أهداف الترجمات الاستشراقية لمعاني القرآن الكريم ودوافعها

أهداف الترجمات الاستشراقية
لمعاني القرآن الكريم
ودوافعها

إعداد
الدكتور/ محمد أشرف علي المليباري

المقدمة

الحمد لله القائل: ﮋ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﮊ [المائدة: ١٣].
والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمد بن عبد الله ورسوله إلى النّاس كافّة بشيراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن موضوع هذا البحث هو: ((أهداف الترجمات الاستشراقية لمعاني القرآن الكريم ودوافعها)) وقد أعده الباحث استجابة للدعوة التي تلقاها من سعادة الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف رئيس اللجنة التحضيريّة لندوة ((القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية)) أ.د.محمد سالم بن شديد العوفي, حفظه الله تعالى.
ومما دفع الباحث إلى اختيار هذا الموضوع من ضمن الموضوعات المطروحة للدراسة في الندوة رغبته الملحة في المشاركة في خدمة كتاب الله بالدفاع عن حياضه، واستشعاراً منه للأخطار المحيطة بالأمة الإسلامية من المستشرقين اليهود والنصارى من خلال ترجماتهم لمعاني كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنْزيل من حكيم حميد, ولما شاع لدى المستشرقين في ترجماتهم لمعاني كتاب الله من التحريف والتبديل من خلال مسلمات أهل الكتاب حتى يُصرفَ النّاس عن كتاب الله, ومحاولة منهم لتنصير المسلمين وتشويه عقيدتهم.
ولما رأى الباحث من اتخاذ المستشرقين الترجمات سلاحاً فتاكاً لهدم الإسلام, ووسيلة من وسائل التنصير لتنْزيل معتقدات النصارى على بعض ما قد يكون متشابهاً من آي القرآن تلبيساً وتضليلاً كما ضلوا سواء السّبيل.
وحاول الباحث من خلال هذه الدراسة الوجيزة بيان مدى خطورة إقدام المستشرقين على ترجمة معاني كتاب الله الكريم ودراستهم القرآن وعلومه منذ أن وضع القساوسة والرهبان أول ترجمة استشراقيّة بالتعاون مع بعض الأيادي اليهوديّة الخفيّة.
ولكون عنوان البحث ((أهداف الترجمات الاستشراقية ودوافعها)) تحتّم على الباحث أن يتناول عناصر هذا الموضوع من جذورها - ولو باختصار –للوصول إلى الدوافع والأهداف التي قامت لأجلها الحركة الاستشراقية في الغرب وأوربا, والتعرف عليها.
والمنهج المتبع في هذا البحث هو الدراسة حول ((الاستشراق ولادة ونشأة مع بيان مراحله وأطواره)) ومن ثم تعرض الباحث لبعض الترجمات الاستشراقية على سبيل المثال لا الحصر في اللّغات الأوربيّة والغربيّة مع ذكر نماذج منها.

وجعلت هذه الدراسة في خمسة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم كلمتي ((الاستشراق والمستشرقين)) كما يرى الباحثون.
المبحث الثاني: تاريخ نشأة الاستشراق وأطواره.
المبحث الثالث: القرآن الكريم والمستشرقون.
المبحث الرابع: الترجمات الاستشراقية ونشأتها.
المبحث الخامس: الدوافع والأهداف للترجمات الاستشراقية.
وأسأل الله العلي القدير رب العرش العظيم السداد والتوفيق والإخلاص في القول والعمل, والله ولي التوفيق وهو في عون الجميع, وصلى الله على محمد وصحبه.

المبحث الأول
مفهوم كلمتي: الاستشراق والمستشرقين
كما يرى الباحثون.
على الرغم من أن قضية الاستشراق وموضوعاته نوقشت بتوسع وأشبعت بحثاً من قبل المختصين منذ القدم، أرى من الأنسب للمقام إلقاء الضوء على مفهوم هذه الكلمة لدى الباحثين قديما وحديثا؛ لتحديد المصطلحات المميزة وتقريبها إلى الأذهان.
1- الاستشراق لغةً:
هي كلمة مشتقة من مادة ((شرق)) يقال ((شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت))( ).
وقد جاء في بعض المصادر اللغويّة الحديثة: استشرق أي: طلب الشرق وهو ما يوحي إليه حرفا السين والتاء التي هي حروف تدل بمجموعها على الطلب.
أي: طلب علوم الشرق ولغاتهم، يقال لمن يعنى بذلك من علماء الفرنجة( ) وعليه فإن العلاقة وثيقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي الآتي ذكره.

2- المفهوم العلمي للاستشراق أو معناه الاصطلاحي:
يختلف الباحثون كثيراً في المراد من مصطلح ((الاستشراق)) فيقول الدكتور محمود حمدي زقزوق: ((هو الدراسة الغربية المتعلقة بالشرق الإسلامي)) ويطلق على كلّ غربيّ يشتغل بدراسة الشرق كله أقصاه ووسطه وأدناه في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه وعقائده( ). وهذا هو الاستشراق بمفهومه الواسع.
وهناك مفهوم خاص ويعني: الدراسات المتعلقة بـ ((الشرق الأوسط)) لغته وآدابه وتاريخه وعقائده وتشريعاته وحضارته بوجه عام( ).
3- التعريف الذي يحدد دائرة الترجمات الاستشراقية:
يحاول الدكتور عمر فروخ توسيع نطاق كلمة ((الشرق)) حتى أدخل في معناها كل البلدان التي تنطبق عليها كلمة ((الشرق))؛ لكون معظمها كان معقلا للشعوب الإسلامية والمنارات الإسلامية عندما توسعت رقعة الإسلام في تلك البلدان إذ يقول: ((الاستشراق هو اتجاه إلى المعرفة بلغات الشرق وآدابه وثقافته، والشرق هو هنا الجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، وتنحصر عناية المستشرقين (في هذا النطاق) في اللّغة العربيّة خاصّة وبالشعوب الإسلامية على الأخصّ - وإن كان يجوز أن يسمّى الذي يهتم بالهند والصين واليابان مستشرقاً, ونحن نسمِّي هذا الاتجاه استشراقاً – مع أنّه يشمل بلاد المغرب وهي تقع في الجانب الغربي من البحر الأبيض المتوسّط.
فالاستشراق إذن: اهتمامٌ بالشعوب الإسلامية بقطع النظر عن مكانها من الأرض وعن اللّغة التي تتكلمها تلك الشعوب ... والمستشرق لا يكون شرقيّاً ولا عربيّاً ((بل غربيّ (بالغين المعجمة) ))( ).
وهذا المفهوم يساعدنا على حصر الدارسين الذين يدخلون في نطاق موضوع بحثنا؛ فالذين يسكنون بقاعاً تمتد من أطراف الصين شرقاً إلى موريتانيا غرباً، ومن العراق وتركيا شمالاً إلى إندونيسيا جنوباً، لا يدخلون في المستشرقين حتى لو كانت أهداف دراستهم للإسلام واحدة، مع كونهم متفقين مع الغرب في نياتهم السّيئة وأهدافهم الخبيثة، كالترجمات القاديانيّة والصوفيّة المنحرفة وأصحاب الآراء الضالة تجاه القرآن الكريم ممن جعل موقفه من الإسلام موقف المتحاملين من أهل الشرق كالأب لويس شيخو( ) مثلا، فهؤلاء جميعاً يخرجون من نطاق بحثنا بهذا التعريف. إلا أن الباحث الدكتور عليّ بن إبراهيم النّملة يخالفنا في هذا المفهوم, فيرى: أن الاستشراق ظاهرة محدّدة بدراسة علوم المسلمين من غير المسلمين, بغضّ النظر عن الوجهة التي ينطلق منها المستشرق سواء أتى من الغرب أم من الشرق( ).
ونحن مع تقديرنا له لا نؤيد هذا الاتجاه، لمخالفته للمعنى اللغوي لكلمة ((المستشرق)) ونحن معه في تحمسه للدفاع عن حياض الإسلام ضد كيد أعدائه من المنحرفين بغض النظر عن الوجهة التي انطلقوا منها.
4- المستشرقون:
للباحثين آراء متقاربة في المعنى الاصطلاحي لكلمة ((المستشرقون)).
فيقول الدكتور أحمد سمايلو فيتش: ((إن المستشرق عالم متمكن من المعارف الخاصّة بالشرق ولغاته وآدابه))( ).
وتقول الدكتورة عفاف صبرة: ((المستشرقون اصطلاح يشمل طوائف متعددة تعمل في ميادين الدراسات الشرقية, فهم يدرسون العلوم والفنون والآداب والديانات والتاريخ وكلّ ما يخصّ شعوب الشرق مثل: الهند وفارس والصّين واليابان والعالم العربي وغيرهم من أمم الشرق))( ).
ويقول الدكتور ميشال جحا: ((المستشرقون هم أولئك الأساتذة والباحثون الأكاديميون الذين تخصّصوا في دراسة اللّغة العربيّة والحضارة العربيّة وقضايا العالم العربي وبالدين الإسلامي))( ).
أما الأستاذ مالك بن نبيّ فقد صرح بكلمة مهمّة أهملها أصحاب الآراء السابقة، وهي كلمة ((الغرب)) حيث قال: ((إننا نعني بالمستشرقين: الكُتَّاب ((الغربيّين)) الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية))( ).
ويمكن الربط بين المفهوم اللغوي والاصطلاحي؛ فالاستشراق إذن:
طلب الشرق - الذي هو آسيا وإفريقيا- من الغرب الذي هو أوربا وأمريكا- للبحث عما لديهم من كنوز المعرفة, وأغلى وأعظم ما يملكه الشرق هو القرآن الكريم الذي أنزله الله لهداية البشرية جمعاء عربا وعجما على نبيّه محمد صلى الله عليه و سلم ﮋﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮊ [سبأ: ٢٨].

المبحث الثاني
تاريخ نشأة الاستشراق وأطواره

1- تاريخ نشأة الاستشراق:
للباحثين آراء متباينة في تحديد تاريخ حركة الاستشراق ومنشئها؛ لأنها لم تبدأ بصورة منظمة أو بتخطيط سابق، بل كانت في البداية جهوداً فردية وعفويّة؛ من هنا صعب على الباحثين التعرف على التاريخ بالدقة والتحديد.
وبعد أن ظهرت هذه الحركة شيئاً فشيئاً واتضحت أفكارها عند أهلها وقويت شوكتها، أصبح لها مسار مخصص, ومنهج مميّز, وكوادر ومنظمات ومؤسسات.
2- آراء الباحثين في تحديد نشأة الاستشراق:
يقول الباحث أحمد الإسكندراني: ((إن بداية الاستشراق كانت في القرن العاشر الميلادي حينما أدرك الغرب تلك المعجزة الحضارية الكبرى التي شادها العرب (بالعين المهملة), فاندفعوا إليها ليتعلّموها ويتسلحوا بها ويستفيدوا منها فأخذوا يدرسون لغتها وآدابها ويترجمون كتبها وينقلون علومها إلى بلادهم، وكان أول من بدأ بذلك رجال الدين, ثم تلاهم غيرهم))( ).

وممن ذهب إلى هذا الرأي الكاتب نجيب العقيقي إذ يقول: ((إن الذين يظنون أنّ أوربا لم تعرف استشراقاً حقيقيّاً قبل الحملات الصليبيّة مخطئون؛ لأن الاستشراق عُرف في القرن العاشر الميلادي))( ).
ويقول الباحث يوسف أسعد داغر: ((إن الاستشراق نشأ منذ القرن العاشر الميلادي يوم كان الشرق العربي الإسلامي مرتع العلم ومنتدى الأدب، وحين كانت قواعد الأندلس وحواضرها الكبرى مثوى للثقافة ومنائر للمعرفة بما فيها من خزائن الكتب والجامعات والمدارس العالية يفد إليها الطلاب من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإنجلترا للدرس والتحصيل))( ).
وتحديداً للفترة الزمنية لهذا التطور يقول الدكتور الزيادي: ((... ذلك حين بدأت التلمذة الغربيّة على الشرق التي كان رائدها ((الراهب جربرت)) الذي تعلم العربيّة في قرطبة ثم عاد إلى بلاده ليتولى البابويّة تحت اسم سلفستر الثاني))( ).
وهنالك من يقول: إن الاستشراق نشأ مبكراً في القرن الثامن الميلادي في الأندلس؛ ويستدل على ذلك بدخول العرب إلى إسبانيا عام (92ﻫ) وهذا واقع تاريخي ثابت؛ يقول الدكتور أحمد سمايلوفتش: ((إنّه وجد نصاً مبكراً من القرن التاسع يتحدث فيه ألفارو المسيحي عما حدث مع أهله الذين يجدون لذّةً كبرى في قراءة شعر العرب وحكايتهم ويقبلون على دراسة مذاهب أهل الدين والفلاسفة المسلمين لا ليردّوا عليها وينقضوها، وإنما لكي يكتسبوا من ذلك أسلوباً عربيّاً جميلاً صحيحاً( )... ويعلق الدكتور أحمد على هذا النص بقوله: ((وإذا كان الأمر قد وصل إلى هذا الحدّ مع أهل الأندلس في أوائل القرن التاسع الميلادي من حيث الاهتمام بالعربيّة وآدابها, فمن الضروري إذن أن تكون نشأته وميلاد حركته قبل ذلك بزمن غير قصير))( ).
ويرجع بعض الباحثين نشأة الاستشراق إلى أواخر القرن السابع الميلادي، ويستندون في ذلك إلى كتابات بعض النصارى عن الإسلام أمثال يوحنا الدمشقي حفيد منصور بن سرجون وزير معاوية بن أبي سفيان؛ لأنه عاش مابين 676م و749م.
يقول الدكتور الزيادي معلقاً على هذا الرأي: ((ولا شك أن هذا الرأي ربّما يتوافق مع المفهوم العام للاستشراق لا المفهوم الأكاديمي له))( ).
وذهب بعضهم إلى أن الاستشراق نشأ عند ظهور أوّل ترجمة استشراقية للقرآن الكريم، وكان ذلك في القرن الثاني عشر الميلادي( ). كما سيأتي مفصلاً إن شاء الله.
3- مراحل الاستشراق وأطواره:
والمطلع على آراء الباحثين ودراستهم للاستشراق يرى أن حركة الاستشراق مرّت بعدّة مراحل وأطوار.
المرحلة الأولى: الانبهار بالحضارة العربيّة والاتجاه إليها.
المرحلة الثانية: ما بعد الحروب الصليبيّة.
المرحلة الثالثة: التنظيم الفعلي.
المرحلة الرابعة: ما بعد الحرب العالميّة الثانية.
وهذه المراحل كلّها دُرست لدى الباحثين عن الاستشراق بتفاصيلها, ونحن لا يهمنا هذا الجانب بقدر ما يهمنا جهود المستشرقين في مجال الترجمات لمعاني القرآن الكريم وأهدافهم من وراء ذلك( ).
4- متى ظهرت كلمة ((الاستشراق))؟
لا يفهم من الآراء السابقة أن كلمة ((الاستشراق)) معهودة في تلك العصور المتقدمة, وأن أعمال المستشرقين وجهودهم عرفت بتلك الكلمات والمصطلحات، بل إنّما ظهرت تلك المصطلحات في زمن متأخر جدّاً كما يقول الدكتور عمر فرّوخ: إن كلمة ((الاستشراق)) لم تكن منتشرة ولا متداولة في تلك الفترة، إنما عرفت في اللّغة الإنجليزية عام 1811م, وفي اللغة الفرنسية عام 1830م, كما أنّ كلمة ((المستشرق)) بدأت في الظهور في اللغة الإنجليزية عام 1779م، ثم ظهرت في اللغة الفرنسية بعد ذلك بعشرين عاماً( ).
ويلاحظ هنا أن كثيراً من الترجمات الاستشراقية أصدرها المستشرقون قبل ظهور تلك المصْطَلحات. وأهدافهم من وضع تلك الترجمات واضحة وضوح الشمس من خلال ترجماتهم وكتاباتهم دون أن يلقبوا في تلك الفترة بالألقاب المشهورة.

المبحث الثالث
القرآن الكريم والمستشرقون

1- تمهيد:
كان للمستشرقين عناية فائقة واهتمام كبير من جوانب كتاب الله كافة فبحثوا في نزوله ووحيه وجمعه وترتيبه وتفسيره، وفصاحته وبلاغته وأسلوبه، بل في ألوهيته وبشريته وفي كل الموضوعات المتعلقة بكتاب الله الكريم.
ولا يخلو أدب من آداب الاستشراق إلا ويعالج قضيّة من قضايا القرآن الكريم أو موضوعاً من موضوعاته؛ لكون القرآن مصدراً رئيساً لدى المسلمين للشريعة الإسلامية, ولكون القرآن -في اعتقاد المسلمين- ناسخاً للكتب السماويّة الأخرى.
2- صدور أول نسخة مطبوعة للقرآن الكريم في أوربا:
ومن ضمن اهتمامات المستشرقين بالقرآن وعلومه قيامهم بطباعة النص القرآني في وقت مبكر من اختراع أوربا لفن المطابع( ).
وأول طبعة للقرآن الكريم في نصه العربي يلفها الغموض في تحديد تاريخها ومكان طباعتها والجهة المشرفة عليها ومصيرها ومما قيل عنها: إنها طبعت في البندقية أو روما في الفترة ما بين 1499م و1538م دون الاتفاق على تاريخ محدد.
إلاّ أن هناك اتفاقاً على أن هذه الطبعة أتلفت بأمر من البابا، وإذا كان هناك من الباحثين من يرجع سبب إتلافها إلى رداءة طباعتها وعدم تقيدها بالرسم الصحيح للمصحف حسب ما اتفق عليه علماء المسلمين، مما جعل المسلمين يحجمون عن اقتنائها، إلاّ أن تدخل البابا وأمره بإتلافها يوحي بأن هناك دافعاً دينيّاً أيضاً وراء إتلاف هذه الطبعة( ).
وأول طبعة للقرآن بقيت بدون إتلاف هي تلك التي قام بها إبراهام هنكلمان 1125ﻫ/1694م.
يقول يوهان فك في تاريخ حركة الاستشراق: ((القرآن الذي حرّم البابا ألكسندر (1655م-1667م) نشره أو ترجمته تمت طباعته في نهاية القرن (17) مرتين على التوالي بفاصل زمنيّ قصير, مرّة في سنة 1694م من قبل راهب من مدينة هامبورج( ) يدعى إبراهام هنكلمان (1652م-1695م), ومرّة أخرى في سنة (1698م) من قبل لودفيجو ماراتشي))( ).
والطبعة التي قام بها إبراهام هنكلمان هي أول طبعة للنص الكامل للقرآن الكريم بحروف عربيّة, وانتشرت ولا تزال توجد منها نسخ في بعض مكتبات أوربا.
وقد استغرق نص القرآن في هذه الطبعة (560) صفحة، وإبراهام هذا مستشرق ألماني ينتمي إلى الطائفة البروتستانتيّة، وقد حدد هدفه من هذه الطبعة بأنه ليس نشر الإسلام بين البروتستانت, وإنمّا التعرف على العربيّة والإسلام( ).
ولكن النسخة التي حظيت بالشهرة والذيوع بسبب جودتها وتطور حروفها هي الطبعة الكاملة للقرآن الكريم التي قام بطبعها لودفيجو مراتشي Ludvico Marracci ( ) وكان معرفاً للبابا أنوست الحادي عشر، وطبعت في مدينة ((بتافيا بمطبعة السيمناريين سنة 1698م وهي التي أشار إليها ((يوهان فك)).
وقد تمت طباعة سور مختارة قبل التاريخ المشار إليه وبعده في جهات مختلفة في أوربا، يقول الدكتور عبد القهار العاني: إنه نشرت مختارات من القرآن الكريم في برلين سنة 1701م بالعربيّة والفارسيّة والتركية واللاتينيّة قام بنشرها أندريا أكولوتوس اللاهوتي، وأستاذ اللّغات الشرقية في براتسلافا، وتقع في (57) صفحة ويورد في العنوان أنّ النص العربي حقق على ثلاثين مخطوطاً( ).
ومهما يكن من أمر، فإن الواقع التاريخي المرّ الذي أثبتته جهود هؤلاء المستشرقين في سبيل إخراج النص القرآني مطبوعاً كان لمجرد كونه وثيقة تاريخية ثمينة تاريخيّة باعتبارها مبدأ أساسياً لإيمان وعقيدة أولئك الذين ملكوا العالم وملؤوه بحضارتهم وثقافتهم، ولم يقوموا بطباعة القرآن بصفته وحياً مُنَزَّلا من الله سبحانه وتعالى.
هذا ما ينبغي مراعاته عند القراءة في دراسات المستشرقين أو مناقشتهم حتى لا يحصل الخلل في الفهم والنتائج.

المبحث الرابع
الترجمات الاستشراقية
لمعاني القرآن الكريم ونشأتها
سبق أن أشرنا إلى أن الترجمات الاستشراقية لمعاني القرآن الكريم الصادرة من الغرب وأوربا هي التي تدخل في إطار بحثنا، كما أن بعض الباحثين يرى أن تاريخ الترجمات الاستشراقية هو نفسه تاريخ ولادة الحركة الاستشراقية.
ولكي نقف على أهدافها ودوافعها نلقي الضوء على بعض الترجمات الاستشراقية الهامّة على وجه التمثيل لا الحصر.
1- الترجمة اللاتينية:
يذكر المؤرخون أن حركة الترجمة الاستشراقية يعود تاريخها إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي، فأوّل ترجمة كاملة تلك التي دعا إليها ورعاها رئيس ديركلوني (Cluny) بطرس الطليطلي( ) (ت1156م)، وقام بها رهبان ريتينا وعلى رأسهم روبرت أوف تشتر( )(Robert of Chester) الذي كان إنجليزي الأصل, وهرمان الدلماطي Hermann Alemanus( ) من أصحاب صومعة (الدلماطيا) وراجع هذه الترجمة اللاتينية بييردى بواتيه وتمت هذه الترجمة في سنة 1143م/528ﻫ.
وبقيت هذه الترجمة الخطيّة محفوظة في صومعة الراهب بطرس المذكور طيلة أربعة قرون، ثم طبعت في ((بازل)) (سويسرة) سنة 1543م، وطبعت طبعة ثانية في بازل أيضاً في سنة 1553م والذي قام بنشر هذه الترجمة اللاتينيّة هو ((تيودر بيبلياندر)) في ثلاثة أجزاء T.Bibliander وكان لاهوتيّاً من زيورخ (سويسرة) ( ).
ويقول الأستاذ عبد الله عباس الندوي: إن هناك رواية أخرى حول هذه الترجمة التي قام بها الرهبان باللاتينية تقول: إن بعض الرهبان من إيطاليا وألمانيا أحرقوها خائفين من تأثير القرآن في عقول النّاشئة وضعاف الإيمان من الرهبان.
أما الترجمة التي طبعت عام 1553م في مدينة بازل فهي الترجمة الأخرى التي قام بها الآخرون من رهبان إيطاليا الكاثوليكيين( ).
وفي سنة 1689م ظهرت الترجمة اللاتينية الأخرى التي قام بها مع النص العربي المستشرق ((لود فيجو ماراشي))( ) Ludvigo Marracci وأضاف ليوجي بعض الاقتباسات من التفاسير المختلفة اختيرت بعناية لتعطي أسوأ انطباع عن الإسلام للأوروبيين، وقدم لترجمته بجزء كامل ضمّنه ما سمّاه ((تفنيد مزاعم القرآن)). يقول الشيخ عبد الله عبّاس الندوي: إنه لا يعرف أحد من معاصريه ومن بعده المراجع التي استفاد منها أثناء عمله للترجمة فلم يكن ثمة قاموس عربيّ أو كتاب عربيّ في مكتبته التي بيعت بعد موته، وكان مستشاراً للأسقف العاشر Pope Innocent وأهدى ترجمته إلى إمبراطور الرّوم ليبولد الأول( ).
2- الترجمة الإيطالية الأولى:
بعد أن فتحت الترجمة اللاتينيّة باب الهجوم توالت الترجمات الأوربيّة واحدة تلو الأخرى.
ففي عام 1547م ظهرت عن هذه الترجمة اللاتينيّة ترجمة إيطاليّة قام بها أندريا أريفابيني في فينيسيا( ) وهي تقع في 150 ورقة من الحجم الصّغير وادعى المترجم أنّه اعتمد في ترجمته على الأصل العربي للقرآن مباشرة لا عن الترجمة التي نشرها بيبلياندر( ).
3- الترجمة الألمانية الأولى:
كانت ترجمة أريفابيني الإيطالية مصدراً لأول ترجمة ألمانيّة قام بها سلمون شفايجر الذي كان قسيساً واعظاً, كنيته فراون كيرشة/Frauenkirche, في نورمبرج سنة 1616م وهذه الترجمة الألمانية بطبعة شفايجر أعيدت طباعتها في عام 1623م, ثم عام 1659م, ثم عام 1664م( ).
4- الترجمة الهولندية:
كانت الترجمة الألمانية الآنفة الذكر مصدراً لأول ترجمة باللّغة الهولندية وقام بها رجل مجهول عام 1641م وطبعت في هامبورج.
وهذا يعني أن هناك ثماني طبعات في أربع لغات كلها من مصدر واحد، وهي ثلاث طبعات باللاتنيّة وثلاث بالألمانية لشفايجر، وواحدة بالإيطالية وواحدة بالهولندية( ).
5- الترجمة الفرنسية الأولى:
قام المستشرق أندريه دي ريور Andre Du Ryer المولود عام 1580م والذي كان قنصلا في الإسكندرية بمصر بترجمة لمعاني القرآن الكريم في جزأين مدّعياً أنّه يجيد اللّغة العربية, وأنه تَحمَّل مشقة أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية كأول ترجمة للقرآن الكريم؛ هذا ما أفادنا به د.معايرجي بعدما عانى -كما يقول- في سبيل الحصول على هذه المعلومة عناءً شديداً، ثم تساءل الدكتور: هل دي ريور ترجم حقّاً عن العربية أو كانت مصادر أخرى تعينه على ترجمة النص العربي بالصورة الرهيبة الممزَّقة التي وصل إليها؟
وهل كان على غير علم بالترجمات التي ظهرت قبلها في اللغات الأوربية؟ وهل يُعَدُّ عمل دي ريور بداية في ذاته مثل ترجمة دير كلوني دون التأثر بالترجمات التي سبقته؟ ومهما كان الأمر فإن ترجمة أندريه دي ريور هي الأولى في اللّغة الفرنسيّة, قام بوضعها سنة 1647م( ).
ويقول الدكتور: عبد الرحمن بدوي في موسوعته: إن هذه الترجمة الفرنسية نقلت إلى لغات أخرى, الإنجليزية والهولندية, ومن الهولندية إلى الألمانية أيضاً( ).
6- الترجمة الفرنسية الثانية:
تعد ترجمة سافاري من أهم الترجمات التي صدرت باللغة الفرنسية, وقد قدم لها المستشرق الفرنسي كاردون, ونوّه بدقتها ووضوح أسلوبها وروعته مع أمانة الضبط، وعاش هذا المترجم في القرن الثامن عشر الميلادي وصدرت أول طبعة من ترجمته سنة 1772م، ويذكر عن نفسه أنه أتم هذه الترجمة بمصر تحت بصر العرب الذين عاش معهم كثيراً من السنين وتحادث معهم ودرس عاداتهم وعظمة لغتهم التي يمتاز فيها القرآن بجمال الأسلوب وروعة التصوير، وقد وضع في مقدمة الترجمة دراسة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم( ).
7- الترجمة الإنجليزية الأولى:
طبعت لأول مرّة ترجمة إنجليزية في عام 1649م منقولة عن ترجمة فرنسيّة في مطبعة يونيفرسل بإنجلترا, وكانت تصدر مجزّأة إلى عام 1688م, بدأ بترجمتها إلى الإنجليزية ألكسندر روز Alexander Ross ثم تبعه ر. تيلور R.Tailor وسماها ألكسندر ((قرآن محمد)) Alcoran of Mohamet Theوطبعت هذه الترجمة بكاملها في عام 1718م في لندن( ).
وثمة نسخة من هذه الطبعة في مكتبة المتحف البريطاني ولغتها وأسلوبها غامضان لمن لم يألف قراءة الكتب القديمة( ).
8- أقدم ترجمة إنجليزيّة من العربيّة:
أما أقدم ترجمة إنجليزية لمعاني القرآن الكريم من اللّغة العربيّة مباشرة فهي التي قام بها ((جورج سيل))( ) Sale.
وقد ظهرت هذه الترجمة في لندن عام 1734م وحظيت بانتشار واسع منذ ظهورها حتى اليوم, وأعيد طبعها مرات، وكانت الطبعة الثانية في لندن عام 1764م في مجلدين.
ويقول الشيخ عباس الندوي: ((إن الشيخ عبد الماجد كان واهما عندما أحسن الظّن في هذه الترجمة وأطرى في المدح والثناء؛ لأن المستشرق سيل لم يكن أقلّ حقداً على الإسلام من بني جلدته من المستشرقين غير أنه أكثر دهاء وذكاء منهم))( ).

