البابا والإسلام والإيمان

د. رضوان السيّد
يبدأ البابا المحاضرة بتذكُّر نفسِه أُستاذاً للّاهوت بجامعة بون عام 1959م، حيث كان يلتقي بزملائه البروتستانت، وتدورُ بينهم حواراتٌ حول إمكان التلاقي؛ لأنّ بالجامعة المذكورة كليّتين؛ إحداهما للّاهوت الكاثوليكيّ والأُخرى للّاهوت البروتستانتيّ. ثمّ يختارُ بدءَ موضوعه في العقل والإيمان، باقتباسٍ من الإمبراطور البيزنطيّ "مانويل الثاني باليولوغوس"، ذكره في معرض مجادلته لعالمٍ فارسيٍ مسلمٍ مفترَض، مؤدَّاه أنّ الله سبحانه ذو طبيعةٍ عاقلةٍ؛ ولذلك فإنّ الإيمانَ بالنسبة له يرتبط بالعقل، وهو يقصِدُ بذلك الإرادة الحُرَّة العاقلة.
في المسيحيّة الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة لاهوتان، وكذلك في الإسلام واليهوديّة. أمّا في البروتستانتيّة فهناك لاهوتٌ واحدٌ. اللاهوتان هما إذا صحَّ التعبير: لاهوتُ الرّحمة والعناية والفضل، ولاهوتُ التنزيه والعدل. وهذان التيّاران موجودان في اليهوديّة والإسلام أيضاً؛ في حين أنّ البروتستانتيّة لا تعرفُ غير لاهوت الرّحمة والنّعمة والاصطفاء؛ الذي يتّخذ سمةً متشدّدةً مثلما هو لدى بعض اللاهوت اليهوديّ. يعني هذا بعبارةٍ أُخرى أنّ صورة الله عزَّ وجلَّ لدى القائلين بالرّحمة والفضل هي صورةُ الحريّة المتبادَلة، وفيها أنّ الله سبحانه منزَّهٌ تنزيهاً مطلقاً عن الشَبَه بالبشر، وعن الخضوع لمقاييسِهِمْ «كلُّ ما خَطَر ببالك، فالله بخلاف ذلك»؛ لكنه رحمةً وتفضُّلاً منه أرسل الرّسالات، واختار العناية بسائر الكائنات التي خَلَقَها، ولا إلزامَ له بذلك إلاّ بما سمَّى به نفسَه، من ضمن مشيئته وقدرته وإرادته، وحسبما اقتضته حكمته واقتضاه تفضُّلُه، ومقاصدُهُ التي لا تُدرَك. وفي مقابل هذه الحريّة المطلقة لله، هناك الحريّة النّسبيّة للإنسان بين الإيمان والكفر، والصّلاح والفساد، مع وجود النّصوص أو التّعاليم التي تُبيّن لهذا الإنسان طريقي الخير والشرّ، وعواقب اختيار أحد الطريقين. لكنْ في هذا اللاهوت شيءٌ من الجبريّة «من خلال القضاء والقَدَر»، وشيءٌ من الاتكاليّة «تبقى في نطاق عناية الله ورحمته مهما فعلْتَ».
ما فائدةُ هذا الاستطراد كلّه؟ فائدتُهُ أنّ البابا يتحدّث عن اختلافٍ في صورة الله بين المسيحيين وغيرهم من أتباع ديانتي التوحيد، وبخاصّةٍ الإسلام، لأنّ اليهودية تجاوزت «ُنفية» "يهوه" بالدخول في الميراث اليونانيّ العقلانيّ أيضاً. وهذا تأويلٌ للتاريخ اللاهوتيّ لا يعرفُهُ غيرُه، وقد لا يقولُ به غير قداسته. فاللاهوتُ الكاثوليكيّ الوسيط مَبْنيٌّ كلُّهُ على المباني التي عرفها المتكلّمون المسلمون، وأَدخلوا فيها الكاثوليك واليهود، وإلى حدٍّ أقلّ الأرثوذكس والسّريان، لأنّ الفرقتين الأخيرتين عرفتا الميراث اليونانيّ والمنطق اليونانيّ قبل المسلمين. وقد هربت الكاثوليكيّةُ فالأرثوذكسيّة من الأفلاطونيّة إلى نصف أرسطيّة، خوفَ الغرق في الغنوص، الذي كافح ضدَّهُ آباءُ الكنسية الأوائل، ووقع فيه أوغسطين وغيره، وما كادوا يخرجون منه، ولولا المؤسَّسةُ الكَنَسيةُ القائمةُ سلطتها على سلطة الدولة، أو بموازاتها، لصارت الكاثولكيّةُ بالذات ديناً غنوصيّاً آخَر، مثل غنوصيّات الأزمنة الهيللينيّة. فالتجربةُ مع الإغريق في اللاهوت الأفلوطينيّ والأرسطيّ هي تجربةٌ مشتركةٌ بين الديانات التوحيديّة، ولا ينفرد بها المسيحيون الأوروبيون أو الكاثوليك بالذات الذين أخذوها عن المسلمين أو شاركوهُم فيها! وهكذا فالعقلنةُ في المسيحيّة عقلنةٌ محدودة وتتركّز في المؤسسة التنظيمية والسلطويّة، وليس في اللاهوت المدرسيّ، الذي ظلَّ مشتركاً بين الإسلام والمسيحية واليهوديّة (لاهوت موسى بن ميمون يميل للأشعريّة.
ويباشرُ البابا معالجة مسألة الأزمنة الحديثة أو نقد الحداثة قبل الوصول إلى الخاتمة والاستنتاجات. وهو يرى أنّ المَعْلمَ الرئيسيَّ في ما يتعلّق بالتفكير الدينيّ، خلال أربعة قرونٍ، وحتى القرن العشرين، كان ما يزال: نَزْع الهلْينة، أو تجريد اللاهوت والفكر الدينيّ المسيحيّ من التأثيرات الفلسفيّة اليونانيّة عليه. وقد مرّت العمليّة حتّى العصر الحاضر بثلاث مراحل.
في المرحلة الأولى مرحلة عصر الإصلاح «البروتستانتيّ»: يقول البابا إنّ الغرضَ من وراء ذلك كان العودة إلى سذاجة وحرارة الإيمان، بالاستناد للنّصّ نفسه، مجرَّداً عن أغطيته الفلسفيّة. وقد دخل في ذلك ليس اللاهوتيون فقط؛ بل والفلاسفة من أمثال "عمانوئيل كانط"، الذي أراد أن يضع الفكر الفلسفيَّ جانباً، ليفسح المجال للإيمان.
وفي المرحلة الثانية، مرحلة اللاهوت الليبراليّ، التي امتدَّت حتّى القرن العشرين، ظهر لاهوتيّون كبار، مثل "أدولف فون هارناك"، تابعوا تلك العمليّة، وأسَّسوها على مقولة "باسكال" في التّفرقة بين إله الفلاسفة، وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وتابع البابا قائلاً: إنّ هارناك أراد استرجاع حرارة الرسالة الأولى للسيّد المسيح، التي غرقت في خضمّ التدقيقات اللاهوتيّة والتفلسُف الهيللينيّ.
وزاد الأمرَ راديكاليةً دخول عصر التّصنيع وزمان التكنولوجيا حيث صار الهمُّ الوصول إلى اعتبار اللاهوت عِلْماً؛ استناداً إلى إدخالِه في «علم التاريخ» من جهةٍ، وإلى قياس دقّته وعلميّته، ودقّة العلوم الإنسانيّة الأُخرى، على دقّة العلوم البحتة والتّطبيقيّة. ولأنّ اللاهوتَ المتّصل بالإيمان ليس بالأمر الذي يُمكن إخضاعه للتجربة؛ فقد أُخرجَ سؤالُ الله عمليّاً من المجال العلميّ الحيّ والمتطوّر؛ وصار الدينُ يُدرَسُ باعتباره نظاماً وضعيّاً.
ثمّ دخلت المرحلةُ الثالثةُ في نزع الهلْينة، وهي المرحلةُ المُعاصرة، في عصر التعدّديّة الثقافيّة. وفي هذه المرحلة، قيل إنّ التهليُنَ المسيحيَّ تمَّ في أزمنةٍ سالفةٍ، وفي ظروفٍ منقضيةٍ. ولذلك ينبغي السّماحُ للمسيحيّات والمسيحيين الجُدُد أن يُمارسوا شخصيّاتِهم وظروفَهم وسياقاتِهم كما مارسَها المتهلينون في أزمنةٍ سالفةٍ؛ بحيث يُنتجون دينَهم الخاصّ المتلائم مع تقاليدهم الثقافية الخاصّة في زمان التعدّديّة. والبابا يرى في ذلك شذوذاً وانعداماً للمعقوليّة؛ فالهلْينةُ بالنسبة للمسيحيّة ليست غطاءً مُستعاراً يُمكنُ نزعُهُ؛ بل إنّها صارتْ جزءاً من الإيمان المسيحيّ نفسه.
ويختم البابا المحاضرة عن «العقل والإيمان» بالدّعوة إلى العودة للعقل الفلسفيّ، وليس الاكتفاء بقصْر العقل والمعقوليّة على منتجات التّجربة المباشرة ومقاييسها. وهو يرى أنّ ذلك لا يعني التنكّر للتكنولوجيا أو لعصر الأنوار قبلها؛ بل البناءُ عليهما. فلا بُدَّ من تصحيح علاقة العقل بالإيمان، من طريق الاعتراف المتبادَل، والنّظر إيجاباً قي تاريخيّة العلاقة والتقاليد الدينيّة المختلفة، وبخاصّةٍ المسيحيّة. لا بُدَّ من العودة لتأمُّل كلمة الإمبراطور مانويل الثاني:«الإقدام على التصرُّف بدون معقوليّة، مُناقضٌ لطبيعة الله.
يحمّلُ البابا المسؤولية فيما آل إليه أَمْرُ الدين إذن لأولئك الذين أصرُّوا على «نَزْع الهلْينة»، أو إلغاء اللاهوت منذ القرن السادس عشر. وهو قسّم ذلك في ثلاث مراحل، بدءاً بالقرن السادس عشر. يتحمَّلُ البروتستانت مسؤوليّة المرحلتين الأُوليين، ويتحمّلُ العلمانيون والتجريبيون التعدديون مسؤوليّة المرحلة المُعاصرة. وهذه مرةً ثانية وثالثة نظرة متفرّدة أو خاصّة في فهم تطوّر التفكير بشأن الدين في أوروبا في القرون الأربعة الأخيرة. والواقعُ أنّ المشكلات المتعلِّقة بالدّين، والتي طُرحت منذ القرن السادس عشر تتمثَّلُ في ثلاث: علاقة الدين بالكنيسة وعلاقة الكنيسة بالدولة، وعلاقة العقل بالإيمان، وأخيراً منزله الدين في الحياة الإنسانية. الإصلاح البروتستانتيّ في القرن السادس عشر وما بعد أثار مسألة علاقة الدين والخلاص بالمؤسَّسة «الدينية»، أي الكنيسة الكاثوليكيّة.
وقد سبقته تمرّداتٌ كثيرةٌ على السلطة الكنسية منذ القرن الثالث عشر، الذي انتهت فيه الحروب الصليبية. وقد لجأت البابويّةُ في قمعها إلى الاستنصار بجيوش الملوك «المؤمنين»، وجيوش الفاتيكان نفسه. وأكملتْ ذلك بإنشاء محاكم التفتيش. وهكذا فما كان الأَمْرُ أَمرَ نزع الهلْنية، بل هل الدين «أوالإيمان» ممكنٌ بدون المؤسَّسة، وما هي سلطةُ المؤسسة إن كانت؟ وما هي حدودُها؟ البابا يُماهي هنا بين الإيمان والمؤسَّسة، ويعتبر التمرّد على المؤسَّسة تمرّداً على الدّين والإيمان. وقد ثبت خَطَلُ هذه الرؤية. فقد انتصرت البروتستانتيّة التي أضعفت المؤسَّسة، دون أن يضعُفَ الدينُ أو الإيمان. وما استطاعت البابويّةُ في القرنين السادس عشر والسابع عشر أن تُنهي التمرّد البروتستانتيّ بخلاف ما حدث للتمرّدات السّابقة؛ لأنّ الدولة كانت قد انفصلت بالتدريج عن الكنيسة؛ فما عاد بوسعها شنَّ حروبٍ صليبيةٍ في الخارج، ولا فرض سيطرتها بواسطة جيوش الملوك المسيحيين في الداخل الأوروبيّ.
هكذا، ففي المرحلة الأولى ما كان السؤالُ سؤالَ ماهيّة اللاهوت؛ بل ضرورة المؤسسة «الكاثوليكيّة» لبقاء الدين المسيحيّ. وقد كانت الكنيسةُ تستخدم النظام اللاهوتيّ المدرسيّ لتثبيت سيطرتِها في العالَم المسيحيّ، ومن الطبيعي عندما تتزعزعُ تلك السيطرة، أن يتصدّع البناءُ اللاهوتيّ الذي يدعمها أو يُعطيها المشروعيّة.
أما السّؤال الآخَرُ، الذي طُرح في القرن الثامن عشر، أو ما عُرف بعصر الأنوار، فكان يتّصل بعلاقة الإيمان بالعقل. كان هناك العقلانيّون المُلحدون، الذين اعتبروا أنّ الدينَ في طريقه للزوال، وأنّ الباقي هُواماتٌ فرديّةٌ وشخصيّة. وقد بلغ هذا النوع من الفكر ذروته في راديكاليات الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر. بيد أنّ المفكرين الجدّيّين من أمثال كانط وهيغل وهوبز ولوك ولايبنتز واسبينوزا ما كانت عندهم أَوهامٌ حول إمكان اختفاء الدين أو الإيمان الديني. لكنهم ما عادوا يرون إمكان استمرار «اللاهوت العقلي» أي تأسيس الإيمان الفردي على البرهان اللاهوتي الأفلاطوني أو الأرسطي. ومن هنا فقد عادوا إلى أُطروحة ابن رشد التي كان المتكلمون واللاهوتيون قد نحّوها جانباً كما سبق ذكْرُه ولصالح اللاهوت المعقلَن للغزالي وتوما الأكويني. قال ابن رشد بحقيقةٍ إيمانيةٍ وأُخرى بُرهانية.
الأولى تتعلقُ بعالَم الدين والإيمان، والأُخرى تتعلّقُ بعالم الكون والفساد، أو الحسّ والتجربة. البابا يعتبر ذلك تهميشاً للسؤال الدينيّ، لأنّه ما يزال مهجوساً بدور اللاهوت المؤسَّسيّ؛ لكنّه من جهةٍ أُخرى لا يستطيعُ اعتبار ذلك مرحلةً أُخرى في تجريد الدين من أسلحته الفلسفيّة أو الفكريّة. فالواقعُ انّ كانط وهيغل واسبينوزا كانوا بذلك يحمون الإيمان الدينيَّ العميق من شطحات التنويريين الراديكاليين، أمثال هيوم وفويرباخ ونيتشه، وتشدّدات الحروفيين الإنجيليين، وليس من بقايا الكنيسة الكاثوليكيّة. وقد أُضيف لذلك في القرنين التاسع عشر والعشرين، إحساسُ علماء كبار بأنّ الإيمان العلميَّ أو بالعلم (الرياضيات والعلوم الطبيعية) اسقط الحاجة للدين أو للإيمان، وما عادت للدين غير فائدةٍ ضئيلةٍ في المسائل الأخلاقيّة. لقد تبلورت رؤيةٌ جديدةٌ للعالم في الوقت الذي كانت فيه الكاثوليكيّة ما تزالُ منهمكةً في الدفاع عن سلطة الكنيسة، وليس عن الإيمان الدينيّ.
