كيف تحِب وتحَب؟ الكلمة الطيبة ممر اجباري للسلام الإجتماعي

  حوراء قانصو

 

من وصايا لقمان الحكيم:"يا بني لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطا تكن أحب الى الناس ممن يعطيهم العطاء"، ويدلّنا هذا القول على أهمية الكلمة الحسنة والطيبة بين الناس الذين تربطهم العلاقات في المجتمع، فلدينا مثلا علاقة الأهل والأولاد وما نصت به الكتب السماوية والأعراف والتقاليد من ضرورة احترامهم واللياقة في الحديث معهم والعكس أيضا يصح في طريقة حديث الأهل مع الأولاد والرحمة والحب في التعاطي معهم، وعلاقة المعلم مع التلميذ وضرورة الاحترام المتبادل الذي يجب أن يسود هذه العلاقة.

ابتسامة بلا حروف

وهناك قول للكاتب الإيرلندي برنارد شو اذ يقول "الإبتسامة كلمة طيبة من دون حروف" فالإبتسامة التي تودّع بها المرأة زوجها في الصباح مع كلمة وداع لطيفة واستقباله بنفس الطريقة يؤدي ذلك الى شعور رائع عند الرجل بأنه في عيون زوجته ليس من يذهب طوال النهار للعمل والكد لتأمين أمور الحياة بل هو زوجها حبيبها الذي تشتاق اليه اذا غاب وتفرح به اذا عاد، وأما الرجل فيستطيع بإضافة بعض الكلمات البسيطة الى كلماته وطلباته من زوجته أن يعطيها ذاك الشعور بالرقي والإحترام ولن تشعر بالإهانة أحيانا أو بوجودها كملبّية لطلباته وطلبات بيته طوال النهار.

الكلمة الحسنة

تقول إيمان س. وهي أم ل3 أولاد: الكلمة الطيبة تترك أثرها في الولد، ومن خلالها يسهل التعامل مع الأولاد، وتنتقل بالتربية الى مستوى أفضل وللكلمة الحسنة تأثير أقوى من الكلمة القاسية، التي تبعده من الأهل أكثر مما تقربه اليهم ويقول الله تعالى"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.." وبالنسبة لأولادي أنتظر منهم بالتالي أن يتعاطوا بنفس الأسلوب الحسن وعندما يكون الولد وقحا في كلامه يؤدي ذلك الى الشعور بالإحباط والفشل في تربيتهم، فالأهل ينتظرون الكلمة الطيبة من الولد كتجاوب ايجابي على ما قاموا به في تربيته.

وأما سارة جبق وهي استاذة لغة عربية تقول: بيني وبين طلابي في اتفاق منذ اول العام الدراسي، أن تخطي حدود اللياقة والأدب ممنوع. ونحاول أن نعمل بهذا الإتفاق حتى لا نصل الى حد التجريح والأذية بين بعضنا البعض، ولكن يختلف الطلاب في تصرفاتهم فمنهم من ينفع معهم الكلام الحسن ومنهم لا يفهمون الا باللغة القاسية.

"التلطيش" من اداب الزواج

يعلق كمال على موضوعنا وهو متزوج منذ عدة سنوات، فيعتبر بأن الرجل لا يعلم في بداية زواجه بأنه يجب أن يغازل زوجته!! أو يقول لها الكلام اللطيف باستمرار وخصوصاً الزوجة المحجبة، فقد اعتاد معظم الرجال على مفهوم احترام الزوجة المحجبة وعدم ملاطفتها أو كما نقول"تلطيشها"، فبعد الإرتباط ومن كان يلتزم بهذا المفهوم لا يعلم بتغيره بعد الزواج حيث لا يتكلم بهذا الموضوع أحد أو يشرحه للمتزوجين فيقع في المشكلة. حيث تشعر الزوجة بنقص ما من زوجها أو تظنه غير معجب بها ولن يكون سهلاً على الرجل التغير بين يوم وليلة.

الزوجة يسعدها تكرار الثناء

ومن حديث منال المتزوجة منذ 5سنوات تلفت الى أن المرأة بطبعها عندها ميول لتلقي كلام الإعجاب فيما تقوم به، إن كان من أهل أو زوج أو صديقة أو أولاد حتى فإن قامت بما يستحق الثناء في عملها أو بيتها أو شكلها أو أي أمر من متعلقاتها فعدم تلقي التعليقات الإيجابية عليها يوحي لها بعدم الرضى من الآخرين حتى لو لم يكن كذلك أما الكلمة الجميلة فتسعدها وتدخل السرور الى قلبها. وأما زوجها فهي تتوقع منه دوما إعادة كل الكلام الجميل الذي يقوله لها ولا تشبع منه أبدا.

د. حسن رضا

وقد اجرينا الحوار التالي مع الدكتور حسن خليل رضا (دكتوراه في الفلسفة واللغة والتربية في الجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية وجامعة آزاد) للتعمق أكثر في معاني الكلمة الطيبة وآثارها في المجتمع، وقد أجاب على استفساراتنا بانسيابية ملفتة وتفاصيل مثيرة للإهتمام.
ما معنى الحديث في الكلمة الطيبة؟

الكلمة هي مفتاح للتواصل بين أفراد النوع الإنساني لتعبر عن مختلف الأفكار والعواطف والمواقف الحاكية-الى حد ما- عما يتحرك في أعماق الذات الإنسانية ولولا ذلك لما كان ثمة امكانية للتواصل والتفاهم والإنفتاح على الآخر. وباختصار الكلمة الطيبة هي أروع طريقة لتعبر عن مستوى التقدير الانسجام الذي يكنه المتكلم لصاحبه.

أين تكمن أهمية الكلمة الطيبة وكيف تؤثر على العلاقات بين الناس؟

شبه القرآن الكلمة الطيبة "بالشجرة" التي تؤتي أكلها كل حين، إشارة منه الى النتائج والثمرات والفوائد المترتبة على شيوع هذه الكلمة بين أفراد المجتمع، فإذا صدرت الكلمة من المرء مليئة بالمعاني السامية أخلاقيا أو تربويا أو أدبيا، وأججت في النفس مشاعر القبول والرضا، فإنها تتحول الى اكسير في اطار الدائرة التي تجتازها حيث تثبت في آفاق النفس، لتتولد باستمرار كلما اقتضت المناسبة ذلك، وكأنها شجرة تعطي ثمارها الطيبة بلا انقطاع، ومعنى ذلك أن للكلمة الطيبة دورا في تحقيق السلام الإجتماعي.

الصمت والانفعالات

متى يختار الرجل الصمت؟ ومتى يصبح ذلك خطراً على علاقته الزوجية؟

يلجأ الرجل الى الصمت أمام زوجته عندما يشعر بأن الكلام ربما يدمر علاقته الزوجية، أو يدمر صفوها، وهو صمت قد يكون مبررا ما دام يحافظ على على تماسك العلاقة، او يرتجي تصحيح الخطأ وطي صفحته المقلقة.

ولا بأس بأن نشير الى رجحان الصمت في بعض الظروف التي تغضب فيها المرأة فتصدر كلاما انفعاليا عبثيا، فإذا ما هدأت انقلبت رأسا على عقب ولم تعترف بحقيقة ما اقترفته أو قالته، فإن هذا الصمت هو لون من التقبل أو التسامح أو امتصاص انفعالات الآخر. وتجدر الإشارة إلى أن الحد من ذلك موقوف على الكلمة الطيبة ذات الروح العتابية الخفيفة بعد أن يتم احتواء الانفعال والسيطرة على الموقف، وذلك في جو من الحب الوحي الشفاف.

هل لدى الرجل الأهمية نفسها لكلام زوجته معه أم لديه مفهوم آخر؟

تولي المرأة كلام الرجل معها أهمية كبيرة، اذ يدخل قلبها من خلال هذا الباب اذا صحّ التعبير، ولكن في المقابل لا يعتني كثيرا بكلامها، إلا في بدايات العلاقة من أجل الإحاطة بمشاعرها والعبور الى قلبها وتحقيق غرضه منها، ويعنيه من كلامها مفاصل حياتها الأساسية، فهو يصغي لذلك أكثر من اصغائه لأي كلام آخر يصدر منها على سبيل الإجمال.

هل تغني الحركات الجسدية والملاطفة باللمس المرأة عن الحديث وما تأثير انعدام هذه الحركات على أحاسيسها؟

تُعد الحركات والملاطفات الجسدية مهمة جدا بالنسبة الى المرأة، ولكنها ليست كافية ما لم تكن مصحوبة بالكلمات العذبة التي تثير لديها التخيلات والتصورات والأحاسيس العميقة، وإذا كان الرجل بطبيعة قابلا للاستثارة بمجرد النظر الى محاسن المرأة، فإنها لا تستثار من جهتها إلا بتلك الملامسات الخاصة، والتي تكون متفرعة عن حملة من المقدمات أو المقبلات ولعلّ الكلام أحد أبرز هذه المقدمات، لأن مفعول سحره يجري بقوة النار في داخلها،عندما تكون صورة المتكلم في مخيلتها شديدة النقاوة.

والحقيقة أن عدم مراعاة هذا النمط في التفاعل مع المرأة يولد لديها الشعور بالإحباط، وربما يصل بها الأمر إذا ما اقتصر التفاعل على الجانب المادي إلى حد النفور من الشريك، فلا بد للعلاقة أن تأخذ نسقها التكاملي التدريجي، فتبدأ بلغة العيون، وحركات الإيماء، وعذب الكلام، والإنفعالات الطبيعية الأولى، لتتوج في مرحلة لاحقة بالملامسات والملاطفات والمداعبات الجسدية، ما يضفي عليها جوا من الإطمئنان والوثوق والتفاعل العميق.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=5276

الأكثر مشاركة في الفيس بوك