تاريخ الإسلام السياسي في الهند

أنارت الحضارة الإسلاميّة بقاع الأرض زمناً طويلاً، وامتدّ ضياؤها إلى كلّ شبرٍ أشرق فيه نور الإسلام، فكانت الهند جزءاً من البلاد التي ساد فيها الإسلام قروناً من الزّمن، فعاش النّاس في أمنٍ وأمانٍ، وعدلٍ وإحسانٍ.

والهند من الناحية الجغرافيّة تُمثِّل اليوم عدَّة دُول؛ هي: الهند، وباكستان، وبنغلاديش، وسريلانكا، والمالديف؛ الممتدّة من الشّمال من سلسلة جبال الهملايا، إلى الغرب حيث جبال هندكوش وسليمان، حيث تقع أفغانستان وإيران، ثمّ تمتدُّ إلى الجنوب في شبه جزيرة يقع بحر العرب في غربها، وخليج البنغال في شرقها، وسيلان في طرفها الجنوبيّ، ويتَّجه الإقليم الشماليّ منها إلى الشّرق حتّى جبال آسام".

الهند قبل الإسلام 

وعند استعراضنا لأحوال الهند قبل الإسلام، نجد أنّ الاضطراب الخُلُقي والاجتماعيَّ والعَقَدِيَّ كان السِّمة الظاهرة، وقد ظهر جليّاً من مستهلِّ القرن السادس من الميلاد، وكان أبرو ما ميّز هذه الحقبة التفاوت الطبقيّ والتمايز الاجتماعيّ الجائر.

وقد وُجِدَتْ في الهند قبل الإسلام مجموعة من الديانات، منها الهندوسية أقدم هذه الديانات في الهند، تليها البوذية التي انتشرت قبل الإسلام بنحو خمسمائة سنة، وأعداد قليلة ممّن يعتنقون المسيحيّة واليهوديّة.

ولا يُمكننا التّحديد الدقيق للاحتكاك الأوَّل بين الهند والعرب، إلّا أنَّ الثابت تاريخيّاً أنّ العرب كانوا على صلةٍ تِجاريَّة بالهند قبل الإسلام؛ حيث وصلت سفنهم على أغلب المُدن الهنديّة؛ بل وذهبوا إلى خليج البنغال، وبلاد الملايو، وجزر إندونيسيا، حتّى كوَّنوا لهم جالياتٍ عربيّةً في بعض هذه البلاد. وقد أرسل النبي صلّى الله عليه وسلم إلى ملك "ماليبار" يدعوه إلى الإسلام. ويُرْوَى أنّ ملك "كدنغلور" زار النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما وصل الدّعاة إليها. وفي عهد الراشدين وصلت قوات مسلمة إلى شمال بومباي، وأرْسِل "عبد الملك بن مروان" "محمد بن القاسم الثقفيّ" لغزوها، فبدأ في فتحها، وكان ذلك بداية انتشار الإسلام فيها.

وكاتَبَ عمرُ بن عبد العزيز ملوكَ السند، فأسلم بعضهم؛ وفي عهد هشام بن عبد الملك تمّ القضاء على الفتن؛ وفي العصر العبّاسيّ ظهرت الاضطرابات؛ ففي أيّام هارون الرشيد، ولَّى العديد من الولاة على السند، حتّى وصل عمر الهَبَّاري إلى حكمها، فأطاعه الناس؛ ولما ضعفت الخلافة خضعت للسامانيِّين، قبل أن يأتي "محمود الغزنويّ" وينشر الإسلام، حتّى أسلم ملك كشمير على يديه، وبعده تناحر الغزنويُّون فتَمَكَّن منهم السّلاجقة، ثمّ التركمان، ثم الْغُوريُّون، ثمّ المماليك, فحفظوا الهند من هجمات المغول، ثمّ بدأ حُكْم الخَلْجِيِّين،... ثم تفكَّكَت الهند إلى ستِّ دُول؛ حتى جاءت أسرة "اللوديين" فاستعادت سلطنة "دِهْلَى" مكانتها، ثمّ ضعف "اللوديون"، فبدأ حكم المغول، وهو يُعْتَبَر الحكم الأخير للمسلمين في الهند, فقرَّب "جلال الدين"، أقوى ملوك المغول إلى جانبه زعماء الهنادكة، فأصبحت مملكته تشمل الهندَ كلَّها، عدا الطرف الجنوبيّ، حيث كانت تحكم ممالك "بيجابور" و"كولكنده" الإسلاميَّتين، و"فيجايانكر" الهندوسيّة، فأراد إنشاء عقيدة تجمع كلّ الأديان فوقف في وجهه العلماء.
وبدأت أطماع البرتغاليين فتمركزوا على ساحل الهند الغربيّ، ونشط الهولنديُّون، وتحرَّك الفرنسيُّون، ولَحِقَ بهم الإنجليز، فأصدروا مرسوماً مَلَكِيّاً قضى بتكوين شركةٍ تِجاريَّةٍ إنجليزيّةٍ في الهند، فبدأت بأكشاكٍ صغيرةٍ، ثمّ جعلوا لها حرساً من الإنجليز، فتكون الجيش، وبدأ القضاء على الدولة المغوليّة، فتمَّ الاعتراف بحكم الشّركة "الهند الشرقيّة" على "البنغال" و"أوريسة" و"بهار"، وتمّ بناء مستعْمَرَةٍ تِجاريّةٍ في "كلكتا"، فوقف حاكم "ميسور" في وجههم، فتحالفوا مع "المرهتا"، إلّا أنّه استطاع هزيمتهم، وعاهد الفرنسيين، واتَّفق معهم على الدّفاع المشتَرَك، لكنّه توفيّ، فجمع الحاكم العامّ للشركة جيوش الشّركة والحلفاء، وانتقل الحكم إلى التاج البريطانيّ.

بعدها، بدأت حركات الجهاد الإسلاميّة، وعَمِل الإنجليز على إثارة النّزعات الطائفيَّة، فأُنْشِئ حزب المؤتمر الهنديّ، وأخذ يُنادِي بتخليص الهند من الغرباء، على أنّ المسلمين هم الغرباء، فظهر إذّاك "حزب الرابطة الإسلامية"، وأنشئت الصُّحف المدافعة عن الإسلام. وفي الحرب العالمية الأولى، وُعدَ المسلمون بالاستقلال، فنُكِثَ الوعد، ونفّذت المذابح للتجمُّعات (السلميّة)، وبدأت الاضطرابات، فظهرت الدّعوة إلى الديانة "الهندوكيّة"، فأكّد حزب الرابطة مطالبه الاستقلاليّة، ودعوتها إلى دولةٍ هي الباكستان، بينما رأى آخرون ضرورة المحافظة على الْوَحدة الوطنية من خلال حزب المؤتمر، فظهرت الجماعة الإسلاميّة وجماعة التبليغ.

وفي الحرب العالمية الثانية وُعِد المسلمون بالاستقلال بشروطٍ، فرفض الهنود، ثمّ أصدر البرلمان البريطانيّ قانون استقلال الهند، في وقتٍ سعت بريطانيا إلى تقسيم البلاد بين دولتين وليدتين هما: الهند وباكستان، وأجبرت الهند "حيدر آباد"، و"جوناغاد"، و"كشمير"- التي قرَّر حكّامها المسلمون أن ينضمَّوا إلى باكستان أو الاستقلال- على الانضمام إليها، في حين استقلَّت سيلان ونيبال وبوتان، وكوَّنت دُولاً مستقلَّة.

أمّا كشمير، فبدأ النزاع بين الهند وباكستان عليها، وقد استمرّ الحكم الإسلاميّ فيها قرابة خمسة قرونٍ حكمها السلاطين المستقلّون، ثمّ المغول، ثمّ الأفغان، ثمّ حكمها السيخ فترةً عشيّة استقلال البلاد عن بريطانيا، وأرغموها على البقاء تحت السيادة الهنديّة، ما أدّى إلى نشوب ثلاثة حروبٍ بين الهند وباكستان.

المصدر: قصة الإسلام (بتصرّف).

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك