كيف نكون مجتمعا إسلاميا

من المسائل المسلمة أن القوانين –أرضية أو سماوية لا يظهر أثرها إلا إذا سهر على تطبيقها أشخاص اقتنعوا بصلاحية أحكامها التي تميز الخبيث من الطيب وتظهر الصالح من الطالح فيتمتع بها أقوام، ويردع بها آخرون، ويطمئن عليها أولوا العزم والحكمة، ويهاب سلطانها ذوو النفوس المريضة. ذلك أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يخلق الناس وقد اختلفت نفوسهم وعقولهم، فمن مسالم لأخيه الإنسان يسعى لما فيه خيره وخير أخيه، ويعمل لما فيه صلاحه وصلاح بني جنسه، ويرفع من مستوى نفسه ومستوى رفيقه في الحياة، ومشاكس طبعت نفسه على الشر يسعى لما فيه الشر له ولأخيه، ويسهم بشيوع الفساد بينه وبين جنسه، وينزل بمستوى حياته وحياة رفقائه إلى مرتبة أحط من مرتبة الحيوان العجم، فكان لزاما والحالة هذه أن تسن قوانين وتختط أحكام يتحاكم الناس إليه إذا ما دعا بينهم داعي النزاع، وغرقوا في بحر من اللجاج والخصام لتفل شوكة الخصان وترد الحق إلى نصابه والعدل إلى مكانته.  
وقد ظهرت القوانين أولا في شكل عادات وأعراف اصطلح الناس عليها، وتطئوا على اعتبارها أسسا لحياتهم لا يحيدون عنها، واعتبروا أن السير على منهاجها والتحاكم إليها هو المثل المنشود في الحياة، ثم تطورت في الاسم والشكل وأصبحت تحمل اسم قانون ومسطرة على ما يفترض في وجودها –ومنذ وجود الإنسان ورسل الله إلى البشر تترى بقوانين إلهية، وأحكام سماوية تصلح ما أعوج من الأعراف والعادات وتهذب ما توطأ عليه الناس من القوانين والأحكام لما عرف من زيغ الناس في أعرافهم وعاداتهم، وانحراف الأقوام في قوانينهم في أعرافهم وعاداتهم، وانحراف الأقوام في قوانينهم وأحكامهم، وقد كلف الله النبيئين والمرسلين بالسهر على تلك القوانين والسعي لتطبيقها بين البشر حتى يعم عدل اله وتتم كلمته في الأرض التي هي عبارة عن أمن يسود بين كافة البشر وسلام ينتشر بين المخلوقات وأخوة صادقة تربط بين بني الإنسان في سائر الميادين.
غير أن القوانين التي بعث بها الرسل ارتكزت على أساس استمدت منه وجودها وتحتم على متبعيها أن يبتدئوا منه إلا وهو الانقياد التام والاستسلام المطلق لقوة قاهرة مدبرة حكيمة تعرف مصالح الناس وتعلم حق العلم الوسائل لإخلائهم وتواددهم.
وديننا الإسلامي لم ينبثق في اسمه ومعناه إلا عن هذا الأساس، وبذلك كون وحدة متماسكة الأطراف بينه وبين سائر الأديان التي جاءت بها الرسل فلتتدبر قوله تعالى : «وما أرسلنا من قلبك من رسول إلا يوحى غليه أنه لا إلاه إلا أنا فاعبدون» ولنفكر في القرآن وهو يحكي عن النبي نوح : «وأمرت أن أكون من المسلمين» ولننظر قوله تعالى في حق رسوله ابراهيم : «ولقد اصطفيناه في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين، إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين»، ولنتأمل النبي يوسف وهو يتضرع إلى ربه قائلا «أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلما وألحقني بالصالحين» ولنمعن النظر في خطاب موسى لقومه بقوله : «يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين» ولنتبصر لما ورد في القرآن عن عيسى وقد أجابه حواريوه «نحن أنصارا لله آمنا بالله وأشهد بانا مسلمون» -وإنما أجمعت الأديان على الابتداء بطاعة الله عز لأن النفوس الأبية لا تستسيغ قانونا وضعه فرد أو جماعة ولا تنفذ أحكاما شرعها أشخاص يمكن أن تظن بهم الظنون فيسيروا مع هواهم، ويراعوا مصلحتهم على حساب مصلحة الغير، فكان الرجوع المشترك إلى قوة مدبرة باعثا على الاطمئنان إلى القانون ومصدرا للإذعان إليه، فلا تجد نفس اشمئزازا وهي ترجع إلى قوة يرجع إليها الجميع، وتتصرف في حكم الجميع وتسن القوانين لمصلحة الجميع، ولا تهون
أي نفس أمام قانون موحد ومسطرة موحدة لا فضل لأحد على آخر ولا مراعاة فيه لفرد دون آخر وأعظم بقانون يرفع نفس الإنسان إلى ربها فيخاطبها من غير وسيط ولا ترجمان ويكلفها بأن تراقب نفسها وتراعي ربها في أعمالها الدينية والدنيوية كما يربأ بالإنسان أن ينساق مع الهوى أو يتسرب إليه الخيال فيدعوه إلى الحياة الكريمة ويتعهده بتعبدات ترفع نفسه عن الرذائل وتسمو به إلى الحضرة الإلهية مع إجابته لرغباته وأهوائه المادية في التمتع بدنياه في حدود الفضيلة والمصلحة العامة وعدم الإضرار بالغير «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين».
وبناء على ما ذكر فهل هذا القانون لم يحقق مصالح الناس وأهدافهم في الحياة حتى حادوا عنه وجعلوه وراء ظهورهم؟ أو وجدوا قانونا يضمن لهم ما هو أحسن وأجدى فاتبعوه وتركوا القاصر؟ كلا وألف كلا ذلك أن من فكر في حالتنا الاجتماعية وأمعن النظر فيما عليه بعضنا من بؤس وضلال وحيرة واضطراب فإنه يرجع سبب ذلك إلى عدم الأخذ بطريقة تهدينا سواء السبيل وتقينا شر البؤس وحيرة الضلال وخلق الاضطراب وتحقق لنا أهدافنا ومصالحنا القريبة والبعيدة وليست الطريقة التي تضمن لنا كل هذه المحاسن إلا طريقة اتباع أحكام الإسلام وتعاليم الشرع ومبادئ الدين الحنيف وسوف لا يرفض هذه الفكرة إلا من جهل قيمة هذه التعاليم ومقدار ما تؤديه من نفع وخير لا لمن يتدين بها فحسب بل حتى لمن يعايشه ويساكنه، إذ مبادئ الإسلام تسالم كل الناس، وتحرم الظلم والعدوان بالنسبة لكل الناس ولا تحارب إلا من حارب المسلمين أو اعتدى على حق من حقوقهم المادية أو المعنوية، غير أن بعض الناس نبذوا هذه القوانين لأسباب استعمارية أولا ولكون الذين أثرت فيهم هذه الأسباب لم يتشبعوا بروحها ولم يروا بها أرواح من هم تحت ولا يتهم. ثانيا : فضاعت أحكام الإسلام واستعيض عنها بقوانين استعمارية تحقق مصالح المستعمرين على حساب من فرطوا في قوانينهم السماوية وها هو شبح الاستعمار قد زال وترك ظله ممتدا على خصوص النفوس القلقة الحائرة التي عميت عنها سبا الرشاد وأخطأت طريق الفلاح فخيمت عليها الحيرة وفقدت الثقة والاطمئنان. فما هي السبيل لعلاج المشكل ؟ وكيف نتحرر من هذه الحالة التي أصبحنا نئن تحت وطأتها؟.
ينحصر العلاج في الرجوع إلى التعاليم الإسلامية والمبادئ المحمدية، غير أن الدعوة للرجوع إلى الإسلام كثيرا ما أثيرت في المحافل والمجالس، وكثيرا مات نودي بها من فوق منابر المساجد والجوامع، ومع ذلك لا نجد بعض الناس إلا متمادين فيما هم عليه، فملا بال هذه الدعوة لا تجد آذانا صاغية ؟ وما شأنها لا تحتل محلا في القلوب ؟ الجواب هو أن الدعوة للرجوع إلى الإسلام تستلزم توطئات وتمهيدات وتقتضي إزالة للعقبات وتهيأ للنفوس التي تتقبله، فالمبادئ قائمة والأحكام موجودة، والنظم ثابتة وصدق الله العظيم «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، وعليه فيجب تمهيد السبيل بنشر أحكامه وتعاليمه، كما أتى بها محمد ص بين سائر الناس وفي جميع المحلات، ويجب أن تنظم محاضرات دينية تلقى في محافل مختلفة ومجالس منوعة وأندية متعددة يحضرها الناس على اختلاف مشاربهم وثقافتهم واتجاهاتهم، بأساليب شيقة تجلب إليها النفوس وحجج دامغة تثبت صلاحية حكم الإسلام لكل زمان ومكان ومرونته للسير مع كل المقتضيات العصرية مع التصدي لهدم كل ما ألصق بالإسلام من الخرافات والخزعبيلات التي ينسبها له أشخاص غير مشبعين بروح الإسلام، وليتبع في ذلك الكتاب العزيز والسنة النبوية الطاهرة كما يمهد له بطرق المواضيع الاجتماعية التي من شأنها أن ترغب إليه الناس وتشربهم حبه : كمسألة التعاون والتكافل الاجتماعي، وحق الفرد العاجز على مواطنيه ومطالبة الجماعة بتوفير الحياة الكريمة لكل الناس، وتشجيع العملة على العمل الجدي المتقن، وبيان القيمة التي يعطيها الإسلام للمحترف والعامل، ومسألة تأسيس المنظمات الخيرية التي هي مظهر من مظاهر الأخوة في الإسلام إلى غير ذلك من الأنظمة الاجتماعية التي تتمشدق بتأسيسها المذاهب السياسية الحديثة والتي تحقق مصالح واضعيها على حساب الطبقة الشعبية.
وبجانب المزايا التي يضمنها الإسلام للمسلمين إذا هم اتبعوا أحكامه وقوانينه نشعر المواطنين بالواجبات التي عليهم نحو أنفسهم وإخوانهم المسلمين إذ الإسلام يجعل الحقوق بجانب الوجبات حتى يعم الرخاء والهناء والعيشة الكريمة بنفس سامية وروح معلقة بالملكوت الأعلى، وكيف لا يضمن الحياة الكريمة والاستقرار المكين وهو يرفع هاماتهم وأبصارهم إلى ما هو أعلى وأسمى من الحياة الأرضية ويهيب بهم إلى التماس النفع للجميع وإلى دفع قوى الشر والفساد ومحاربة العدوان والطغيان.
أليس يفرض بطريقة لا هوادة فيها القيام بالخير لصالح الجميع حين يأمر بقوله جلت حكمته : «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هو المفلحون» إن الآية تنادي بتكليف الأمة الإسلامية جمعاء بما فيه صلاح الأمة جمعاء لا يتفشى في الأمة تملص من هذا الواجب المقدس إلا أصابتهم نتيجة التواكل وحلت بهم عاقبة التملص من المسؤولية – إنها أشعار للأمة بمسؤوليتها التي يجب أن تتحملها في كل أطوار حياتها :
الدعوة إلى الخير: كل ما هو من أفراد الخير الشامل العام وكأن الله فسره بقوله ويأمرون بالمعروف : كل ما تعارف الناس عليه أنه خير ومصلحة : توفير الصحة للجميع صحة الأبدان بإطعام الطعام وحفظها من الآفات وصحة العقول بإخراجها من ظلمات الأمية والجهل والغفلة، وتوفير التمتع للجميع وتوفير الاستقرار في العقل والثبات في الناس والسمو في الروح والهدوء في الضمير –النهي عن المنكر كل ما تنكره النفوس وتجنح عنه العقول : المرض، الجهل، الفقر، الاضطراب، الحيرة هون النفس، الغطرسة، الكبرياء، الحقد إلى غير ذلك مما لا تستسيغه نفوس أبية شريفة.
وقد حصر الله الفلاح في حق أولئك الأشخاص الذين يقومون بهذا التكليف العسير، وأعظم بفلاح يقصره الرب سبحانه على أشخاص يقومون بواجب مقدس، إنه تكليف ليس بالهين ولا باليسير سيما وهو يصطدم بشهوات الناس ونزواتهم وضمنهم الجبار المتكبر والحاكم المتسلط والأناني المستأثر والمطبوع على الشر المتمرد لكنه مع ذلك تكليف محبب إلى النفس المومنة بالله التي لا تعتز إلا به ولا تخشى إلا إياه.
ويكاد الإجماع ينعقد على أن هذا الفرض كفاية متى انتدبت له طائفة من بين الأمة حسبما يشعر به تعبير «منكم» سقط الطلب عن الباقين مع أننا لو تدبرنا في التهديد الوارد في حق تاركه والوعيد المترتب عن التواكل في أمره لما استطعنا أن نقطع بأنه فرض كفاية لنتأمل قوله (ص) وهو يؤكد ما فرضه القرآن ويوضح ما عناه الفرقان وينص على العقاب الذي يصيب المتهاونين به : «والله لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذون على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض» بل لنمعن النظر إلى التكليف العام الذي لا يفلت أحدا والذي يجعل كل فرد على حدة مسؤولا في قوله ص «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته- الحديث».
ألسنا نرى أنه يبدأ بتعميم يقتضي تعين الفرض على كل أحد ويختتم بتعميم أيضا حتى إذا ما عقل الإنسان وكبر ولم يجد بجانبه من هو تحت مسؤوليته فهو مسؤول على الأقل على رعاية نفسه وتهذيبها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر أليس ذلك معنيا بالجهاد الأكبر في قوله ص «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الكبر»؟ فكيف تفعل الطائفة التي تملصت بحجة قيام الغير بواجب الدعوة إلى الخير ؟
ومن المعلوم أن المسؤولية تكون أمام من هو أعلى من المسؤول، فأمام من يسأل كل فرد من المذكورين في الحديث ؟
لكي نعرف الجواب أن نتذكر أن الإسلام لا يجعل واسطة بين الشخص وربه، فاله الواحد المختار هو الذي شرع، وهو الذي سأل، ولا يسأل إنسان أمام أحد سوى اتلله المشرع جلت قدرته ولا يتحاسب الإنسان إلا مع ضميره الذي لا يطلع عليه أحد سوى الله، فالعلاج يجب أن يبدأ أولا بتهذيب النفوس وتصفيتها وجعلها مستعدة لتحمل مسؤوليتها أمام ربها، ثم يجب أن تزال العقبات من وجهها ويفسح لها المجال حتى تؤدي واجبها ممن غير تهاون ولا تواكل، وأخطر العقبات التي يجب أن تزيلها من طريق الشخص الذي نريده على اتباع أحكام الإسلام المغريات والمهيجات التي تدفع بالإنسان غلى الانسياق مع الهوى –والأفلام الخليعة أكبر معول لهدم الروح الإسلامية من الإنسان-.
فإذا أحيط الشخص بسياج من مكارم الخلاق وهيئت نفسه لإتباع أحكام الشرع في مختلف أطوار حياته أمكنه أن يكون مسلما متبعا لأحكامه.
وأعداء الإنسان في مختلف مراحل حياته هو ما عالجه حديث كلكم راع حيث أشعر كل مسلم بمسؤوليته أولا ثم فصل ميادين المسؤوليات : فأشار إلى أن المدرسة الأولى للطفل تتحمل اكبر قسط من المسؤولية إشعار طفلها بمسؤوليته عن طريق القيام بما يفرضه الدين أولا والسير حسب تعاليمه وثانيا بتلقينه المبادئ الأولية التي تنير طريق الإسلام أمامه : فليسهر رب المنزل على زوجته وأبنائه ومن هم تحت ولايته من أخوة وأقارب وخدم حتى يؤدوا واجباتهم الدينية في مطلع حياتهم، فتنطبع نفوسهم على القيام بالواجب في الكبر وقديما قيل يشيب المرء على ما شب عليه، فإذا ظهر أمام من هم تحت ولايته بمظهر الصلاح والرشاد وادي الشعائر الدينية خير تأدية، ولم يصدر عنه أمامهم ما يخل بالتعاليم الإسلامية كالكذب والغش والغيبة والنميمة والأثرة التي تدفعه إلى حب نفسه وأهله وجلب النفع لهم ولو على حساب الغير، وأفشى بينهم حب الخير والنفع للمسلمين، ولقنهم أن الإنسان لا يعيش لدنياه فقط بل هناك آفاق أعلى من الواقع الأرضي يجب أن يعمل الإنسان للوصول إليها، إذا قام بذر نواة صالحة في المجتمع يصلح المجتمع بصلاحها بشرط أن يلاقي الإنسان في الأوساط الخارجة عن منزله انحرافا وزيغا عما اعتاده ممن رباه بالمنزل.
وفي هذا الميدان أشرك الرسول المرأة التي هي العمدة في تربية رجال الأمة في هذه المهمة الشاقة واعتبرها مسؤولة عن بيتها في التدبير المنزلي وللتربية الدينية للأبناء فيجب أن تكون تصرفاتها وأعمالها ملائمة للروح الدينية حتى إذا خرج أبناؤها إلى المجتمع وجدوا أنفسهم مشبعين بروح الإسلام، فسهل على المدارس التي يقصدها الأطفال تنشئتهم نشأة دينية، وبهذا يقع تجاوب بين المدارس والمنازل.
ثم إن نفس المسؤولة التي يتحملها الزوجان في المنزل، يتحملها أولياء الأمور من الإمام إلى مقدم الحي خارج المنزل، فهم مسؤولون عن تصرفات الناس وسلوكهم لا في المحاكم فحسب بل حتى في السير الاجتماعي والسلوك المدني، وبذاك يعم التعاون وينتشر الإخاء ويسود الرخاء والهناء.
ويزيد الحديث بعدما يخصص مسؤولية الإمام أمام رعيته ومسؤولية الابن والخادم في مال أبيه وسيده ومسؤولية المرأة في مال زوجها، والمال بمعنى المتمول الذي له قيمة –أقول يزيد الحديث كلكم مسؤول عن رعيته ليبين أنه يدخل حتى في تجارة الأجانب وصنائعهم، فالإنسان مسؤول عمن تحته من عمال وأجراء وخدم وغيرهم، فلو كان رب المعمل والمصنع أو المتجر أو غيرها مشبعا بروح لإسلام لما أمكن التخاذل في شأن هذه القوانين : فليشعر أمين الحرفة أهل حرفته بواجباتهم، وهو مسؤول إذا لم تطابق أعمالهم تعاليم الإسلام، وليبين لهم أن الربح الذي يجب أن يسعوا لاكتسابه ليس هو كنز الدراهم والدنانير بل محبة الزبناء والنصح لهم، وليشعر رب المعمل عملاء وصنعاء، بواجبهم الديني وليهيئ لهم الجو الصالح لذلك وليقنعهم أن الائتمان وعدم الغش هو الذي يوفر لهم السعادة والهناء وليتنازل أرباب المصانع والمعامل فلا يستأثرون بالأرباح الطائلة ليسود المعمل أو المصنع جو من الأخوة والمحبة، وبذلك يقبل المواطنون على صناعاتهم  فتزدهر البلاد وينعم الناس وتطمئن النفوس.
وعلى الأساتذة والمعلمين أن يجعلوا من أبنائهم الروحيين مؤمنين مشبعين بالتعاليم السماوية وعليهم كل المعول في تكوين نشء مسلم بكل ما تحمله الكلمة من معنى فيبثون بدورهم روح الإسلام ويحاربون الخرافات والخزعبيلات ويحررون العقول من غشاوة الجهل والضلال.
ومما يدخل في تهيئ الأجواء الصالحة بناء المساجد في كل الأسواق وداخل المعامل والمصانع وإلزام المواطنين بتوقيف العمال أوقات الصلاة وإقامة الشعائر الدينية وتعهد الناس بالوعظ والإرشاد بالنسبة لأحكام أعمالهم وأشغالهم.
نعم إذا كانت حكومات الدول الإسلامية تتحمل قسطا من المسؤولية لتكوين مجتمع إسلامي فإن الشعب من جهته يتحمل كذلك قسطه الوافر فالحكومات الإسلامية لا تنشئ النشء على الإسلام كما يلزم في نظرنا وذلك بعدم تقرير الدراسات الدينية في كل المدارس وفي كل الفصول على اختلاف اتجاهاتها ومناهجها وبعدم تكليف الطلبة في الفصول العالية بالبحوث الإسلامية وجعلها مادة أساسية يتبارى فيها أذهان الطلاب، أليس التبحر في القوانين الإلهية وتناولها بالبحث والدرس في امتحانات الليسانس وشهادات الحقوق وشهادة كليات التشريع أجدى وأنفع من تشتيت الذهن بالنسبة لهؤلاء في مختلف القوانين الوضعية الأجنبية عن الإسلام والمسلمين ؟ -أما الشعب فيتحمل مسؤوليته بعدم مراقبة دراسة أبنائه وتسييرها حسبما يفرضه الدين إذ ينشأ الأطفال في المدارس ويقضون بها السنين من غير أن يعرف الآباء فلدينا مفكرون وعلماء لا يقيمون وزنا لمثل هذه الأمور ولا يستنكرون أن أبناءهم لا يدرسون الدين الإسلامي ولا تاريخ الإسلام كما يتحمل الشعب مسؤوليته بعدم
السهر على تطبيق تعاليم الإسلام في أشغاله وصناعاته فلنستحضر دائما راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
فتنظيم حملات في البيت والمدرسة والمصنع والمعمل والأسواق والندية هو الكفيل بإشعاع التعاليم الإسلامية في القلوب، وإزالة العقبات عن طريق المتدينين هو الذي يضمن الإصغاء إلى الدعوة للرجوع لتعاليم الدين الحنيف.
إما أن يعيش الإنسان في جو غير نظيف من غير أن يرى شعائر تقام أمامه، ومن غير أن يرى شعائر تقام أمامه، ومن غير أن يطالب بها في صغره حتى يشب عليها، ومن غير أن يرى اجتنابا لما يحذره الإسلام إما أن يعيش ببين أشخاص يتهاونون بالقيم الروحية ويهتمون بالمادة فقط ويلقنون الفجور واللحاد للشبان ويزحلقون أفكارهم عن التعاليم الإسلامية إما أن ينغمس الإنسان في بحر من الملذات والمغريات، إما أن تسري فيدمه بواسطة أو غيرها حب النفس والأثرة والسهر على المصلحة الخاصة ولو على حساب الغير، إما أن تحشى الأذهان الفارغة بأن الدين يؤخر الأمم وان المتدينين رجعيون، إما أن يظن أن الطريقة التي تجلب السعادة هي طريقة الغش والاستهتار بالمثل العليا والمخاتلة والنفاق مما يسمى فلا يعقل أن تجد الدعوة إصغاء ولا مكانا في النفوس –فهؤلاء المدعوون يكادون يجهلون كل شيء عن الإسلام مع أننا نريد منهم أن يتركوا ما لقي لهم صباح مساء ويعملون بما لا يعرفون عنه إلا المساوئ.
فتبيين أحكام الإسلام على ضوء العصر مما يجب للناس العمل به، وإرشادهم بالطرق العلمية إلى أن الإسلام عقيدة وعمل وأنه يهتم بالمادة والروح في آن واحد مما يجلب الناس إليه وتدريس الواقع الإسلامي أبان ازدهاره ورفاهيته حيث عم العدل والأمن وسادت الأخوة والمساواة هو الذي يجعل من المدعوين مسلمين ويكون مجتمعا إسلاميا صالحا.
وصدق الله العظيم : «فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما».   

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/596

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك