بر الرسول.. بغير المسلمين

الكاتب: د. راغب السرجاني

لقد كانت العلاقة بين الرسول وبين المخالفين له أعلى بكثير من مجرد علاقة سلام ووئام، إنها كانت علاقة «بِرٍّ» بكل معاني الكلمة.


\>


معاملة الرسول غير المسلمين:


\>


اخلاق الرسولونحن لا نخالف الحقيقة إذا قلنا: إن رسول الله كان يعامل غير المسلمين المحيطين به معاملة الرجل لأهله.


\>


فها هو أنس t يروي موقفًا عجيبًا من مواقف رسول الله فيقول: «كان غلام يهودي يخدُم النبي ، فمرض، فأتاه النبي يَعُودُهُ، فقعد عند رأسه.


\>


فقال له: «أَسْلِمْ» فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي يقول: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»[1].


\>


وتدبر جيدًا بعقلك وقلبك!


\>


هذا رسول الله يستعمل غلامًا يهوديًّا في الخدمة، ولا يمتنع عن ذلك؛ ليجعل الحياة مع أصحاب الديانات الأخرى في داخل المدينة المنورة حياة طبيعية.


\>


ثم يمرض هذا الغلام، فيذهب رسول الله ليعوده في بيته!!


\>


إننا يجب أن ندرك -لنعرف قيمة الموقف- أن الرسول هو أعلى سلطة في المدينة المنورة، والغلام اليهودي لا يعدو أن يكون خادمًا، وعلى غير مِلَّة الإسلام!


\>


أيحدث في بقعة من بقاع الأرض أن يزور رئيس البلاد خادمًا له إذا مرض، وخاصة إذا كان على غير دينه؟!


\>


إننا قد اعتدنا أن نقرأ مثل هذه المواقف عن حبيبنا فلم نعُدْ نحلِّل وندرس، ولكن الوقوف للتدبُّر في مثل هذه الكنوز يعطينا فيضًا هائلاً من الخير والحكمة.


\>


ثم إنه لا ينسى وظيفته الأولى في الدنيا وهي البلاغ؛ فيدعوه للإسلام، فيُسلِم الغلام، فيخرج النبي فرحًا بإسلامه، كأنما أسلم أحد أحب أهله إليه.


\>


إن هذا هو البرُّ -حقيقةً- في أسمى صوره.

 

موقف أسماء بنت أبي بكر مع أمها:\>\>




\>\>\>




وهذه أسماء بنت أبي بكر[2]-رضي الله عنها- تحكي فتقول: قدمت عليَّ أمي[3] وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله ، فاستفتتْ رسول الله.


\>


فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أَفَأَصِلُهَا؟ قال: «نَعَمْ، صِلِيهَا»[4].


\>


ها هو يأمر أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنها- أن تصل أمها المشركة، ومع أن دولة قريش في ذلك الوقت كانت دولة محاربة.


\>


ولكنها في عهد مؤقت، فلم يمنع المرأة المشركة من دخول المدينة، ولا دخول بيت أسماء ل ، وهو بيت الزبير بن العوام[5] t.


\>


وهو من كبار رجال المدينة، وقد يكون لديه من الأسرار ما لا يجب أن يطَّلع عليه المشركون.


\>


ومع ذلك فإن رسول الله لا يَحْرِمُ أمًّا مشركة من زيارة ابنتها المسلمة، ولا يحرم بنتًا مسلمة من بِرِّ أمها المشركة.


\>


هكذا بمنتهى التسامح وبأعلى درجات الرضا.. إنه لم يفكر ولم يتردد.. فليس في البرِّ تردُّد!!


\>


عمر بن الخطاب يهدي رجلا مشرك:


\>


وفي موقف آخر لطيف يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، ويذكر فيه أن عمر بن الخطاب t رأى حُلَّة سيراء[6] عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريتَ هذه فلبستَها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك.


\>


فقال رسول الله : «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ». ثم جاءت رسولَ الله منها حُلَلٌ، فأعطى عمر بن الخطاب t منها حُلَّةً، فقال عمر: يا رسول الله، كَسَوْتَنِيهَا وقد قلت في حُلَّة عطارد ما قلت؟!


\>


قال رسول الله : «إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا». فكساها عمر بن الخطاب t أخًا بمكة مشركًا[7]!!


\>


فعمر t يُهْدِي هذه الحُلة لأحد إخوانه المشركين[8]، ورسول الله لا يعترض، وإقراره -كما هم معلوم- سُنَّة.



يقول الإمام النووي -رحمه الله- معلقًا على هذا الموقف: «وفي هذا دليلٌ لجواز صلة الأقارب الكفار، والإحسان إليهم، وجواز الهدية إلى الكفار»[9].



موقف نصارى نجران مع رسول الله:



\>\>


بل إن رسول الله فعل ما يَتَعَجَّبُ منه كثير من الناس، وهو السماح لنصارى نجران أن يؤدوا صلواتهم داخل المسجد النبوي!!



يقول ابن سيد الناس[10] -رحمه الله- في عيون الأثر: «وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله يصلون، فقال رسول الله : (دَعُوهُمْ)، فَصَلَّوْا إلى المشرق»[11].



إنهم لا يدخلون المسجد النبوي فقط، بل يصلون فيه، وفي هذا ما لا يخفى على أحد من البرِّ والتسامح.



[1] البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلَّى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1290)، والترمذي (2247)، والنسائي في سننه الكبرى (7500).



[2] هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، كانت تحت الزبير بن العوام، وكان إسلامها قديمًا بمكة، ثم هاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير، فوضعته بقباء.\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>
















\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>
















وقد توفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/12، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (10791).



[3] هي قُتيلة بنت سعد من بني عامر بن لؤي، امرأة أبي بكر الصديق، وهي أم عبد الله وأسماء. ذكرها ابن الأثير في الصحابيات.\>\>




\>\>\>




وقال: تأخر إسلامها. قدمت إلى المدينة وهي مشركة بعد صلح الحديبية. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/242.



[4] البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب الهدية للمشركين (2477)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (1003).



[5] هو الزبير بن العوام، يُكنى أبا عبد الله، أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، لم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله.\>\>\>\>






\>\>\>\>\>






كان أول من سلَّ سيفًا في الإسلام، وقد استشهد t يوم الجمل. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 1/151، وابن الأثير: أسد الغابة 1/377، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (2791).



[6] حُلَّة سيراء: من الحرير الخالص، وهي مُحَرَّمة على الرجال.



[7] البخاري: كتاب الجمعة، باب يلبس أحسن ما يجد (846)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة (2068).



[8] عثمان بن عبد حكيم، وهو أخو عمر من أمه، ومُختَلف في إسلامه بعد ذلك. انظر: ابن حجر: فتح الباري 1/331.



[9] النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/39.



[10] ابن سيد الناس: هو محمد بن أبي عمرو، الإمام أبو الفتح الأندلسي، الشهير بابن سيد الناس (661 - 734هـ)، كان صدوقًا في الحديث حجة فيما ينقله، له بصر نافذ بالفن وخبرة بالرجال وطبقاتهم.\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>












\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>












من تصانيفه: بشرى اللبيب بذكر الحبيب. انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/126، والباباني: هدية العارفين 1/528.



[11] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/348.


\>\>\>\>






\>\>\>\>\>






المصدر: موقع قصة الإسلام

\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك