العولمة في الإعلام

الحمد لله رب العالمين القائل : (فاصدع بما تُؤمر وأعرض عن المشركين) [الحجر:94] والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين القائل : [إن من البيان لسحرا] وبعد .
  
فإن لكن الطور الذي دخله الإعلام في سنيه الأخيرة ليس مجرد طور عادي ، وليس مجرد وسيلة جديدة أو أسلوب متطور فحسب ؛ بل الأمر هو التوجه العالمي للإعلام ؛ بمعنى أن الإعلام لم يعد محصورًا في مكان أو حدود سياسية أو بقعة جغرافية.. بل أصبح يتخطى الحدود وربما يجاوز كل وسائل الرقابة .
  
كذلك فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد.. بل تعداه إلى تكوين مجموعات أو شركات إعلامية أخطبوطية لها أذرع في كل مكان ، ولها وجود في كل صنف من الإعلام.. تشارك في القرار السياسي وتؤثر في النشاط الاقتصادي.. توجّه المجتمعات وتقود الأمم في الفكر والثقافة ، في الفن والرياضة ، في الدين والأخلاق .

مفهوم العولمة :
   العولمة مصطلح حادث مترجم عن الكلمة الإنجليزية Global ومعناها : عالمي أو دولي ، وغالبًا ما تذكر مرتبطة بمصطلح القرية Village Global  بمعنى القرية الكونية أو العالمية . ويدور مفهوم العولمة حول الوجود العالمي أو الانتشار الكوني ، وغالبًا ما استخدم في السياسة والاقتصاد بمعنى النفوذ السياسي العالمي والمؤسسات الاقتصادية الدولية (الأخطبوطية) المتواجدة في أنحاء كثيرة من العالم ولها تأثير قوي ونافذ سواء في الشأن الاقتصادي أو السياسي المحلي (أي في البلدان المتواجدة فيها) . ثم تطور في جانب جديد وهو العولمة الإعلامية ، عن طريق إنشاء مؤسسات إعلامية دولية ضخمة لها قاعدة أساسية في بلد وتنطلق منه إلى كثير من البلدان ، ولها أثر فاعل في الإعلام المحلي لتلك البلدان .

أهداف العولمة الإعلامية :
   من المعلوم أن الربحية غرض رئيس للرأسمالية الغربية ، وأي نشاط اقتصادي يكون وسيلة لزيادة الدخل والربحية فإنه مُحبّب ومرغوب.. هذا هو منطلق العولمة الإعلامية.. ربح وربح وربح .
   لكن لا ننسى أن القائمين على هذه المؤسسات والعاملين فيها لهم خلفيات وعقائد ومبادئ ينقلونها إلى العالم من خلال أنشطة مؤسساتهم الإعلامية مثلما تنقل السفينة البضائع ، فلا يُستغرب أن نرى مضامين هذه العولمة الإعلامية مترافقة تمامًا مع ما درج عليه أصحابها ، فالعنف يستشري في دمائهم ، والجنس قضية بيولوجية ، أما العقيدة فهي مجموعة من الخزعبلات والخرافات والشعوذات تتوافق أحيانًا مع تربيتهم الدينية (النصرانية) وتصادمها أخرى .

من المستهدف ؟
   ليس هناك مجتمع محدد مستهدف بالعولمة ولا قطاع معين أو دولة محددة ، لكن أينما وجدت التسهيلات الفنية والإمكانات المالية فتجدهم هناك ، لذلك نجد توجهًا قويًا للمجموعات الإعلامية الدولية تجاه المراهقين والأطفال ، نظرًا للوقت الطويل الذي يقضونه أمام شاشات التلفاز ، الإنترنت ، الكمبيوتر .
   والمجتمعات العربية والإسلامية مستهدفة بهذه العولمة ضمن هذا الميدان ، فحيثما شُرعت الأبواب لهم فإنهم داخلون ، لا يعتّدون غالبًا بالبيئات وثقافتها وتقاليدها فضلًا عن دينها ومبادئها .

من يقود العولمة الإعلامية ؟
   المتابع لوسائل الإعلام بكافة أنواعها - والتلفاز والسينما والإنترنت على وجه الخصوص - لا يخفى عليه الحضور الأمريكي الطاغي ؛ لدرجة أن أصواتًا عدة ارتفعت في أوروبا (فرنسا على وجه الخصوص) لمقاومة المد الإعلامي الأمريكي الغازي .

وفي الوقت نفسه بدأ السعي الحثيث لدى بعض المؤسسات الإعلامية الأوروبية نحو العولمة ، بدءًا بالإنتشار الواسع داخل أوروبا نفسها ثم الإنطلاق نحو الأسواق الخارجية خصوصًا ذات الثقافة واللغة المتشابهة .

تطور العولمة الإعلامية :
   بدأ التحول الضخم في اتجاه العولمة في مجال الإعلام بدءًا من الثمانينيات ، وكانت البداية أفرعًا لمؤسسات وموزعين لمنتجات إعلامية ، ثم تطورت الأمور مع التوسع الاقتصادي ، والنمو السكاني ، والإنفتاح السياسي والاقتصادي بين الدول .

استطاعت مجموعة من المؤسسات الإعلامية أن تفهم حاجات المجتمعات المختلفة للمواد الإعلامية مما ساعدها على تطوير أدوات إيصال لهذه المواد مستفيدة من التطور التقني الواسع في ميدان الاتصالات .
   بدأت المؤسسات الإعلامية الأمريكية القوية في موطنها في تكوين شركات متعددة الجنسيات وشراء أنشطة ومؤسسات إعلامية في البلدان الخارجية المختلفة .

واكب ذلك تحالفات استراتيجية مع الجهات المحلية القوية مستفيدة بدرجة كبيرة من النفوذ الأمريكي السياسي في العالم وتهاوي أدوات المنع أو الرقابة ووسائلهما في البلدان المختلفة .
   وتطورت الأمور تجاه العولمة بسرعة بالتواكب مع العولمة الاقتصادية ؛ حيث يمكن إدراج الإعلام جزءًا من الأنشطة الاقتصادية .

    وصل عدد المؤسسات الإعلامية الدولية إلى 80 مؤسسة نصفها تقريبًا أمريكي .

ويتوقع الاستمرار نحو هذا الاتجاه وزيادة التكتلات والمجموعات الإعلامية الدولية وذلك في المدى القريب والمتوسط .

مستقبل العولمة الإعلامية :
    تعتبر أمريكا أكبر دولة في العالم اقتصاديًا وسياسيًا ، وفي جانب الاتصالات هي الأولى وكذلك في جانب الكمبيوتر . أما الإعلام فلا يوجد لها منافس حقيقي في الساحة . هذه الحقيقة تعطي تصورًا واضحًا للمستقبل الإعلامي العالمي ؛ فقيادة أمريكا له ظاهرة .
   وتداخل الإعلام مع التقنية في الكمبيوتر والاتصالات تجعل القدرة الأمريكية في استمرار الهيمنة الإعلامية مؤكدة ؛ خصوصًا إذا انتبهنا إلى الأسلوب المستخدم في الإعلام (المرئي على وجه الخصوص) والذي يعتمد على الإيحاء والخيال الواسع والصورة والحركة لإيصال الرسالة الإعلامية بعيدًا عن الكلام الكثير والحشو المطوّل .

ومما هو مشاهد أن التوسع الإعلامي (الأمريكي على وجه الخصوص) أفقي وعمودي ؛ وقد استفاد من التحالفات المحلية (في المناطق القوية) والسيطرة والاحتكار (في البلدان الضعيفة) .

    كذلك فإن النظرة للعولمة من جهة الشركات الإعلامية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص يزداد مع الأيام ، والقناعة به بدأت تسري حتى في المؤسسات المتوسطة والصغيرة فضلاً عن الكبيرة .

    هذا الأمر (العولمة الإعلامية) سيتجذر مع مرور الأيام ، وسيصبح جزءًا مفهومًا من الواقع العالمي ، وبالطبع سيتأثر هذا الأمر بمدى المقاومة السياسية للبلدان المستهدفة وبمدى قدرتها على المقاومة أصلاً أو حتى برغبتها في ذلك أو عدم الرغبة .

كذلك سوف تتعرض البلدان المتخلفة لضغوط سياسية واقتصادية للقبول بها الواقع الإعلامي الجديد من باب : حرية الناس ، وحقوق الإنسان ، الإعلام الحر ، تبادل الثقافات ، وحوار الحضارات .
   ولا ننسى أيضًا أن الشركات الإعلامية تتحرك بمساعدة حكومية من بلدانها الأم وهي تنظر إلى الناس (في كل مكان) أنهم مستهلكون لسلع هم ينتجونها ، ولا ينظـرون إليهم بصفتهم مواطنين في بلدانهم لهم ثقافاتهم الخاصة وعقائدهم المتميزة .

  المجموعات الإعلامية الدولية الكبرى :
    هناك ست مجموعات رئيسة كبرى تعمل في الأنشطة الإعلامية على مستوى العالم ولها حضور دولي كبير متفاوت من مؤسسة لأخرى ، أربعة منها أمريكية ، وواحدة أوروبية ، وواحدة أسترالية أمريكية ، وهذا عرض لأبرز أنشطة هذه المجموعات :

1- تايم وورنر Time Warner
    أكبر مؤسسة إعلامية في العالم ؛ إذ تفوق مبيعاتها 25 بليون دولار ، ثلثها من أمريكا والباقي من العالم . ويتوقع ارتفاع دخلها من خارج أمريكا إلى 50% ، وتملك العديد من الأنشطة الإعلامية المتنوعة ومنها :

- 24 مجلة (منها تايم) .
- ثاني أكبر دار للنشر في أمريكا .
-شبكة تلفزيون ضخمة واستديوهات برامج وأفلام ، ودور عرض للسينما (أكثر من 1000 شاشة) ، وأكبر شبكة كيبل تلفزيوني مدفوع في العالم .
- شركات أفلام في أوروبا ، والعديد من محلات البيع بالتجزئة .
- مكتبة ضخمة مـن الأفلام (6000 فلم) والبرامج التلفزيونية (25000 برنامج) .
-بعض القنوات الدولية التلفزيونية مثل HBO, TNT. CNN

 مساهمات رئيسة في قنوات وشبكات تلفزيونية أو مرئية .

وللعلم ، فإن عدد مشاهدي المحطة الإخبارية CNN يفوق 90 مليونًا من 20 دولة ، ولدى HBO 1.2 مليون مشترك حول العالم .

2- مجموعة برتلزمان Bertelsmann
    أكبر مجموعة إعلامية في أوروبا وثالث أكبر مجموعة في العالم . دخلها السنوي يجاوز 15 بليون دولار ، وتتميز بأن لها تحالفات وتعاونًا مع العديد من المجموعات الإعلامية الدولية في أوروبا واليابان ، ولها العديد من الأنشطة الإعلامية ومنها :

- قنوات تلفزيون في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا : إضافة إلى استوديوهات سينمائية متعددة .
- مجموعة من الإذاعات الأوروبية .
- 45 شركة نشر للكتب بلغات أوروبا المختلفة .

- أكثر من 100 مجلة في أوروبا وأمريكا .

3- مجموعة فياكم Viacom

    مجموعة إعلامية قوية في أمريكا : وريع دخلها السنوي (13 بليون دولار) من خارج أمريكا ، ولها نشاط محموم للتوسع الدولي : حيث أنفقت بليون دولار في السنوات الأخيرة للتوسع في أوروبا ، ولها تحالفات مع العديد من المجموعات الإعلامية ونشاطها متنوع ومنه :

- 13 محطة تلفزيون في أمريكا إضافة إلى شبكات بث فضائي دولي (شوتايم - نكلدون..) .

- شركات إنتاج تلفزيوني وسينمائي وفيديوي وموسيقي .
- شركات نشر كتب .

4- ديزني Desney
   أكبر متحدٍ لمجموعة تايم ورنر في العولمة الإعلامية . لها دخل يفوق 24 بليون دولار ، ولها حضور قوي في مجال الأطفال بل تعتبر أكبر منتج لمواد الأطفال في العالم ، ولها حضور من أقصى الشرق (الصين) إلى أوروبا والشرق الأوسط حتى أمريكا اللاتينية ، ولها أنشطة متنوعة منها :

- استوديوهات أفلام وفيديو وبرامج تلفزيونية ، وشبكة ABC  التلفزيونية الضخمة في أمريكا ، ومحطات تلفزيون وراديو متعددة .

- قنوات تلفزيونية دولية متعددة بالأقمار الصناعية والكيبل مثل ديزني Disney , Espn الرياضية .
- محلات تجارية باسم ديزني ، ومراكز ألعاب وترفيه حول العالم .

- دور نشر للكتب .
- 7 صحف يومية ، و3 شركات لإصدار المجلات .

وللمجموعة تحالفات ومشاركات مع مؤسسات إعلامية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وكذلك مع شركات بث واتصالات متعددة الجنسيات .

5- نيوزكوربريشن News Corporation
    خامس أكبر مجموعة إعلامية من حيث الدخل (10 بليون دولار) لكنها أكبر لاعب دولي في مجال الإعلام حول العالم . أسس المجموعة روبرت مردوخ ويملك حاليًا ثلثها ، ولها وجود في جميع أنحاء العالم من خلال أنشطتها الإعلامية والتي منها :
- 132 صحيفة و25 مجلة في أستراليا وبريطانيا وأمريكا (تعتبر واحدة من أكبر ثلاث مجموعات صحفية حول العالم) .
- شركة فوكس للإنتاج السينمائي والتلفزيوني ، وشبكة فوكس للبث التلفزيوني : إضافة إلى 22 محطة تلفزيون .
- شبكة ستار للبث الفضائي حول العالم وشبكة سكاي (بريطانيا خصوصًا) .
- دور نشر للكتب .
   وللمجموعة تحالفات مع مجموعات إعلامية حول الإعلام ، وقاعدتها 6 دول رئيسة تنطلق منها أنشطتها المتنوعة وبالأخص : أستراليا - بريطانيا - أمريكا .

تعتبر هذه المجموعة من أعقد المجموعات الإعلامية وأوسعها ، ولها نفوذ قوي في الصين والهند (فضلًا عن أوروبا وأمريكا) ، وأسلوبها الناجح هو الشراكة مع جهات نافذة محلية مع عدم مصادمة التوجهات السياسية المحلية لهذه البلدان .
   ومن أهم خصائص هذه المجموعة : أنها تبث بلغت البلدان المختلفة ؛ فمجموعة  FOX نفسها مثلما تبث بالإسبانية في أمريكا اللاتينية وإسبانيا إضافة إلى الإنجليزية بوصفها لغة دولية ، وتتميز هذه المجموعة أيضًا بقدرتها على اختراق الدول النامية وتوطيد أقدامها فيها ، كما أن لها مصادرها الخاصة بالأخبار والبرامج ممثلة في شركات تابعة أو شريكة إضافة إلى قنوات البث الخاصة بها .

6- مجموعة TCT

    وهي مجموعة إعلامية متخصصة بالبث التلفزيوني عبر الكابل وكذلك عبر الأقمار الصناعية من خلال نظام الاشتراكات ، ولها وجود قوي دولي في هذا الميدان ؛ حيث تمتلك قمرين صناعيين للبث حول العالم (قيمتهما 600 مليون دولار) والدخل السنوي للمجموعة يفوق 7 بليون دولار .

مجموعات إعلامية أخرى :
هناك مجموعة إعلامية دولية أخرى على صنفين :
   الأول : يمثل النشاط الإعلامي جزءًا من نشاط أوسع للشركة الأم .

والصنف الثاني : مجموعات إعلامية أصغر (من حيث الدخل ؛ وإلا فإنها إمبراطورية إعلامية لا يقل دخلها عن بليون دولار سنويًا) ، مثل يونيفيرسال ، بولي جرام (جزء من فيلبس) وسوني اليابانية (يتجاوز دخلها 9 بليون دولار) وجنرال الكتريك ومجموعة هولنجر الكندية ، ويلاحظ الغياب للمؤسسات الإعلامية الدولية في منطقة آسيا والشرق الأوسط .

العولمة الإعلامية والتقنية :

    ترتبط العولمة بالتقدم والتوسع الإقتصادي ارتباطًا وثيقًا ؛ ولذلك كانت عملية الرقمية Digital في نقل الصوت والصورة والكلمة حاسمة في تسهيل وصول هذه المواد للمستهدف ، كما أنها خفضت التكلفة ، مما ساعد على توسيع دائرة الانتشار عالميًا ، كذلك ساعدت شبكات الاتصال الفائقة Fibers في تسهيل نقل كميات كبيرة من المعلومات وبدرجة نقاء عالية وبوقت قصير حول العالم ، وأصبح هناك تحالف ظاهر بين شركات الاتصالات التقنية والبرامج مع المؤسسات الإعلامية نظرًا للمصالح المشتركة بين هذه الأطراف ؛ فالأولى ترصف الطريق والثانية تسير عليه .
   وفي الختام أحذّر وأحذّر من خطوة الإعلام على عالمنا العربي والإسلامي الضعيف في كل المناحي (ومنها الإعلام) ، وهو أصلاً هزيل في تقنياته وموارده بعيدًا عن جذور الأمة وعقيدتها . كذلك أحمِّل قادة الفكر والتوجيه المسؤولية في هذا الميدان ، وأدعوهم للمسارعة في تحمّل المسؤولية خصوصًا أننا دائمًا متخلفون عن الركب عالة على الغير في كثير من أمورنا ، والعبء الكبير لا يستطيعه فرد أو أفراد بل لا بد من مساهمة الجميع : مؤسسات ، ورجال أعمال ، مربين ومفكرين ، كل بحسبه وكل بقدرته
والأمر يسيرٌ لو كان الإعلام خاليًا من الرسالة والهدف ، بل المضمون الثقافي المُصدَّر إلينا لا يحتاج إلى كثير بصيرة لمعرفة خطورته على مجتمعاتنا وأجيالنا القادمة .

المصدر : www.islamweb.net
الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك