يشتم من يعالجه ويكسوه ويُعَلّمه!

وائل القاسم

 

إن من أعقد الازدواجيات التي لا يكاد ينقضي عجبي منها، انتقاص المتشدد في دينه -أحياناً- مَن لا يتبعون دينه، وسبّهم واحتقارهم وتكفيرهم وتجهيلهم وتسفيههم، ونعتهم بأبشع نعوت الهوان والضلال وأشنع صفات النقص والإذلال، وهو في صحته وقوّته وعافيته؛ ثم السفر إلى بلدانهم واللجوء إليهم والتضرع بين أيدي أطبائهم في مستشفياتهم، طلباً للعلاج والنجاة من الموت عند المرض أو الشيخوخة في آخر حياته. إنني أكتب لكم هذا المقال عبر برنامج «وورد» وهو من إنتاج شركة مايكروسوفت الأمريكية، وأستخدم جهاز كمبيوتر من إنتاج «توشيبا» اليابانية، وسوف أرسله لنشره في الجريدة عبر إيميل شركة «ياهو» الأمريكية أيضاً، وسوف تطبعه الجريدة عبر مطابعها التي تستخدم نظام طباعة فيه ورق وحبر وأجهزة وغير ذلك من الوسائل التي اخترعتها أو اكتشفتها وطورتها مجموعات من عظمائهم، الذين ضحوا بكل ما يملكون من وقت وجهد وقدموا أعمارهم هبة للإنسانية ونهضتها المحققة لراحة الإنسان وسعادته.

وسوف تصلكم المقالة وتقرؤونها وأنتم جلوس تحت وسائل الإضاءة وأجهزة التكييف والراحة، وغيرها مما يحيط بكم من اختراعات وإبداعات غير المسلمين. وقس على هذا المثال كل ما يحيط بنا تقريباً من الأمور والأشياء التي نستخدمها ونستمتع بها ونستفيد منها يومياً، ابتداءً بسياراتنا وطائراتنا وقطاراتنا وسفننا، ومروراً بآلاف الأجهزة والوسائل والمخترعات والاكتشافات التي تملأ منازلنا، وعلى رأسها المبتكرات الطبية والغذائية والأدوية، وما يدخل في حكمها من أسباب العلاج وأدوات البقاء في الحياة، وانتهاءً بأقمشة زينا الوطني المتمثل في ثيابنا وعمائمنا وعباءات نسائنا، فغالبها يصنع في دولهم وبأيديهم الكريمة، لا حرمنا الله منها. فلماذا ينتقص بعضنا دول الغرب وشعوبها، وغيرهم من شعوب الدول الأخرى، التي تدين بغير دين الإسلام، كبعض شعوب شرق آسيا المبدعة مثلاً؟!

لقد ذهلتُ قبل أسابيع قليلة، وأنا أتابع انتقاص وازدراء وتهجّم بعض طلابنا المبتعثين المتزمتين، على شعوب الدول التي يدرسون في جامعاتها؛ فقد قرأتُ في أحد المواقع الخاصة بالمبتعثين كلاماً سوقياً ساخراً في هذا الشأن، لا يليق بأي ضيف احترمه مضيفوه وأكرموه، فكيف يصدر من طلاب العلم؟!

جلس دكتور متطرف إلى جواري في أحد المجالس يوماً، وكان الحديث عن إبداعات الغرب وصناعات غير المسلمين من اليابانيين وغيرهم، فانهال عليهم بالسبِّ مسهباً في ازدرائهم وتضخيم سلبياتهم، وتجاهل إيجابياتهم ونجاحاتهم، والحكم عليهم بالطرد من جنة الله، والخلود في قعر جهنم؛ وكأنه رب العالمين الذي بيده مفاتيح الجنة والنار.. وبعدها بدقائق انتقلنا للحديث عن موضوع الشهادات والجامعات، فعاد صاحبنا للثرثرة، بعد أن عدّل (تشخيصة شماغه) الذي صنعه له الإنجليز؛ وقال مفتخراً بنفسه: أنا حاصل على شهادة البكالوريوس من أعرق جامعات أوروبا، وحاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الأمريكية الفلانية، ثم خرجنا من مجلسنا، فركب سيارته اليابانية وانصرف!! سؤالان وجوابان:

1- ماذا قدمنا لهم وللبشرية حتى نتعالى عليهم؟

الجواب: لا شيء.

2- ماذا قدموا لنا؟ .. قدّموا كلَّ شيء.
 

المصدر: http://www.al-jazirah.com/culture/2012/24052012/fadaat20.htm

الأكثر مشاركة في الفيس بوك