حوار الأديان: مراجعة وتقويم
حوار الأديان: مراجعة وتقويم
بالتعاون بين مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات وبين إسلام أون لاين
5 – 6 مايو 2009
إعداد: أ.د/ نادية مصطفى
أ.د/ سيف الدين عبد الفتاح
حوار الأديان، حوار الثقافات وحوار الحضارات – مفاهيم ثلاثة يتم استخدامها بالتبادل أو كمترادفات فى الخطابات السياسية. ومن ثم هناك حاجة ماسة لتفكيك العلاقة الذائعة بينهم وإعادة تركيبها على أسس علمية منظمة وخاصةً من منظور العلوم السياسية التى أضحت مراجعاتها السائدة تستدعي المناطق البحثية المتصلة بهذه المتغيرات الثلاثة: الدين – الثقافة ، الحضارة.
وكانت خطوة البداية، من جانب المركز، هي مشروع التأصيل النظري للعلاقة بين الثقافة والدين والحضارة (2003- 2005)، والذي تم نشره تحت عنوان مشروع تأصيل الدراسات الحضارية (2008). وجاءت خطوات تالية في غمار مشروعات الندوات والمؤتمرات والموسم الثقافى، وكان آخرها تحت عنوان "حوار الأديان: الخريطة وشروط التفعيل"، وهو تحت الإعداد للطباعة الآن.
وكان موضوع الحوار الإسلامي المسيحي (مبادراته وأزماته)، سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو العالمي، هو مناط الاهتمام فيما يتصل بحوار الأديان، في ظل تعريف إجرائى تبناه المركز لهذا الحوار باعتباره الحوار ين المنتمين للأديان والساعين لتفعيل دورها أو تفعيل الاهتمام بتأثيرها سواء فى دوائر الأكاديميا أو الفكر أو الحركة المجتمعية والسياسية، وهو الحوار الذي يشارك فيه سواء الرافضين لاستدعاء هذا البعد في التحليلات السياسية أو الداعين لهذا الاستدعاء، لأكثر من هدف وبأكثر من طريقة.
وفي المقابل، ظل الحوار الإسلامي اليهودي، أو الحوار الإسلامي - المسيحي - اليهودي غائبـًا عن الاهتمامات الآنية والظاهرة، ولكنه ظل الحاضر الغائب لأكثر من اعتبار.
ومن أهم هذه الاعتبارات ما يلي: أن مبادرة الحوار الإسلامي – المسيحي هي الأكثر ذيوعًا وانتشارًا بين المبادرات التي يتجه بها الغرب نحو العالم الإسلامي، حيث أن الوجه الآخر للعملة الذائعة: أي العلاقة بين الغرب والإسلام، هو الجانب الديني المتمحور بدوره حول الحوار الإسلامي والمسيحي. وهو وإن بدا حوارًا دينيًّا إلا أنه في الواقع كان حوارًا ذو طبيعة سياسية سواء من حيث علاقة أجندته بالسياسة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أو سواء من حيث أن الهيئات المبادرة بالدعوة إليه ذات علاقة بالهيئات السياسية المعنية بتلك الأداة من أدوات إدارة الصراعات السياسية، ألا وهي أدوات القوة الناعمة التي يقع في صميمها "أداة الحوارات حول الأفكار". إن ذلك الاعتبار جسدته أحد أهم نتائج البحوث والدراسات التقويمية التي أجراها المركز، وصدرت أعمالها في الكتب المنشورة عن المركز. وهذه النتيجة هي التوظيف السياسي، غير المسبوق من حيث الدرجة والكثافة والانتشار، من جانب القوى الغربية الكبرى لمبادرات الحوار-على أنواعها- في نطاق استراتيجيات هذه القوى تجاه العالم العربي والإسلامي.
وبالرغم أن بعض أنشطة "حوار الأديان" البحثية أو الحوارية كانت بالفعل ثلاثية الأبعاد: إسلامي – مسيحي – يهودي (على سبيل المثال: مؤتمرات حوار الأديان الستة التي نظمها المركز الدولي لحوار الأديان فى قطر، والمؤتمرات التي تنظمها هيئات دينية مسيحية مثل سانت اجيديو الكاثوليكية في ايطاليا، هي مؤتمرات يشارك فيها الحاخامات والشيوخ والقساوسة إلى جانب أساتذة العلوم الاجتماعية والإنسانية والسياسية وخبراء السياسة والإعلام) إلا أنها لم تكن مقتصرة على الديانات السماوية الثلاث فقط.
ومن ناحية أخرى، فإن حوارات الأديان بمعنىInter-Faith Dialogue التي تزخر بها المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي، فهي ترجع إلى ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتتضمن حوارات إسلامية يهودية على مستوى الأكاديميا والدوائر الفكرية والإعلامية ناهيك بالطبع عن الدوائر المجتمعية المتصلة بحوار الحياة، كما تديرها كل من الكنائس والمراكز الإسلامية والمعابد اليهودية.
ومن ثم فكان الاهتمام بوضع المسلمين في أوروبا وأمريكا يقود إلى هذا الجانب من حوار الأديان الذي يتصل باليهود. وخاصةً وأن نشاط المنظمات اليهودية الدينية والمدنية نشاط ملحوظ وظاهر ويمثل جزءًا مندمجًا من النسيج المجتمعي والسياسي الأوروبي والأمريكي على حد سواء.
ومن ناحية ثالثة، كان الحوار المسيحي اليهودي الرسمي – هو الذى يزداد تبلورًا وخاصة على صعيد الفاتيكان ناهيك عن الرافد المسيحي البروتستاني الذي تهوَّد أو تصهين.
وفي المقابل، وعلى الصعيد العربي والإسلامي، فإن مشاكل العلاقات بين المسلمين والمسيحيين من أهل الأوطان العربية والإسلامية، والمتزايدة عبر العقدين الماضيين، قد فرضت استدعاء الحوار الإسلامي المسيحي، حيث تعددت المبادرات الوطنية والدولية بهذا الصدد. إلا أن الحوار الإسلامي اليهودي، بل والمسيحي (الشرقي) اليهودي لم يتبلور على النحو الذى حاق بنظائره على الساحة الغربية، ويرجع ذلك لعدة أسباب: من أهمها أن الوجود اليهودي في الشرق قد تقلص واقتصر تقريبًا على الوجود في إسرائيل، وعلى نحو أصاب العلاقات الإسلامية – اليهودية الحديثة بضربة قاسمة برزت معها جذور الصراع العقيدي والصراع السياسي، ومما أدى من ناحية أخرى إلى تراجع ثقافة التعارف والتعايش التي شهدتها عصور سابقة في التاريخ الإسلامي بين المسلمين واليهود. ومن ناحية أخرى، لم تنخرط هيئات عربية رسمية سياسية أو رسمية دينية في المبادرة بالدعوة إلى حوار إسلامي - يهودي.
وعلى العكس، كانت إسرائيل وهيئات أوروبية وأمريكية لا تدخر وسعًا في تخطيط وتنفيذ أنشطة للتسريب التدريجي الناعم للتطبيع، من خلال قنوات للحوار بين مسلمين ويهود (أو إسرائيليين). وهي قنوات تسعى إلى كسر الحاجز الذي يحول دون التطبيع الكامل والذي يمثل خط الدفاع الأخير ضد اكتمال حلقات المشروع الصهيوني في الهيمنة على العالم العربي والإسلامي بالتحالف مع المشروع الامبريالي الإمبراطوري الأمريكي بالتنسيق مع الحليف الأوروبي. ويعاضد هذه الخطط التسربية الناعمة تجاه الأفراد والجماعات والمجتمعات خطط أكثر صلادة تتمثل في الحوارات المباشرة بين الأديان الثلاثة والتي تتم على مستوى النخب المحدودة، سواء بمبادرات رسمية غربية أو مدنية غربية، وهي تجري على أراض أوروبية وأمريكية وتستهدف ما هو سياسي انطلاقًا مما هو ديني.
بعبارة أخرى، ظلت الحوارات الإسلامية اليهودية أو الإسلامية اليهودية المسيحية، حوارات انتقائية ومحدودة -ولنقل صامتة- لا تحوز ما تحوزه نظائرها من إعلان كبير عنها، على الأقل في الأوساط العربية الفكرية والإعلامية. ولهذا -كما سبقت الإشارة عالياً- كانت هي الحاضر الغائب، الحاضر في استراتيجية إسرائيل والمؤسسات الصهيونية الأوروبية والأمريكية والغائب على الصعيد العربي عن دائرة الوعي والإدراك أو الإعلان، عن قصد أو غير قصد، سواء لاعتبارات سياسية تحت ضغط وتداعيات السياسات العدوانية الإسرائيلية وما تستيقظه من جذور الثقافة المعادية لليهود بصفة عامة، أو سواء لاعتبارات عقيدية مباشرة، وفي حقيقة الأمر فإن الجانبين لا ينفصلان.
ومؤخرًا، تزايدت تدريجيًا المؤشرات عن التغير في هذه الحالة، حيث بدأ يتصاعد النقاش العلني عن الحوار الإسلامي – اليهودي بالموافقة أو بالرفض.
وزاد من أهمية هذا النقاش أنه اقترن بمبادرات رسمية علنية من أطراف ذات مرجعيات إسلامية، المملكة العربية السعودية، أو هي في حد ذاتها مرجعية من المرجعيات الإسلامية أو ربما المرجعية الأساس أي مؤسسة الأزهر.
فمنذ مؤتمر مكة لحوار الأديان في يونيه 2008 عبورًا بمؤتمر مدريد فى صيف 2008 وصولاً إلى مؤتمر نيويورك في خريف 2008 قطعت المبادرة السعودية شوطًا عميقًا وفي مدى زمني محدود تمهيدًا للحوار بين السعودية وإسرائيل تحت غطاء حوار الأديان، مما كشف وبصورة ظاهرة عن الأبعاد السياسية لهذا الحوار. وأثارت واقعة مصافحة شيخ الأزهر لشيمون بيريز خلال مؤتمر نيويورك الكثير من الأسئلة حول مستقبل التطبيع بين الأزهر وبين إسرائيل.
ومرورًا بهاتين المحطتين الرئيسيتين، يمكن رصد محطات تالية مثل المؤتمر الثالث للحوار الاسلامى اليهودى تحت رعاية اليونسكو والذى تم عقده فى باريس فى ديسمبر 2008 تحت عنوان " قدسية السلام".
وعلى ضوء كل ما سبق فإن السؤال المطروح هو: إذا كانت الحوارات الإسلامية المسيحية – بمستوياتها المتعددة، قد أثارت النقاش حول جدواها ومصداقيتها وشروط تفعيلها في ظل سياسات الصراع الغربية تجاه العالم الإسلامي، إلى درجة دفعت ببعض قيادات هذا الحوار من الإسلاميين – وخاصةً بعد الأزمات المتكررة من جراء سب الإسلام ومحمد (صلى الله عليه وسلم)- إلى إعلان تجميد مشاركتها في هذه الحوارات مقارنةً بغيرهم.
إذن يصبح من المنطقي أن نتساءل: ما هي خريطة الحوار الإسلامي – اليهودي حتى الآن وبعد ذلك؟ وما دوافع أطرافه وأهدافهم؟ وكيف نقترب منه في ظل السياق الإقليمي والدولي الذي يشهد تصاعدًا في العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين؟ بل ما هي دلالة تدشينه الآن بمبادرات رسمية في ظل هذا الوضع؟ وكيف يتم استدعاء الأبعاد الشرعية لهذا الحوار مقارنة بأبعاده السياسية؟ بعبارة أخرى، فإن هذا المستوى من حوار الأديان يجدد طرح إشكاليات العلاقة بين الديني والسياسي في سياق جديد وعلى نحو يثير كل أنماط الأسئلة حول دواعي أو طبائع أو سلبيات العلاقة بين الديني والسياسي؟ أليس من الأفضل إبعاد هذا النمط من الحوار بين المهتمين بدور الأديان وتأثيرها وكيفية تحذيرهم من التسييس الخبيث أي التسييس لتحويل الغلبة السياسية إلى غلبة دينية؟ وجميعها أسئلة تفرض البحث المنظم في تكييف أنماط العلاقة بين الديني والسياسي في هذه الحالة من حوار الأديان، مخافة أما التبسيط المخل بالاستبعاد أو التبسيط المخل الآخر بالحديث عن حتمية العلاقة دون تمييز بين الحالات والشروط والقواعد.
إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب تضافر تخصصات عديدة وخبرات متنوعة، كما تتطلب مسبقًا رسم خريطة متكاملة متراكمة للموضوعات التي تثيرها هذه القضية، والتي يطمح مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات في التعامل معها: تأصيلاً وتشخيصًا وتفسيرًا وتفعيلاً من خلال عدد من حلقات النقاش المعمقة المقصورة ابتداء على الخبراء والمتخصصين والمهتمين، سعيًا نحو نشر أعمال ونتائج هذه الحلقات في إصدارات مشتركة بين المركز ومؤسسة ميديا انترناشيونال.
المصدر: http://hewar-online.org/ar/index.php?act=page_detail&p_id=313&s_cat=1