علاقة الدين بالدولة: مقارنة بين تركيا وإيران

بقلم: د. طلال عتريسي

علاقة الدين بالدولة علاقة جدلية تختلف من تجربة إلى أخرى. بحيث يتفاوت تأثير الدين على الدولة، فيقوى أو يضعف بحسب طبيعة الدولة وبنيتها ونظامها من جهة، وبحسب تجربة الحركة الإسلامية ودورها وموقعها من جهة ثانية. وهذا ما نلحظه في اختلاف دور الدين وعلاقته بالدولة على مستويات كثيرة بين كل من تركيا وإيران.
 
عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 كان تحدي بناء الدولة الدينية "تحدياً جديداً" وغير مسبوق في العصر الحديث. فقد طرحت إيران على نفسها بناء نموذج لدولة تقوم على المرجعية الدينية.  
ليس ذلك فقط وإنما تستمد هذه المرجعية مشروعيتها من الفقه الشيعي، الذي اعتمد "مذهباً رسمياً" في دستور الدولة الجديدة. وقد قلبت إيران بعد الثورة، الدولة والنظام رأساً على عقب. فقد وُضع دستور إسلامي للبلاد بدل الدستور العلماني الغربي، ووضعت إستراتيجية لتغيير المناهج التعليمية في المراحل المختلفة الجامعية والثانوية والابتدائية، لجعلها مناهج "إسلامية".  
وتخلى النظام الإسلامي الجديد عن علاقات بلاده السابقة وعن تحالفاتها خصوصاً مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة.
لا بل انتقلت الدولة الجديدة إلى التصادم مع الحلفاء السابقين.. وكانت إيران أول نموذج معاصر لتجربة علاقة الدين بالدولة. وأول نموذج لثورة إسلامية، ولقيادة دينية للثورة.
لذا كانت هذه التجربة موضع اهتمام الكثيرين في الشرق وفي الغرب، خصوصا" طوال العقد الأول لانتصار الثورة...
لم تكن تركيا موضع اهتمام كنموذج لعلاقة الدين بالدولة. لأن "الإسلام التركي" كان خاضعاً للدولة، أي أن العلاقة أصلاً كانت غير متكافئة بين الطرفين.
ولم تكن موضع تحد أو تهديد متبادل، خصوصاً وأن العلمانية كانت مهيمنة على نظام الحكم وعلى دستور البلاد.
وهذه العلمانية الأتاتوركية كانت -ولا تزال- هي المرجعية التي يعاقب القانون من يعترض عليها  أو من يسعى إلى تجاوزها.

وقد خضع الإسلاميون في تجاربهم الحزبية المختلفة بمراحلها كافة إلى هذه المرجعية، من حزب الرفاه سابقاً إلى حزب العدالة والتنمية لاحقاً.
ومن المعلوم أن هذه العلمانية وقفت بقوة ضد الدين كشعائر وممارسات حتى في الحياة اليومية. فمنعت الحجاب في المؤسسات، وضيقت على المدارس الدينية (مدارس إمام خطيب)، وعلى خطباء المساجد.  وكان بمقدور الجيش –حامي العلمانية- أن ينقلب متى شاء على أي حزب إسلامي قد يحاول الاقتراب من قيم العلمانية وقوانينها. ولذا لم تطرح الأحزاب الإسلامية التركية يوماً تطبيق الشريعة.
وأكدت دائماً على التزامها التام دستور البلاد العلماني وفلسفتها الكمالية، في المقابل كانت تركيا عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران اقرب إلى نظام الشاه الذي أسقطته الثورة.
أي نظاماً علمانياً معادياً للدين ولعلماء الدين، وقد عانت الحوزة الدينية خصوصاً في قم، الكثير من جنود الشاه وعملائه وأجهزته الأمنية. وقدمت الحوزة عشرات الشهداء من هؤلاء العلماء في مواجهة السافاك.
كان الإسلام التركي يعمل تحت راية العلمانية من دون الاقتراب من أسسها.  
ومن دون التجرؤ على مواجهتها، ومن اللافت في هذا الإطار أن أياً من الأحزاب الإسلامية التركية لم يطلق على نفسه تسمية إسلامية (حزب النظام الوطني، ثم حزب الخلاص الوطني، ثم حزب الرفاه، وحزب السعادة، وحزب الفضيلة وكلها برئاسة نجم الدين أربكان، ثم حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان...) في حين كان الإسلام الإيراني، بالمقابل يعمل منذ الخمسينيات، وجهاً لوجه في مواجهة علمانية الشاه واستبداده تارة من خلال العنف (تجربة نواب صفوي) وتارة من خلال  الثورة الشعبية السلمية (تجربة الإمام الخميني).
وكان موقع المرجعية الدينية منذ بدايات المواجهة مع نظام الشاه موقعاً رئيساً ومتقدماً، قياساً إلى المرجعيات الأخرى اليسارية والديمقراطية..
كان الإسلام التركي عموماً يستلهم التجربة الاخوانية (الإخوان المسلمين) في أسلمة المجتمع أولاً.
وفي التعايش مع النظام ثانياً، وفي الوصول إلى السلطة ثالثاً، لم تكن فكرة الجذرية، أو الجاهلية، التي تبرر اللجوء إلى العنف، فكرة محورية في تفكير وفي خطط الحركة الإسلامية التركية، (أي أن هذه الحركة لم تتأثر بكتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب الذي ألهم الكثيرين في تكفير المجتمع باعتباره مجتمعاً جاهلياً تجوز محاربته والهجرة منه.
كما عرف المجتمع التركي في الوقت نفسه اتجاهاً صوفياً قوياً وشعبياً (سعيد النورسي، والنقشبندية وسواها...) ينبذ العنف، كما هو عهد الصوفيين، ما جعل قسماً كبيراً من الإسلاميين الأتراك ينصرف إلى هذا الانتماء الصوفي، وإلى الدعوة، وإلى الخدمات الاجتماعية... أكثر مما انشغلوا بالأمور السياسية المباشرة.
وحتى الأحزاب التركية ذات الخلفيات الإسلامية تقيدت "بقواعد اللعبة السياسية"، ولم تخرج عنها. في مقابل ذلك لم تلجأ السلطة العلمانية في تركيا إلى ما لجأ إليه الشاه في إيران. فلم نشهد في تركيا اعتقالات للنخب الإسلامية ولقيادات الحركة الإسلامية ولم تعرف هذه التجربة العلمانية القمع والتضييق الذي عرفته تجربة شاه إيران في المرحلة نفسها.  
بل لجأت السلطة العلمانية إلى "سلطة القانون" فحظرت الحزب الذي اعتبرته خطراً على العلمانية، من خلال المحاكم وليس من خلال الأجهزة الأمنية أو الاعتقال... ولكن هذه السلطة لم تمنع في الوقت نفسه قيادات الحزب المحظور من الحصول على ترخيص لحزب جديد( كما حصل مع نجم الدين أربكان على سبيل المثال: من حزب الرفاه إلى حزب الفضيلة).
كانت تركيا حتى بداية الثمانينيات (وقبل صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة) وإيران في عهد الشاه (قبل الثورة الإسلامية) في الحلف السياسي الاستراتيجي نفسه (الحلف الأطلسي) مع الولايات المتحدة وضد الاتحاد السوفياتي.
ومع انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وبداية دور جديد للدين في الدولة في إيران، تغيرت سياسة إيران الخارجية كلياً.
في حين أن صعود الإسلام التركي منذ منتصف التسعينيات، الذي توج في مطلع الألفية الثانية بوصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاستي الجمهورية والحكومة، لم يغير شيئاً جوهرياً في علاقات تركيا الخارجية السابقة على صعود هذا الإسلام السياسي وعلى وصوله إلى السلطة والحكم.  . .   
ولم يكن الإسلام التركي في صعوده البطيء والهادئ يطرح تصورات نقدية لسياسة بلاده الخارجية، في علاقتها بالحلف الأطلسي الغربي على سبيل المثال، أوفي تبعيتها للسياسة الأميركية، أو في علاقتها المباشرة مع إسرائيل.
في حين كان الإمام الخميني الذي قاد الثورة في إيران يشدد على تبعية الشاه للولايات المتحدة وعلى علاقته بإسرائيل، وعلى نشاط الموساد في إيران.

لا بل كان الإمام الخميني يطرح مفاهيم واضحة وقوية ضد الولايات المتحدة التي اعتبرها الشيطان الأكبر. كما اعتبر إسرائيل غدة سرطانية يجب إزالتها من الوجود. وقد أفتى الإمام بوجوب دفع الأموال الشرعية إلى الفدائيين الفلسطينيين..
وهذا كله قبل انتصار الثورة، لايمكن إغفال أهمية هذه الفروقات التاريخية في تشكل الحركتين الإسلاميتين التركية والإيرانية في فهم طبيعة علاقة التجربتين حالياً بالدولة سواء من خلال حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أو من خلال تجربة ولاية الفقيه المستمرة في إيران منذ انتصار الثورة إلى اليوم.
في محاولة فهم علاقة الإسلام بالدولة في تركيا يقول المفكر التركي البارز شريف ماردين: "تاريخياً" كانت مصادر القوة في الدولة العثمانية هي الجيش و البيروقراطية، ورجال الدين، ومفتي الدولة العثمانية الذي كان يسمى "شيخ الإسلام". .
وهذه المصادر ما زالت هي مصادر القوة في الدولة التركية اليوم باستثناء رجال الدين.. فما فعله أتاتورك كان تحويل رجال الدين من أحد "مصادر السلطة" في الدولة إلى "طبقة عادية" من الموظفين الحكوميين..
وما ساعد على هذا الفصل بين شؤون الدين والدولة هو أن رجال الدين أنفسهم في وقت من الأوقات فصلوا أنفسهم عن الحكم بإرادتهم الحرة..

طرح الإسلام التركي (حزب العدالة والتنمية) نفسه نموذجاً إصلاحياً. فقد أكد زعيمه (رجب طيب أردوغان) أنه يقود "حزباً مسلماً ديمقراطياً"،على شاكلة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب.
حيث يمثل الدين خلفية ثقافية، ولادور مباشر له في الأجندة السياسية أو العمل السياسي... ولذا لم يتبن الحزب "أسلمة المجتمع"، بل أعطى "الأولوية في برامجه التمهيدية للحصول على العضوية في الاتحاد الأوروبي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإصلاح النظام القانوني،.. والحرص على تحديد دور العسكر في النظام السياسي، وتحويل مجلس الأمن القومي إلى مؤسسة مدنية. أي أن علاقة حزب العدالة والتنمية بالدولة التركية هي علاقة إصلاحية.  
وبحسب ماردين فإن الأتراك يقدمون الدولة على الدين "بميلليمتر واحد". ما يعني أن العدالة والتنمية لم يطرح على نفسه تغيير بنية الدولة.  
ولم يخطط لأسلمة هذه البنى، ولا لأسلمة قوانينها، لذا يعتبر "دافيدسون" أن العلمانية في تركيا لاتعني فصل الدين عن الدولة، شأنها شأن باقي الدول الغربية، وإنما حرصت الجمهورية الكمالية على تأكيد خضوع الدين لسلطة الدولة ومؤسساتها.
ويعتقد بعض العلمانيين أن خضوع الدين في هذه العلاقة يجد جذوره في التجربة العثمانية، وهي ليست بدعاً في الجمهورية الحديثة التي أسسها كمال أتاتورك.  
وتدير الدولة في تركيا الدين وشؤونه من خلال وزارة الشؤون الدينية التي تتمتع بميزانية تفوق أحياناً غالبية ميزانيات الوزارات الأخرى... ولكن هذه المؤسسة الدينية لم تكن أبداً منفصلة عن الدولة..  وعملية فصل الدين عن الدولة بمفهومها الغربي لم تتم أبداً في تركيا الحديثة.. ولئن جرى تحرير الدولة من الدين فإن العكس لم يتم.

 وبقيت العلاقة القائمة هي تبعية الدين وخضوعه للدولة وسيطرتها..
ولم يتغير هذا الواقع باتجاه علاقة أكثر تصالحاً بين الدولة والمجتمع والدين في تركيا إلا مع الرئيس توركوت أوزال الذي كان له دور محوري في التأسيس لهذه العلاقة الجديدة.. فقد كان أوزال أول رئيس حكومة يقيم إفطارات جماعية في شهر رمضان، وهو أول رئيس حكومة تركي يؤدي فريضة الحج في عام 1988.. ومع أوزال ستتبلور أطروحة الجمع بين الانفتاح على الغرب وبين الاعتزاز بالهوية الإسلامية، وقد تزامن هذا الاتجاه مع الربط بين الإصلاحية الدينية في الغرب، وبين الثورة الصناعية التي جعلت أوروبا والولايات المتحدة قوى اقتصادية عظمى... أي أن الإصلاح الديني (وليس التصادم مع الدين ) في تركيا يفترض أن يقود تركيا أيضاً نحو مصاف القوى الاقتصادية.

 إذاً كان الدين في تركيا خاضعاً تماماً لسلطة الدولة. ثم أصبحت العلاقة أكثر تسامحاً معه، من دون الانتقاص من الانفتاح التركي على الغرب، ومن دون تغيير وجهة تركيا ورغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.  
ويبدو أن هذه العلاقة لا تزال مستمرة إلى اليوم على الرغم من سياسات أردوغان الإسلامية التي حاول من خلالها زيادة مساحة الحريات الدينية في المؤسسات التعليمية والجامعية، أو من خلال إضعاف سلطة الجيش في المؤسسات المدنية. لكن أردوغان تعرض بسبب هذه السياسات إلى الانتقاد والى الاتهام بأنه يريد أسلمة الدولة في تركيا. وقد تزايدت هذه الانتقادات لما سمي "النزعة الدينية لحزب العدالة والتنمية".
ومن المفارقة أن يبذل حزباً إسلامياً حاكماً، الجهود المختلفة للالتفاف على قوانين الدولة، من اجل التفلت من علمانيتها لزيادة منسوب إسلاميتها...
إن هوية المجتمع في تركيا وثقافته الإسلامية، إلى جانب دولته التي اختارت العلمانية من جهة والانفتاح على الغرب والتحديث من جهة ثانية هو الذي أوجد ما يعتبره البعض "أزمة هوية في تركيا"،أو "هوية ثنائية".
أي أن الدين بات أحد مكونات هذه الهوية، لكنه لم يصبح شريكاً في الدولة، بل بقي خاضعاً لها،  وربما يمكن تفسير السياسات التركية الخارجية أيضاً (التي توسع د. رفعت سيد أحمد في عرضها) خصوصاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في التسعينيات بهذه الثنائية، وبأولوية الدولة على أي اعتبارات إيديولوجية، أو دينية.

ويمكن أن نلاحظ حول هذه التبعية للدين إلى الدولة في تركيا، النقاش المتواصل حول "ازدياد النزعة الدينية في سلوك حزب العدالة والتنمية".
فثمة اعتراض على قول أردوغان :"ان على الدولة أن تنشئ جيلاً متديناً ومحافظاً".
فقد اعتبر هذا الموقف انتهاكاً خطيراً لمبدأ العلمنة الذي يحكم الدولة والدستور.. وقد ذهب منتقدو اردوغان وحزبه إلى اعتبار ما يجري على الصعيد الداخلي من تزايد النزعة الدينية "سوف يترجم. كذلك في السياسة الخارجية والنظام الحقوقي.  
"وتركيا تعيش اليوم ثورة بهذا الخصوص"... وهي تعني أن تركيا "تسير لتكون بلداً آسيوياً، بينما كان التاريخ العثماني توجهاً من الشرق إلى الغرب وأوروبا.  منذ السلطان محمد الفاتح ونحن نذهب ونتوجه إلى أوروبا.  اليوم يحصل العكس.  تركيا تغيّر ساعتها.
ولهذا يعتبر البعض أن تركيا "لم تعرف انفصالاً حقيقياً بين الدولة والدين.
بل كان انفصالاً باتجاه واحد، فإذا كان على الدين ألا يتدخل في شؤون الدولة، فإن على الدولة أن تتدخل في الشؤون الدينية.
جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة والدولة العلمانية موجودة وحاكمة ولها مؤسساتها وقوى عسكرية ومدنية وقضائية تدافع عنها وتحميها، وغالباً ما يمثل الجيش والقضاء وجهة النظر الأقل تسامحاً للعلمنة. ولذا عندما جاء "العدالة والتنمية" إلى السلطة لم يطرح الحزب على نفسه بناء دولة جديدة.
ولم يقدم أي مشروع، أو أي فكرة لإقصاء العلمانية، أو لهيمنة الدين على الدولة أو على مؤسساتها.
ولم يتحول الدين إلى مرجعية سياسية، أو قضائية، أو إلى مرجعية تشرف على عمل المؤسسات المختلفة... ولم يرتبط صعود العدالة والتنمية بالبعد الديني أو بالدعوة إليه في إدارة الدولة وفي تغيير هويتها.
ولا بالدعوة إلى الثقافة الإسلامية،  بل على العكس من ذلك كله، وعلى عكس النموذج الإيراني كان صعود العدالة والتنمية من خارج البعد الإيديولوجي الإسلامي، "فقد برز تيار داخل حزب أربكان. انتقد الخطاب الإسلامي... لحزب الفضيلة.. وكان هذا التيار منفتحاً على النخبة العلمانية، مدافعاً عن قيم الجمهورية الكمالية، وبقيادة زعيمين شابين هما رئيس بلدية اسطنبول رجب طيب أردوغان والاقتصادي عبدالله غول.
إن مسار الديمقراطية في المجتمع التركي منذ الثمانينيات هي جزء من عملية "التحديث" التي سيكون لها أبرز الأثر في إعادة إنتاج نخب صاعدة وجديدة ومختلفة عما كان سائداً لعقود... فالعدالة والتنمية مزيج من تشكيلات اجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة، ومتناقضة، يضم المحافظ والليبرالي، كما يضم الإسلامي والعلماني، والملتفت شرقاً والملتفت غرباً، في تركيبة مميزة تجمع بينها الرغبة في التغيير وخروج تركيا الحديثة من صورتها النمطية التي ارتسمت على مدى ثمانين عاماً.. وستؤدي هذه التحولات إلى سياسة خارجية مختلفة عن العلاقات التقليدية مع واشنطن والغرب.. والتي ستقوم على الموازنة بين الاستمرار في سياسة التعاون والانخراط في المنظومات الدولية، على غرار الأطلسي والأوروبي، والعلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة الأميركية، وحفظ السلم... ، وبين بعد جديد يقوم على تحقيق وتعزيز مصالح تركيا القومية، وما يقتضيه ذلك من دبلوماسية غير انعزالية... خصوصاً "وأنه لا يمكن تجاهل أهمية الدين وموقعه في الدولة وحول العلمنة ودورها.. في التأثير على النقاش الحساس حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي...  وسيلخص أحمد داوود أوغلو لاحقاً هذه التحولات بين الانخراط في المنظومات الدولية، وتعزيز مصالح تركيا القومية، وبين العمق الحضاري (الإسلامي)... في ثلاث رؤى، أو نظريات أساسية هي :"هي نظرية التحول الحضاري، ونظرية العمق الاستراتيجي، ونظرية العثمانية الجديدة.
 إلا أن علاقة تركيا مع الولايات للمتحدة ستبقى علاقة إستراتيجية ثابتة.
ولن تتغير، ولن تكون موضع أي شك أو تردد حتى مع حزب العدالة والتنمية.
فقد وقع الطرفان الأميركي والتركي ما سمي بـ"وثيقة الرؤية الإستراتيجية" في (تموز/يوليو 2006) التي وصفها رجب طيب أردوغان بأنها :" ستؤمن لنا إطار العمل اللازم لتطوير الشراكة التركية - الأميركية الإستراتيجية والمتينة.
وهذه الوثيقة هي ثمرة علاقات وتضامن يمتدان على مدى 60 عاماً.
إن الولايات المتحدة حليف لنا وأحد شركائنا الرئيسيين في المسائل التي تطرحها السياسات الإقليمية والعالمية، وشراكتنا استراتيجية.
نحن نقدر علاقاتنا بالولايات المتحدة الأميركية. وترتب هذه العلاقة صوغ رؤية مشتركة ومصالح موحدة وطويلة الأمد.
وتتشارك تركيا والولايات المتحدة الأميركية المثل نفسها في مجال تطبيق أهدافهما على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وفي إطار هذا التعاون الاستراتيجي، قدمت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية للجيش التركي، وقامت بتدريب قواته.. كما حافظت تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية على قواعد الناتو والقواعد الأميركية على الأراضي التركية، وعلى تزايد أعداد هذه القواعد في الوقت نفسه.
من قاعدة انجرليك للتجسس على إيران إلى الدرع الصاروخية الموجهة ضد روسيا وإيران، إلى قواعد أخرى  في ديار بكر وأزمير واسطنبول، وقاعدة جوية قرب قونية تستخدم للحرب على أفغانستان، وقوات للناتو في ديار بكر وفي الأسكندرون، وفي اسطنبول قاعدة قوات التدخل السريع لحلف الناتو، وفي أنقرة مكتب التعاون العسكري ومراكز تدريب عمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب.
وقاعدة جوية في وموانئ تستخدمها القوات الأميركية في مرسين. . . .
ويدافع احمد داوود أوغلو عن العلاقة مع الولايات المتحدة، ومع حلف الناتو فيقول: "إن تركيا تهتم بحضور فاعل ونشط في الحلف، وذلك بسبب أهميته للإستراتيجية التركية، التي تتركز في: المهمات الإستراتيجية العالمية لحلف الناتو. والعلاقات التركية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وأهمية وجود شرق أوروبا ومنطقة البلقان ضمن الحلف، والعلاقات مع روسيا.
   ومن المعلوم أن تركيا تشارك في عمليات حلف الناتو في أفغانستان. . . وتقوم بتنسيق العلاقات بين عدد من التكوينات الإثنية في أفغانستان والقوات الأميركية والأطلسية. . . وتتوسط تركيا بين الولايات المتحدة وحركات الإسلام السياسي في المنطقة..

تختلف اختلافاً جذرياً علاقة الدين بالدولة في إيران عن تلك العلاقة للدين بالدولة في تركيا.
ففي تركيا استمد الدين مشروعيته في الحكم من خلال الدستور العلماني والنظام اللاديني.
أما في إيران فأصل مشروعية الحكم مستمدة من النص الديني، وهذا النص هو بحسب وجهة النظر الإيرانية الفقهية السياسية متسلسل من النبوة إلى الأئمة، وصولاً إلى الإمام الغائب (الإمام المهدي). . وإلى اعتبار الحاكم هو من سينوب عن الإمام المهدي، وهو الذي ستكون له صلاحيات هذا الإمام في الحكم وفي الولاية، (ولاية الفقيه)، ويعبر دستور الجمهورية الإسلامية في إيران عن هذه المشروعية بشكل قاطع عندما جعل المسؤوليات والصلاحيات الأساسية للحكم بيد "الولي الفقيه".
أما الاجتهاد الإيراني في هذا المجال فكان في المحاولات التي بذلت عشية انتصار الثورة لوضع دستور للبلاد يستلهم تجارب الحكم المعاصرة في العالم لكنه لا يتعارض مع العمود الفقري للحكم الذي هو ولاية الفقيه.  
لذا كان الدستور الإيراني منسجماً مع آليات الديمقراطية الغربية في الفصل بين السلطات من جهة، وفي الانتخاب الشعبي لأعضاء مجلس الشورى، أو لرئيس الجمهورية، أوفي تقديم الوزراء لنيل الثقة أمام هذا المجلس.. إلى باقي العمليات الانتخابية للبلديات والمحافظات وسواها... وهي كلها آليات تتماشى مع الديمقراطية الغربية، وتلتقي في الوقت نفسه مع تلك المعتمدة في تركيا من النظام العلماني نفسه.. لكن ذلك كله بقي في إيران، تحت ظل مشروعية حكومة "ولاية الفقيه".
أي أن على رئيس الجمهورية بعد فوزه في الانتخاب الشعبي على سبيل المثال، أن "يؤدي اليمين" أمام "الولي الفقيه" ليصبح انتخابه مشروعاً ونافذاً.
وللولي الفقيه في الوقت نفسه صلاحيات تعيين المواقع العليا في البلاد مثل قائد الجيش وقائد الحرس الثوري، ومسؤول مجلس الأمن القومي، ومسؤول القضاء الأعلى... وإليه يعود بطبيعة الحال قرار الحرب والسلم... كما يعين الولي الفقيه ممثلين له في الإدارات والمؤسسات الحكومية وفي القوات المسلحة...  والمقصود من هذا الشرح الموجز، للنموذج الإيراني في علاقة الدين بالدولة أن هذا النموذج ينطلق من المشروعية الدينية كما يراها بحسب الفقه الشيعي، ليبني الدولة التي لا تتعارض في بنيتها وأهدافها مع الغايات الدينية المفترضة.
وقد ساهمت البيئة الاجتماعية والدينية والتجربة السياسية التاريخية في صياغة هذه العلاقة بين الدولة في إيران. .
وإذا كان المجتمع في تركيا هو مجتمع مسلم مثل المجتمع الإيراني، إلا أن دور المؤسسة الدينية يختلف تماماً في تجربة البلدين.
وهذا الاختلاف  ينسحب على المؤسستين الدينيتين الشيعية والسنية عموماً.
فالمؤسسة الشيعية (الحوزة) كانت على مر التاريخ مؤسسة مستقلة عن الحاكم، لأسباب كثيرة أهمها عدم اعترافها بمشروعية الحكم الذي لم يستند إلى النص الديني في ولاية الأئمة.
في حين كانت المؤسسة الدينية السنية تستند بدورها إلى الفتوى التي تقول بعدم جواز الخروج على الحاكم إذا لم يظهر منه كفر بيّن.. (وقد وقف بعض العلماء في أكثر من بلد عربي ضد التظاهرات في الشوارع العربية، باعتبارها تثير الفتن وتجلب المفسدة، استناداً إلى الفتوى المعروفة التي تقول "أن دفع المفسدة أهم من جلب المصلحة".)
لقد تعززت استقلالية المؤسسة الدينية الشيعية عبر "الأموال الشرعية" (الزكاة والخمس والصدقات )التي كانت تدفع من "المؤمنين الشيعة" إلى "مرجع التقليد"، الذي كان يوزعها بدوره على طلاب العلوم الدينية في الحوزات وعلى المحتاجين وعلى بناء المؤسسات التعليمية والاجتماعية والخيرية وسواها.. ما جعل هذه المؤسسة خارج الضغوط التي يمكن أن تمارس عليها، أو على المراجع فيها، سواء عبر التمويل أو عبر تقليص هذا التمويل... وليس للمؤسسة الدينية الشيعية (الحوزة) رئيس. وبالتالي لا يعين أحد هذا الرئيس.
 وحتى في الجمهورية الإسلامية في إيران لم يتغير هذا التقليد، فلا رئيس، أو مسؤول، أو مرشد  (ولا حتى مرشد الثورة نفسه)، للحوزة في قم على سبيل المثال. فمرجع التقليد الذي يصل إلى رتبة (آية الله) التي تعني مستوى الاجتهاد، يبلغها بكفاءته العلمية الاجتهادية، ولا يعينه أحد في هذه المرتبة.
ولذا يمكن أن تشهد الحوزة أكثر من مرجع وأكثر من آية الله في الفترة الزمنية الواحدة، سواء في البلد الواحد أو في أكثر من بلد في لبنان أو إيران أو العراق، أو في مدن مختلفة في البلد الواحد مثل قم، أو مشهد، أو غيرها.

وليس بالضرورة أن يتبع مرجع مرجعاً آخر، بل يمكن أن يختلف هؤلاء في رؤيتهم الدينية الفقهية وحتى في رؤيتهم السياسية الدينية (دور الدين في السياسة..

وأبرز مثال على ذلك أن "أطروحة ولاية الفقيه" تعرضت للنقاش، وللنقد من داخل البيئة الفقهية الشيعية نفسها، سواء حول مشروعيتها أو حول مصادرها وحول من قال بها من علماء الشيعة السابقين، أو حول المقارنة بينها وبين تجارب الحكم المعاصرة.
وقد تراوح  هذا النقاش بين من رفض الأطروحة كلياً باعتبار أن لا حكم في عصر الغيبة، وبين من رفض توسيع صلاحيات الفقيه من دون يرفض أصل ولاية الفقيه نفسها، وبين من كان أكثر قرباً من أطروحة الديمقراطية الغربية.
 
واجه الشيعة طوال القرون الماضية أسئلة كثيرة فقهية وسياسية، في داخل حوزاتهم الدينية، عن رؤيتهم لتحولات العصور من حولهم، وعن علاقتهم بالسلطات السياسية وبالحكومات التي عاشوا في ظلها.
أبرز تلك الأسئلة كان حول مشروعية الحكم وطبيعته في غيبة الإمام المهدي؟  أي إذا كان الإمام حياً ولا يحكم مباشرة فما هو الحكم الشرعي في هذه الحالة؟  أي هل يحق للشيعة أن يتسلموا الحكم والإمام حي؟ أم عليهم ألا يفعلوا ذلك بانتظار ظهوره؟ كما يذهب إلى ذلك رأي اجتهادي خاص.
يقول بأن أي حكم أو محاولة للحكم أو أي طلب للحكم في غيبة الإمام هو عمل غير مشروع (الحجتية).
من الأسئلة التي طرحت أيضاً : هل يبقى الشيعة بلا حكم وبلا دولة بانتظار ظهور الإمام؟
وهل يمكن أن ينوب الحاكم الشيعي (الفقيه) عن الإمام المهدي الغائب وأن تكون له صلاحياته نفسها في إدارة الشؤون الفقهية والسياسية؟
(ولاية الفقيه) وهل هذه الولاية بالنيابة تكون موسعة لتشمل الوصاية على مناحي الحياة كافة أي التي تدمج بين الجانب السياسي (الإدارة والتدبير والمؤسسات والوظائف) وبين الجانب الديني، كما في قوله تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" وهي الآية التي يستند إليها الإمام الخميني في شمولية صلاحيات الولي الفقيه.
 أم تكون تلك الصلاحيات محدودة وليست مثل ولاية الإمام المعصوم الواسعة (التي يقول بها فقهاء كثيرون ).

 أم أن الولاية في عصر الغيبة تكون للأمة على نفسها وليس للفقيه حصراً (الشيخ شمس الدين)
أما المؤسسة الدينية السنية بالمقابل فكانت جزءاً من النظام الحاكم. تحصل على مشروعيتها من هذا النظام.  
فرئيس الجمهورية يعين رئيسها، الذي هو مفتي الديار، أو الإمام الأكبر، أو مفتي الجمهورية أو مفتي المملكة... وهي بدورها تدافع عن مشروعية هذا النظام وعن سياساته.  
هكذا برر شيخ الأزهر على سبيل المثال، زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى كيان الاحتلال إلاسرائيلي في فلسطين المحتلة عام 1978، وتوقيعه اتفاقيات كامب ديفيد، باستحضار الآية القرآنية "وإذا جنحوا للسلم فاجنح لها. . " في حين كان الإمام الخميني في الفترة نفسها في قم، ينتقد الشاه بسبب تبعيته للولايات المتحدة وبسبب علاقاته مع إسرائيل... ويدعو في الوقت نفسه إلى دعم الفدائيين الفلسطينيين.
ولعل هذه المشروعية الدينية للدولة في إيران هي التي دفعت قيادتها بعد انتصار الثورة إلى استبدال سفارة إسرائيل بسفارة فلسطين.
لأن إسرائيل من وجهة نظر الإمام الخميني هي "كيان غير شرعي وسرطان يجب إزالته من الوجود".
وهذا مثال على كيفية تأثير هذا البعد الديني للدولة على رؤيتها للعالم وعلى أسس علاقتها مع هذا العالم.  
- إن الفروقات بين موقع الدين ودوره وعلاقته بالدولة في كل من إيران وتركيا هي فروقات جوهرية.
وقد تبين من خلال بحث د. رفعت سيد احمد، حجم هذه الفروقات سواء في الدستور أو في سياسات البلدين الخارجية تجاه قضايا فلسطين، والمقاومة، أو العلاقة مع الولايات المتحدة ومع الغرب. . .  

- من أهم هذه الفروقات أن مشروعية الحكم في إيران هي مشروعية دينية قبل أي أمر آخر. في حين أن مشروعية الحكم في تركيا هي مشروعية علمانية. فإذا تعارض الدين على سبيل الافتراض مع هذه العلمانية لا يمكن له أن يحكم، أو أن تصل أحزابه إلى الحكم.
 أما في إيران فلا يمكن لمن يتعارض مع الدين أن يسمح له بالتقدم إلى الحكم.
 ولا يمكن لأي جهة أن تحصل على المشروعية إذا تعارضت مع الدين..  الدين حاكم في إيران. وهو في تركيا محكوم، ويسعى في أفضل الأحوال أن يكون شريكاً في الحكم.  
- إن المرجعية الدينية، ومؤسساتها المختلفة، وشخصياتها البارزة لا تزال صاحبة نفوذ مؤثر ومهيمن على الحياة السياسية في إيران.
وهي في الوقت نفسه مرجعية مستقلة عن السلطة، وعن أجهزة الدولة.
أما في تركيا فليس هناك مرجعية دينية. والمرجعية هي دستور البلاد العلماني، وليس الدين.
ولكن المفارقة أن المرجعية الدينية (الحوزات والمراجع) قد تتشدد في طلب المزيد من "تديين" المجتمع والقضاء والسياسة... في حين أن مرجعية الحكم في تركيا تذهب في اتجاه معاكس تماماً وتراقب أي "تديين" لمحاولة منعه من التقدم أو الاستمرار. .   

- تبدو العلاقة بين الدين والدولة في إيران علاقة ثابتة ومستقرة. في حين تبدو هذه العلاقة متأرجحة وغير مستقرة في تركيا.
فإذا فشل الحزب الإسلامي في الوصول إلى السلطة، ولم يحصل على أغلبية برلمانية على سبيل المثال، بات موقع الدين في المؤسسات التعليمية والاجتماعية والسياسية مهدداً.
وما يفعله حزب العدالة والتنمية في تركيا منذ وصوله إلى السلطة هو محاولة انتزاع المزيد من المكاسب(الدينية) سواء لجهة الحجاب أو دعم مؤسسات التعليم الدينية، أو تقليص سلطة العسكر (العلمانية)... مع حرص الحزب على عدم التعارض مع سياسات بلاده العلمانية الخارجية في التأكيد على الرغبة في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وفي البقاء ضمن الحلف الأطلسي، وفي استمرار الاعتراف بإسرائيل والعلاقة معها... ومع ذلك إذا خسر الحزب هذه السلطة يوماً، فإن تلك المكاسب(الدينية) مهددة أيضاً بالتراجع وبالخسارة... مع بقاء العلاقات الخارجية على حالها...
أما في إيران فإن أي تراجع للدين عن دوره في الحياة الاجتماعية والتعليمية والسياسية يحتاج إلى ثورة مضادة تطيح بالنظام الحالي وتقلب الأمور رأساً على عقب... بما في ذلك سياساته الخارجية... أي أن علاقة الدين بالدولة في تركيا هي علاقة ظرفية، ومعرضة للتبدل، في حين أنها أكثر ثباتاً وبنيوية في إيران...

هكذا تبقى العلاقات بين الدين والدولة علاقات مهمة وتختلف في مدها وجزرها، بين بلد وآخر. ويبقى موقع الدين في الدولة، كما كان سابقاً مصدر جدال. .
 لكن وتيرة هذا الجدال تزداد اليوم، محملة بأسئلة كثيرة، إلى الإسلاميين الذين أتت بهم  "الثورات "إلى السلطة، حول نموذجهم المفترض للحكم في البلاد العربية. .

المصدر: http://albadee.net/news/5542/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86

الأكثر مشاركة في الفيس بوك