العبادات والتفكير الاقتصادي
الاصل في العبادات البدنية والمالية والمركبة منها هو التعبد دون البحث عن العلل والاسباب لانها لا تخضع لافتراضات اقتصادية كما بعض الشباب ..
يجمع كل العبادات مفهومها الجامع، وهو الاخلاص لله، وفعلها على الكيفية المشروعة ثم تتفرع شعبها الى أعصان فيكون منها الاعتقاد والبدني والمالي والمركب منهما..
والاسلام كما هو معلوم بني على خمس قواعد فكان من تلك القواعد ما تعتقده القلوب وتنطق به الالسن لتبين وتعرب عن معنى هذه العقيدة وهي الشهادة لله بالوحدانية والقدرة الكاملة على كل شيء والحكمة المطلقة وكل ما نطق به الكتاب العزيز من صفات كماله وجلاله وافعاله الحكيمة وكذلك الشهادة لرسله الكرام. بالامانة والصدق في كل ما اخبروا به عن الله وتبليغ الرسالة على وجهها الاكمل.
ثم تأتي اقامة الصلاة باقوال وأذكار خاصة وهيئات معروفة في اوقات محددة والى جهة خاصة هي شطر المسجد الحرام، وكذلك اشترط الشارع طهارة خاصة في البدن والثياب والمكان لاقامة هذه العبادة وكل ذلك وما شابهه عماده التلقي عن الرسول دون بحث في كيفيته عددا واوصافا بل المكلفون يمثلون الاوامر الصادرة اليهم من الشارع في هذه الموضوعات التعبدية ويجتنبون ما يفسدها ويبطلها حسب ما بينه الشارع لان الطاعة هي الملحوظة في التعبد و لاجل هذا كانت الزيارة في الامور التعبدية تعتبر بدعا في الدين يجب ردها و اجتنابها كما قال عليه السلام:(كل عمل ليس عليه امرنا فهو رد) أي مردود.
كذلك يعتبر النقصان اخلالا بها، وتقصيرا فيها، يبطلها ويفسدها باخراجها عن الوضع الذي شرعت عليه، بحيث تصبح العبادة بالزيادة أو النقصان تبعا لهوى الشخص لا لهداية الرسول.
ومن العبادة ما هو مركب من المال والعمل كالحج مثلا حيث يشترط فيه الاستطاعة من الوجهتين البدنية والمالية وكان يعبر عن هذه الاستطاعة قديما بالقدرة والزاد والراحلة وذلك قبل أن يحدث التطور الصناعي، هذا التسهيل العجيب في طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية.
ويستتبع هذا الحج الهدي الذي يساق الكعبة تجبر به بعض الواجبات غير الاركان تلك الواجبات التي يقع الاخلال بها من الحجاج.
وتقديم الهدي والضحايا هو مالي ولكنه عبادة لله في الوقت نفسه لان الذبح والنحر للضحايا والهدي لا يكون الا تقريبا الى الله وفي الوقت نفسه تكون فيه منعة كبيرة للضعفاء كما قال الله سبحانه (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر كذلك سخرها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم)، فالهدي والاضاحي هي من شعائر الله فهي عبادة وهي تعتمد على المال بل هي نفسها وفي الآية نوع من المجاز قال الحافظ بن العربي في قوله تعالى:("لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن ينال التقوى منكم) هو تعبير مجازي عن القبول فان كل ما نال الانسان موافق أو مخالف، فان ناله موافق قبله. أو مخالف كرهه، ولا عبرة بالافعال بدنية كانت أومالية بالاضافة الى الله اذ لا تختلف في حقه الا بمقتضى نهيه وامره، وانما مراتبها الاخلاص فيها والتقوى منها ولذلك لن يصل الى الله لحومها ولا دماؤها وانما يصل اليه التقوى منكم فيقبله ويرفعه ويسمعه).
ومن العبادات المالية ايتاء الزكاة على الوجه الذي امر به الشارع. وبنية خالصة لله لانها قربة وصدقة يتقرب بها الى الله وتتزكى بها نفوس الومنين وتتطهر من رذيلة البخل، كما قال الله تعالى لنبيه (خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم صلواتك سكن لهم) والصدقة تصرف الى أهلها كما هو معلوم فهي بهذا المعنى مواساة اجتماعية تسد بعض الفراغ في مصالح عامة وتخفف وطأة البؤس عن الفقراء أو الكثير منهم متى اخرجت على وجهها واعطيت لمستحقيها ومن العبادات المهمة في اركان الاسلام الصيام الذي هو عبادة روحية سلبية يقدرها ويدرك فوائدها في الروح والجسد المومنون الصادقون الصابرون وينكر فوائدها ومزياها عبيد شهواتهم ممن يكون أكبر همهم من الحياة ملء البطون وارضاء غرائزهم الجنسية.
وبعد فان النتيجة التي ينبغي ان يتوصل اليها كل مفكر من هذا الغرض الوجيز لناحية العبادات المالية والبدنية والروحية أن يفعلها المومنين برسالة الإسلام على أنها طاعة يثيب لله فاعلها بهذه النية وتعود منفعتها على ضعفاء المجتمع كما يحصل في الهدى في الحج وفي الزكاة وتكون قربة لله في الضحايا زيادة على تغذية الأجسام بها.
وإذا كان بعض الشباب يفكرون في الاستغناء عن الهدى في الحج وعن الضحايا كذلك وجمع الأموال التي تصرف في هذا السبيل لصرفها في مشاريع عمرانية تعود على المجتمع بالفائدة، فأقل ما يقال في نظرهم هذا أنه غلط فظيع ناشىء عن قلة معرفة بدخائل النفوس وسير الاحوال الاجتماعية البشرية في هذا الوجود وليعلم هؤلاء ان أعياد الميلاد المسيحي يذبح فيها كثير من الدجاج والديوك الرومية وأن عيد الدجاج عند الاسرائليين يستهلك فيه كثير من الدجاج ايضا والنصارى والاسرائليون لم يفكروا في صرف الاموال التي تستهلك في هذه الناحة في المشاريع العمرانية، بل هم يستقبلون اعيادهم بكل سرور بهذه المآكل الحسنة واذا فان بعض هؤلاء الشبان يرى ان قيمة الاكباش وشبهها أكثر من قيمة الدجاج فليعلم هؤلاء ان كثيرا من الضعفاء المسلمين من سكان البوادي قد لا يشترون اللحم مدة سنتهم فيكون لهم عيد الاضحى وليست في ادخاره مخالفة للدين كما يظنه بعض الجهال بدليل قول الرسول كلوا وادخروا على ان جمع اثمان الضحايا والهدى يعسر جدا وامام هؤلاء الشبان قضية جمع الزكاة وتنظيمها لمساعدة الفقراء ولو في مشاريع تعود عليهم بالخير العاجل فليحاولوا تطبيق نظرتهم في هذا الركن من الاسلام الذي لا ينازع فيه أحد نعم قد كان بعض الصحابة لا يلتزمون الضحية ولكن عملهم هذه كان لغاية اسمى وهي مخافة أن يعتقد المسلمون وجوبها بحيث لا يجوز تركها فقد قال الشاطبي في الاعتصام: وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم لا يضحون أي لا يلتزمون الضحية. قال حذيفة بن أسد شهدت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لا يضحيان مخافة أن يرى أنها واجبة، وقال بلال لا أبالي ان اضحي بكبشين أو بديك. وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يشتري لحما بدرهم يوم الاضحى ويقول لعكرمة من سألك فقل هذه ضحية ابن عباس، وقال ابن مسعود اني لاترك ضحيتي واني لمن يسركم مخافة أن يظن انها واجبة وقال طاووس ما رأيت بيتا أكثر لحما وخبزا وعلما من بيت ابن عباس، يذبح كل يوم ثم لا يذبح يوم العيد، قال الطرطوشي: والقول في هذا كالذي قبله وان لاهل الاسلام قولين في الاضحية احدهما سنة واجبة ثم اقتحمت الصحابة ترك السنة حذرا من أن يضع الناس الامر على غير وجهه فيعتقدونها واجبة).
وأمام الشبان الذين يريدون اصلاح المجتمع نواحي كثيرة لا تمس العبادات المحددة من جانب الشارع فيلخوضوا ميدانها وليفرقوا قبل كل شيء بين النافع والضار فلا ينكر احد أن لحوم الهدي والضحايا مغذية للاجسام وهي تستهلك في كل الاكل لا يضيع منها شيء.
ثم ان الخمر ام الخبائث، مهلكة للجسم وكلام الاطباء عن آفات المدمنين ملئت به الكتب الضخام، وهذا شرب الدخان انما هو شهوة فوق الكماليات تستهلك فيه أموال أكثر من الضحايا عشرات المرات، فلماذا لم يفكر المفكرون في مقاطعة الخمر والدخان وصرف الاموال التي تصرف في هذا الباب في مشاريع الدفاع وانشاء الاساطيل البحرية والجوية لحماية الوطن ثم أن بعض الدول الأوربية الزمت الآكلين في الفنادق والمطاعم في الاقتصار على نوع من الأكل واداء الزائد للدولة في وقت حاجتها للدفاع كما فعلت اسبانيا في حربها الوطنية..
فلماذا لا يدعو الحماس هؤلاء الشبان للدعوة لمثل هذا النوع من التبرعات.
فكروا أيها الناس في العمل المثمر للصالح العام واعملوا بجد واجتهاد وفق التفكير الصحيح حتى تراكم الامة جمعاء اهلا للمسؤولية بما تشاهد من جهودكم الموفقة وامتثلوا قول اله سبحانه (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون).