المسلمون المنسيّون في غير بلاد المسلمين
وليد بدران
يبلغ عدد المسلمين في العالم نحو مليار نسمة، وهم لا يعيشون جميعاً في دولٍ إسلاميّةٍ بل إنّ عشرات الملايين منهم يعيشون كأقليّات في دولٍ ذات أغلبيّةٍ من دياناتٍ أخرى.
ولعلّ أبرز مثل على ذلك الهند، حيث تعيش أكبر أقليّةٍ مسلمةٍ على الإطلاق، حيث تُشير الإحصاءات إلى وجود 150 مليون مسلم في هذا البلد، الذي تجاوز عدد سكّانه المليار.
وإذا كانت هناك الكثير من المعلومات المتوفّرة عن هذه الأقليّة المسلمة الكبيرة العدد، فإنّ هناك دولاً يوجد بها الملايين من المسلمين الذين لا يعرف أحدٌ عنهم شيئاً؛ فعلى سبيل المثال: هل تعرف أنّ في دولة ميانمار (بورما سابقاً) ثمانية ملايين مسلم؟
المسلمون في ميانمار (بورما)
تُشير الإحصائيّات الرسميّة في ميانمار (بورما) إلى أنّ نسبة المسلمين في هذا البلد البالغ تعداده نحو 55 مليون نسمة تقلّ عن 5 بالمئة، ويقول محمد منيسي، سفير مصر في ميانمار: "إن عدد المسلمين في هذا البلد يتراوح بين 5 و8 ملايين نسمة". وقال منيسي: "إنّ المسلمين هم أفقر الجاليات في ميانمار، وأقلّها تعليماً، ومعلوماتهم عن الإسلام محدودة". وأضاف قائلاً: "إنّ عدد المساجد في العاصمة يانجون (رانجون) نحو 32 مسجداً". ودعا المنظّمات الدوليّة المعنيّة بشؤون المسلمين إلى توجيه اهتمامها قليلاً إلى ذلك البلد.
وأشار منيسي إلى أنّ الأزهر سيبعث مدرّساً إلى هناك، خلال الأشهر القادمة، لتدريس الإسلام واللغة العربيّة، كما أنّ الأزهر يُقدّم أيضاً 12 منحةً دراسيّةً سنويّةً للمسلمين في ميانمار.
ويتركز المسلمون في ولاية راكان المتاخمة لدولة بنغلاديش، وينتمون إلى شعب "روهينجا". ويقول زعماء الجالية المسلمة في العاصمة يانجون (رانجون): "إنّ الاسلام دخل بورما منذ القرن الأوّل الهجريّ على أيدي التّجّار العرب"، في حين تقول السلطات إنّه دخل مع الاحتلال البريطانيّ للبلاد في العام 1824م. ومن هذا المنطلق، يتمّ حرمان كلّ مسلم لا يستطيع إثبات جذوره في البلاد قبل هذا العام من الجنسيّة.
جذور المسلمين البورميين
ويقول زعماء الجالية المسلمة إنّ شعب الروهينجا ينحدرون من جذورٍ عربيّةٍ وفارسيّةٍ وهنديّةٍ وتركيّةٍ، ولغتهم هي خليطٌ من البنغاليّة والفارسيّة والعربيّة، وهم من ناحية الشّكل أشبه بسكّان شبه القارة الهنديّة، غير أنّهم في السّلوك لا يختلفون عن السّكّان البوذيين، ويرتدون الزيّ الوطنيّ (اللونجي)، ويتحدّثون البورميّة، ويفهمون التاريخ والحضارة البورميّة.
وكانت أوضاع المسلمين في البلاد قد تدهورت منذ الانقلاب العسكريّ، الذي قاده الجنرال "ني وين"، في العام 1962م، حيث اتّجهت الدّولة منذ ذلك الحين إلى طرد المسلمين من الوظائف الحكوميّة والجيش.
وتتحدّث منظّمة "هيومان رايتس ووتش" لحقوق الإنسان عن الانتهاكات التي يتعرّض لها مسلمو الروهينجا بولاية أركان، حيث يتعرّضون للسخرة، وتقييد حريّة الحركة، وتفرض عليهم الأحكام العرفيّة، وتدمّر منازلهم، فضلاً عن تقييد حريّة العبادة.
وقد قامت السلطات في ميانمار خلال السبعينات والثمانينات بطرد مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا إلى بنغلاديش المجاورة.
ومن المفارقات أنّ سيدة مسلمةً تسكن في العاصمة يانجون غادرت البلاد، ولدى عودتها طالبتها السّلطات بتأشيرة دخول، قبل أن تسمح لها في النّهاية بالعودة إلى بيتها.
المسلمون في الصين
تُشير الإحصائيات إلى أنّ عدد المسلمين في الصين يصل إلى 50 مليوناً في دولةٍ عدد سكّانها مليار و200 مليون، في حين تقول مصادر مسلمة في الصين إنّ العدد يصل إلى 100 مليون.
وينتشر المسلمون في كافة أنحاء الصين، وخاصّةً في إقليم سينكيانغ، أو المستعمرة الجديدة، باللغة الصينية، وسكّانها المسلمون من عرق "الإيغور".
ويفخر مسلمو الصين بما يروى أنّه حديثٌ نبويّ يقول: "اطلبوا العلم ولو في الصين".
ويقول التاريخ إنّ علاقة الإسلام بالصّين قديمةٌ، بدأت منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان، في العام 29 هجريّة، عندما أرسل وفداً برئاسة سعد بن أبي وقّاص إلى إمبراطور الصّين "وي" يدعوه إلى الإسلام. وقد أعجب الإمبراطور الصينيّ بالإسلام، فأمر ببناء مسجد "كانتون"، الذي مازال قائماً منذ 14 قرناً.
وقد وصلت العديد من الوفود المسلمة إلى الصين خلال العهود الأمويّة والعباسيّة، فاستقرّ الرُّسل في الصّين، وتزوّجوا صينيّاتٍ من عرق "هان".
وتُشير بعض المصادر إلى أنّ علاقة الإسلام بالصّين بدأت حتّى قبل عثمان بن عفان من خلال التّجّار العرب.
ويُشير التاريخ إلى عدّة ثوراتٍ قام بها المسلمون ضد الحكم الصينيّ في القرون الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين، وقد تمّ قمعها جميعاً.
ونظراً لثراء مقاطعة سينكيانغ بالنّفط والفحم واليورانيوم، يطلق عليها الصينيون أرض اللبن والعسل. وقد زادت الهجرة الصينية إليها، ممّا أدى إلى تغيير التركيبة الديموغرافيّة فيها.
وتفيد الأنباء بانتشار الفقر بين سكّان الإقليم. وتتّهم منظمات حقوق الإنسان السّلطات الصينيّة بممارسة انتهاكاتٍ ضد سكّان المنطقة.
المسلمون في روسيا
بعد انهيار الاتّحاد السوفياتيّ السّابق بات عدد المسلمين في روسيا يُقدّر بنحو 20 مليوناً، في بلدٍ، يصل عدد سكّانه إلى 150 مليون نسمة.
ويتوزّع المسلمون في 14 جمهوريّة ومنطقة في روسيا الاتّحاديّة. ويعيش نحو مليون مسلم في العاصمة موسكو.
وإذا كانت المسيحية دخلت روسيا في القرن العاشر الميلاديّ، وبالتّحديد عام 989 م، فإنّ روسيا عرفت الإسلام في القرن السابع، حيث تحوّلت بعض المدن في آسيا الوسطى إلى مراكز إشعاعٍ حضاريٍّ مثل سمرقند...
ويواجه المسلمون الروس صعوبات بسبب أحداث الشيشان وتوابعها. وقد اتّهمت منظّمات تدافع عن حقوق الإنسان السلطات الروسيّة بممارسة انتهاكات ضد أهالي الشيشان.
المسلمون في بلغاريا
يعيش في بلغاريا 2,5 مليون مسلم، في بلدٍ عدد سكّانه نحو 8 ملايين.
وأغلب المسلمين البلغار ينتمون لأصولٍ تركيّةٍ وتتريّةٍ وغجريّةٍ.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إنّ المسلمين في بلغاريا تعرّضوا لاضطهادٍ وضغوطٍ تعسّفيّةٍ بلغت حدّ إجبارهم على تغيير أسمائهم العربيّة.
المسلمون في جنوب أفريقيا
يُقدّر عدد المسلمين في هذا البلد بنحو المليون من بين 40 مليون نسمة هم عدد سكّان البلاد. أي أقل من 2 بالمئة من عدد السّكّان.
والمسلمون ينقسمون عدة أقسام، فمنهم ذوو الأصول الملايويّة ، ومنهم ذوو الأصول الهنديّة، وقليلٌ منهم من أهل البلاد السّود، ويندر فيهم من أصوله أوروبيّة.
وقد شهدت جنوب أفريقيا هجرتين للمسلمين؛ الأولى من 1652م، وحتّى القرن التاسع عشر، وكانت إجباريّة، حيث تمّ إحضار العبيد من أفريقيا وآسيا، وكان منهم العديد من المسلمين. فقد جلب الهولنديون عبيداً من المالاي، فضّلوا البقاء في "الكاب"، بعد خروج الهولنديين، وهم يمثلون الملاي المسلمين.
وبعد إلغاء العبوديّة، في العام 1838م، احتاج البريطانيون إلى مصدر آخر للأيدي العاملة، فبدأوا يجلبون الهنود، وكان منهم عددٌ كبيرٌ من المسلمين الذين استقرّوا في إقليم "ناتال".
ويتمتّع المسلمون في جنوب أفريقيا اليوم بنفوذٍ قويٍّ، حيث يمتلكون أكثر من 400 مسجدٍ إلى جانب مدارسهم الخاصّة. كما يُديرون 5 محطّاتٍ إذاعيّةٍ.
المسلمون في أميركا
تُشير الإحصائيّات إلى أنّ عدد المسلمين في أميركا يصل إلى 8 ملايين في هذا البلد البالغ عدد سكّانه نحو 300 مليون نسمة.
وتُشير الدراسات إلى أنّ المستكشفين الأوائل اعتمدوا في إبحارهم على خبرة بحّارةٍ من المسلمين.
وهناك دراسة تقول إنّ مستكشفين مسلمين من مالي، هم أوّل من اكتشف أميركا، في حين تؤكّد دراسةٌ أخرى، أنّ مكتشفين من المغرب هم أوّل من اكتشفها؛ غير أنّ وجود المسلمين في أميركا بأعدادٍ كبيرةٍ، بدأ مع وصول أفواجٍ كبيرةٍ من العبيد الأفارقة، الذين اختطفهم تجّار الرقيق. ومع مطلع القرن العشرين، بدأت جماعاتٌ إسلاميّةٌ تتكوّن بين الأميركيين السّود، وكان من أهمّها حركة "نوبل درو"، الذي أنشا في نيوجيرسي معبد العلم المراكشيّ الأميركيّ، في العام 1913م.
وفي أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، بدأت حركة "أمّة الإسلام"، التي اعتمدت على أفكار "والاس فارضي"، الذي اختفى في ظروفٍ غامضةٍ في العام 1933.
وكانت أولى موجات الهجرة من الشّرق الأوسط، من الشّام، في العام 1875. وكان أغلب المهاجرين من العمّال والفلّاحين الذين شدّتهم قصص نجاح مواطنيهم المسيحيين في المهجر.
ثمّ حدثت موجة هجرةٍ ثانيةٍ في الثلاثينات انتهت في العام 1939م باندلاع الحرب العالميّة الثانية.
وبدأت موجة الهجرة الثالثة، في العام 1947م، واستمرّت حتّى الستينات، وأغلبها من المصريين والعراقيين والفلسطينيين، بسبب ظروفٍ سياسيّةٍ في بلادهم، فضلاً عن مهاجرين مسلمين من شرق أوروبا فرّوا من الأنظمة الشيوعيّة الجديدة.
وبدأت الموجة الرابعة في العام 1967م، وتميّزت بمستوى تعليميٍّ أعلى، وإجادةٍ للّغة الإنجليزيّة.
المسلمون في البرازيل
ويصل عدد المسلمين في البرازيل إلى 1,5 مليوناً في بلدٍ عدد سكّانه 169 مليون نسمة.
وتُشير الدراسات إلى أنّ عددأً من البحارة الذين شاركوا في اكتشاف العالم الجديد كانوا من المسلمين من الممالك الأندلسية. وكان بعض مسلمي الأندلس قد هاجر سرّاً إلى البرازيل فراراً من اضطهاد محاكم التفتيش في إسبانيا بعد هزيمة المسلمين فيها. كما تؤكّد الوثائق التاريخيّة أنّ أكثر المنحدرين من أصولٍ أفريقيّة، والذين يُمثّلون 31 بالمئة من السكّان من جذورٍ إسلاميّة.
وقد بدأت الهجرات إلى البرازيل حديثاً، من البلاد العربية والإسلاميّة، نحو أميركا اللاتينيّة في منتصف القرن التاسع عشر، وكانت أغلب الهجرات من الشّام وشبه القارة الهنديّة. وكانت أغلب الهجرات فراراً من مظالم الحكم العثمانيّ، كما أنّ البعض ذهب إلى أميركا اللاتينيّة للتجارة.
وبعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، بدأت طلائع المُهاجرين الجدد تصل إلى البرازيل من الشام. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كثرت الهجرة الإسلاميّة إلى البرازيل، ومعظم المسلمين في البرازيل من أصولٍ لبنانيّةٍ.
وقد تمّ افتتاح أوّل مسجدٍ في البرازيل، في العام 1960م، ثمّ تزايدت المساجد، خاصّةً في ساوباولو، حيث يتركّز نحو 700 ألف مسلمٍ.
المسلمون في أستراليا
يزيد عدد المسلمين في أستراليا عن 300 ألف، في دولةٍ عدد سكّانها نحو 20 مليون نسمة.
وتقول بعض المصادر إنّ الإسلام عرف طريقه إلى أستراليا في فترة استكشافها، حينما استخدم الإنجليز الإبل وسيلةً للتنقّل في مناطق أستراليا الصحراويّة، واستعانوا ببعض المسلمين من أفغانستان وباكستان لقيادة تلك الإبل، وقد أنشأ هؤلاء المسلمين المساجد.
ويوجد في أستراليا أكثر من 35 مسجداً ومركزاً إسلاميّاً، ومعظم مسلمي أستراليا من أصلٍ لبنانيٍّ.
المصدر: البي.بي.سي