إشكاليات وضع قانون عالمي لمنع الإساءة إلى الأديان

ناقش أمين عام لجنة الحوار الاسلامي المسيحي حارس شهاب والدكتور شفيق المصري والدكتور سعود المولى "إشكاليات وضع قانون عالمي لمنع الإساءة إلى الأديان" في ندوة نظمها مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية.

وشدّد شهاب على أهمية عدم الخلط بين الإساءة إلى الدين وحرية التعبير وضرورة التصدي لهذه الإساءات لما لها من تأثير سلبي على العلاقات بين الشرق والغرب ولا سيما بين المجتمعات الإسلامية والمسيحية، لافتاً إلى الجهود التي بذلت في لبنان لهذه الغاية، في حين أكد المصري وجود نواة قانون دولي لمنع الإساءة إلى الأديان يتمثل في عدد من التشريعات والتوصيات الدولية كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر في العام 1966وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1981الذي نص على "إلغاء كل انواع التعصب المبني على قاعدة دينية".اما المولى فشدد من جهته على الإستغلال السياسي لقضية الإساءة إلى الاديان مستبعداً إمكانية إصدار قانون دولي شامل خاصة من قبل الدول الصناعية المتقدمة، وأكد اهمية العمل الثقافي والديني في المجتمعات الإسلامية لمعالجة قضية العنف كرد فعل على ازمة الهوية التي تعانيها هذه المجتمعات.

بوحبيب

بدايةً كانت كلمة لمدير المركز السفير عبدالله بوحبيب رأى فيها أن الإساءة إلى الأديان ورموزها وقيمها، باتت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإشكاليات الهوية الثقافية للشعوب والمجتمعات، وتؤدي مظاهرها إلى مزيدٍ من الشرخ وتكريس الصور النمطية عن شعوبٍ ومجتمعاتٍ بأكملها.وأضاف أن هذا ما يسهم في تعزيز مقولات "صراع الحضارات" والثقافات بدل التفتيش عن "لقاء الحضارات".

شهاب

حارس شهاب رأى أن أدعياء الغيرة على حرّية التعبير الذين يثيرون عاصفة ردود على طرح موضوع حماية الأديان من سوء استعمال الحرية، يتناسون الضرر الفادح والخسائر التي لا تعوّض والتي سوف تطال البشرية جمعاء إذا تركت الأمور على غاربها، إذ سيكون الصوت العالي حينها لدعاة العنف والتطرف.وجدّد التأكيد أن الأمم المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها هي الأقدر على استنباط الحلول لهذه المعضلة.

وأوضح شهاب أن التعرّض للأديان بطريقةٍ تتخطى الإنتقاد لتصل إلى حد الشتيمة فيه تجاوز للحرية وإساءة استعمال لها، سائلاً عمّا إذا كانت حريّة التعبير تسمحُ بحريّة قول أي شيء دون رادعٍ، مشدداً على أن لا حرية حقيقية إلا في خدمة الخير والعدالة ومستشهداً بالتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية الذي يدعو السلطة المدنية إلى أداء واجباتها بصيانة الخير العام، وحرية الإعلام الحقيقية والتأكّد من أن سوء استعمالها لا يؤدي إلى التسبب بأضرار للأفراد والمجتمعات.

ولفت شهاب إلى انعقاد القمّة الروحية في بكركي بعد زيارة البابا، مذكراً بان القمة قررت بالإجماع دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية إلى اتخاذ قرارات تحول دون التعسف في استغلال حق حرية التعبير، ومن دون الإساءة إلى الأديان ورموزها، مما ينعكس سلباً على العلاقات الاسلامية –المسيحية، ويتسبب بقيام فتنة واسعة لها ارتداداتها. وذكّر أيضاً بأن القمة قررت تشكيل لجنة من القانونيين المتخصصين في القانون الدولي لصياغة النص الملائم ولدراسة الاجراءات التي تصون الأديان السماوية وعقائدها من الإساءة والتجريح تحت طائلة الملاحقة القانونية، وعهدوا إلى اللجنة الوطنية المسيحية – الاسلامية للحوار وضع ومتابعة آلية تنفيذ هذه التوصية.ولفت إلى اهمية وثيقة الأزهر التي تحدثت عن حرية المعتقد.

واعتبر شهاب ان الدين عاد من الباب العريض في المجتمع بدليل تفاعل الأحداث المرتبطة بالإنتماء الديني والتي غالباً ما تكون ردّة فعلٍ من الخصوصيّات ضدّ العولمة المُنتشرة، لافتاً إلى أن هذا التشبّث بالخصوصيّات هو أبرز نقاط الاختلاف بين المجموعات.وقال ان هذه المجموعات مضطرة إلى تنظيم هذا الاختلاف بواسطة الحوار، أو من خلال إيجاد نصوص قانونية.

المصري

الدكتور شفيق المصري أكّد وجود نواة قانون دولي لدى الأمم المتحدة للحد من الإساءة إلى الأديان.وشرح ذلك بالقول إن حرية التعبير مطلقة وهي من حقوق الإنسان وتشمل حريته في اختيار دينه وممارسة طقوسه، ولكن أيضاً هناك "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" الصادر في العام 1966 وهو عبارة عن معاهدة دولية متعددة الاطراف وقعتها أكثر من 170دولة وتنص المادة 18منها على أن حرية التعبير والضمير والإنتماء الديني مطلقة لكنها منضبطة بحدود.وأضاف أن هذه المادة تميز بوضوح بين حرية الإعتقاد وممارسة الطقوس، لأن هذه الممارسة مقيدة بمقتضيات النظام العام والسلامة والآداب العامة.ولفت إلى أن هذه المادة تعني أن ممارسة أي من الأديان أو حرية التعبير يجب ألا تستفز أو تسيء إلى أديان أخرى أو مجموعات تنتمي إلى أديان أخرى.

وأضاف أن هذا العهد ينص أيضاً على أن الدول التي وقعته يجب ان تصدر تشريعات وطنية تناسب مضمونه وغايته، ما يجعل التزام الدول الموقعة على هذا العهد ذات شقين، الأول الإلتزام بالمواد نفسها الواردة في العهد والثاني الإلتزام بإصدار تشريعات وطنية تتناسب مع مضمون العهد. وأضاف أن المادة 20 من هذا العهد تنص ايضاً على "حظر أي دعوة للكراهية القومية او العنصرية أو الدينية والتي يمكن أن تشكل تحريضاً على التمييز".

وأشار المصري إلى وجود مصدر دولي آخر، انطلاقاً من أنَّ القانون الدولي، يستند في مصادره أيضاً إلى توصيات دولية ولو غير ملزمة، ويتمثل بالإعلان البالغ الاهمية للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1981الذي نص على "إلغاء كل انواع التعصب المبني على قاعدة دينية"وعلى التمييز القائم على الدين والمعتقد.وأضاف ان اهمية هذا الإعلان تتمثل في انه ذكر المسموحات والقيود ولا سيما في مسألة خلق وتعزيز التعصب الديني بين المجموعات البشرية، لافتاً إلى أنه على الرغم من أن هذا الإعلان غير ملزم لكن أهميته تكمن في شمولية مواده. وقال المصري إن هذه المصادر يمكن ان تشكل نواة لمعاهدة دولية لمعالجة الإساءة إلى الاديان تتلاءم مع النصوص الدولية القائمة، في حال كان هناك سعي لذلك.
 المولى
 الدكتور سعود المولى عبّر عن تشاؤمه بإمكانية إصدار قانون دولي لمنع الإساءة الى الاديان في ظل الوضع الدولي القائم اليوم، وفي ظل احتمال بروز انقسام بين الدول الإسلامية وبقية الدول الغربية حول مشروع قانون مماثل.واكد انه يستحيل على الدول الصناعية المتقدمة إصدار قوانين تمس حرية التعبير لديها، لافتاً إلى عدم وجود أي نص ديني في الإسلام يتعلق بمنع الإساءة إلى الأديان أو معاقبته، لكن الإشكالية تتعلق بالجانب السياسي.

وأوضح أن هناك استغلالاً سياسياً من دول ومنظمات إسلامية لما عرف بالإساءة إلى الاديان وذلك في إطار بناء هويتها، وشعور الشعوب الإسلامية بتهديد على الهوية من قبل الغرب مما يدفعها إلى التمسك بمقدساتها لأنها تؤكد هويتها، وكل ذلك يأتي من ضمن موجة "صراع الحضارات"والهويات.وشدد على جانب مهم في التشجيع على ردود الفعل العنيفة وهو صمت علماء الدين الذين يخشون إصدار فتاوى ضد العنف وذلك مخافة من الموقف الشعبي، لافتاً إلى الحاجة إلى عمل ثقافي في المجتمعات الإسلامية، ومعتبراً ان الإسلام هو أمام التحدي.

وميّز المولى بين التجديف (Blasphemyالذي توجد ضوابط له في كل الدول حتى العلمانية منها، وبين الإساءة إلى الأديان أو "خطاب الكراهية" ( (HateSpeech . وأشار إلى ان في كل الدول الغربية قوانين تعاقب التجديف ولم تعدّل إلا مؤخراً أو تم تعطيل شقها التنفيذي، لكن في مسألة "خطاب الكراهية" فإن هناك قوانين في مواجهته ومن بينها القوانين التي تجرم إنكار "الهولوكوست".وقال إن أول قضية تتعلق برد فعل فعل عنيف على الإساءة إلى الأديان تمثلت بفتوى الإمام الخميني التي اهدرت دم سلمان رشدي في العام 1989، ومن ثم استمرت الحال هادئة إلى أواخر التسعينات حين تصاعد التشدد في افغانستان بعد سيطرة طالبان، وفي باكستان حيث تزامن تصاعد التشدد فيها مع وصول الهندوس المتشددين الى الحكم في الهند. وأضاف انه نتيجة لهذا الجو تمت إثارة الإساءة الى الاديان في لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ابتداءً من العام 1999، حين قدمت باكستان توصية إلى اللجنة لوضع تحديد للإسلام، وقبلت اللجنة هذه التوصية.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=8343

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك