المواطنة برؤية ثقافية
قثم القيسي
التوطن هو انسجام الذات والشخصية بجغرافية المكان المقصود، والتوطين هو محاولة فرض الذات على الارض، و الارض لا تسأل ساكنيها عن انتمائهم او عن لونهم او عن معتقدهم، فالارض تعشق من يعشقها وتصبح جزءا منه،فهي كالحبيبة تمر بمراحل عديدة لتكون علاقة صادقة مع من يسكنها، والسكن في ارض ما ناهيك عن هذه الارض بطبيعتها ما ان كانت قاسية او رحبة عملية صعبة تمر اختبارات نفسية وفكرية وتاريخية عديدة،حتى تتم بانسيابية والدرس من الحنين الى الارض هو ذلك الصوت الانثوي المنبعث من داخلها يستصرخ في كيانك لانشاء وطن مصغر يجمعك بديمومتك و طموحك كانسان لك كيانك.الوطن هي كلمة صعبة ومعقدة و متشابكة وحساسة لاسيما في القواميس السياسية الانفعالية و المواطنة كلمة مشتقة من الوطن، الوطن هو الارض او البلد او المساحة التي تجمعك باناس في عوالم فسيحة تعيش بداخلها وفق ما يمليه عليك توجهك و نموك و تطورك و بيئتك والمواطنة هو قمة ما يصل اليه الفرد من رقي و انسجام داخل الوطن اذا ما فهمها كاداة تعايشية سلمية فالوطن والمواطنة هما مترادفان روحانيان لمعنى واحد (التعايش) اي التعايش داخل منظومة من القيم و العادات والتقاليد و الاخلاق مفروضة كانت او تفرضها المستوجبات التكوينية للنشوء البيئي، العبرة في الوطن والمواطنة هو فرض اشكالية التعايش اي ليست الغاية في الحياة عند العقلاء و الواعين هي العيش فكلنا قد نعيش لاعمار مختلفة ولفترات مختلفة وفي اوطان مختلفة ولكن كم من هؤلاء الذين عاشوا هم تعايشوا فعلا اي انسجموا بادميتهم مع غيرهم في فهم واحترام الاخر،الوطن الذي يعيش فيه الفرد مكبلا محتقرا مشردا هو وطن مغلوط ينبغي ان يبحث داخله عن مديات اوسع يستطيع ان يتعايش داخلها، يقول الامام علي (عليه السلام) (خير البلاد ماحملك) تنحدر هذه المقولة من احترام وتقديس الانسان للوطن الذي يتوالد فيه ويحمله، ان بعض القرى النائية و المقطوعة عن تيار الحضارة في شرق الصين و اميركا الشمالية هي مثال لمدى تعايش الافراد داخلها في اطار من القيم و التقاليد والعادات،ضمنت لهم حباً للوطن و المواطنة هي كفيلة بحمايتهم بوجه اي اعتداء خارجي فضلا عن عدم لجوئهم للهجرات بحثا عن حياة افضل، وهذه هي قيمة الوطن الحقيقية حينما يعيش الشخص فيه وهو محترم ومقدر وحر فيما يعتقد ويفكر ويرتدي ويتصرف،لكن طبعا ضمن قيم و مسلمات العقل و الاخلاق و الروح الحقيقية للتدين، والوطن الذي لا تتوفر فيه كرامة كافية للانسان لابد ان هنالك غلطاً في منظومة السلطة و القيم لذلك المجتمع، الارض تشمخ بساكنيها، و الرجال العظماء والاجلاء هم من يصنعون اوطانهم، هم من يخلدون ذكراهم داخلها بايديهم، لا تصنع الاوطان الا بيد من امن و احترم الانسان الاحر، وحاول ان يشاركه حزنه وفرحه، ان اعظم الشخصيات في التاريخ ماتو مضطهدين مغربين جبرا داخل اوطانهم فها هو (ارسطو) تجرع السم مجبورا داخل السجن في بلده لا لشيْ الا لانه اختلف مع من كان يحيطه في ما يفكر وها هو (الحلاج) و(جعد بن درهم) لعلنا سنعي اية حياة و وطن هذا الذي عاشه المعري يجب ان يعيشه عظماؤنا المخلدون مستقبلا.