الفرق الحقيقي بين المسلم والكافر
يحسب كل مسلم في الأرض –كما أراكم تحسبون ايضا بدون شك – أن المسلم ارفع درجة من الكافر، وأن الله يحب المسلم ولا يحب الكافر، وانه سيغفر للمسلم ولا يغفر للكافر، وأنه سيدخل المسلم الجنة والكافر النار. هذا مما لا مجال فيه للشك، ولكني أريد منكم اليوم أن تفكروا قليلا في ما هو السبب لكل ذلك؟ ولماذا هذا الفرق الكبير بين المسلم والكافر مع أن الكافر ليس الا من آدم مثل المسلم وله العيان والأذنان واليدان مثل المسلم ولا يتنفس الا من الجو الذي يتنفس فيه المسلم ولا يسكن الا الأرض التي يسكنها المسلم ولا يأكل إلا من نباتها وغلاتها ولا يولد إلا كما يولد المسلم، ولا يموت إلا كما يموت المسلم، ولم يخلقه إلا الله الذي خلق المسلم؟ فلماذا أن المسلم أرفع درجة وأعلى شان من الكافر؟ ولماذا يدخل المسلم الجنة والكافر النار؟
عليكم ان تفكروا في ذلك بكل جد واهتمام. من المحال ان يأتي مثل هذا الفرق الكبير بينكم وبين الكافر لأنكم تسمون بأسماء المسلمين كعبد الله وعبد الرحمان وغيرهما وهو يسمى غير المسلمين كرام برشاد ورابرتسن وغيرهما. ولا لانكم تختتنون وهو لا يختتن، ولا لأنكم تأكلون اللحم وهو لا يأكله. أو تظنون أن الله الذي خلق الناس وهو ربهم جميعا، من الممكن أن يأتي بمثل هذا الظلم ويفرق بين عباده على مثل هذه الأمور التافهة فيدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار؟
فإذا لم يكن الأمر كذلك، فتفكروا : ما هو : الفرق الحقيقي اذن بين المسلم والكافر. الحقيقة ان الفرق لا يأتي بينهما الا من جهة الاسلام والكفر، فان معنى الإسلام طاعة الله والامتثال لاحكامه، ومعنى الكفر معصية الله والاستكبار عن طاعته. لاشك أن المسلم والكافر كلاهما إنسان وكلاهما من عباده، ولكن احدهما أفضل من الآخر لأنه يعرف ربه وينقاد لأحكامه ويخشى عقاب معصيته والآخر أحط منه درجة لأنه لا يعرف ربه ولا ينقاد لأحكامه. فهذا ما لأجله يحب الله المسلم ويدخله الجنة ولا يحب الكافر ويدخله النار.
أراكم قد عرفتم من هذا أن هناك امرين يميزان المسلم من الكافر وهما العلم والعمل. أي على الانسان اذا أراد أن يكون مسلما أن يعرف أولا من هو ربه، وما هي أحكامه، وما هو الطريق لقضاء الحياة حسب مرضاته وما هي الاعمال وما هي الاعمال التي لا يحبها؟ ثم عليه أن يجعل نفسه عبدا منقادا لربه : لا يسلك الا سبيله ولا يتبع إلا أحكامه دون شهوات نفسه. فإذا أراد مثلا من نفسه أمرا يخالف أحكام ربه، فعليه أن لا يتبع الا أحكام دون شهوات نفسه. فإذا أراد مثلا من نفسه أمرا يخالف أحكام ربه، فعليه أن لا يتبع هواه وليتبع أحكام ربه. وإذا أعجبه أمر لا يحبه ربه، فعليه أن لا يميل إلى حبه، وإذا وجد أمرا لا تحبه نفسه ولكن كان ربه يحبه، فعليه أن يحبه. وإذا رأى أمرا تقول له نفسه أن فيه الضرر ولكن كان ربه يأمره بأن يفعله، فعليه أن يفعله ولو كان فيه الضرر كل الضرر على نفسه وأمواله. وإذا رأى أمرا تزين له نفسه انه نافع له ولكن كان ربه ينهاه عنه، فعليه أن لا يقربه، لو كان فيه الفوز بخزائن الدنيا.
فدانكم العلم والعمل لأجلهما يحب الله تعالى عبده المسلم وينعم عليه ويرفعه عزة ودرجة في الدنيا والآخرة. أما الكافر، فلأنه لا يعرف ربه ولا يطيع أحكامه أي لا علم عنده ولا عمل، فيبغضه الله تعالى ويطرده من رحمته.
ولكن قولوا يا إخواني أن أحدا من المسلمين إذا كان مثل الكافر يجهل ربه ويعصى أحكامه كما يعصى الكافر، فاني له أن يكون فوقه وأفضل منه لمجرد اسمه ولباسه ومأكله ومشربه؟ وعلى أي أساس يكون مستحق الرحمة ربه؟ قد عرفتم أن ليس الإسلام بعبارة عن نسل أو قبيلة أو جنسية او قومية حتى ينتقل بنفسه إلى كل إنسان من أبيه وجده؟ الا الاسلام لا يقوم بنظام الطبقات كما هو عند الهنادك : كل من ولد عندهم في بيت البرهمي هو برهمي وأعلى درجة من المنبوذ ولو لم يكن على أدنى شيء من العلم، وكل من ولد عندهم في بيت المنبوذ هو منبوذ ودون البرهمي درجة ولو كان فوقه في كل شيء من العلم والعمل، ولكن الله تعالى يقول في كتابه العزيز :«ان أكرمكم عند الله اتقاكم» أي أن الذي يعرف ربه ويتبع أحكامه أكثر من غيره، هو الاحق بالعزة والكرامة عند الله. الا تعرفون أن ابراهيم عليه الصلاة والسلام كان ولد في بيت رجل وثني، ولكنه لما عرف ربه واتبع أحكامه، جعله الله تعالى اماما للناس أجمعين وعلى العكس من ذلك أن ابن نوح عليه الصلاة والسلام وان كان ولد في بيت نبي من كبار أنبياء الله تعالى، ولكنه لما لم يعرف ربه واستكبر عن طاعته، عذبه الله تعالى في هذه الدنيا نفسها عذابا يعتبر به المعتبرون بدون أية رعاية لما كان لبيته وأبيه من العزة والمنزلة العالية. فاعلموا أيها الاخوان أن ليس الفرق عند الله بين العبد والعبد الا من حيث العلم والعمل، وليست رحمته في الدنيا والآخرة الا للذين يعرفونه ويتبعون أحكامه. أما الذين لا يعرفونه ولا يتبعون سبيله، فليس عنده أي فرق بينهم وبين الكافرين ولا نصيب لهم من رحمته سواء اكانوا يسمون بأسماء المسلمين أو غيره.
انكم قائلون باسلامكم وموقنون بان المسلم تتنزل عليه بركات من ربه ورحمة. ولكن قولوا : هل حقا تتنزل عليكم بركات من ربكم ورحمة؟ لا اذكر كم بما لكم في الاخرة. وانما ادعوكم إلى الفكرفي ما انتم فيه من الذل والهوان والمسكنة في حياتكم الدنيا. ان لكم في هذه البلاد الهندية عددا كبيرا حيث لو جعل كل واحد منكم حصاة لا جتمع منكم جبل من أكبر الجبال وأعلاها. ولكن لا يملككم الا الكفار الذين قد ذهبوا بريحكم وأذلوا أعناقكم وامتلكوا ناصيتكم وجعلوكم ملجأ لكل شيء من الفقر والمرض والجهل. فهل كل هذا من آثار رحمة الله عليكم ام هو من آثار غضبه وسخطه؟ أو ليس من العجيب أن يعيش المسلم في الدنيا مغضوبا يذوق لباس الجوع والخوف والهوان والعبودية؟ انما مثل ذلك أن تقولوا عن شيء واحد بعينه هو أبيض وهو أسود. اذا كان المسلم ذا كرامة ومقام رفيع عند الله تعالى، فماله يعيش في الدنيا ذليلا مهانا؟ أفبربكم ظالم -والعياذ بالله- حتى يسلط عليكم حكاما من الفساق والعصاة ويعذبكم عذاب الهوان والمذلة وأنتم تعرفون حقه ولا تقصرون في اتباع أحكامه؟ الحق أيها الاخوان انكم اذا كنتم تعتقدون أن الله لا يعذب عبدا اذا عرفه، واتبع أحكامه فلابد أن تعرفوا أن ليس الخطأ والنقص الا في دعواكم بالاسلام، لا شك أنكم تعدون من المسلمين في سجل الحكومة، ولكن الله تعالى لا يقضي بشيء ولا يحكم على أحد حسب سجل الحكومة ودواوينها، بل لله تعالى سجل مستقل عليكم أن تجتهدوا لتعرفوا هل قد عدكم فيه من المسلمين أو المجرمين؟
ان الله قد أنزل اليكم كتابة لتقرأوه وتتدبروا آياته وتعرفوا طريقه الذي بسلوكه تقضون حياتكم وفق مرضاته، ولمن هل سعيتم فقط لتعرفو ما في هذا الكتاب؟ وهو قد ارسل اليكم نبيه ليعلمكم الكتاب ويرشدكم الى طريق الاسلام، ولكن هل بذلتم جهدا قط لتعرفوا ما قد علمتم هذا النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ وهو قد اوضح لكم طريق العز في الدنيا والآخرة ولكن هل تسلكونه؟ وهو قد بين لكم بكل تفصيل ماهي الاعمال التي تذل الانسان في الدنيا وتدخله النار في الآخرة، ولكن هل تجتنبونها؟ اذا كنتم تعترفون بانكم لم تأخذوا شيئا مما علمكم كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا اتبعتم الطريق لذي أرشدكم اليه، فمتى كنتم مسلمين حتى تنالوا أجرهم؟ ليس اجركم في الدنيا الا على قدر اسلامكم ولا تلوموا الا أنفسكم اذا لقيتم مثله في الآخرة.
قد بينت لكم من قبل أن الفرق الحقيقي بين المسلم والكافر لا يأتي الا من جهة العلم والعمل وحسب، ولكن اذا كان علم رجل وعمله مثل علم الكافر وعمله، فعلى أي أساس يقول «اني مسلم» ان الكافر لا يقرأ القرآن ولا يعرف ما فيه، فلماذا يكون مسلما؟ ان الكافر لايعرف ما هو تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الطريق الذي أرشد اليه للوصول الى الله، فاذا كان المسلم أيضا يعرف ذلك كما لا يعرفه اتلكافلر، فكيف يزعم نفسه مسلما؟ ان الكافرلا يطيع الله وانما يتبع هواه، فاذا كان اللمسلم ايضا لا يطيع الله ويتبع هواه وكان غافلا عن ربه وعبدا لشهوات نفسه، فهل له من حق في أن يعد نفسه مسلما أي متبعا لله ومطيعا لاحكامه، ان الكافر لايميز بين الحلال والحرام ويميل إلى كل عمل يجد فيه لنفسه لذة او فائدة، سواء اكان حلالا عند الله تعالى او حراما، فاذا كان المسلم ايضا لا يفرق بين الحلال والحرام مثل الكافر، فاي فرق هناك بينه وبين الكافر؟ وجملة القول أن المسلم اذا كان بعيدا عن الاسلام ويعمل في حياته ما يعمله الكافر، فأي شيء هناك يفضله عن الكافر ويجعل عاقبته أحسن من عاقبته؟ هذا ما ينبغي أن تتفكروا فيه بكل جد واهتمام.
اخواني الاعزاء لا يذهبن بكم سوء الفهم الى أني قد قمت بين أياديكم لتكفير المسلمسن. لا، فاني أريد لا أريد ذلك أبدا. وانما أتفكر وأريد من كل واحد منكم ان يتفكر: لماذا قد ابتعدنا عن رحمة الله؟ ولماذا تنزل علينا المصائب من كل جهة؟ ولماذا قد استولى علينا الذين نقول أنهم كفار أي عاصون لله تعالى وخارجون على أحكامه؟ واقول بالنسبة لنفسي على الاقل أني كما ازددت تفكرا في هذا السبب، ازددت يقينا بأنه لم يبق الفرق بيننا وبين الكفار الا من جهة الاسم فقط، والا فلسنا اليوم أقل منهم بعدا عن الله وجرأة على معاكسة أحكامه وانتهاكا لحرماته، وهذا الفرق اليسير الذي يوجد بيننا وبين الكفار لا نكاد نستحق عليه أجرا عند الله، بل نستحق عليه العقاب والزجر. لاننا نعرف أن القرآن كتاب الله ثم لا نعامله الا بما يعامله به الكفار. ونعرف أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، ثم نفر عن اتباعه كما يفر عنه الكفار. ونعرف ان الكاذب عليه لعنة الله والراشي والمرتشي عاقبتهما النار وأن الذي ياكل الربا يرتكب جريمة ليس بعدها جريمة، وان غيبة الانسان لاخيه الانسان كانه ياكل لحمه ميتا، وأن الزنا والفاحشة من اكبر الذنوب وأقبحها، ولكن على رغم علمنا بكل ذلك، نفتقر جميع هذه الاعمال والجرائم بكل حرية كما يقترفها الكفار، كاننا لا نخاف الله ولا نقيم وزنا لحسابه يوم القيامة. فهذا هو السبب في أننا ان كنا على شيء من الاسلام بالنسبة للكفار في ظاهر الامر، فاننا نلاقي عليه العقاب بدلا من ان نستحق عليه أجرا في الدنيا والاخرة. ان غلبة الكفار واستيلائهم علينا انما هو عقاب نذوقه من الله في كل مكان في الارض على جريمة عدم معرفتنا بنعمة الاسلام والقيام باداء حقها.
اخواني! ان ما بينته لكم في هذه الخطبة، ما بينته حتى الومكم، وانما اردت به أن احثكم على استرداد ما علمه وعلم قيمته. فاريد أن أوقظكم من سبات الغفلة، لانكم اذا انتبهتم وعرفتم أنكم فقدتم شيئا ثمينا كان فيه سر عزكم ومجدكم الى الأمس فانكم ستفكرون في استرداده.
قد بينت لكم في خطبتي السابقة أن أول ما يحتاج إليه المسلم لكونه مسلما هو العلم بالاسلام ينبغي أن يكون كل مسلم يعرف ما هو تعليم القرآن وما هي سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وما هو الإسلام وما هي الأعمال التي لأجلها يأتي الفرق بين الإسلام والكفر. ان هذا هو العلم الذي لا يمكن لرجل أن يكون مسلما بدونه. ولكن مما يدعو الى الأسف أنكم لا تفكرون في تحصيل هذا العلم فان كان ذلك يدل على شيء فإنما يدل على أنكم ما عرفتم حتى الآن أي نعمة كبرى انتم محرمون منها. اخواني ان الام لا ترضع ولدها ما دام لا يشعرها بجوعه بالبكاء، وان العطشان عندما يمسه العطش يبحث عن الماء بنفسه، فمادمتم لا تشعرون بعطشكم، لا تكاد تنفعكم بئر مليئة بالماء العذب امامكم فيجب عليكم أن تعرفوا أولا أي ضرر كبير عليكم في بقائكم جاهلين بالإسلام؟ ان كتاب الله تعالى موجود فيكم ولكنكم لا تعرفون ما فيه، فأي ضرر عليكم أكبر من هذا الضرر؟ إنكم تصلون ولكنكم لا تعرفون ماذا تناجون به الله في هذه الصلوات، فأي ضرر عليكم أعظم من هذا الضرر؟ انكم لا تعرفون معنى كلمة الشهادة التي بها تدخلون الاسلام ولا تعرفون التبعات التي تأخذونها على أنفسكم مع أداء هذه الشهادة بألسنتكم، فهل هناك ضرر أعظم من هذا الضرر على المسلم؟ انكم تعرفون الضرر الذي يصيبكم اذا احترقت مزرعتكم إو إذا كنتم متعطلين عن المكسب أو إذا ضاع مالكم، ولكنكم لا تعرفون الضرر الذي يصيبكم اذا كنتم جاهلين الاسلام. فعندما تشعرون بهذا الضرر، تنادون بأنفسكم من ينقذكم منه، وسوف تنقذون ان شاء الله.