيب فى تحقيق هذ ه اللمسة ، ( عندما سئل إذا التقى المسلمان يتعانقان ؟ قال : لا , أيتصافحان ؟ قال : نعم ) ,  يتصافحان ، حيث تتساقط ذنوبهما عند المصافحة ، فلماذا يتباعد الناس وهم فى أمس الحاجة إلى بعضهم ، ولذلك فعنوان التقارب فى هذا التلامس ، الذى لسان الحال فيه يقول : أنا أنت وأنت أنا ، وبهذا التلامس يظل الأثر محفورًا ومحفوظًا ولايُنسى بحال ، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه ، قال : ( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبى ، فقال : [ كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ] ، تأمل قول ابن عمر : أخذ رسول الله بمنكبى ، وكان صلى الله عليه وسلم يقدم بين يدى اللسمة إثارة الحواس وانتباه المشاعر وجاذبية الكيان : عن أبى سعيد بن المعلّى قال : كنت أصلى فى المسجد فدعانى رسول الله صلى عليه وسلم فلم أجبه فقلت : يا رسول الله إنى كنت أصلى ، فقال : ألم يقل الله : { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } الأنفال : 24 ، ثم قال لى : لأعلمنك سورة هى أعظم السور فى القرآن قبل أن تخرج من المسجد ، ثم أخذ بيدى ، فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل : لأعلمنك سورة هى أعظم سورة فى القرآن ، قال { الحمد لله رب العالمين } الفاتحة : 1، هى السبع المثانى والقرآن الذى أوتيته ] , فتأمل قول أبى سعيد : ثم أخذ بيدى , وانطلاق حاله ولسانه بالإفصاح عن تساؤله .

 

5- الاحترام والتوقير:

لماذا نصرخ ؟ فيتربى من يتعامل معنا على الرد بالصراخ , ظانًا منه أن هذا هو الأسلوب الأمثل ؟

 لماذا لا نسهل على أنفسنا عناء الانفعالات ونقدر ونحترم الآخرين ؟

إن استخدامنا لألفاظ  تشعر المتربى باحترامه وتُعلي من قيمته ، تجعله يلبى كل ما يُطلب منه ، فى هدوء واستجابة فورية ، لسبب واحد أننا لم نجبره على صنيع معين ، أو فعل بعينه ، بلى كل ما نعده به نطبقه ونجعله واقعًا حيًا يراه ويلمسه ، فيعمل فى راحة ونشوة , بعيدًا عن المشاجرات والصيحات والصوت العالى والانفعالات والمعارضات والانتقادات ، بل ويتقبل كل ما تنصحه به فى سعادة وبهجة ، ولذلك فمن التأثير الساحر للاحترام والتقدير البدء بذكر المحاسن والمآثر أولاً ثم النصح ، فأسلوب المدح يفتح الأبواب فى ثقة نحو التوجيه العملى ، وهذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم مع ابن عمر فى قوله :

 [ نعم الرجل عبد الله بن عمر لو كان يصلي من الليل ] متفق عليه .

 

6- مخاطبة العواطف :

من تأثيرات الأسلوب العاطفى : شعور الآخرين باهتمامك بهم وبأحداث حياتهم ، وإحساسهم بأنك معهم تشاركهم تفاصيل أوقاتهم وأسرار حياتهم ، فيندمجون معك فى كل حين ، مما يزيد رصيدك فى بنك الحب لديهم .

ومن وسائل مخاطبة العواطف : الحديث الودى المنفرد ، وممارسة بعض التمرينات الرياضية معًا ، والاحتفاء بكل إنجاز يتحقق على أيديهم ، والمشاركة الشعورية فى الظروف المختلفة ، وعدم الانشغال عنهم وهم يتحدثون ، بل النظر فى أعينهم ، مع التركيز الشديد ، والتحدث على موائد الطعام بالمناسب والممتع من الكلام ، والافتخار بمواقفهم مهما كانت متواضعة ، وتبادل كلمات الحب وإعلامهم بمقدار حبك لهم ، بدون شروط أو مقابل ، والتغذية الدائمة لهذا الحب بالرسائل والهاتف والهدايا وكل مبتكر , لتقوية مشاعر الحب بينكم .

وتأمل هذا المشهد : عن عمرو بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمال فأعطى رجالاً وترك رجالاً ، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ، فحمد الله ثم أثنى عليه , ثم قال : [ أما بعد فو الله إنى لأعطى الرجل وأدع الرجل والذى أدع أحب إلىّ من الذى أعطى , ولكنى إنما أعطى أقوامًا لما أرى فى قلوبهم من الجزع والهلع , وأكِل أقوامًا إلى ما جعل الله فى قلوبهم من الغنى والخير , منهم عمرو بن تغلب ، قال عمرو بن تغلب : فو الله ما أحب أن لى بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم ] .

ويكفى فى هذا المشهد : أن النبى صلى الله عليه وسلم , تدارك المشكلة فورًا , بهذا الأسلوب العاطفى ، الذى أطـلق عليه البعض : ( التربية بالحـب العلنى ) .

 

7- تحفيز الهمم :

إثارة الحماس للعمل ، وتحفيز الهمم ، وإلهاب الجوارح نحو الحركة ، واكتساب السلوكات المنضبطة ، ليس كما يظن البعض أن كل ذلك ليس من الحب ، فهذا أمر آخر , الحب فيه لا يكفى ، وقد يطلق البعض مقولة :

( الحب وحده لا يكفى ) ، وقد يعنى بذلك المطالبة بالحسم والزجر والنصح والعقاب المناسب .

وقد اتضح بالتجربة العملية والواقع الميدانى ، أن التحفيز والتشجيع والحركة ، لا تعتمد على الكلام والأقوال ، بل هى تربية قائمة أساسًا على الحب ، وتأمل هذا المشهد ، ( عن سهل بن سعد قال : إنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر يقول  : [ لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه ] ، فقاموا يرجون ذلك ، أيهى يُعطى ، فغدو ا كلهم يرجو أن يُعطى ، فقال صلى الله عليه وسلم : أين على ؟ ، فقيل : يشتكى عينيه ، [ فأمر فدعى له فبصق فى عينه ، فبرأ مكانه ، حتى كأنه لم يكن به شىء ] متفق عليه .

ولذلك فنحن نتساءل : لولا هذا الحب هل كان يرجو كل صحابى أن يُعطى هذا الشرف ، وهل إذا تخلى أسلوب التحفيز من الحب كان بهذه الدافعية ؟  وهل في عدم تسمية القائم بالعمل إن لم يكن الحب متوفراً كان الشأن بنفس هذا التنافس ؟ هل إذا غاب الحب كان يتحقق هذا النجاح فى التسابق ، حتى دفعهم ذلك لقولهم عن علىّ : يشتكى عينيه ؟! .

 

8- التفقد والتعارف :

التفقد والسؤال الدائم عن أحوال الآخرين ، بل ومفاجئتهم بالتعرف على أحوالهم وأبنائهم ومشاكلهم ، كل ذلك علامة على نجاح الحب ، وتمكنه ، فإن افتقد فالثقة تبدأ بالنقصان ، ولإكمال النجاح يجب أن يُوزع هذا التفقد للجميع بدرجة متساوية ، حتى لا يصنع الميل لأحد دون أحد ، نقطة ضعف قد تفتح أبوابًا من المشاكل النفسية لا حصر لها .

ومعنى التفقد الحقيقى ما كان عملياً وقائمًا على الحب ، الذى يحقق الاحتواء العاطفى ، وإشعار الآخرين بالقبول ، والاستوعاب النفسى والعاطفى ، والتعامل بالرفق دون جرح للمشاعر ، وتأمل هذا المشهد :

قال محمد بن سعد : أتى واثلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه الصبح ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى وانصرف تصفح أصحابه ، فلماذا دنا من واثلة قال : مَن أنت ؟ فأخبره ، فقال : ما جاء بك  ؟ قال : جئت أبايع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ فيما أحببت وكرهت ] ، قال : نعم ، فأسلم وبايعه .

فقد كان من فقه النبى صلى الله عليه وسلم أن يختار الوقت المناسب للتفقد بعد صلاة الصبح ، مما يجعل التعرف على الجديد أمرًا ظاهرًا وسهلاً ، وهكذا حتى الاسلام والبيعة عليه ، تقوم على الحب ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لواثلة : [ فيما أحببت وكرهت ] .

 

9- التبسط والمزاح :

هل من أجل إنجاح التربية لابد من التهجم والعبوس ؟

وهل من أجل أن تكون التربية مؤثرة ممنوع علينا المزاح ؟

لقد تأملت مشهدًا ، كان فيه النبى صلى الله عليه وسلم فى السوق ، وقد أتى من خلف أحد الصحابة وكان دميمًا وكان اسمه زاهراً ، فاحتضنه رسول الله صلي الله عليه وسلم , ونادى فى السوق  : من يشترى هذا العبد ؟ فانتبه زاهر لصوت النبى صلى الله عليه وسلم فقال : ستجدنى إن شاء الله كاسدًا يا رسول الله ! فقال النبى صلى الله عليه وسلم ، وقد تجمع الناس : [ ولكن المؤمن ليس بكاسد عند الله ] .

أليس الحب هو البطل فى هذا المشهد ؟

وأليس البطل فى هذا المزاح الخفيف القائم على الحب ؟

وأليس فى هذا التبسط وبهذه الحركة الرشيقة ؟

فالحب لا ينمو إلا حينما يكون طبيعيًا وليس مصطنعًا أو متكلفًا ، فيؤثر بالغ الأثر فى الآخرين .

 وهذا مشهد آخر يرويه أبو سعيد الخدرى يقول :

قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال : [ لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا !]

فقال رجل : يا رسول الله أيأتى الخير بالشر ؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال : [ كيف قلت ] قال : قلت يارسول الله أيأتى الخير بالشر ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الخير لا يأتى إلا بخير أو خير هو ] ثم قال : فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه ، ومن يأخذ مالاً يغيرحقه فمثله كمثل الذى يأكل ولا يشبع ، أرأيت كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم طبيعيًا فى صمته ، ويستعيد السؤال ، حتى يفهم الجميع ويستوعبوا الأمر ، ويضرب المثل ليقرب المعنى ، فالحب يدفع الإنسان للتخفيف والتفهيم لا التعقيد والإرهاق .

 

10- الدعاء للآخرين لا الدعاء عليهم :

قد يغفل الكثير من المربين عن هذا السلاح المؤثر، إنه يزود الإنسان بشحنة جارفة من العاطفة ، فهو الوقود الذى يحرك العواطف ، ويقوى به الحب ، والفرق بين الدعاء للناس أو الدعاء عليهم ، مثل الفرق بين السماء والأرض فى استقبالهم للدعاء ، فالأول يمنحهم قوة وإقداماً ، بينما الثانى يدعوهم إلى القعود والكسل واليأس والتذمر ، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الإنسان على الآخر ، سواء كان ابنه أو ماله أو نفسه ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تدعو على أنفسكم ، ولا تدعو على أولادكم ، ولا تدعو على خدمكم ، ولا تدعو على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة ، فينزل فيها إعطاء ، فيستجاب لكم ) .

لقد كان نبى الله يعقوب ، برغم ما فعله أبناؤه ، لا يفتر يدعو لهم وليس عليهم فى قوله تعالى : { سأستغفر لكم ربي } يوسف : 98 .

والدعاء للآخرين يساعدهم على تجاوز العقبات وملازمة البر والطاعة ، فتهيئة الأجواء المناسبة ، بهذا الهدوء النفسى ، ينشط صاحبه في الاستجابة للأمر ويجعله سهلاً ميسرًا ، مما يؤهله للنجاح فى الحياة .

وتحين الأوقات المناسبة يزيد من الـتأثير وهذا مشهد يرويه أنس يقول : كان غلام يهودى يخدم النبى صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم ، يعوده فقعد عند رأسه ، فقال له : ( أسلم ) ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ؟ فقال : أطع أبا القاسم ، فأسلم ، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وهو بقول : [ الحمد لله الذى أنقذه من النار ]       

أرأيتم كيف كان كان هذا الغلام يقوم بخدمة النبى صلى الله عليه وسلم ولم يدعه إلى الإسلام ، إلا بعد أن تحين هذه الفرصة الغالية ،حيث الرقة فى قلبه ، والقرب من ربه , لمرضه ، ويكتمل الدعاء المؤثر إذا ما كان صادقًا , أي موجهاً لهداية الناس وإنقاذهم من النار .

 

المصدر: شبكة ينابيع تربوية

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك