الدعوة.. وبناء القيم
الكاتب: أحمد صلاح
شخصية الإنسان مجموعة من القيم التي ينظر من خلالها إلى العالم، ويتحدث إليه بلسانها، يتفاعل مع المجتمع بموجبها فيؤثر فيه ويتأثر به.
القيم هي المعيار الذي يرفع قيمة الإنسان بما يحمله من خصال الخير والنفع لمَن حوله، أو تهبط به بما يحمله من صفات الشر والنفعية والأنانية.
وعندما يُفكِّر الإنسان ويقرر التصرف في أي موقف، فإنه يعود بصورة تلقائية أوتوماتيكية إلى مخزون القيم الذي اكتسبه عبر حياته ليلهمه التصرف، فهي تمثل المرجعية التي يستشيرها الإنسان عندما يتحدث أو يفعل.
والقيم هي التي تحمي المرء من الخطأ والخلل والانحراف، أو هي التي تقذف به إلى غياهب المعصية والخطأ، فهي المؤشر الدائم الذي يحدد مسار الإنسان، والبوصلة التي ترسم حركة ملاحته في اليوم والليلة، لذا كان طبيعيًّا أن تكون القيم هي المعيار الذي سيحاسب عليه الناس في الآخرة، فإما الجنة، وإما النار.
الصراع القيمي:\>\>\>\>\>\>\>\>
\>\>\>\>\>\>\>\>\>
إلا أن صراع القيم اليوم على أشده، وفي عصر السماوات المفتوحة والفضائيات والإنترنت وعصر العولمة، اشتد الصراع بين الأخلاق والمادة، بين الأنانية والعمل من أجل الغير، بين البحث عن الأهداف السامية واللهث وراء المتع الزائلة.
وفي ظل هذا الصراع، بدأ الخوف على الهوية الإسلامية والعربية من أن تفقد قيمها الأصيلة التي كانت سببًا في نهضتها؛ (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) [آل عمران: من الآية 110]، وسار الاتجاه إلى التقليد الأعمى لثقافات غزت العالم الإسلامي والعربي بكل قوة، بصورة باتت تشكل خطورة حقيقية على القيم الدينية والأخلاقية، والتي بدونها يتجه المجتمع إلى الانهيار، والأمة إلى الضياع.
الدعوة والقيم:\>\>\>\>
\>\>\>\>\>
وليس خافيًا على أحد ما وصل إليه المجتمع من ارتفاع غير مسبوق في معدلات الجريمة، وارتفاع متواصل في نسبة المدخنين والمدمنين من كل الأعمار ومن الجنسين، وعزوف الشباب عن الاهتمام بالقضايا الجادة، إلى الأمور التافهة التي تشغل يومه كله.
\>
والتخلف العلمي الساحق الذي يصل بالأمية في العالم العربي إلى نصف عدد سكانه، إلى غياب الرؤية والطموح والهدف وحالة الإحباط العامة التي تكاد تصرخ وتقول: لا شيء مهم، لا شيء يفيد.
وتكاد تكون الدعوة الإسلامية هي الأمل الوحيد في هذا المشهد المأساوي من انهيار القيم المطلوبة لنهضة أمة من عثرتها، وإرجاعها مرةً أخرى إلى حلبة السباق مع أمم أخرى أقل منها ثقافةً وتاريخًا وجهادًا وعطاءً للحضارة البشرية.
ومن هنا جاء دور الدعاة الحيوي والخطير في تدشين مجموعة من القيم القادرة على أن تعيد لهذا الجيل حيويته، وأن تسلحه بمكونات النهضة لسنوات طويلة، بعد أن تقوم بغرسها فيه بأسلوب علمي سليم.
ويبدأ تدشين منظومة القيم باختيار القيم نفسها، القائمة على فهم المجتمع واحتياجاته، ما الذي ينقص الشباب والأطفال والنساء والفتيات؟ ما القيم الأساسية التي لا غنى عنها؟ وما القيم التي نحتاجها للمرحلة الحالية، وما القيم التي من الممكن أن نؤجلها في هذه المرحلة؟ ما المشكلات الملحة التي يجب أن نعالجها الآن قبل أن تستفحل وتتحول إلى مصائب وكوارث.
إن دولة مثل ماليزيا عندما قررت النهضة، والتي نجحت فيها بجدارة في غضون عشر سنوات لا أكثر، كانت أول ما فكرت فيه هو منظومة القيم التي يجب أن تربي عليه شعبها المفترض أن تقوم على أكتافه هذه النهضة، وحددوا أولويات لعشر قيم بعناية فائقة، وقاموا بغرسها بدقة في نفوس الشعب، فكان لهم ما أرادوا.
كذلك.. يمكن للدعوة كما يمكن لأي مؤسسة أيًّا كانت أن تقوم بهذا الدور، فتبحث بخبرة وتركيز عن أهم القيم التي تحتاجها في غضون خمس سنوات -مثلاً-، ثم تقوم بالتركيز عليها لتصب في النهاية في هدف محدد.
بالتأكيد هناك قيم أصيلة لا خلاف عليها، مثل: الصدق، والأمانة، والعفة، والحياء، لكن يجب الانتباه إلى قيم أخرى، مثل: التعاون، والعمل الجماعي، وقبول الآخر، وتقبل النقد، والقدرة على الحوار، والطموح، وعدم اليأس، والصبر، والصمود.
وعملية بناء القيم تعني وضع خطة لغرس هذه القيم، بحيث تتدرج من الأسهل إلى الأصعب، ومن البسيط إلى المعقد مع مرور الزمن، حسب جدول تشغيل زمني دقيق.
وإذا تمت عملية اختيار القيم بنجاح، وتم وضع برنامج بنائها بدقة، يأتي بعدها مباشرةً عملية غرس القيم، وهي عملية فنية خطيرة، نهمل فنياتها إلى حد كبير، ونختزلها في خطبة أو درس دون اهتمام بالجانب العملي والتطبيقي على أكمل وجه.
لذا كان لا بدّ أن نتعرف على مراحل غرس القيم بفاعلية تحقق الهدف المطلوب، وهي طريقة تعتمد بصورة أساسية على تكثيف الجانب العملي والتطبيقي بقوة.\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>
\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>
المصدر: موقع يا له من دين
\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>\>