أساؤوا فهل نسيء؟

د. أحمد قاسم الغامدي

 

بوب البخاري في صحيحه (باب إثم من قتل ذميا بغير جرم) وروى فيه حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما).

وهذا الحديث يفيد حرمة دم المعاهد بغير حق قطعا؛ والمعاهد هو الذي دخل بعهد، لكن هناك من تغلب عليه غيرته على الدين وعاطفته فتدفعه للوقوع في الظلم والبغي ظنا منه أنه ينتصر لكرامة المسلمين ومقدساتهم فربما عاقب من لا ذنب له وربما تجاوز حدود شرع الله في أقواله أو أفعاله بدعوى الانتصار للدين، والحق أحق أن يتبع.

لقد أمرنا الله تعالى بالعدل فقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

والمعنى: كونوا قائمين بالعدل ولا يحملنكم بغض قوم على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما في قلوبكم بارتكاب ما لا يحل كمثلة أو قذف أو قتل أولاد أو نساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك بل اعدلوا.

إن تجاوز حدود الشريعة مذموم كما أن الوقوف بلا عمل أمام ما قد يسيء لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للإسلام والمسلمين مذموم، والواجب دفع الباطل باتباع مسالك الحكمة والعدل في الرد والبيان والانتصار للحق ولذلك سبل متنوعة شتى، بعيدة كل البعد عن الظلم والمزايدة إذا كنا صادقين في حبه.فأمر سبحانه بلزوم القسط والقيام به عموما ثم نهى أن يحملنا بغض قوم على ترك العدل مع من نبغضهم، ثم استأنف فأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً.

والآية فيها تنبيه عظيم على أن وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله أمرنا فيه أن يكون بهذه الصفة من القوة والانضباط، فما الظنّ بوجوبه مع المسلمين؟.

إن العدل الذي أمرنا به أجدر سلاح لرد كيد المفسدين والمستهزئين والمسيئين فبه تتحقق التقوى وبالتقوى يتحقق النصر قال تعالى: (والعاقبة للمتقين).

لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يرشدنا حتى مع تجاوزهم فيما لا يبدو ظاهرا أنه تجاوز وذلك باتباع الحكمة في دفع تجاوزهم ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها وعليكم السام: واللعنة. فقال يا عائشة إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر. قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال قد قلت وعليكم».

فلم يقر عليه الصلاة والسلام عائشة رضي الله عنها على ما قالت مع أنهم يقصدون ايذاء النبي صلى الله عليه وسلم بعبارة توهم السلام والإساءة إليه فهم يقصدون بقولهم (السام) الموت إلا أنه عليه السلام لم يقر عائشة على ما قالت وإنما دفع إساءتهم بغاية الحكمة.

وقد قال تبارك وتعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فََسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

والمعنى: لا تسبوا آلهة الكفار التي يدعونها من دون الله، فيسبوا الله عدواناً وتجاوزاً وجهلاً منهم.

فقد نهانا الله سبحانه عن سب آلهة المشركين مع أنها أبطل الباطل وعبادتهم لتلك الآلهة أعظم الذنوب وذلك لئلا يسب المشركون الله؛ فلما كان سب آلهتهم قد يتولد عنه سب الله سبحانه نهى الله عنه، وهذا فيه إرشاد باجتناب ما قد يتولد عنه فساد أكبر ولو كان حقا.

إن الشبهات التي يثيرونها اليوم قد أثارها المستشرقون وغيرهم من قديم، ولم تؤثر ولن تؤثر بإذن الله تعالى في الإسلام، ذلك ما يجب أن يعتقده كل مؤمن بالله تعالى مصدق بوعده حيث يقول: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

إن تجاوز حدود الشريعة مذموم كما أن الوقوف بلا عمل أمام ما قد يسيء لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للإسلام والمسلمين مذموم، والواجب دفع الباطل باتباع مسالك الحكمة والعدل في الرد والبيان والانتصار للحق ولذلك سبل متنوعة شتى، بعيدة كل البعد عن الظلم والمزايدة إذا كنا صادقين في حبه، فما أحوجنا إلى العلم بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم والعمل به والتأسي به فإنه أتقانا لله وأعلمنا به وأخشانا له.

 

المصدر: صحيفة اليوم.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك