الحوار.. بين السيئ القائم والأسوأ الممكن

  حبيب فياض

 

تشهد الأزمة اللبنانية المستدامة أكثر فصولها خطورة. لم يسبق أن شهد لبنان هذا القدر من التأثير بالجوار والتأثر به. الداخل اللبناني بات جزءاً لا يتجزأ من الخارج الإقليمي. لم يعد أمام القوى المتصادمة إقليميا، سوى الساحة اللبنانية مدخلاً للإخلال بالتوازنات القائمة في المنطقة. فيما تظل الأزمة السورية، المعيار الأول في تحديد مآلات الوضع اللبناني، في ظل مراوحتها بين انعدام الحل وتعذر الحسم. هذا في وقت، لم يزل رسم الخريطة الإقليمية السياسية، مسودة بانتظار تظهير نسختها الأخيرة، على وقع مستجدات مفصلية حادة.

في هذا الخضم، يقارب «حزب الله» تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة باهتمام بالغ. يلمس محاولات استهدافه بأدوات أقل كلفة وخارج ميادين قوته المعهودة. ويجهد، بالمقابل، إلى الالتفاف على هذه المحاولات من خلال سياسات داخلية جديدة تهدف إلى التعامل مع أولويات المرحلة الراهنة. كما يحاول الحزب تعزيز هذه السياسات بالاستناد إلى ما يريده الناس وما هو محط التقاء بين الجميع. ويقول الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير: «لنرجع في لحظة هدوء لكي نقول ما الذي سنفعله؟... إذا ما نزلنا إلى الشارع، نسأل الناس عن أولوياتهم من خلال استطلاع رأي... نجد أن هناك أولويتين: الأمن (السلم الأهلي)... والوضع المعيشي».

لطالما تعامل «حزب الله» مع تهديد السلم الأهلي بوصفه طرف نقيض لخيار المقاومة، غير أن خطورة هذا التهديد تتجاوز اليوم المقاومة ببعدها اللبناني، لتتصل بمجمل الصراع العربي الإسرائيلي ورسم خريطة جديدة للمنطقة. في كل الأحوال، يعتبر الحزب نفسه أكبر الخاسرين في حال ذهاب الوضع اللبناني نحو حرب أهلية أو فتنة مذهبية. وهو في مثل هذه الظروف يبادر عادة إلى اعتماد اكبر قدر من المرونة، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة التفصيلية. شارك الحزب، من قبل، في التحالف الرباعي العام 2005 تنفيساً للاحتقان المذهبي، على خلفية اغتيال الرئيس الحريري. ومن ثم ذهب إلى اتفاق الدوحة، وفي أولوياته الحد من التداعيات الفتنوية لأحداث أيار العام 2008.

سيذهب «حزب الله» في المرحلة المقبلة إلى بذل أقصى جهده للحفاظ على استقرار الوضع في لبنان. فهو يرى أن المشاركة غير المشروطة، من قبل الجميع، في طاولة الحوار المرتقبة قد تمنع، على الأقل، الأسوأ الممكن إن لم ينتج عنها معالجة السيئ القائم. وإذ لا مانع لدى الحزب من الخوض في مختلف الملفات العالقة، فإنه سيحاول مواجهة المطالبين بنزع سلاحه بمنطق تقديم التطمينات بأن هذا السلاح، لا وجهة له سوى الدفاع عن لبنان مقابل الأخطار الإسرائيلية. أما المؤتمر الوطني التأسيسي فإن الحزب سيعمل على انعقاده إفساحاً في المجال أمام معالجة دائمة للأزمة اللبنانية بأسبابها العميقة والبنيوية.

في البدء أراد خصوم النظام السوري استهدافه، وفي حساباتهم أيضاً النيل من المقاومة. الآن قد يذهب هؤلاء إلى استهداف لبنان كله، وفي حساباتهم النيل من المقاومة والنظام السوري معاً. ما يشهده لبنان أكثر من اضطرابات أمنية وأقل من فتنة وحرب أهلية. الوضع بصورته الراهنة ليس الأسوأ وما زال قابلاً للضبط. لكن الحزب يخشى من أن المصرّين على قلب النظام في سوريا قد لا يترددون في قلب الطاولة اللبنانية وصولاً إلى هذه الغاية.

أنظار اللبنانيين تتطلع إلى طاولة الحوار، رغم ترجيح عجزها عن إنتاج الحلول. ومن دون مبالغة، يمكن ربط مآلات هذا الحوار بتبلور نتيجة جولة التفاوض المقبلة، بين إيران والغرب في موسكو. و يبدو أن أميركا وبعض حلفائها، لا يريدون في المدى القريب إخراج الوضع اللبناني من توتره الراهن. يدل على ذلك التعقيد المفاجئ لقضية مخطوفي حلب، بعدما كاد أن يؤدي العمل على حلها، إلى خلق مناخات وفاقية بين الفرقاء اللبنانيين.

المصدر: http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=6603

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك