التربية الدينية أساس فلاح الأمة العربية

إن المتتبع للتطور التاريخي للأمة العربية المجيدة يجد إنها كثيرا ما تكون نهضاتها وازدهارها نتيجة دعوة دينية على أيدي الرسل أولي العزم وأيدي أتباعهم المجددين لدعواتهم المتفانين في خدمة مثلهم العليا وفي القيام بأعباء الدعوة وإحياء شريعة الإيمان بكل نزاهة وإخلاص.
وقد تنبه المؤرخ الاجتماعي ابن خلدون إلى هذه الظاهرة فعقد فصلا في مقدمته تكلم فيه على أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة وعلل ذلك بأنهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهواؤهم فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم. 
واهم شيء في الدين بعد التوحيد هو الصلاة وهي عماد التربية الدينية أخرج البيهقي فيشعب الإيمان عن عمر قال جاء رجل فقال يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام قال «الصلاة لوقتها من ترك الصلاة فلا دين له والصلاة عماد الدين»، وروى مالك في الموطأ بسنده أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله «إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع».
وبالصلاة تتزكى النفوس وتتصل بالله في مناجاة وخشوع وخضوع فتسمو الروح وتتطهر من كل الشرور، ويتربى الإنسان بها على النظام وضبط الأوقات ومجانبة الكسل والخمول ويكون دائما طاهر الثياب والبدن والمكان فتعظم قيمته عند الناس وعند الله «وأقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان راكعا أو ساجدا» كما صرح في الحديث. وفي إقامة الصلاة جماعة في المساجد تتألف قلوب المؤمنين وتظهر المساواة بين العباد في التوجه إلى المعبود بحق سبحانه في مكان واحد وبإمام واحد ودعاء واحد حيث تتوحد مشاعر الأمة وأهدافها وغاياتها في الحياة بعبادة الله وتقواه وخشيته والسعي بكل إخلاص لإقامة شريعته وإعلاء كلمته، قال الله : «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون».
وجعل جزاء التوحيد والعبادة الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين والأمن من الخوف كما جاء الوعد الإلهي الصادق لهذه الأمة المحمدية في قوله تعالى : «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا». وقد تحقق هذا الوعد على أكمل صوره.
وهكذا عاش الرسول الأكرم محافظا على إمامة الصلاة في الجماعة في الأوقات لخمس منذ أن شرفه الله بالرسالة إلى أن فارق الدنيا، حتى أنه خرج ف يحال مرضه يتهادى بين رجلين ليقيم الصلاة فيهم. وأعظم من هذا أنه كان لا يترك الصلاة حتى في حالة مباشرة القتال وشرعت للقتال صلاة خاصة تسمى صلاة الخوف تتناوب فيها الجماعات على الإمام الواحد قال الله تعالى : «وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم».
فهذه هي التربية الدينية العلمية التي توحدت بها كلمة العرب وألف الله بها قلوبهم فصاروا على قلب رجل واحد فغلبوا الأمم بإيمانهم ودانت لهم الدنيا يقول الدكتور غوستاف لبون في كتابه سر تطور الأمم : «وكان شدة إيمان العرب تزيد قوتهم العددية عشرة أمثالها». ويقول أيضا في فصل تأثير المعتقدات الدينية في تطور المدنية : «لا ينبغي أن ننسى أن جميع النظامات السياسية والتدبيرات الاجتماعية قامت منذ بداية التاريخ على معتقدات دينية وأن الآلهة هي التي لعبت أكبر دور في الحياة الإنسانية وأن الدين أسرع مؤثر في الأخلاق لا يداينه مؤثر اللهم إلا الحب والحب دين إلا انه دين ذاتي غير دائم» ويقول في نفس الفصل «كذا أتحدث بعض قبائل العرب بفكرة محمد –أي رسول الإسلام عليه السلام- فاستطاعوا قهر أمم كانت لا تعرف منهم حتى الأسماء وشادوا تلك الدولة الكبرى». وإذا أردنا تطبيق هذه الحقائق التاريخية على المغرب نجدها بارزة في أنصع صفحاته الذهبية فنجده انتظمت أموره وظهر كأمة قوية عندما التف حول الفاتح العظيم المولى إدريس بصفته من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى إذا ضعفت هذه الوحدة واختل نظامه لقحه من جديد بدعوة دينية حية ذلك العالم الديني المثالي المجاهد عبد الله بن ياسين فظهرت على مسرح تاريخ المغرب من البرغواطيين ووحدته وأنقذت الأندلس عدة قرون بعد أن تفرقت قواتها في عهد ملوك الطوائف إياد سبا ووحدتها مع المغرب.
وكذلك يقال في دعوة المهدي بن تومرت مؤسس دولة الموحدين فما كانت دعوته إلا ذات صبغة دينية رغم ما فيها من بدع، وهكذا توالت ملوك المغرب تؤيد الدين وتجمع بشرعيته وآدابه وأخلاقه شمل المؤمنين. وإن آخر ما عرفه المغرب من تأثير التربية الدينية في توجيه أموره لهو تربية الشيوخ الذين كانوا صالحين، ثم خلف من بعدهم خلف منهك من سار في ركاب المستعمرين الغاصبين فأساءوا إلى نفوسهم وإلى أسلافهم وإلى ملكهم وأمتهم.
ولما كان الدين الإسلامي هو الذي جمع شمل المغرب في القديم والحديث عمل المستعمرون –منذ أن احتلوا المغرب- على محاربة الدين الإسلامي في مختلف النواحي فاستصدروا الظهير البربري المعلوم وطردوا المعلمين للدين الإسلامي من قبائل البربر طردا رسميا كما منعوا كثيرا من الخطباء من إلقاء الخطب الدينية في القبائل ولفقت حولهم تهم سياسية حتى يكفوا عن بث أي شعور كريم في النفوس بل منع الاستعمار الخطباء في المدن من الخطابة كما وقع بالرباط وطنجة وتطوان مرارا وفي غير هذه المدن حتى فترت همم كثير من العلماء عن مواصلة جهودهم. لهذا صار من الواجب بعد أن ملك المغاربة حريتهم واستقلالهم أن يعودوا إلى تربيتهم الدينية ويأخذوا كتابهم العزيز بقوة، فيقيموا الصلاة حق إقامتها في بيوتهم، ويقيموا رقابة دينية أخلاقية على أولادهم، وكذلك ينبغي لوزارة التهذيب الوطني أن تأمر مديري المدارس وأساتذتها بتطبيق المنشور الذي أصدرته في هذا الموضوع الخاص بإقامة الصلاة في المدارس.
ومما يؤسف له أن كثيرا من المدارس الحرة تهاونت في أخذ التلاميذ بإقامة الصلاة التي هي أساس التربية لنفوس الناشئين.
وإن ما يحدث في مدارسنا لمخالف كل المخالفة لأصول التربية في المدارس سواء منها المسيحية وغيرها، فمن الواجب المؤكد استعمال الصرامة في هذا الموضوع واتباع الإرشادات والتوجيهات الصادرة من جلالة مولانا الإمام في التمسك بالدين وإقامة قروضه المقدسة. وكثيرا ما كان الملوك العلويين يأمرون بإقامة الصلاة ومعاقبة من يتركها ويتهاون بشأنها، ففي ظهير عام أصدره المولى عبد الرحمن لسائر عمال المملكة المغربية ما نصه : «ويلزم العامل كل «دوار» أو جماعة «مشارطة» طالب علم يرجعون إليه في أمر دينهم وتعليم صبيانهم وجهالهم ويقوم بالآذان والصلوات الخمس في أوقاتها ومن لم يفعل زجره وعاقبه».
بل إننا لنرجو من وزارة التهذيب أن تأمر الأساتذة بالذهاب مناوبة مع التلاميذ في جماعة منتظمة لحضور صلاة الجمعة ليكون ذلك مظهرا فخما من مظاهر الإسلام وعنوانا بارزا لتمسك المغاربة بدينهم وتربيتهم عليه ليوحد من بينهم المخلصين لله والواقفين عند حدوده الذين تصلح بهم الأمة ويصلح بهم أمرها ويطيعوا إمامتها الشرعية فمن لم يطع الرحمن لم يطع السلطان.  

المصدر: http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/532

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك