ألمانيا.. زوبعة كنسية تطيح بجائزة حوار الأديان
سحب منح الجائزة الثقافية لنيفيد كرماني بعد الإعلان عنها رسميا
لا ينبغي أن يكون للكنيسة سلطة على السياسة..
هذا إجراء يقضي على الجائزة الثقافية لحوار الأديان..
كيف يُحرم مثل هذا الرجل من الجائزة؟..
ما معنى حوار الأديان مع الإساءة إلى مسلم مثقف إذا انتقد عقيدة صلب المسيح؟..
هذا غيض من فيض من العناوين التي يحملها سيل من المقالات والتعقيبات والمواقف السياسية لم ينقطع منذ منتصف أيار/ مايو 2005م، عندما أُعلن عن حجب الجائزة الثقافية بولاية هسّن الألمانية لحوار الأديان عن نيفيد كرماني. وكرماني ألماني المولد والجنسية، إيراني الأصل، معروف ببضعة عشر كتابا ومئات المقالات، المرتبطة بدراسته للفلسفة وعلم المسرح وحصوله على الدكتوراة في الإسلاميات، وقد أصبح عضوا في الأكاديمية الألمانية للغة والشعر التي تجمع صفوة النخبة المثقفة، ودفعت مكانته هذه وزير الداخلية الألماني فولفجانج شتويبلي إلى اختياره ليكون أحد من أراد أن يوازن بهم ممثلي المنظمات الإسلامية فيما يعرف بحوار "مؤتمر الإسلام"، وتميز عن الآخرين بتجنبه الحملات العلمانية الغوغائية رغم موقفه من حيث الأساس بضرورة "الفصل بين الدين والدولة".
وكان أكثر ما لفت الأنظار من كتبه وأثار إعجاب المثقفين الألمان كتاب بعنوان "الإله المخيف" أو المرعب، وقد تناول فيه صورا متعددة اختارها من نصوص دينية عن الإسلام والمسيحية واليهودية، ليعزز بها فرضيته بشأن غلبة "الجانب المخيف" على جانب الرحمة للألوهية في التصورات الدينية. ولم تقتصر مقالاته على ميادين فلسفية ودينية ومسرحية، بل تناولت بعض أحداث الساعة، كالحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان والحرب الإسرائيلية ضد لبنان.
جميع ذلك لم يغفر له عبارة "مثيرة" وردت في تعليق له من سلسلة مقالات قصيرة يتناول فيها "الصور الكنسية"، وتنشرها صحيفة "نويه تسوريخر" السويسرية المعروفة تباعا، ونُشر التعليق المعني يوم 14/3/2009م وتناول بالنقد المنهجي لوحة "صلب المسيح" عليه السلام، بريشة جايدو رينيس. في تلك الفترة كانت اللجنة المسؤولة عن منح "الجائزة الثقافية لحوار الأديان" قد اختارته بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين، أحدهم كبير كرادلة الكنيسة البروتستانتية كارل ليمان، ورئيس مجلس الكنيسة نفسها سابقا في ولاية هسن بيتر شتاينئكّر، ونائب رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا سالومون كورن، وكان من المفروض أن يقام احتفال بتسليم الجائزة في مطلع تموز/ يوليو 2009م.
بعد فترة وجيزة من قرار اللجنة، بعث ليمان برسالة إلى رئيس وزراء ولاية هسن رونالد كوخ، يعلن فيها عدم استعداده (وعدم استعداد شتاينئكر) لاستلام الجائزة بمشاركة كيرمان، ما لم يتخذ الأخير موقفا يوضح فيه -والمقصود يتراجع فيه- عن العبارة المعنية حول لوحة "الصلب" وقوله فيها إن عملية الصلب تمثل استهزاء بمقام الألوهية.
وبعد أيام معدودة أعلن كوخ حجب الجائزة من كيرمان، وتأجيل موعد الاحتفال بها، ودعوته إلى حوار رباعي يتناول ما كتب كيرمان.
لم يكن القرار متسرعا وبعيدا عن العقلانية السياسية والثقافية معا، بما يمثله من إهانة شخصية لمن سبق أن اختير للجائزة ولمن اختاروه، بل زاد على ذلك عدم اللياقة في أسلوب تبليغه بالقرار عبر البريد الألكتروني قبل ساعات من نقل الخبر إلى وسائل الإعلام، ومنها اطلع عليه قبل الاطلاع على الرسالة الرسمية.
المعارضون للقرار كثيرون ومن مختلف الأطياف، بما في ذلك بعض رفاق كوخ الحزبيين من المسيحيين الديمقراطيين، بالإضافة إلى الخضر وبعض رجالات الكنيسة وأساتذة اللاهوت الجامعيين.
قد يصب بعض دوافع أصحاب الاحتجاجات في خانة معارضة أن يكون للكنيسة مثل ذلك التأثير على قرارات سياسية من المفروض أن تستند إلى اعتبارات ثقافية محضة، ولكن العنصر الاهم في الاحتجاجات هو أن فكرة حوار الأديان نفسها فقدت مصداقيتها، فموقف ليمان - وهو كبير الكرادلة البروتستانت- إزاء أحد أفراد قلائل من المسلمين المثقفين الذين يحظون بثقة الآخر، دون وجود صدام ما بينه وبين الأطراف الإسلامية في ألمانيا، يعني عدم وجود أي طرف مسلم يصلح في نظر ليمان وامثاله للحوار؟.. صحيح أنه يتحدث عن احترام الرأي الآخر ويقول إنه ينتقد أسلوب التعبير فحسب، ولكن ما الذي يمكن قوله عن أسلوبه هو على النحو المذكور، بسبب الصياغة وليس المضمون لعبارة جانبية، لا وزن لها بالمقارنة مع مجموع مقولات كيرمان، ومنها ما يقترب به كثيرا من العقيدة المسيحية وأطروحات الكنيسة.
قد تهدأ الزوبعة بعد فترة وجيزة، ولكن ما حطمته من زجاج على أرضية شمول حوار الأديان للمسلمين في ألمانيا قبل أن يبدأ واقعيا، لن يمكن التعويض عنه بسهولة في المستقبل المنظور.
المصدر: http://www.google.com/imgres?imgurl=http://www.midadulqalam.info/midad/u...