وجهة الخير في الإسلام تجمع بين مصالح الدنيا والآخرة

يقول الله تعالي حكمته(إن الدين عند الله الإسلام) ويقول تقدس عدله: (ومن يتبع غير الإسلام فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين) ويقول عز فضله: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلال مبين).
الإسلام الذي شرفنا الله به وجعلنا بالانتساب إليه أمة واحدة، وأخرجنا بفضل تعاليمه خير الأمم، (دعوة إلى الحياة التي لا تموت ودعوة إلى العزة التي لا تستبعد، ودعوة إلى العزة التي لا تذل، وإلى العمل الذي لا يفتر).
شعاره: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) فالإسلام – بهذا حياة لأنه روح، وقوة لأنه عقيدة، ودستور لأنه شريعة، وإنسانية لأنه أخلاق، وجمال لأنه حضارة وسلم لأنه محبة.
الإسلام الذي ارتضاه الله دينا ودولة، ومنهاجا للتربية والتهذيب وبرنامجا للحكم والاقتصاد، لا تزمت فيه ولا تجمد، مرونته سماوية، ويسره رباني مرن في غير ميوعة، ويسير في غير ابتذال، كله رحمة وهداية وسعادة واطمئنان.
قد جمع الله فيه بين الحياتين الأولى والثانية جمعا عجيبا، وربط فيه بين الدين والدنيا ربطا غريبا.
وإلى القارئ بعض الصور الرائعة من هذا الجمع والربط، حتى ينتبه الغافل، ويزداد – إيمانا – المنتبه، وإن في ذلك لعبرة لصاحب القلب الحي، وإن في ذلك لذكرى لصاحب الفكر الرصين.
إن الله تعالى كما(يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)، يحب – كذلك – الذين يقفون في صلاتهم صفا متصلا متساويا، لا توجد فيه فرجة يدخل منها الشيطان، ولا يوجد فيه اعوجاج يخرجه عن الاستقامة والجمال.
وكما يحب الله تعالى الذين ينفقون مما استخلفهم فيه من الأموال بالليل والنهار سرا وعلانية في سبيله، ويكسون العراة، ويؤسسون المؤسسات لنفع المسلمين، ويقول لهم سبحانه(وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وانتم لا تظلمون).
يحب – كذلك – الذين ينفقون مما علمهم الله، فيخطبون ويعظون، ويعلمون ويفقهون غيرهم، ويدعون إلى الله ورسوله، ويذكرون الناس بأيام الله وبما في أيام الله يقول الله تعالى(فلولا نفر من كل فرقة منهم ليتفقوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون) وصدق رسول الله(ص)( لأن يهدي الله على يدك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت).
وكما يحب الله الذين يقاومون شهوات أنفسهم زهدا في المباح مع الوجد، وتورعا عن المشتبه، وتبسطا في العيش(يدعون ربهم بالغذاة والعشي يريدون وجهه).
يحب – كذلك – الذين أغناهم من فضله، فبذلوا راضين، وأنفقوا شاكرين، فمتعوا أنفسهم بالمباح الحلال، إظهارا لفضل الله عليهم، وتحدثا بنعمته سبحانه ليكونوا شامة في الخلق، كما يقول رسول الله(ص)(أحسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الخلق) وكما يقول(ص) (إن الله تعالى إذا انعم على عبد نعمة يحب أن يرى اثر النعمة عليه ويكره البؤس والتباؤس، ويبغض السائل الملحف، ويحب الحيي العفيف المتعفف) ومعناه أن الله تنزهت حكمته، يحب التجمل في الهيئة، والنظافة في الملبوس، لأنه تعالى(جميل يحب الجمال)و(نظيف يحب النظافة) ويؤكد هذا المعنى قوله(ص) (السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة) وقوله(ص) إذا وسع الله فأوسعوا) لان الله يحب عدم إظهار الحاجة لغيره سبحانه.
وكما يظل الله بظل عرشه – يوم لا ظل إلا ظل عرشه – الشاب الناشئ في عبادة ربه والمقاوم لفورة الشباب، وثورة الأعصاب، وآمال النفس...ويظل الرجل الفحل الكامل الذي صفت له دواعي الزمان والمكان فراودته الكاعب الحسناء عن نفسه، وقالت هيت لكن فقال معاذ الله ، إني أخاف الله رب العالمين.
يظل – كذلك – الوالي الحاكم الذي يشعر بمسؤولية الرعاية، وواجب الرعية عليه، فيخلص العمل لله تعالى في خدمة الأمة وينصح لها، ويسقط في الحكم فيما بينها، ويعدل في القضاء لها ويسهر على راحتها ولا يحابي بعضها على حساب بعض.
وكما يظل الله الرجل الذي أحب الله فكانت قرة عينه في التوجه إليه سبحانه والتملق على أبوابه، فأصبح قلبه معلقا ببيت الله تعالى لا يرتاح إلا في الظرف الذي يكون فيه متحليا بأفضل القربات وأحبها على محبوبه وسيده وهي ما افترضه عليه مولاه(وجعلت قرة عيني في الصلاة)(أرحنا يا بلال).
يظل – كذلك – الرجل الذي يتبادل الحب والإخلاص مع إخوانه المؤمنين فيتعاون معهم على ما يرفع شأن الإسلام، ويعز أمر المسلمين، ويعود بالنفع الصحيح على الوطن الإسلامي بالعزة والكرامة، والسيادة والاستقلال عن حكم الغير، والاستغناء عن بضاعة الأجانب وحضارتهم.
وكما يظل الله تعالى صاحب العين السخية بالدمع مع خشية الله، الخاشعة في خلوتها الغامضة من بصرها في جلوتها.
يظل – كذلك – صاحب العين الساهرة على مصالح المسلمين، الحارسة في سبيل الله، تحمى أحباب الله، وترقب أعداء الله.
وكما يحب الله الفقراء الصابرين المتعففين الذين(لا يسالون الناس إلحافا يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) كما قال الرسول(ص)(إن الله يحب عبده المؤمن أبا العيال)(ويحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال).
يحب – كذلك – الأغنياء الأتقياء الذين(لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)، (إن الله تعالى يحب العبد التقي الغني الخفي)(صح)
وكما يحب تعالى عباده الذين يتقنون أعمالهم، ويحسنون صنعهم، كما قال الرسول(ص)) إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن) وقال (ص)(إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه).
يحب – كذلك – الناسكين النظفاء المنقطعين لعبادة الله سبحانه.
هذا وليس في استطاعتي أن اعدد لقرائي الكرام جميع صور الترابط بين الدنيا، والحياة الأولى والحياة الآخرة، وإنما أردنا التنبيه بهذه النبذ القصيرة على كمال هذا الدين وسمو تعاليمه وعلى قيمة هذا الكنز الثمين الذي منحنا الله إياه ونحن عنه غافلون، نتهافت على فتات موائد الغربيين من آراء ومذاهب ومظاهر، إن هذا الإسلام الذي جاء سيدنا محمد رسول الله(ص) به من عند الله تعالى نور للاهتداء، ومنهاج للحياة ودستور للحكم ونظام للمجتمع، ونجاة في الآخرة وسلم للناس أجمعين أعاننا الله على أنفسنا لنقيم تعاليمه ووفق بين ميولنا لنتحد في الدفاع عنه أنه سميع قريب مجيب.

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/640

الأكثر مشاركة في الفيس بوك