لماذا يشعُرُ البابا بالجَزَع؟ إنه خائفٌ من تضاؤل دور الدّين في الحياة العامة الأوروبية. بيد أنّ التجربة الأوروبيّة مع الدين في القرون الأخيرة، خاصّةٌ وليست عالميّة. وما يجري في الولايات المتحدة وآسيا وأفريقيا شاهدٌ واضحٌ على ذلك. ففي سائر القارات، بما في ذلك بعض أنحاء اوروبا، تمدُّدٌ إيمانيٌّ وثَوَرانٌ دينيٌّ، وليس تضاؤلاً للدين والإيمان. ولذلك فإنّ الحلَّ الذي يقترحُه «إعادة تعريف العقل ودوره» لا يتلاءَمُ والواقعَ المتطوّر. كأنما هو ما يزالُ محبطاً لما كان في حقبة ما بين الحربين، وحقبة الحرب الباردة. لقد تغيَّر الزمان، وما عادت العلمانيّات الراديكاليّة هي المُشكلة؛ بل الدّيانات الجديدة غير المؤسّسيّة.
والخوفُ مشروعٌ ومبرَّرٌ لهذه الجهة؛ وإن يكن الشكُّ كبيراً في إمكان نجاح المؤسسة الدينية لدى أهل الديانات الثلاث، في العودة لقوّتها وعزّها. هناك مُعاناةٌ كبيرةٌ من الإحيائيّات والأصوليّات المنفلتة من عقالها، والتي لا تشعُرُ بالحاجة إلى أيّ بُعْدٍ مؤسَّسيّ أو انضباطٍ من أيّ نوعٍ. لقد انهار اللاهوتُ المدرسيُّ الكاثوليكيُّ في القرن الثامن عشر نهائياً. كما انهارت المؤسسةُ الدينية لدى اليهود الأرثوذكس بعد أواسط القرن العشرين؛ وكذلك الأشعريّة السنيّة. وتعملقت الإحيائيّاتُ بدون لاهوتٍ ولا علم كلام. وهذا هو التّحدّي الحقيقيّ الذي يواجهُ الأديانَ الإبراهيمية كلَّها.
وقد أدرك البابا السابق يوحنا بولس الثاني هذا الأمر، فوضع الكاردينال راتسينغر رئيساً لمجمع الإيمان ليُحكِمَ القبضة على الكنيسة الكاثوليكيّة، فلا تتشقّق في عصر التحوّلات الكبرى. وانصرف هو منذ مطلع الثمانينات إلى مصارعة الشيوعيّة في أوروبا الشرقيّة، ومنذ مطلع التسعينات إلى مكافحة الأنظمة الشموليّة والمهيمنة الأُخرى، والدّعوة للحريّة الإنسانيّة والودّ الإنسانيّ، ومصارعة الفقر والظُلم والأدواء البشريّة السارية، ومخاطبة ومحاورة أتباع الديانات الأُخرى، الذين اعتبرهم حلفاء وشركاء في الإيمان، وفي المصير الإنسانيّ الكبير.
أمسك البابا يوحنا بولس بنبض التاريخ وراح يُشارك في صُنعه. أمّا البابا الحالي فيُريد أن يتموضعَ في أوروبا، طارحاً من جديدٍ الأسئلة التي جرى تجاوُزُها قبل قرنٍ وأكثر. ولا شكَّ أنّ المشكلات الأكبر واقعةٌ اليوم بداخل الكنيسة الكاثوليكية، ليس بسبب هجوم الإنجيليين الجدد والمولودين ثانيةً عليها فقط؛ بل أيضاً بسبب تفاقُم القضايا المحتاجة لحلولٍ منذ ثلاثة عقودٍ ونيِّف. إنها عوالمُ جديدةٌ تُطلُّ عليها البشريةُ جمعاء، ولا تنفعُ فيها لاهوتيّاتُ الهيللينيين، ولا المُصالحات المقتَرَحة بين العقل والإيمان.