الأندية الأدبية بين سيطرة التدين و غياب الثقافة
د. زهير محمد جميل كتبي
يقول أستاذي المفكر اللبناني الراقي جبران خليل جبران : ( يُضعف اليأس بصيرتنا ويصم آذاننا فلا نستطيع أن نرى سوى أطياف الهلاك ونسمع فقط دقات قلوبنا المتعبة ) . تذكرت هذه المقولة بعد أن خطفت بعض الأندية الأدبية والثقافية من أيدينا وأمامنا بقوة
* .. او فئة .. * التدين *.. فأصبحت الأندية الأدبية كأنها جزء مهم من المؤسسة الدينية مثلما وقع لنادي مكة الثقافي الادبي وهذا التوجه يفقد الأندية الأدبية ( هويتها الثقافية والأدبية ) ، وهذا بالتالي يقود إلى التداخل في الوظائف والواجبات والمهام والمسؤوليات . وذلك التداخل يخلط بين وظيفة المسجد والنادي ، وهذا ليس من سياسات وزارة الثقافة والإعلام / ممثلة في وكالة الوزارة للشئون الثقافية . والتي أراها ..* صامتة *.. بل إنها خجلة او مترددة أو قل إنها خائفة من التدخل السريع لتصحيح الأوضاع وإعادة الأمور لنصابها واتجاهها الصحيح واعطاء كل مؤسسة حقها من الرقابة ، والمتابعة والمحاسبة. ولا اظنها تراقب الساحة الثقافية. فالشليلة ، والعنصرية ، والفئوية ، تمزق ثقافتنا رأسياً ، والتعصب الديني يمزقها أفقياً ، وهذه الظواهر هي التي تقسم ظهر أي مؤسسة فكرية وثقافية،ولا أحد يستطيع أن ينفي تواجد مثل هذه الأمراض في أروقة الأندية الأدبية والثقافية . وربما الناس في بلدنا لا تعرف ، وربما لا تشعر معنى وجود تلك الأمراض ولكنها في الحقيقة أصبحت سمة مميزة للأندية الأدبية والثقافية ، والغريب أنه لا يصاحبها شعور بالذنب ممن يمارسونها . واطرح سؤال قاس لكنه مشروع وهو : إلى متى تستمر هذه الأمراض منتشرة ومستشرية في هذه المؤسسات ؟ ووكالة ووزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية ، تقف صامته ، تتفرج على من يغلب !. هذا المقال مجرد تأملات ووقائع عن حال مجتمع الأندية الأدبية والثقافية ، وأخص بالذكر نادي مكة المكرمة الثقافي ،والذي أنا عضو بالجمعية العمومية به . ولكنني كغيري الكثيرين غير راضين ومقتنعين بما يجري به وفيه من ممارسات غير مقبولة .
وقد مر حوالي أكثر من خمسة شهور على تعين مجلس الادارة ، ولكن ليس هناك أعمال أو انجازات مبدعة مثل بقية الأندية مثل نادي الرياض الثقافي من انجازات رائعة . ولكن نادي مكة الثقافي يندفع بقوة نحو إقرار أفكار المسجد ولا أهدف هنا لا سمح الله التقليل من مكانة وقيمة المسجد في حياتنا الإسلامية .
ولكن أود أن أوضح أن النادي الثقافي أصبح ينفذ مهام ومسئوليات ورسالة المسجد وبعد كلياً عن هوية النادي الثقافي والادبي . لم ينال نادي مكة الثقافي رضا وموافقة كل أطرافه وبخاصة الفئة المثقفة والمفكرة ، بل أشعر أنه قاد نفسه إلى فوضى التوتر الديني ، وفي المقابل يستبد الغضب بالعديد من أعضاء الجمعية العمومية لما يقع الآن على هذا النادي العريق ، بعدما كان منارة ثقافية وأدبية ، لمست أن الكثير شعر بالإحساس بالاحتقان الذي يعتصره والكل يفهم بعضه خطأ بينما ما زال رئيس النادي وبعض أعضاء مجلس الإدارة يفاخرون بتوجهاتهم الدينية . مستخدمين ومستغلين النزوة العفوية لدى الناس .
في هذا المقال لا أكتب عن شخصية رئيس النادي أخي وصديقي الحبيب الدكتور أحمد المروعي ، الرجل الخلوق والذي أكن له الكثير من الاحترام والتقدير ، ولكن انتقد سلوكياته وإجراءاته وتحركاته ومواقفه وقراراته في منصب رئيس النادي ، وهذا حق من حقوقي كمثقف وعضو بالجمعية العمومية ، وهذا المقال ليس تنظيرياً لأن الوقت لا يحتمل التنظير ، وهو أيضا ًليس مقالاً تصالحياً مع النادي ، بل هو نقدي يوضح ويكشف بعض هواجس الناس في مكة المكرمة ، ولكنه لا يقفز فوق المشكلات ، والهدف هو تعرية الإشكاليات للتعبير عن الهموم الثقافية والأدبية بما في ذلك الإشارة لبعض المنحنيات التي يمر بها النادي صعوداً أو هبوطاً ، ولا بأس أن نذكر المسئولين والمجتمع بتلك المنحنيات ، ولكن لن تكون على حساب العين النقدية التي تغوص في أعماق مجتمع ثقافي وأدبي يفقد هويته تدريجياً وأمام اعيننا ، وخشيتي أن يتفكك . ثم نضرب يد على يد . ويكون الوقت قد فات ، ولا يفيد عندها العلاج ولا الندم .
صحيح أن رئيس النادي لطيف يهوى حديث الدين ولكن هذا الحديث والمنهج التديني والعقدي ليس مكانه النادي الأدبي والثقافي . فهل يعاني رئيس المجلس وبعض الأعضاء من سلوكيات يحركها شعور بالعجز عن عدم تغيير واقع النادي السابق ، ونقله نقلة ثقافية نوعية ومهنية واحترافية . تحقيقات لطموحات وآمال المكيين .
المجتمع يريد أن يستقبل منهج وفكر ثقافي وأدبي بتلقائية دون أن يكون التدين المتلبس بالدين حائلاً بينهم وبين بعضهم . الوضع في النادي خطير في تقديري لا يحتمل مواربة أو مواءمة أو مهادنة ، والتعتيم ليس في صا لح النادي وليس في صالحنا معا ، حتى لا يحجب الضوء عن سمائه ولا يشعل الخلاف بين مجلس الإدارة والجمعية العمومية والمجتمع ، ليصبح حديث مجتمع ينتفخ بالهموم والأوجاع الثقافية، نريد المحافظة على هويته وهوائه .
*.. أو ..* خطة *.. عمل للوصول إلى أهدافه وعلى أن تعرض على الجمعية العمومية للموافقة عليها ، نريد في عقد اجتماع للجمعية نطرح كل الأسئلة الصعبة ، ونريد أن نسمع منهم كل الإجابات الخطيرة . حق النادي علينا ، ومن بعده المثقف والأديب والشاعر والكاتب المكي والمجتمع . أن نقفز بهم إلى المناطق الملتهبة ، حتى نكشف مساحات الغموض والأوهام والخطر ، لا نريد أن ينفرد رئيس المجلس واعضائه بالنادي ، وكفاية ديكتاتورية عاني النادي منها في المرحلة السابقة . أن مجتمع مكة المكرمة لم يكن في أي يوم من الأيام مجتمع متطرف . بل هو وسطى في كل اتجاهاتنا . وعلى مدار التاريخ .
أريد من عقد اجتماع الجمعية العمومية لمس العصب المكشوف في علاقة النادي بأهل الثقافة والأدب . كنا وما زلنا في كل أزمة ثقافية وأدبية تصطبغ بلون التدين ، والتي يرفض حل تلك الأزمات على طريقة المكاشفة والمواجهة . لقد رحل زمن بوس اللحى وتطييب الخواطر على حساب المصلحة العامة، بل إني شخصياً أصبحت أرفض بشدة فكرة المواءمة . كما أرفض مبدأ سوء النية . بل إني أقدم حسن الظن على كل شيء كما أعيش قناعة أن من يجلس على كرسي المنصب أو المسئولية لا يريد أن يتركه فيتجه الى تجميل نفسه وقراراته .
للأسف لم يؤخذ في عملية الاختيار والانتخابات مخاوفي وحذري منها . وغفلنا أن النار ظلت موقدة تحت الرماد ، وتغافلنا عن ذلك عمداً لا بد أن نرفع الحرج عن أنفسنا ، ونوضح مكان العطب . فمن حقنا أن نطرح الأسئلة الساخنة في اجتماع الجمعية العمومية المقترح ، والتي تدور في عقول بعض أعضاء الجمعية ، والتي ألهبت أنفاسهم ، نريد طرح أسئلة تركن إلى طموحاتنا وآمالنا . ولا يتوقع منا رئيس مجلس الإدارة واعضائه أن يسمع منا كلمة تمام يا ريس ، لا أريد أن تتحول مشاعر التقدير والاحترام والحب إلى الترصد والتربص ، وربما الكراهية ، وأفضل المعالجات للأزمات والمشاكل أن نرصد ما يحدث بصدق وإخلاص ووصف الواقع المؤلم . والذي له مؤشرات واضحة وأخشى ما أخشاه أن تتطور لدرجة أن يصبح النادي مهدد بقفل أبوابه .
لقد شاخ نادي مكة الثقافي وهو في سن الشباب !. ولم يكن النادي عند حسن ظن الناس به . ان المرحلة لم تعد تحتمل شحن مغريات التدين .
وهذا الواقع يقودني إلى فرض تساؤلاً مهماً وهو : هل تراخت أو استرخت عضلات وكالة الوزارة للشئون الثقافية عن أداء دورها الرقابي ثم المحاسبة و المتابعة ، الأندية الأدبية والثقافية باتت حرة ، والإعلام اليوم أكثر حرية من السابق يفعل الإعلاميون ما يشاءون ، وهذا ما يجعلني أقول أن تراجع الخطاب الإعلامي الموضوعي وراء غياب الوعي عن نادي مكة الثقافي ، لا نريد أن نملأ الساحة الثقافية والأدبية بالكلام الفارغ . ونادي مكة ليس كائناً أو كياناً مستقلا ً، بل هو أنا ، وأنت ، وكل أفراد المجتمع المكي لهم حق فيه، ونحن لم نعد نملك طاقة للاحتمال ، ونفذ رصيدنا من الصبر من مغامرات واستبداد رئيس المجلس وبعض أعضائه . لم نعد نحتمل ضيق الأفق ، أو القمع ، أو الغباء أو العناء أو العناد، لا نريد خطاب إعلامي من النادي يهلل ويروج ويصفق . وبعد الانتخابات لم يتغير شيء سوى أسماء أعضاء مجلس الإدارة ، والذي لم يبحث عن أدوات ثقافية وأدبية جديدة نرفض إعلام الصوت العالي المنافق والمطبل ، لانريد ارتداء ثوب الدين، نسعى أن نعرف طريقة الفرز بين الجيد والرديء في النادي.
ينبغي أن يدخل في أروقة الإدارة المحلية للنادي وأعني السكرتارية وغيرها من أعمال إدارية ومالية وفنية من الشباب السعودي الذي يبحث عن عمل ، فلا بد من تفريغ النادي من الإخوان الفضلاء والأعزاء الأجانب الذين خدموا النادي عشرات السنين لأن جحا أولى بلحم ثوره . فلهم كل الحب الصادق والتقدير الكبير . ولكن هذه بلادنا والنادي مؤسسة أدبية وثقافية ينبغي علينا أن نعطي الفرصة لابناءنا الجامعيين والموهوبين . للعمل به والاستفادة من الساحة الثقافية والأدبية . فابناء مكة المكرمة المباركين هم اولى بالعمل والمساهمة في أعمال النادي فهم جيران الله . وهذا القصة تمثل حقهم في ذلك . فقد شوهد رجل من العرب في يده قطع من الخبز يكسرها ويلقيها بجانب جدار بيته إلى النمل ، فقيل له: ( مالك وللنمل ؟. فأجاب : هن جارات ولهن حرمة ). هذا هو الحب والتقدير والولاء لأهل الدار.
واستغرب من غياب دور وزارة العمل الرقابي والمحاسبي عن مثل هذه المؤسسات الوطنية، التي تسمح للأجانب للعمل بها وبلادنا مليئة بالشباب والكفاءات المؤهلة للقيام بأي عمل .
واختم مقالي ب مقولة رائعة قالها ( أوسكار وايلد): ( شيء ما ماكان يموت في داخل كل منا ، وما كان يموت وهو الأمل ) .
وأخيراً أقول : إن الإرادة أن يفعل الواحد منا أو لا يفعل ، ولا أريد أن اكتفي بابتسامة هادئة لمن هو في موقع المسئولية بل أريد أن أقول واكتب وأصرخ من أجل مكة المكرمة وأهلها المباركين .
يرى المفكر الإسلامي الكبير الراحل ، الشيخ : محمد الغزالي ، ( أن كل تدين يُجافي العلم ، ويُخاصم الفكر ، ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة ، هو تدين فقد صلاحيته للبقاء ) و ( أن الحق لا يخشى الحرية أبداً ، إنما يخشاها العوج والجهل والبغي في الأرض بغير حق ).
فهل نسمع عن تحرك لوكالة وزارة الثقافة ؟.
والله يسترنا فوق الأرض ، وتحت الأرض ، ويوم العرض ، وساعة العرض ، وأثناء العرض.
المصدر: http://www.al-jazirah.com/culture/2011/08122011/aoraq38.htm