مستقبل الإسلام في المغرب
هذا موضوع يشغل بال الكثيرمن اخواننا الذين وهبوا غيرة على الدين واعتقدوا جازمين ان مشاكلنا هو بعدنا عن تحكيم ديننا والرجوع اليه جماعات و افردا.
وهؤلاء يتسالون: هل ما يزال هناك امل في ان يعود الاسلام لهذا البلد كقوة تسود ضمير الفرد والمجتمع و تسيطر على جميع الاجهزة الاجتماعية و السياسية و الحكومية ؟وتصبح مصدرا لها في السلوك والعلاقات العامة والخاصة؟
ان التطورات العالمية والتيارات الالحادية التي أصبحت تجوب العالم بسرعة وقوة فائقتين اصبحت تهدم ما تبقى لهم من تفاؤل بعثته فيهم بعض المناسبات السارة والمواقف المثيرة..
ثم مما يتعاون مع العوامل الخارجة على تهديم ذلك التفاؤل ما رأوا في حياتنا الحاضرة من انصراف الشباب عن تعاليم الدين،ومن نفورهم من المساجد،وتقليدهم الغرب في مساوئه،ومما يزد تشاؤم هؤلاء صرامة وتعقيدا ما يشاهدون أيضا من عدم وجود تخطيط ثقافي عام يطبع الفرد بطابع الاسلام ويجعل المجتمع مكونا من عناصر متجانسة،ومتوافقة،ومتفاعلة بالفكرة الأساسية،ولذلك لم يجدوا مندوحة من الاستسلام الى اليأس والانطواء على النفس،واعتزال الناس،والايفال في ادخال التشاؤم.
وهكذا خسرت الفكرة الأساسية ما يمكن ان يقدم لها هؤلاء من خدمات فعالة،وهكذا فضلوا ان يطفئوا شموعهم بحجة ان الظلام يسود وانه لا غالب له،وقد لمست مثل هذا اليأس والانطواء في بعض رجالنا الأفذاذ في الشرق مما ضيع كثيرا من الامكانيات في خدمة الفكرة الاسلامية.
وقد انزوى بعض هؤلاء الأفذاذ في بيوتهم يكونون ذخائر عظيمة يفخر بها التاريخ الاسلامي الحديث علما وفضلا وقد رغبهم في الانزواء زيادة على ماتقدم ما لقوه من عقوق وجحود من اوساطهم.
ولكن هل استسلام هؤلاء الى الواقع المر يجب ان يكون سنة متبعة؟ويجب ان تتخذ حجة الأخرين لكي يفروا من الميدان ليتركوه خاليا ادعاة الأفكار المعادية الاسلام؟
ان الفرار من الميدان،فيه اقرار بالهزيمة،واعتراف بما قد يكون هناك من تزييف.
اننا مطالبون قبل كل شيء بالدعوة الى الفكرة بجميع الوسائل الممكنة اما النتيجة فهي على الله.
ثم اذا كنا نعيش معركة ثقافية خطيرة ضد الاستعمار فان هذه المعركة ليست بشيء جديد في التاريخ الاسلامي،وها هو القرآن الكريم يصف لنا بعض مواقف أعداء الاسلام منه،قال تعالى:{وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا قل بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين}.
{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم}.
{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا}
{ان يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا اليكم ايديهم والسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}
{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة،وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين}.
ذلك قليل من كثير مما صوره لنا القرآن من موقف أعداء الاسلام من ديننا الحنيف،هؤلاء الأعداء الذين أصروا على محاربة الدعوة الجديدة التي استهدفت تقويض الأصنام البشرية والمصطنعة،وحاربت الانحطاط العقلي،والرجعية الروحية،وأعلنت للانسانية جمعاء ان عهد{الفكرة} قد أشرق اكمل مايكون الاشراق،ولكن الذين في قلوبهم مرض،وفي غرائزهم انحراف،وفي ارادتهم ضعف،لم يرضوا عن تلك الدعوة التي ازالت لهم كل مبرر للزعامة وألغت لهم كل شرعية للاستغلال،وانزلتهم من بروجهم واستخرجتهم من قصورهم الى المستوى الذي يجب ان يتساوى فيه ابناء ءادم،لا فرق بين أبيض وأحمر وأغنى وأفقر.
ولهذا لم يكن من الممكن ان يظل هؤلاء الذين رزئوا في زعامتهم، وطعنوا في شرعية استعباد اخوانهم،وانزلهم الحق من باطلهم صامتين ينظرون،ومكتوفين لا يعملون.بل ان اخلاصهم لانحرافهم،وايمانهم بشياطينهم لا يقلان قوة عن اخلاص المسلمين لاستقامتهم،وايمانهم بربهم فمنازلتهم الاسلام امر طبيعيومنطقي.. اذ كان على الاسلام في الناحية المواجهة ان يسلم نفسه للدفاع عن كيانه،والذود عن حياضه في خضم هذا الصراع الهائل بينه وبين أعدائه.
وتاريخ الاسلام من اول الدعوة الى الأن سلسلة من ذلك الصراع العنيف.فلقد نازله المشركون واليهود والنصارى والمجوس والمغول والصليبيون،ولم تقتصر محاربتهم له في ميدان الوغى،وانما كان نزالهم أعنف واقوى واخبث في الميدان الثقافي والعقائدي،فكم زورت على الرسول من أحاديث،وعاى الاسلام من أفكار،ولذلك رأينا الأمة الاسلاميةتنقسم الى شظايا،والشظايا تنقسم بدورها الى ان وصلنا الى أمة تصل فرقها بل أممها الى رقم خطير.
ولقد ظن الجنرال الفرنسي غورو ان هذا الصراع قد انتهى عندما وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي بدمشق وقال بكل حقد: الآن قد انتهت الحروب الصليبية،كما ظن ذلك الجنرال الانجليزي عندما قال على قبر صلاح الدين ايضا:ها نحن قد جئنا ياصلاح الدين،ولكن الحركات الاسلامية التي انفجرت في كل مكان جعلت كلام هؤلاء وابناءهم لا ياخذ مركز النهاية،وانما جعلته حلقة في تلك السلسلة الطويلة غير المنتهية من الصراع بين الاسلام وأعدائه.
وحياتنا المعاصرة ليست سوى حلقة من ذلك الصراع الخطير بين الحق والباطل والنور والظلام،والفكرة والصنمية وان كانت الظروف العالمية الحاضرة قد ادخلت على ميدان الصراع الفكري والحضاري عوامل جديدة وسريعة من وسائل النشر والاذاعة والتقارب الزمني والمكاني لدرجة جعلت اجزاء الكرة الأرضية اكثر التصلقا واتصالا ببعضها مما مضى.
وقد اقحم العالم الاسلامي ضمن هذا العالم وقدر له ان يدخل ميدانا جديدا من الصراع مع اعدائه التقليديين الذين تسلحوا بالعلم والقوة والوحدة،فواجههم متفرقا،ونازلهم وهو لا يملك ما يملكون وكانت النتيجة ان وجد نفسه يستسلم جزءا فجزءا ووجد ان الذين يستعمرونه هم اولئك الحاقدون على الاسلام منذ ان قوض لهم افكارهم وسفه احلامهم..اي منذ بداية الدعوة.. ولمس فيهم تلك الروح التي لمسها اجداده في اجدادهم في الحروب الصليبية..اذن ما ينتظر العالم الاسلامي من عدو قد ءامن اشد الايمان بشرعية محاربة الاسلام،حتى اصبح هذا الايمان يكون له نسيجا لشخصيته ومركبا طبيعيا لنفسيته.
وقد اتيح للاستعمار ان يخطط البرامج الشاملة والدقيقة والبعيدة المدى لتحقيق آمال أجدادهم في تخريب العالم الاسلامي من ناحية الفكرة والمادة،ولكن باسلوب جديد وخبيث،ويتمثل هذا الأسلوب في التوجيه الثقافي والعلمي الى النواحي التي تعوق العالم الاسلامي عن كل هدف حيوي،وجعل المستوى في اطار لايتعدى{الثقافة الأهلية} وقد وصلوا الى نتائج .عظيمة في تنفيد برامجهم اثلجت صدورهم وجعلت أحدهم يقول:لقد استولينا على افكارهم وارواحهم،ولم تزل المحاولات تتوالى للاجهاز على الفكرة الاسلامية،وماتزال في كثير من البلاد الاسلامية هياكل ثقافية بناها الاستعمار،وعند ما خيل الينا أنه خرج كانت هذه الهياكل أشد ما تكون عملا وخدمة وتخريبا.
ولكن هل تسلمنا هذه الحقائق الى اليأس والعجز،والانطواء؟وهل انتصار الباطل في بعض جولاته يجعلنا موقنين بانه سيكسب الجولة الأخيرة؟لا أبدا..خصوصا والتجربة القاسية التي مرت بها العقيدة الاسلامية في تركيا تجعلنا اكثر يقينا من ان الفكرة الاسلامية متغلغلة في النفوس،وانها اصبحت تكون جزء طبيعيا من النفس{المسلمة}سواء في المشرق او المغرب،وهذه الطبيعة النفسية تبرز بشكل واضح هذا في بلادنا ولن يخيفنا عليها فترات من الغفلة والدهول التي قد تعطل بعض حركاتها،وتجعلها ضامرة وسلبية،اذ أنها رغم كل ذلك فان فيها قابلية الاستجابة الى دعوة الله،وفيها عوامل اليقضة والانفجار،فيها استعداد للاندفاع والبروز،ومما يجلي ذلك الاستعداد ويبرز تلك الطبيعة المغربية الاسلامية بعض الظروف كالكوارث والتحدي للاسلام كما شاهدنا في{رد فعل}الظهير البربري،الى أن دعاة الاسلام يجب أن يستفيدوا من هذه الاستعدادات ويترصدوها ويحاولوا تفجيرها وتنظيم حركاتها واندفاعاتها.
ومما يؤكد القول بأن مستقبل الاسلام في هذه البلاد هو هذا الفشل الذريع الذي منيت به الحضارة الجديدة عندما اعتمدت في حل مشاكلها على القوة وأصبحت تعتنق المبدأ القائل:البقاء للاصلاح،بمعنى سبيلها حتى طغى هذا المعبود وتجبر حتى أصبح خطرا حتى على عباده الذين تغيرت دوافع عبوديتهم له من رغبة الى فزع،ثم ان فلسفة القوة مع أنها لم تستجب لرغبة الاصلح بمعنى الأقوى في السيطرة على العالم فانها أيضا كانت كارثة على الأخلاق لما فرد على الأمم اتجاهات في السياسة والاقتصاد وغيرهما أبعد ما تكون عن الانسانية.
ولهذا فان فشل الحضارة المغربية في حل مشاكلها من ناحية،وفي تزويدها أبناءها بسلوك أخلاقي يربط بينهم وبين البلاد المستعمرة والضعيفة من ناحية أخرى،جعلت أبناء تلك الحضارة واتباعهم من البلاد المتخلفة يفقدون الثقة بها،وقد أعلن بعض أولئك وهؤلاء الكفر الصريح بمبادئها وطبيعتها،ولهذا كان على ابناء البلاد الاسلامية ان يبحثوا عن الحل الأخر,وبما ان الطبيعة المغربية كما قلنا منسوجة على منوال الاسلام وبلحمته وسداه،فان الاتجاهات التي ستحل مشاكلنا الاجتماعية ليست سوى الاسلام,ولقد ابتدأنا نلمس تحركات رائعة في الضمير الاسلامي بالمغرب،واصبحنا نشاهد أبناء هذا الدين يتداعون على الحق،واصبحنا نشاهد والحمد لله في الشعب المغربي المسلم استجابة قوية لداعي الله ولهذا الدين القيم بعد ان كنا نظن ان النفوس قد طال عليها الأمد فقست،وان بعض التجارب التي يقوم بها أنصار هذا الدين جعلتنا موقينين بان المستقبل في المغرب للاسلام.
واذا كانت الحروب الصليبية والتترية والمغولية قد دفعت بعض المتشائمين الى ان يعتقدوا ان شمس الاسلام قد غربت،فان الأحداث التي تمخضت عنها المقاومة الجبارة لتلك المناورات والاعتدائات ازالت عن شمس السلام ما اعترضها من سحب,ومااكتنفها من ظلام فاستطاعت من جديد,واني لأعتقد ان اليقظة الجديدة للاسلام في المغرب والعالم الاسلامي يقظة تحمل معنى جديدا,انها يقظة جماعية من أجل اعادة بناء المسلمين على اسس اسلامية محضة,بعيدة عن العقلية الخرافية التي كانت تقتل الحيوية والخصوبة والانتاج في الفكرة الاسلامية,واني أعتقد أيضا أنالوقت قد حان لكي يقوم المغرب برسالته الحقة في الميدان الافريقي والعالمي،في نشر مبادئ الاسلام التي تتطاع اليها الانسانية،ولهذا كان على المغرب ان يطبق الأقوال الكثيرة التي صدرت عن المسؤولين، والتي يعبر عنها المسلمون في كثير من أحاديثهم ومناسباتهم فيما يخص تقويض أركان الجهاز الثقافي الاستعماري والاجهاز على ما تبقى له من أعمدة للتفرغ لرفع راية الاسلام خفاقة تستضل بها الشعوب الافريقية،ويحملها أبناء عبد الله بن ياسين والمهدي بن تومرت...