دفاع عن حرية الرأي أم عودة لمنطق "صراع الحضارات"
قاسم قصير
يبدو أن الجهات التي تقف وراء نشر المزيد من الإساءات للإسلام للرسول محمد(ص) في بعض الدول الغربية لن تقف عند حد معين، فبعد نشر مقتطفات من فيلم "براءة المسلمين" المسيء للإسلام وللرسول محمد(ص) والتهديد بنشره كاملاً ورفض موقع "اليوتيوب" سحبه بحجة حرية النشر والرأي، عمدت المجلة الفرنسية تشارلي هيبدو(Charlie Hebdo ) هي أيضاً إلى نشر صور ورسوم كاريكاتورية مسيئة للإسلام وللرسول محمد(ص) وقد رفضت السلطات الفرنسية منع نشر هذه الرسوم أو اتخاذ إجراءات مانعة بحق المجلة بحجة حرية الرأي والنشر ودعت "من لديه اعتراض معين الذهاب إلى القضاء"، وبموازاة ذلك اتخذت السلطات الفرنسية إجراءات احترازية حول سفاراتها ومراكزها الثقافية والمدارس الفرنسية في العديد من الدول العربية والإسلامية خوفاً من ردود الفعل المستنكرة.
وفي الوقت نفسه استمرت موجة التنديد بالإساءة للإسلام والرسول محمد(ص) في معظم أنحاء العالم من خلال المسيرات والتظاهرات والاعتصامات والتهديدات بالقيام بخطوات تصعيدية أخرى.
ورغم الدعوات العاقلة من العديد من المراجع الدينية العالمية (مسيحية وإسلامية) بالعمل لاتخاذ خطوات جدية لوقف الإساءة للمقدسات الدينية، فلا يبدو أن هناك اتجاه جدي للقيام بمثل هذه الخطوات إن على صعيد الأمم المتحدة أو الدول الفاعلة (أميركا ودول أوروبا). مما يعني أن هناك من يسعى إلى نشر أجواء الصراع والحرب الثقافية والدينية في العالم بحجة الدفاع عن حرية الرأي، في حين أن كل العالم يعلم أن هذه الدول قد سنت قوانين حاسمة لمنع الإساءة لليهود تحت عنوان "معاداة السامية" أو منع النقاش في ملف "المحرقة اليهودية أيام الحكم النازي في ألمانيا" كما عمدت بعض الدول لوقف بث العديد من القنوات الفضائية بحجة "منع الإرهاب" أو "منع الإساءة لليهود" أو غير ذلك من العناوين، كما أن الولايات المتحدة الأميركية أعدت العديد من القوانين والإجراءات بعد أحداث 11 أيلول 2001 والتي ضيقت من الحريات العامة وسمحت بالتدخل في الحقوق الشخصية بحجة "مقاومة الإرهاب".
إذاً، نحن أمام منطق غير عادل وغير متوازن، فمن ناحية يُسمح بالإساءة للإسلام وللرسول محمد(ص) ومن ناحية أخرى تتخذ إجراءات رادعة بحجة منع ظاهرة "معاداة السامية" أو منع "الحديث عن المحرقة اليهودية".
ولذا يحق لنا التساؤل: هل أن القضية هي دفاع عن حرية الرأي والنشر؟ أم أن هناك من يسعى لتطبيق مقولة "صراع الحضارات" التي ابتدعها المفكر الأميركي صميوئيل هينتغتون والتي لم تجد لها ـ صدى واقعياً له خلال السنوات العشر الماضية ولذا يتم العمل حالياً لإيجاد الأجواء المناسبة للعودة إليها لتحقيق أهداف وغايات المجموعات المسيحية ـ الصهيونية المتطرفة ولكي يتم دفع المسلمين في العالم نحو خيارات التطرف، بعد أن أفرزت الثورات العربية واقعاً إسلامياً جديداً.
إن ما يجري يلقي على الجميع مسؤولية كبرى وخصوصاً على صعيد المرجعيات الدينية والعالمية (الفاتيكان، الأزهر الشريف، الحوزات الدينية في قم والنجف، منظمة التعاون الإسلامي، الأمم المتحدة) للإسراع باتخاذ خطوات عملية لوقف السماح للإساءة للأديان والمقدسات الدينية، وإلا فأننا ذاهبون إلى ما يشبه "الحرب الدينية الجديدة" وبذلك نحقق رغبات المنظمات المتطرفة سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو غير ذلك.
كما أن على جميع المسلمين وخصوصاً قادة الرأي والحركات الإسلامية وعلماء الدين أن تكون مواقفهم وخطاباتهم ودعواتهم منسجمة مع منع الاتجاه نحو منطق "صراع الحضارات"، وأن تكون ردود الفعل على الإساءات المتكررة حضارية وعقلانية ومنع الذهاب نحو أعمال لا تنسجم مع الدين الإسلامي وأخلاقياته، لكي نحول دون جرّنا من خلال هذه الإساءات إلى ما يريدوننا أن نذهب إليه.. مع تمسكنا بضرورة الذهاب إلى آخر الموضوع في تحريم كل من يتجرأ على المقدسات الدينية ومنع كل من تسوّل له نفسه الذهاب إلى مثل هذه الأعمال الشنيعة.