المبحث الخامس
الدوافع والأهداف للترجمات
الاستشراقية
تمهيد:
هذا هو أهم المباحث التي تدور حولها دراستنا وآخرها. وإن الدارس في الحقيقة ليحتار في واقع الأمر عندما يرى صنيع المستشرقين في تراث المسلمين, وإقبالهم الشديد إلى ترجمة معاني القرآن الكريم, وتعتريه الدهشة عندما يلحظ طرائقهم في الترجمة ويتساءل عن طبيعة توجه ذلك الباحث الغربي المستشرق الذي يجهد نفسه في دراسة عالم غريب عنه, يسافر ويكابد في سبيل تعلم اللغة الغريبة عنه, وربما ترك وطنه وجاهه وماله بل وأهله في سبيل نيل مخطوطة لنسخة القرآن الكريم أو ترجمة معانيه أو الحصول على نسخة من كتاب المسلمين الذين يحملون عقيدة ودينا مختلفاَ تماما عن دين ذلك الغربي, لِم كل هذا؟ وفي سبيل ماذا؟ وإلام يهدف؟ تساؤلات محيرة! حتى إن بعضهم –كما يقول العقيقي– جوزي على عمله بما كان يجزى بعض العلماء قديما من الضرر والسجن, فميكائيل سكوت نالته ريبة من ترجمة ابن رشد, وروجر بيكون سجن باعتماده على الفلسفة الشرقية، وبوستل كان أعلم مستشرق في عصره يجلُّه الملوك والأمراء اعتقل في سبيله، وسيمون أوكلي انقطع لتدريس العربية في كمبريدج انقطاعاً عاد عليه وعلى أسرته بالإفلاس والسجن( ). وهكذا الكثير والكثير عانى معاناة شديدة في سبيل الاستشراق وطلب علم الشرق, تحقيقاً وتأليفاً وكتابة وترجمة وتصنيفاً.
حتى قال العقيقي مستغرباً: ((لو أن أحدهم -المستشرقين- انصرف طوال حياته إلى حل الكلمات المتعارضة أو جمع طوابع البريد النادرة أو كتابة القصص البوليسي بدل التحقيق والترجمة والتصنيف, لخرجت به من تلك الجزائر المتعددة التي يعيش فيها المستشرقون إلى العالم الرحب في القرن العشرين, ولعادت عليه برخاء من العيش وشهرة بين الناس وسلامة من النقاد))( ).
انتهى كلام العقيقي وهو كعادته معجب بالمستشرقين, ولا يرى الدافع الحقيقي للاستشراق إلا الدافع العلمي لا غير.
والواقع خلاف ما يرى, كما سيأتي, ولاسيما فيما يتعلق بترجمة معاني القرآن الكريم.
1- اعتراف ببعض جهود المستشرقين العلمية
لاشك أن عدداً من المستشرقين كرسوا حياتهم وطاقتهم لدراسة العلوم الإسلامية وتبنوا موضوع الشرقيات والإسلاميات بدون تأثير عوامل سياسية واقتصادية أو دينية, بل لمجرد شوقهم وشغفهم بالعلم فبذلوا فيه جهوداً ضخمة, فيكون من المكابرة والتقصير ألا ينطلق اللسان بمدحها والثناء عليها, وبفضل جهودهم برز كثير من نوادر العلم والمعارف التي لم ترَ ضوء الشمس منذ قرون إلى النشر والإذاعة, وأصبحت مصونة من الورثة الجاهلين وعاهة الأرضة, وكم من مصادر علمية ووثائق تاريخية لها مكانتها وقيمتها صدرت لأول مرة بفضل جهودهم وهمتهم وقرَّتْ بها عيون العلماء في الشرق( ).
كأن الله سخرهم لأداء هذه المهمة في حين غفلة من أهلها.
وعلى الرغم من هذا الاعتراف بفضلهم وعلمهم لابد أن نعلن بأن طائفة كبيرة من المستشرقين كان دأبها البحث عن مواضع الضعف ومواطن الشبه والمتشابهات في الشريعة الإسلامية والحضارة والتاريخ الإسلامي, ثم إبرازها لأغراض دينية أو سياسية أو غيرها, وكثير من هؤلاء المستشرقين يدسون في كتاباتهم السُّم ويحترسون في ذلك فلا يزيد علي النسبة المعينة لديهم حتى لا يستوحش القارئ ولا يثير ذلك فيه الحذر ولا يضعف ثقته بنَزاهة المؤلف.
إن كتابات هؤلاء أشد خطراً على القارئ من كتابات المؤلفين الذين يكاشفون بالعداء ويشحنون كتبهم بالكذب والافتراء, ويصعب على رجل متوسط في عقليته أن يخرج منها أو ينتهي في قراءتها دون الخضوع لها( ).
2- السبب الحقيقي لإعداد الترجمات القرآنية:
مما سبق من العرض الموجز لبعض الترجمات الاستشراقية الأوربية, تبين لنا أن حركة الاستشراق التي تدير زمام ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغات الغربية والأوربية إنما جاءت إبان وصول أشعة شمس الإسلام إلى سماء أوربا, ونتيجة للصراع الذي نشب بين الشرق والغرب من أجل سيطرة أحدهما على الآخر ثقافياً وحضارياَ وعقدياً وعلمياً, إلا أن السبب الرئيس والحقيقي لظهور الترجمات القرآنية هو القرآن نفسه فيما أرى؛ لأنه الكتاب المعجز الذي هز كيان مخالفيه وزعزع عقيدتهم, فهو ينادي أهل الكتاب ويخاطبهم باسمهم: ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ
[آل عمران: ٦٤]
وكانت البشرية تجهل أو تتجاهل إلى حين نزول القرآن حقيقة ما تحمله دعوة الأنبياء عامة ودعوة أنبياء بني إسرائيل خاصة, وهي من معين واحد, وهي سر انطلاقة العرب ونهضتهم, بل هي سر عزة المسلمين وقوتهم.
والقرآن العظيم إذ أثبت هذه الحقيقة بيّن بوضوح بأنه يدعو الناس جميعا عرباً وعجماً, وأن ما بشرت به الكتب السماوية السابقة بمبعث نبي هو هذا الذي نزل عليه القرآن؛ كما أن القرآن الكريم أكد بتشبيه بليغ أن أهل الكتاب يعلمون تلك الحقيقة دون أدنى ريب ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ [البقرة: ١٤٦].
وعندما اتجه المستشرقون إلى تعلم اللغة العربية ثم درسوا القرآن الكريم زاد علمهم بحقائق القرآن ووصلوا إلى عين اليقين, ولكن عمى البصيرة حوَّلهم إلى العناد والمكابرة, حتى انفجرت تلك العداوة بوصفها ردة فعل فهبُّوا لمحاربة القرآن بكل ما أوتوا من قوة، ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﮊ [البقرة: ١٢٠]
فهذا الراهب اللاهوتي المسيحي الفرنسي الذي تولَّى كبر أول ترجمة لاتينية ترَّقى في سلك الرهبنة حتى أصبح رئيسا لديركلوني Cluny في فرنسا, وكان لهذا الدير فروع كثيرة في أوربا, من أشهرها فرع طليطلة في إسبانيا, وعندما سقطت طليطلة في أيدي النصارى سنة 1085م نشأت فيها حركة صليبية قوية لحرب الإسلام والمسلمين في الأندلس, وكان مركز هذه الحركة ديركلوني الذي سيطر عليه الرهبان البندكتيون برئاسة بطرس الملقب بالمحترم, وبعد عشر سنوات من سقوط طليطلة عقد مجمع كليرمون سنة 1095م الذي أقر وجوب حرب المسلمين في الأندلس, وفي فلسطين، وهذه الحركة التي تزعمها رهبان ديركلوني رأت في انتشار الإسلام غضباً إلهيا يجب التكفير عنه بالدعوة إلى حرب المسلمين, فكان رهبان ديركلوني يرافقون الجيش الصليبِي في الأندلس, لتحطيم كل شعائر الإسلام وآثاره, وإحلال شعائر المسيحية محلها.
وفي الرحلة الثانية التي قام بها بطرس المذكور إلى إسبانيا سنة 1141م قرر أن يقوم بخدمة كبيرة للنصرانية, وتلك الخدمة هي ترجمة معاني القرآن الكريم لأول مرة إلى اللغة اللاتينية, فلجأ إلى مدرسة المترجمين من العربية إلى اللاتينية في طليطلة, وكلف بهذا العمل أشخاصاً كان من أشهرهم القسيس الإنجليزي روبرت أوف كيتون, وتمت الترجمة في يوليه 1143م( ), ولكون السبب الحقيقي لوضع ترجمات القرآن هو نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم, كان موقف المستشرقين في ترجماتهم حيال القرآن الإنكارَ الشديدَ والرفض التام في نسبته إلى الله ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [الفرقان: ٤] وقد ظهر هذا جلياً في ترجمة مستشرق آخر اسمه جورج سيل, فقد سمَّى القرآن (قرآن محمد) وأن محمداً هو الذي ألَّفَه باحتيال ومكر بمعونة الآخرين ويقول: ((أمّا أنّ محمداً كان هو حقيقة مؤلف القرآن والمحتال الرئيسي(في تأليفه) فهو أمر لا خلاف فيه))( ).
ومع أن هذا المترجم جاء متأخراً, إلا أنَّ ترجمته تعد من أشهر الترجمات في اللغة الإنجليزية, وقد وضع مقدمة بين يدي ترجمته وحشد فيها الافتراءات على القرآن, منها: أن القرآن ليس وحياً، وأنه ليس فيه إعجاز, وأنه يحتوي على التكرار والتناقض, وأنه مستمد في معظمه من اليهودية( ), وما إلى ذلك من الأوصاف التي لا تليق بكلام الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
3- الأهداف الاستشراقية لوضع الترجمات:
قد أطال الباحثون في دراستهم حول الاستشراق عامة, وحول موقفهم تجاه كتاب الله خاصة حتى نوعوا وقسموا الأهداف إلى عدة أقسام: الدينية والعلمية والاستعمارية والاقتصادية والسياسية والتاريخية والأيديولوجية.
وإذا أمعنا النظر في الأهداف التي وضع المستشرقون لأجلها ترجمة معاني القرآن الكريم نجد أنها لا تتجاوز هدفين أساسيين:
أولا: البحث الحر والاستفادة العلمية
ثانياً: الهدم والتشكيك والتضليل نصرة للنصرانية واليهوديّة
الهدف الأول:
ركز بعضهم على الاطلاع على كتاب الله المعجز, والقيام بترجمته إلى لغتهم باسم البحث الحر؛ وذلك لأجل الاستفادة العلمية من علوم ومعارف تلك الأمة التي سادت العالم بحضارتها وثقافتها المنبثقة من الكتاب الذي يحملونه, وهو أساس عزهم وسر نهضتهم, والتحقق من مدى صحة ما يحويه هذا الكتاب من الحقائق العلمية والكونية والعقائد السماوية ومدى توافقها مع الكتب المنُزَّلة السابقة.
ولا غرابة في ذلك؛ لأنهم يرون عالماً جديدا يحمل تراثاً عظيماً، ويصور ذلك لنا الكاتب محمد حسين هيكل وهو يتحدث عن الصراع بين الشرق والغرب, فيرى أنه اتخذ شكلاً جديداً بسبب ظهور الإسلام الذي أخذ يشق طريقه نحو هدفه غير مبال بالأخطار المحدقة من كل جانب، فقد ظهر الإسلام في موطن يسيطر عليه العرب الوثنيون, واليهود المقيمون في الجزيرة يتربصون به, والمجوس على مقربة منه, والنصارى في شماله وجنوبه وبين ظهرانيه, ولكن الدعوة الجديدة لم تلبث أن ظفرت بهذه القوى جميعاً, ففي أقلّ من مائة سنة عقب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- امتدّ سلطان الإسلام إلى الشام وإلى مصر وإلى شمال إفريقيا حتى المحيط الأطلنطي, وانتقل من مراكش إلى إسبانيا, كما امتدّ في قلب آسيا حتى أواسطها في فترات متعاقبة متقاربة, وبعد ذلك امتدّ إلى الهند وإلى جزر الهند الشرقية, وبذلك قامت في العالم إمبراطورية إسلامية مترامية الأطراف, انتقلت عاصمتها من المدينة إلى دمشق ثم إلى بغداد ثم إلى القاهرة, وأحييت في العالم حضارة جديدة انكمشت أمامها الحضارات الفارسية واليونانية والرومانية, ووقفت المسيحية خائفة تترقب( ).
ومن هنا أقبل جمع من المستشرقين المعجبين بهذه الحضارة إلى الشرق وإلى تراثهم الإسلامي وإلى أعظم ما يملكون وهو كلام الله للاستفادة والتعلّم باسم البحث الحرّ, وهذه الاستفادة تتبعها فوائد مادية أخرى, إلا أن البعض كان يهتم بالجوانب العلمية والمعرفية أكثر من غيرها, وأقبلوا على دراسة جميع جوانب القرآن, وهذه الاستفادة عند معظمهم - مع الأسف – وقفت عند الحدّ المعرفي ولم تتجاوز إلى الجانب التطبيقي العلمي العقدي رغم أن بعضهم توغلوا في علوم الإسلام حتى القضايا الجزئية منها, وأفرغوا لها جهودهم وأصبح منهم قادة وتلاميذ ومشائخ يأخذون عنهم ويستدلون بآرائهم ويسيرون على منهجهم, لكننا لا نجد أحداً ممن أقبل على ترجمة معاني القرآن الكريم أنصف في عمله, وأراد الإفادة والاستفادة معاً, ما عدا ما قيل عن المستشرق آرثرج. آربري: Arthur J. Arberryكما أفادنا بذلك د. هيثم ابن عبد العزيز ساب الذي يقول في بحثه عن ترجمة آربري: إنها مختلفة تماماً عن الترجمات الاستشراقية الأخرى؛ لأن فيها جانب إنصاف للقرآن الكريم من جهة الدفاع عنه ولفت النظر لبلاغته وقوة عبارته وروعة أسلوبه، وصاحب هذه الترجمة مستشرق غير مسلم وهو مستشرق إنجليزي قام في عام 1974م بأحدث ترجمة إنجليزية راقية لمعاني القرآن الكريم وأطلق عليها عنوان: The Koran InterPreted القرآن مترجماً.
ويقول الدكتور هيثم: ((إن آربري دافع في مقدمة هذه الترجمة دفاعاً مستميتاً عن القرآن الكريم وفصاحته وقوّة عبارته وجمال أسلوبه ضدّ افتراءات المستشرقين)) ومن أبرزهم تومس كارليل Thomas Carlyle إذ وصفه بالوحشية لعدم تذوقه لبلاغة القرآن وعدم فهمه لنصوصه على الرغم من أن آربري لا يؤمن بأن القرآن كلام الله, بل هو عمل قوّة ما خارقة Supernatural Power إلاّ أنه يثبت بطلان زعم المستشرقين أمثال مارجليوث Margoliouth وجب Gibb أن القرآن هو كلام محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقول الدكتور هيثم: ((إنه لا ينفي وقوع آربري في الأخطاء اللغوية بأنواعها))( ).
فالاستفادة من تراث المسلمين -بوصفه عملا علميا- كان من ضمن الأهداف الرّئيسة للمستشرقين عندما أقدموا على جمع تراث المسلمين, ومن بينها الكلام المعجز القرآن الكريم, ولو لم ينج أحد منهم من استغلال الفرص في أثناء دراسته للقرآن الكريم, أو أيّ تراث من تراث المسلمين, للحفاظ على هويته والانتماء إلى بني جنسه, إما لعدم توفيق الله له لمعرفة الحقّ والهداية إليه, أو لعدم الفهم الدقيق باللغة العربية وأسرارها وما لها من مدلولات وجمالٍ وروعة, ومن هنا جانبوا الصواب, ونحن لا نعمم الحكم على جميع المستشرقين في تعصبهم, ولو كان الواقع المُرُّ يرجّح ذلك –كما أسلفنا– وبخاصة فيما يتعلق بترجمة معاني القرآن الكريم.
الهدف الثاني:
أما الهدف الثاني من الأهداف الرئيسة والأساسية التي جعلت المستشرقين يقدمون على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية هو حبّ الانتقاد والمعارضة لأجل التشكيك والهدم والتضليل؛ وأصحاب هذا الهدف تغلب عليهم العصبية العمياء لدينهم, والكراهية والبغضاء تجاه القرآن وأهله, كما نلمس ذلك من خلال ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم ودراساتهم الأخرى, فلا نكاد نجد ترجمة لمعاني القرآن الكريم -كاملة أو جزئية- وضعت على يد مستشرق إلاّ وتشن غارات شرسة تستهدف أصالة القرآن الكريم ممزوجة بالافتراءات والشبهات والدعاوى الباطلة.
وقد ذكر الباحثون أمثلة كثيرة من واقع ترجمات المستشرقين على تنفيذ هذا الهدف المعوج, ومن ذلك ما ذكره الباحث صالح البنداق من وجوه التشويه ما يلي:
- القيام بالترجمة الحرّة, وتحاشي الترجمة العلمية, إمعاناً في التحريف والتضليل بما يترتب عليه تحوير المعاني وتبديلها, وعرض النص القرآني كما يراه المترجم, لا كما تقتضيه آياته وألفاظه.
- التقديم والتأخير والحذف والإضافة.
- إزاحة الآيات القرآنية من مكانها التوقيفي لتضليل القارئ وإبعاده عن الإحاطة بحقيقة النص القرآني( ).
فترجمة بطرس التي تمت عام 1143م اضطلعت فقط بتقديم مضمون الفكرة، ولم تكترث بأسلوب الأصل العربي وصياغته، وقام الدافع التنصيري حائلا أمام الوفاء بتحقيق هذا الغرض( ).
ويقول الباحث الفيومي عن بعض طرق التضليل والتشكيك لدى المستشرقين: إن وليم الطرابلسي (1273م ) صنّف جدلا ضدّ أصالة القرآن جاء فيه: ((بعد أن مات محمد صلى الله عليه و سلم أراد أنصاره أن يعالجوا العقيدة والشريعة معالجة شاملة قائمة على تعاليمه, فلمّا تبينوا أن الرجل الذي نيط به العمل لم يرزق الكفاية اللازمة لأداء ذلك على الوجه الأكمل, طلبوا إلى اليهود والنصارى الذين أسلموا أن يساعدوه, وعند ذلك رأى هؤلاء من الأفضل أن ينتقوا فقرات مناسبة من العهد القديم والجديد وأن يمزجوها بالكتاب كيفما اتفق؛ وبذا أصبح الكتاب على عظيم من الرونق والجمال المنقول من الكتب المنَزَّلة ما بين مسيحية ويهودية))( ) افتراء عظيم, وجرأة فائقة على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
4- التصرف في نصوص القرآن بالتقديم والتأخير:
وممن قام بهذا الفعل المشين المستشرق رودويل( ), وهذا الرجل ظهرت الطبعة الأولى من ترجمته عام 1886م 1304ﻫ، وقد أحدث هذا المترجم بدعة في المنهج القرآني المألوف, فقد رتب السور على ترتيب زمني حسب نزولها فبدأ بسورة العلق واختتم بسورة المائدة وزعم أن هذا الترتيب التاريخي يعطي صورة صحيحة واضحة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العقلية والتطورات الجارية في النظريات القرآنية.
أما في توزيع السور على تواريخ نزولها فقد كان اعتماده على بحث نولدكه (Nöldeke) في كتابه: (تاريخ القرآن) (Geschichte des Qurans) ولا داعي للاستغراب, فإن المترجم المشار إليه لم يبدأ عمله هذا إلا وهو يبطن تقويض دعائم الإسلام, وإثبات مزاعمه لما يملي عليه حقده المتوارث ضد الإسلام ورسول الإسلام, وهذا يبدو جليًّا من مقدمته وتعليقاته على ترجمته للآيات القرآنية. وقد صرح بما يومئ إلى ذلك في مقدمته فيقول: ((إن التفكير في أن يكون القرآن فوق قدرة البشر خارجٌ من البحث خروجاً كليّاً بالطبع))( ).
إضافات جديدة:
أضاف بعض المترجمين بجانب القرآن مقدمات وملاحق مشوهة لكلام الله، وهي عبارة عن مقدمات تفسيرية وملاحق شارحة, لا لمضمون النص المترجَم, بل مناقشات ضدّ أصالة القرآن, وسخرية من محتواه.
كما في ترجمة بطرس اللاتينية الأولى: فقد أضيف عددٌ من الملاحق والمقدمات المسماة بمجموعة ((ديركلوني))( ).
5- الدافع الديني هو المحرك الرئيس للاستشراق النصراني:
وسبب هذا التعصب يرجع إلى أن واضعي هذه الترجمات, وهم الأحبار والرهبان أو القساوسة أو المنصِّرون, أرادوا أن يجعلوا القرآن سلاحاً فتاكا للقضاء على القرآن, أو منعه من الغلبة – حسب زعمهم–.
وهذا الهجوم الشرس كما يقول الدكتور معايرجي: موجَّه إلى الشعوب النصرانية لتحصينها ضد الإسلام الذي انتشر واتسع نفوذه، وذلك بتشويه صورته, وتجريحه, والقدح فيه, ونقده, والتطاول عليه وعلى القرآن ونبي المسلمين صلى الله عليه و سلم, مما كوّن ما يشبه الجدار السميك من الأفكار السوداء على هذا الدين الحنيف.
كما أن هذا الهجوم موجه إلى المسلمين –فيما نراه– من هجمات تنصيرية بشعة على أمة الإسلام كلها, وعلى الدول الإسلامية ذات الكثافة السكانية على وجه التخصيص( ).
ويشهد على ذلك ما قاله يوهان فك: ((لقد كانت فكرة التبشير هي الدافع الحقيقي خلف انشغال الكنيسة بترجمة القرآن))( ) وهذا الدافع المنطلق من العقيدة الراسخة للاستشراق التنصيري هو السبب الذي وضعت لأجله الترجمة اللاتينية الأولى لمعاني القرآن الكريم, وكانت هي الشرارة التي فَجَّرت قدراً هائلا من الترجمات في شتى اللغات الأوربية؛ وهي تتراوح بين الإسفاف والقدح الشديد في الإسلام وتحريف الكلم عن مواضعه, وبين المواربة ودق الأسافين وإثارة الشبهات ( ).
6- المستشرقون اليهود وترجمة معاني القرآن الكريم:
يقول الله تعالى: ﮋ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﮊ [المائدة: ٨٢]
وقد ظهرت العداوة من اليهود منذ ظهور شمس الإسلام على سماء مكة, حيث لم يتعرض الإسلام لهجمة شرسة من أمة من الأمم كالتي تعرّض لها الإسلام من اليهود, واتخذ هذا الهجوم أوجهاً مختلفة تمس العقيدة بالدرجة الأولى, ثم الثقافة والجدال والعسكرية، ولليهود إقبال كبير على الساحة الاستشراقية, ويتربصون بالمسلمين الدوائر ويترصدون دائما وعبر التاريخ الإسلامي الثغرات وأماكن الضعف التي كانت تعتري مسيرته.
ويصعب علينا تحديد بداية نشاط اليهود في الاستشراق؛ لأن نشاطهم انصهر في بوتقة التطور والتصوّر العام لهذا الميدان في أروبا؛ فقد استطاع المستشرقون اليهود أن يكيفوا أنفسهم ليصبحوا عنصرا أساسياً في إطار الحركة الاستشراقية الأوربية النصرانية, فقد دخلوا الميدان بوصفهم الأوروبي لا بوصفهم اليهودي, وبذلك كسبوا مرّتين:
- كسبوا أولا: فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلّها.
- وكسبوا ثانياً: تحقيق أهدافهم في النيل من الإسلام وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية المستشرقين النصارى( ).
ويشير الدكتور البهي: إلى ملاحظة بعض الباحثين حول تفسير أسباب إقبال اليهود على الاستشراق, وتتلخَّص هذه الملاحظة في أنهم أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية وسياسية:
- أما الأسباب الدينية: فإنها تتمثل في محاولة إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية عليه, وذلك بادعاء أن اليهودية في نظرهم هي مصدر الإسلام الأول.
- وأما الأسباب السياسية: فإنّها تتصل بخدمة الصهيونية فكرة أولا ودولة ثانيا( ).
وإن خدمة المستشرقين اليهود للصهيونية, وتركيزهم على تحطيم الإسلام تبدو في الواقع بارزة تماما في معظم البحوث التي تتناول الإسلام عامة, وعلوم القرآن والترجمات القرآنية خاصة.
7- الترجمات الاستشراقية اليهودية وأهدافها:
إنَّ الأهداف الرئيسة المشار إليها من التشكيك والتشويه والتحريف والتقديم والتأخير والتصحيف هي التي يشترك فيها المستشرقون اليهود مع النصارى في مجال ترجمة القرآن الكريم.
يقول الدكتور محمد صالح وهو يتكلم عن دور المستشرقين اليهود في ترجمة معاني القرآن الكريم: ((إن أول ترجمة موضوعة من قبل البطرس عام 1143م فقد كلف روبرت أوف تشتر وهرمان دلماتا، وقام الأول بوضع ترجمة للقرآن الكريم وقام الثاني بكتابة مقدمة حول الرسول صلى الله عليه وسلم ومبادئ الإسلام..)) ثم قال: ((ولم يكن من قبيل الصدفة أن النسخة الأولى من هذه الترجمة طبعت بمدينة بازل لصاحب مطبعة ودار نشر يهودي عام 1550م.
وبعد ذلك أخذت الترجمات تتوالى بالعديد من اللغات, ومنها العبرية التي وضعها حاخام جريرة رانتي يعقوب بن إسرائيل عام 1634م نقلا عن الترجمة اللاتينية))( ) .
فالاستشراق اليهودي شارك في مجال الترجمات مستهدفا الهجوم والهدم ما أمكن بالكذب والافتراء والتحريف والتبديل, انظر إلى تلك العبارة اللاذعة من يهودي بارز وهو مجري الأصل اسمه ((جولدتسيهر)) وهو يطعن في التفسيرات الإسلامية التي هي المرجع الأساس للترجمات القرآنية مقللا من أهميتها, ومشككا في موضوعيتها, حين قال متبجحا: ((لقد أعطى المفسرون النص القرآني أكثر مما أعطاهم))( ). وهذا الهجوم الشرس موجه لكتاب الله الكريم أولا, ثم إلى تفاسيره؛ لقد أراد بذلك إرواء غيظه وحقده فحسب، ولكن الحق يعلو شامخا ولا يعلى عليه.
ومن أهداف الاستشراق اليهودي أيضا: التقليل من مكانة القرآن وشأنه, ورفع مكانة العهد القديم؛ لذا كان المستشرقون اليهود وغيرهم يتعاملون مع القرآن الكريم بوصفه نصا تراثيا عاديا. وقالوا: إنه مأخوذ باللفظ والمعنى من كتب اليهود، كما فعل المستشرق اليهودي إبراهام جايجر في محاولة منه لإثبات نظريته الشريرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على كتب اليهود بلغاتها المختلفة, التوراة, والمكتوبات, والأنبياء, والمشنا, والجمارا والتلمود, والمدارس, والترجوم, وغير ذلك( ).
وافترضت دراسة جايجر اقتباس الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من التعاليم والمفاهيم والآراء منذ زمن بعيد ضمنها قرآنه بما يناسب التصورات التي كانت سائدة في عصره, وأن قصص العهد القديم تحتل الجانب الأكبر من القرآن( ).
ويؤكد المستشرق اليهودي المجري جولدتسيهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاد من تاريخ العهد القديم, وكان ذلك في أكثر الأحيان عن طريق قصص الأنبياء( ).
لذا كان هذا اليهودي يرى أن محمدا صلى الله عليه و سلم لا يتعدى كونه مصلحا للشعب العربي فقط من الوجهة التاريخية كما ينقل عنه الباحث محمد شريف الشيباني( ).
ويرى جولدتسيهر أيضا أن الخلفاء الراشدين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا بالتبديل والتغيير فيقول: ((إن دور الخلفاء بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هو حل المشاكل الجديدة بآرائهم أو بتأويل القرآن))( ).
وهذا يهودي آخر اسمه مارجليوث Margoliouth نشر مختاراته القرآنية مع الترجمة عام 1920م – 1339ﻫ وطبعت في لندن, وهو من يهود الشام هاجر إلى إنجلترا, وقد نال درجة أستاذ كرسي في اللغات الشرقية في أكسفورد. وقام بترجمة سورة آل عمران من تفسير ((أنوار التنْزيل)) للبيضاوي وهي ركيكة, وحواشيه تكشف عن حقد صاحبها على الإسلام وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم( ).
وممن اشتهر بدراسة القرآن وعلومه نولدكه Noeldek وبلاشير Blachère وجيفري Jeffry وجولدتسيهر Goldziher السابق ذكره، كلهم أصحاب مؤلفات معروفة, وكانوا جاهلين جهلاً مطبقاً بالدين( ), وكلما وقع في يد أحدهم وأشباههم من اليهود المستشرقين القرآن الكريم أفرز عداوته المتغلغلة في نفسه من خلال قيامه للترجمة.
إن كراهية اليهود وبغضهم للإسلام قد ظهر في الواقع جليا كالشمس منذ ظهور الإسلام, وقد أكد القرآن ذلك -كما سبق- وظل اليهود طوال تاريخهم يتحينون كل فرصة متاحة ليكيدوا للإسلام والمسلمين، وقد وجدوا في مجال الاستشراق باباً كبيرا ينفثون منه سمومهم ضد الإسلام, فدخلوا هذا المجال مستخفين تحت رداء العلم بدهاء وخبث. لعل هذا هو السبب, لعدم اطلاع كثير من الدارسين والباحثين على نواياهم السيئة, فأغفلوا ذكر اليهود من ساحة الفتنة الكبرى التي ضجت بسببها أوربا والعالم الأوربي؛ أعني بذلك صدور الترجمة اللاتينية؛ لأن واضعها سواء كان يهودياً أو نصرانياً فقد استهدف فيها إبراز العداوة والمكابرة ضد الإسلام, والخبثِ وسوءِ النية, مع الجهل في إدراك معاني القرآن الكريم المعجز.
يقول الدكتور معايرجي وهو يبين خطورة هذه الترجمة: ((والواقع أن رأس الفتنة هي الترجمة اللاتينية الأولى عام 1143م ... التي لم تكن ترجمة فقط, وإنما أضيف إليها هجوم وقدح في الإسلام والقرآن ونبي المسلمين عليه الصلاة والسلام فيما يسمونه (الجدل Polemics) ثم لحقتها الترجمة اللاتينية الثانية 1721م لماراتشي وهي أشد قدحا وهجوما من الأولى))( ).
ﮋﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ
[المائدة: ١٣ ].

النتائج والتوصيات
1- النتائج
- تبين من هذه الدراسة السريعة أن الحركة الاستشراقية الأوربية والغربية التي تدعمها اليهودية والنصرانية قد أقامت سدّاً منيعاً بين كلام الله المعجز ومعانيه الصافية وبين الأوربيين والغربيين, فأثارت فيهم العداوة والبغضاء والكره للإسلام والمسلمين من جراء ما تحمل ترجماتهم من الزيف والأباطيل والتحريف والهجوم والنقد والرفض وإثارة للشبهات والشكوك.
- ومن أبرز خصائص هذه الترجمات الاستشراقية أنها نبعت من قلوب حاقدة وهواة مغرضين لم يكونوا أمناء مخلصين, فغلبت عليهم العاطفة الدينية على الحقائق العلمية, فكان التنصير ومحاربة الدين هما الأساس والدافع الرئيس لوضعهم الترجمات الاستشراقية.
- رداءة غالبية الترجمات الاستشراقية لغة وأسلوباً لم تأت عفوياًّ بل كانت بتخطيط سابق وإسناد متعمد.
- استغل قساوسة النصارى ورهبانهم الترجمات القرآنية لصالح التنصير فحشوها بالافتراءات, كما استغلها الأحبار اليهود لبثِّ سموم اليهوديّة ومحاولة تفضيلها على الإسلام.
- ويمكننا القول: إن عدم التمكن في اللغة العربية كان أحد أسباب ضعف الترجمات الاستشراقية, وبهذا ظهرت آثار ضعف المعرفة باللغة العربية في الأخطاء النحوية والصرفية التي حشوا بها ترجماتهم الاستشراقية .
- قيام بعض المستشرقين بالتصرف المشين في نصوص كتاب الله بحجة أنه يعطي صورة صحيحة واضحة للتاريخ, وقيام البعض الآخر بالتقديم والتأخير, كل ذلك ظناً منهم أنّ القرآن من صنع البشر, وتشبيهه بالعهد القديم والعهد الجديد اللَّذَيْن تصرفوا فيهما من تلقاء أنفسهم كيف شاؤوا؛ وهذا فكر سام ناتج من إنكار إلهيّة القرآن ورسالة الرسول صلى الله عليه و سلم.
- وخلاصة القول: إن الترجمات الاستشراقية بأنواعها ليس منها ترجمة واحدة سليمة يعتمد عليها كليّاً ويطمأن إليها من حيث الأمانة والدقة, إنّما وضعت تلك الترجمات الاستشراقية -بدءاً باللاتينية, ووصولاً إلى المراحل الحديثة المعاصرة- لم يكن لها هدف سوى الإدانات ضدّ ديننا الحنيف وكتاب الله العزيز ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم.

2-التوصيات:
1- من خلال هذا الموجز, وبعد أن وقفنا أمام هذا السيل الجارف من الزيف والضلال والتيارات الهدامة المستمرة منذ ولادة حركة الاستشراق إلى يومنا هذا, يتحتم علينا نحن المسلمين قاطبة، وعلى العلماء ومن بيده هذا الشأن على وجه الخصوص, العملُ الجاد المثمر البنّاء على وجه السرعة لإيقاف هذا الاعتداء الآثم تجاه كتاب الله العظيم, ليعم خير هذا الوحي الإلهي البشرية جمعاء, والأمةَ الأوربيةَ والغربيةَ خاصة, إقامةً للحجة, وتبرئة للذمة, وإنقاذاً للمخدوعين.
ﮋﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﮊ [النحل: ٦٤] ﮋﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮊ [سبأ: ٢٨]
2- المؤتمرات والندوات المباركة كالتي تعقد في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بمدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم تستطيع أن تعمل الكثير للتصدي لهذه الحركة والدفاع عن كتاب الله وإنقاذه مِن عَبثِ العابثين كي لا يترك الحبل على غاربه.
3- يتبنى المجمع بجهوده المشكورة إصدار ترجمة في اللغة الإنجليزية, وأخرى في أبرز اللغات الأوربية, لدفع الشبهات التي أثيرت في الترجمات الاستشراقية, ومعلوم أنّ ما يصدر من مهبط الوحي له وقع شديد في نفوس القراء, علّ الله يهدي من يشاء من عباده.
4- البحث عن تلك الكتب التي ألفها المستشرقون, سواء أكانت على شكل ملحقات للترجمات ومقدمات لها, أم ألّفت مستقلة عنها, وتَتَبُّعُ مواطنِ الزلات فيها, ثم القيام بالرد عليها, وإزالة الشبه من المختصين في اللغات نفسها.
5- استخدام كافة الوسائل الحديثة والممكنة للتصدي لتلك الحركة الاستشراقية, حفظاً لكتاب الله العزيز, وأداءً لمسؤولية كل من بيده زمام الدعوة إلى الله, ليحق الحق ويبطل الباطل.
وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.

ثبت المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم
2- الاستشراق أهدافه ووسائله: د. محمد فتح الله الزيادي، طبع دار قتيبة 2002م.
3- الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية: د. قاسم السامرائي، دار الرفاعي، الرياض سنة 1983م
4- الاستشراق رسالة الاستعمار: محمد الفيومي القاهرة، الفكر العربي 1413هـ.
5- الاستشراق في نطاق العلم وفي نطاق السياسة: د. عمر فروخ، بحث مقدم للندوة العلمية عن المستشرقين في الهند، طبع ضمن بحوث أخرى.
6- الاستشراق والتاريخ الإسلامي : أ.د. عمر فوزي، لبنان، 1998م.
7- الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري: د. محمود حمدي زقزوق، طبعة كتاب الأمة، دولة قطر، مؤسسة الرسالة 1405ﻫ.
8- الاستشراق والدراسات الإسلامية: أ.د. عبد القهار العاني، دار الفرقان، الأردن 1421ﻫ.
9- الإسلام والحضارة الغربية: محمد محمد حسين، طبع دار الإرشاد, بيروت د.ت.
10- الإسلاميات بين المستشرقين والباحثين: أبو الحسن علي الندوي، طبع ضمن بحوث الندوة بالهند تحت عنوان: الإسلام والمستشرقون، عالم المعرفة جدة 1405ﻫ.
11- إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، مالك بن نبي، مجلة الفكر العربي 1983م.
12- تاريخ حركة الاستشراق: يوهان فك، ترجمة عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، بيروت د.ت.
13- تاريخ حركة ترجمة معاني القرآن الكريم من قبل المستشرقين: د. محمد التمسماني، مجمع الملك فهد بالمدينة، 1423ﻫ.
14- تاريخ الفكر العربي، جون ثالث باليثا، ترجمة حسين مؤنس، مكتبة النهضة العربية، ط1، 1955م.
15- ترجمات معاني القرآن الكريم وتطور فهمه عند العرب: عبد الله عباس الندوي، دار الفتح، جدة، 1392ﻫ.
16- ترجمة معاني القرآن الكريم من قبل بعض الفرق الضالة، يوسف الهمذاني بن الشافعي, طبع مجمع الملك فهد بالمدينة، 1423ﻫ.
17- تطور الاستشراق في دراسة التراث العربي، عبد الجبار ناجي، بغداد 1981م.
18- تطور كتابة المصحف الشريف وطباعته: أ.د. محمد سالم بن شديد العوفي، مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة، 1421ﻫ.
19- الدراسات العربية والإسلامية في أوربا: د. ميشال جحا، معهد الإنماء العربي، بيروت طبع1.
20- دراسة حول ترجمة القرآن الكريم: د. أحمد إبراهيم مهنا، مطبوعات الشعب، مصر.
21- دراسة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية ( القرآن مترجماً): للمستشرق آربري، د. هيثم عبد العزيز ساب، مجمع الملك فهد بالمدينة، 1423ﻫ.
22- الرؤية الإسلامية للاستشراق: أحمد غراب، المنتدى الإسلامي, لندن، 1411ﻫ.
23- الرسول في الدراسات الاستشراقية المنصفة: محمد شريف الشيباني, د.ت.
24- الشرق الجديد: محمد حسين هيكل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة, 1962م.
25- الطباعة في شبه الجزيرة: د. يحيى محمود بن جنيد، دار أجا بالرياض، 1419ﻫ، 1998م.
26- الغارة التنصيرية على أصالة القرآن: د. عبد الراضي محمد
عبد المحسن، طبع مجمع الملك فهد، المدينة المنورة 1421ﻫ.
27- الفكر الإسلامي في تطوره: د. البهي، دار الفكر, بيروت، 1971م.
28- فلسفة الاستشراق: د. أحمد سمايلوفتش، طبع دار المعارف, مصر، 1974م.
29- القرآن والمستشرقون, ضمن بحوث المنظمة العربية ((مناهج المستشرقين في الدراسات العربية)) د. تهامي نقرة، مكتب التربية العربي، الرياض، 1405ﻫ.
30- الكتاب المفصل في تاريخ الأدب العربي: د. أحمد الإسكندراني وآخرون، القاهرة، 1994م.
31- المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، مركز دراسات العالم الإسلامي, مالطا، 1991م.
32- مجلة رسالة الجهاد الليبية, عدد 71.
33- مجلة المنهل السعودية, عدد خاص بالاستشراق (471)
34- مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي: د. محمود محمد الطناحي، مطبعة المدني، القاهرة، 1984م.
35- المستشرقون: نجيب العقيقي، دار المعارف, بدون تاريخ.
36- المستشرقون وترجمة معاني القرآن الكريم: د. محمد صالح البنداق، طبع2 دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1403ﻫ، 1983م.
37- المستشرقون ومشكلات الحضارة: د. عفاف صبرة دار النهضة العربية القاهرة، 1980م.
38- المستشرقون ونشر التراث : علي بن إبراهيم النملة، مكتبة التوبة، الرياض، 1424ﻫ.
39- موسوعة المستشرقين: د. عبد الرحمن بدوي، طبع دار العلم للملايين، بيروت، 1989م.
40- الهيئة العالمية للقرآن الكريم: د. حسن معايرجي، الدوحة، 1991م.
41- مصادر الدراسات الأدبية، يوسف أحمد داغر د.ت.
42- المصباح المنير: أحمد محمد الفيومي، طبع مصر 1369ﻫ.
43- معجم متن اللغة: دار مكتبة الحياة، بيروت، 1958م.
44- المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1960م.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك