نحو حوار إسلاميّ - مسيحيّ مشرقيّ

الشيخ شفيق جرادي
 
 
منذ فترة غير وجيزة والحوار بين الأديان يسلك مساراً عالميّاً، تسعى فيه الجماعات الدينيّة إلى التعرّف إلى بعضها البعض؛ عبر إبراز حسن نيّة كلّ جماعة تجاه الجماعة الأخرى... وفي أفضل الأحوال تهيئة بعض المفردات والموضوعات ذات الطابع اللاهوتيّ من أجل إنشاء حوار دينيٍّ فكريٍّ... بحيث إنّ جماعة لاهوتية اعتبرت أنّ على اللاهوتيين في أوروبا وبمشاركة رجال دين من كافة الاتّجاهات الدينية التحضير لمقدّمات الحوار الدينيّ... اعتقاداً منهم أنّ هذا الحوار لم يحنْ موعده بعد، وأنّ هناك مقدّمات منهجيّة وموضوعات ومسائل وظروفاً نفسيّة ودينيّة ينبغي أنْ تتجهّز لتكوين ظروف مؤاتية لحوار الأديان...
 

إلا أنّ اللافت في حركة هذا الحوار أنّه يستجيب لمناخ ثقافيٍّ غربيٍّ قوامه التعدّديّة العقيديّة... وأنّ الأديان غير المسيحية هي أقليّات في الغرب... فالموضوعات الحواريّة لا بدّ أنْ تلبّي البحث في تكييف تلك الجماعات مع البيئة الغربية... هذا فضلاً عن أنّ المقصود بالحوار بين الأديان هو حوار المسيحيّة مع بقيّة الأديان، التي من ضمنها الإسلام...

هذا ورغم أهميّة أصل الحوار... ورغم أنّ مثل هذا الحوار يوفّر للمسيحيّة في الغرب حضوراً إيجابيّاً مع بقيّة الأديان فيه، إلا أنّ نقل مثل هذا الحوار بروحيّته وبيئته ومنهجيّاته وموضوعاته، فضلاً عن مقاصده وغاياته إلى العالم العربيّ ومنطقة الشرق الأوسط أثبت ترهّلاً وضعف فاعليّة في حركة الحوار الإسلامي – المسيحيّ، لأسبابٍ عدّةٍ نذكر منها:

أوّلاً: إنّ الحوار الدينيّ في الشرق الأوسط هو بالأصل والأساس يكاد أنْ يكون محصوراً بين الإسلام والمسيحيّة. فلا حاجة عمليّة لترتيب مقدّمات إدخال بقيّة الأديان. حتّى إنّ اليهوديّة ودخولها في مثل هذا الحوار يحتاج إلى نقاشٍ في إمكانه وجدواه... الأمر الذي يجعل من حوار الأديان هنا خارج إطار المنهجيّات الغربيّة التي تطلّ على الموضوع من زاوية الأديان العالميّة، واعتبارها ظاهرة اجتماعيّة، إذ لا بدّ من دراسة منهجيّات مشتركة للديانتين المتحاورتين تعبّر عن نظامهما وطبيعتهما، وموقعهما في حياة شعوب المنطقة.

ثانياً: إنّ الجماعتين الدينيّتين (الإسلام والمسيحيّة) لا يعانيان من قلّة السبل لتحصيل مقدّمات حوار بنّاء بينهما؛ ونقصد به حوار الحياة على وفق القيم الدينية؛ وإن كانا يُعانيان من مشكلة العصبيّة التي هي عماد البيئة الثقافيّة لمنطقتنا، والتي أنتجت على المستوى الدينيّ العصبيّات الطائفيّة...

ممّا يعني أنّ لدينا خصوصيّتنا الإشكاليّة في ما يتعلّق بالموضوع الدينيّ...

ثالثاً: إنّ هناك مساحات مجتمعيّة وسياسيّة واسعة تحتاج إلى موقف دينيٍّ موحّدٍ تجاهها، سواء على مستوى أنظمة وإدارة الحكم والسلطة، أم على مستوى مشكلات السياسة والاجتماع من مثل مشاكل الهجرة، والفقر والجهل والاستبداد وغير ذلك كثير ممّا تحتاج إليه مجتمعاتنا لتنتقل من مرحلة الانحطاط إلى مراحل من النّهوض الإنسانيّ والوطنيّ...

لهذه الأسباب وغيرها كانت فكرة عقد لقاء تشاوريّ للتداول في شؤون إسلاميّة ومسيحيّة ومجتمعيّة تحضيراً لإقامة مؤتمر خاصٍّ بالشّرق الأوسط وحوار الأديان فيه... وذلك ابتغاء رفض أيّ توظيف سياسيّ للدين، لأنّ منطق الأمور يقول: إنّ على الأديان أنْ تستفيد من الحيثيّات السياسيّة لرفع شأن القيم الإنسانيّة في عالم بات المستقبل فيه رهن إرادة ظلم الاقوياء... وهم الفئة التي إنّما جاءت رسل الأديان وأنبياؤها لمنافحتهم ونصرة قضية الإنسان في أرض الله سبحانه...

المصدر: الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك