في الفضاء الإعلامي

في الفضاء الإعلامي
بقلم
فهد بن عبد الله الحزمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
فهذه نظرات في مجال الإعلامي، جاءتني من خلال متابعتي لبعض الفضائيات الإسلامي، ومن خلال ما أكتنزه من طموح في هذا المجال.
وما في هذه الأوراق هو عبارة عن خطرات تيسر لي الوقت لتسطيرها رغم أن ما في النفس كثير، وما هذا إلا غيض من فيض.
وكان من أسباب ما كتبته هنا هو محاولة لتقويم بعض الأخطاء التي تحدث في بعض الفضائيات المذكورة، ونصحا لما أراه الأولى والأسد، وطلبا لما ثبت في السنة: "الدال على الخير كفاعله" والله المستعان.

تمهيد
ضرورة التنوع والتخصص الإعلامي الإسلامي
شهدنا في الفنرة الأخيرة مجموعة من القنوات الإسلامية والتي لا يخلو بعضها من ملاحظات قد تقل وقد تكثر.
ولكني أريد الآن نتجاوز هذه المرحلة بعد نضجها، إلى مرحلة التخصص الإعلامي، وعدم الدوران في فلك العموميات، وهذا وإن كان جيدا وأساسيا في الصناعة الإعلامية بيد أن ما أرمي إليه هو تخصيص قنوات لترسيخ نطاق معين والتوعية فيه من خلال الشرع الإسلامي، وقد ذكرت في الأوراق القادمة جملة من هذا النوع كقنوات: القرآن والسنة والفقه وغيرها، ولولا ضيق الوقت لكتبت حول: الاجتماع والثقافة والإعجاز التشريعي والعلمي.
وهذا طوح عريض لكنه فعال ومؤثر خاصة في أوساط الطبقات المثقفة والمتخصصة، كما يمثل خطوة مهمة نحو نشر الوعي الشرعي في التخصصات الت يظن بعض أهلها ألا دخل للدين فيها، أو أنه لا يوجد للإسلام فيها كلمة.
أسال الله تعالى العون والتيسير.

إن من أهم أسباب الواقع المتردي اليوم ليس على الصعيد الإسلامي فحسب بل على والعالمي كذلك هو ضعف الإيمان وقلته، والإنسان بدون إيمان يتحول إلى مسخ لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
كما أن ما نعيشه اليوم بوجه أو بآخر ما هو إلا نتاج لانعدام أو قلة الإيمان الحق، كما أنه صراع بين أفكار ومعتقدات باطلة مع بعضها البعض أو مع الإيمان الحق.
ومن هنا كانت فكرة إنشاء قناة تأخذ على عاتقها ما يلي:
1- إرجاع المسلم إلى دينه الحق وإزالة ما علق به من شوائب عبر التاريخ وخاصة القرون المتأخرة التي دخل فيها الكثير من الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تنافي الإيمان منافاة كلية.
2- تبصير المسلم بـ"ماذا يعني كونه مؤمنا".
3- تبصير المسلم بمعاني الإيمان وأركانه وشروطها ونواقضها.
4- معالجة القضايا الفكرية والانحرافات العقدية من منظور الإيمان.
5- الرد على شبهات الآخرين حول العقائد الإسلامية وتفنيدها.
6- إبراز خصائص ومميزات الإسلام على غيره من الأديان والعقائد.
7- التعريف بكتب وأئمة علم الإيمان ومناهجهم وما يتعلق بذلك.
وما أكثر الموضوعات التي ستعالج هذه الجوانب، والتي يمكن أن تظهر بقوالب إعلامية متنوعة وشيقة، ومفيدة.

قياما بأقل واجب تجاه القرآن والسنة، كان لا بد من خروج قناة تهتم بهذين المصدرين، فتقوم بإعداد الدروس والبرامج الوثائقية وغيرها مهتمة بما يلي:
1- إبراز معجزات القرآن الكريم والسنة النبوية: اللغوية والبيانية والعلمية والغيبية وغيرها، مما هو معجزات حقا لهذين المصدرين بعيد عن تخرصات ما يسمى بالإعجاز العددي ونحوه إلا فيما هو واضح جلي.
2- إبراز دور القرآن والسنة في مسيرة الحياة الإسلامية وخاصة القرون الثلاثة.
3- تفعيل دور القرآن والسنة في حياة الناس اليوم.
4- التعريف بمنهجية جمع القرآن والسنة ووصولهما إلينا، والتعريف بعلماء الإسلام الذين أخذوا على عاتقهم جمع وتدوين علوم القرآن والسنة وعلومها، ويكون بمثابة الرد على شبهات المستشرقين ومن حذا حذوهم.
5- التعريف والتعليم لعلوم القرآن: التفسير، والقراءات وغيرها من مباحث علوم القرآن وأخص بالذكر هنا القصص القرآني والأمثال القرآنية..
6- التعريف والتعليم لعلوم السنة: كتب الحديث وشروحها،ومصطلح الحديث وشروحها، وعلم الرجال والعلل، ومناهج المحدثين وغيرها.
7- إظهار معالجات القرآن والسنة للموضوعات التي تناولاها.
ورغم وجود قناة مهتمة بالحديث النبوي إلا أن أسلوبها المعتمد على القراءة فقط، لا يجعل من المشاهد مشاهدا متفاعلا مستمتعا بما يرى ويسمع، متعطشا لمعرفة معالجات القرآن والسنة لمشكلات الحياة.
ونحن نريد القناة التي يندفع إليها الفرد العادي، ليرى فيها دوحة للعلم والمعرفة والتثقيف، ورفع مستوى الإيمان من خلال دفع الشبه ودحضها، والتي تكثر اليوم في واقعنا من خلال بعض الكتابات لبعض المنحرفين، والتي للأسف لا قت رواجا لدى بعض الناس سواء من العامة أم من يسمون بالمثقفين من الصحفيين وغيرهم فما فتئوا يبثوا سمومهم وشبههم على صفحات بعض المجلات متسترين بالعلمية والموضوعية أو الحمق أحيانا.
ولا يجد هؤلاء وما أكثرهم في عالمنا الإسلامي من يبين خطلهم وجهلهم، ومصادرهم الآسنة.
ولهذا كان لزاما على المسلمين القادرين أن يسعوا في سبيل دفع هذه الشبه وتعريف الناس بكتاب ربهم وسنة نبيهم، مع ضرورة الأخذ بعناصر التشويق والتنويع والتجديد والموضوعية، وأحدث ما توصلت إليه التكنلوجيا وعلوم الإعلام، هذا إذا أردنا حقا أن نكون فاعلين مؤثرين.

من الملاحظ أن الكثير من العامة إذا أشكل عليه أمر أو اعترضته عويصة لم يستفت أهل العلم المؤهلين بل يستقرب سؤال الخطباء أو أئمة المساجد أو بعض المصلين، وقد يكون هؤلاء عندهم معرفة دينية لا بأس بها إلا أنها غير كافية وغير مؤهلة لمنصب الإفتاء، وللأسف يتصدى البعض من هؤلاء للفتوى فيأتون بالغرائب، وإن هذا لعمر الله من أمارات الساعة كما ثبت في السنة: " إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر".
والمشكلة –في حقيقة الأمر- تكمن في جهل الناس بالمصدر الذي يجب أن يتلقوا منه الفتوى، نظرا لقلة معرفته الدينية التي يعرف من خلالها أنه مأمور بسؤال العلماء، ولقلة العلماء جدا بل وندرتهم بحيث تكاد بعض المجتمعات الصغيرة خلوا منهم، فلا يجد السائل إلا خطيب أو إمام المسجد ليسأله، لا لأنه بحث فلم يجد أو تعذر عليه، بل لأنه لا يعلم علماء في الدين إلا هؤلاء فهم قصارى علمه من أهل العلم.
وهذا ولد إشكالات كبيرة على مستويات الفرد والأسرة والمجتمع، وكم وكم من مشاكل حدثت بسبب هذه الكارثة.
إضافة إلى ذلك أن الكثيرين جهلوا الكثير من البدهيات الدينية التي لا تقبل جدلا في الأصل، أو ما يعبر عن بعضها بالمعلوم من الدين بالضرورة، ولنضرب مثلا على ذلك وهو قول البعض بأن اليهود والنصارى ليسوا كفارا!!!
إن كفر اليهود والنصارى بدهي يعرفه كل من نطق الشهادتين بل هذا من مقتضياتها، زد على ذلك أن في القرآن:  لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ  في موضعين من سورة المائدة  لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌالمائدة73 {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ التوبة30 وغيرها من الآيات.
أما الجهل بأحكام العبادات فحدث ولا حرج، وكلنا يعلم أن الكثيرين لا يعرفون التيمم، بل من الناس من إذا عجز عن الوضوء لم يصل فإذا سئل عن سبب تركه الصلاة تعلل بعدم قدرته على الوضوء، مع أن القرآن نص على حكم التيمم وكيفيته، فهو يقرؤه في رمضان وغيره، فلا أقل من أن تستوقفه آية التيمم ويسأل عنها، ولكن لا شيء من ذلك يحدث.
يجهل البعض أيضا كيفية صلاة المريض والعاجز، فكثير من المرضى ونحوهم لا يصلون فترة مرضهم متذرعين بعدم قدرتهم على أداء أركان الصلاة، فإذا كان هذا في عمود الإسلام –الصلاة- فكيف بغيرها من العبادات، فكيف بأبواب المعاملات الذي رأينا بعض من يصلي في المسجد يتعامل بالربا والغرر ويجري العقود المالية المحرمة، ولا يرى تعارضا بين صلاته ودينه وما يمارسه من إثم.
صليت ذات مرة في مسجد في دولة خليجية محافظة فقام أحد الوعاظ وتحدث عن الربا وحرمته وخطره وإذا بشخص يقوم مغضبا رافعا صوته بأن الربا ضروري للاقتصاد!!
سبحان ربي! هل جهل الله هذه المعلومة الضرورية حتى يعرفها هذا النّكرة.
إن أمثال هذه النوعية كثيرون، متوزعون على كافة شرائح المجتمع إلا من رحم ربي، فتجد من المتعلمين والمعلمين والمثقفين والتجار والصناع والعمال والموظفين والمزارعين وغيرهم من لديه نماذج تحمل بعض هذه الجهالات.
ومن هنا كان لزاما على أهل العلم نشر العلم الشرعي وتدريسه، والسعي في سبيل توعية المجتمع توعية شرعية علمية رصينة.
نعم هناك دعاة وخطباء ومحاضرون، وهؤلاء لهم دورهم المؤثر في توجيه الناس للطريق السليم وهؤلاء يمثلون المرحلة الأولى للهداية، والذي نبغيه الآن بصورة ملحة هم العلماء الفقهاء الذين يأخذون بأيدي الناس إلى رضا الله ورضوانه، بحيث تكون عباداتهم وعقودهم وسائر أعمالهم على هدى ونور.
ومن هنا نعلم ضرورة العمل على نشر الثقافة الشرعية أو المعرفة الدينية الفقهية بين الناس، وألا نكتفي بالمواعظ على حساب العلم الشرعي، بل لا بد أن يتوازى الخطان في برامجنا الدعوية والعلمية.
الفقه الوظيفي:
في سبيل نشر المعرفة الفقهية نشدد على ضرورة مخاطبة الناس بما هو واجب عليهم عموما كفروض الأعيان، ثم بما يجب على البعض معرفته كفروض الكفايات، وفروض الأعيان لبعض الناس كأحكام التجارة للتجار، وأحكام الزكاة لمحصليها، وأحكام الطبيب للأطباء وهكذا.
ويكون ذلك كله بعبارات سهلة موجزة واضحة يفهمها من ارتقت مرتبته العلمية ومن دون ذلك، مع استصحاب الدليل الشرعي.
كما تستبعد المباحث والفروع الافتراضية أو قليلة أو نادرة الوقوع، مع التركيز على المسائل التي يكثر السؤال عنها من أصول المسائل وفروعها، وتوضع في سبيل ذلك برامج علمية مسجدية أو دورات علمية لشباب المدارس.
وينبه مع تدريس هذه الدروس إلى جوانب خفيفة من عظمة التشريع الإسلامي في بدايات بعض الأبواب، فمثلا: ينبه في أول العبادات على أهمية العبادة بالنسبة للإنسان ثم بالنسبة للمسلم، وأن من الأزمات النفسية التي يعاني منها غير المسلمين أو بعض المسلمين هي أزمة انعدام العبادة، ثم التحدث عن فوائدها وثمارها، كل هذا بشكل موجز.
ويستفاد في وضع هذه المباحث من الإحصائيات والدراسات والاكتشافات الحديثة فإنها مفيدة للغاية وتقوي الإيمان وتحث على العمل، ففي الوضوء مثلا يعقد مبحث ختامي عن فوائده الصحية، وكذلك في الصلاة، والزكاة والصوم وغيرها وفي المعاملات يقال الشيء ذاته فيتحدث في بداياته أو مع ما يناسب من مواضيع عن ضرر الربا على المستويات كافة وشهادة خبراء الاقتصاد غير المسلمين بذلك، ومثله يقال في الغرر، والجهالة، وما هي المصالح التي يتوخاها الشرع من تشريع الأحكام.
ولا ينسى أن ينثر في ثنايا هذه الموضوعات كلمات وأحاديث قصيرة تزكوية تقوي جانب الإيمان وترتقي بالروح، وتحث على العمل بما علم، بل وتبين كيفية تطبيق بعض العبادات بسهولة ويسر، وتضع برنامجا للقارئ يقرب له هذا التطبيق.
ولا ننسى أيضا في هذا الفقه أن نركز على الأمثلة المعاصرة ومعالجة المشكلات الحديثة وما أكثرها ولا نتمحور حول الأمثلة والصور والفروع القديمة التي يصعب فهمها أحيانا، وكما قد توقع في لبس أحيانا أخرى، إضافة إلى أنها ستبعث على ملل المتلقي ومن ثم صدوده.
ولا بد أن يشتمل هذا الفقه على الصور التوضيحية لبعض المسائل والقضايا والهيئات، كالتيمم، وهيئات الركوع والسجود والافتراش والتورك والإقعاء المسنون والإقعاء المحرم وغيرها، حتى يسهل تصور المسألة وتمثلها أو اجتنابها.

قد يستطاب هذا الأمر ولكن قد يشكل عليه انعدام أو قلة الكادر المؤهل للقيام به خير قيام خاصة في المناطق والقرى النائية التي يقل فيها الدعاة فضلا عن العلماء، إضافة إلى أن الفئة المستهدفة لا يضر فئام منها إلى المساجد ونحن نريد مخاطبة الجميع أو أكبر قدر ممكن على الأقل وخاصة من لا يصلي منهم.
والحقيقة أن الفقهاء يقررون أن الميسور لا يسقط بالمعسور، وأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولهذا كان لزاما البدء بهؤلاء القلة أو بمن يحضرون المساجد وهم أعداد لا بأس بها، خاصة في المدن التي تكتض بساكنيها.
أما عن قلة المؤهلين فالأصل أن الأمة يجب عليها إخراج المؤهلين علميا بحيث يصلون إلى حد الكفاية وإلا فالإثم لاحق بكل من استطاع ذلك ولم يبذل جهده.
ومع هذا هناك خريجون كثر في التخصصات الشرعية إضافة إلى الكثر من الدعاة والخطباء الذي يمكن عقد دورات شرعية لهم وخاصة من الجهات الرسمية، تكون بمثابة تأهيل ورفع للمستوى العلمي مع مصاحبة بعض المواد التكميلية كالتزكية والإيمان.

قناة فضائية فقهية ضرورة عصرية:
إضافة إلى ما سبق نحن نغفل أحيانا عن وسيلة مهمة للغاية تسمى اليوم بالسلطة الرابعة نظرا لتأثيرها الفعال على الأفراد والأسر والمجتمعات، ألا وهي الإعلام الذي يمثل اليوم ركيزة أساسية في التعليم لكونه يصل إلى كل بيت ويخاطب كل فرد، مع قدرته على عرض المادة بأساليب تشويقية توضيحية سهلة، يتأثر بها الصغير قبل الكبير والمرأة قبل الرجل، ولهذا ولهذا سيطر على مقاليده الآخرون قبل المسلمين.
ولكن بفضل الله هناك تجارب إعلامية طيبة في هذا المضمار، حيث ظهرت قنوات إسلامية خصصت جزءا من برامجها لبعض القضايا الفقهية.
ولكن الغالب على هذه البرامج الرتابة، رغم بذل الأموال في سبيل إنتاج وإخراج برامج أقل أهمية مما نحن بصدده من برامج فقهية تعليمية، فتظهر بعض البرامج الفقهية فقيرة هزيلة خالية من الإبداع والابتكار والتجديد، فارغة من عنصر التشويق، ساذجة التصوير والإخراج، فلا تؤدي الغرض المطلوب منها إلا لماما.
لقد قفز الإعلام قفزات نوعية خاصة في مجال التصوير والتشويق ورغم أننا نجد لمسات منه في بعض البرامج الدينية أستغرب أشد الاستغراب من انعدامه في البرامج العلمية.
زد على ذلك أن بعض القنوات التي تهتم بذكر شيء من الدروس تنقلها من المساجد أو من المدارس أو من قاعات مغلقة التي تشعر بالضيق، وهذه وإن كانت مفيدة، إلا أنه غالبا ما يستفيد منها طلاب العلم ونحوهم، ونحن نريد جمهورا أوسع، نريد أن نوصل الفقه والعلم الشرعي إلى عقل كل صغير وكبير رجل وامرأة، نريد أن يستمتع المتلقي بما يتلقاه من علم وكيفية عمل، نريدها برامج مشوقة لأقصى درجات التشويق، وليس شرطا أن تكون محشوة بالمعلومات الوفيرة، فيكفينا معلومات أساسية يفهمها المتلقي العادي بأريحية وبساطة ومتعة، وإلا فلن يكون جمهورنا إلا القلة القليلة ممن لا يأبه بالأساليب الإعلامية، وغاية مرامه العلم وحده وما أندرهم.
ولا نمانع – في حقيقة الأمر- من أن نخاطب الجمهورين: طلاب العلم وغيرهم، وإن كنت أحبذ أن تخصص قناة لطلاب العلم ذات مناهج علمية رصينة كما سأبينها لاحقا، إضافة إلى قناة فقهية جمهورها عامة الناس من غير المتخصصين في العلوم الشرعية، وللمتخصصين فيها أنس ومتعة.
قد يستصعب البعض وجود قناة متخصصة في الفقه الوظيفي والتطبيقي ويظن قلة المادة وأساليب العرض وما إلى ذلك، لإلفه برامج الدين في قوالب نمطية بسيطة تقتصر على المذيع والضيف والمكبر والكاميرا والقاعة المغلقة.
والحقيقة أن الفقه الإسلامي وفير المادة غزير المعلومة متنوع الأنحاء يعالج كافة جوانب الحياة دون استثناء وخاصة إذا ما أخذناه بمعناه الأعم، وهو معرفة النفس ما لها وما عليها كما عرفه الإمام أبو حنيفة، ولهذا لنكن في اطمئنان من هذه الناحية.
تبقى مسألة القوالب الفنية التي توضع فيها المعلومة الفقهية، وهي كثيرة جدا، فكل ما تجده من قوالب إعلامية لبرامج مرئية يمكن أن يكون قالبا للمعلومة الفقهية بحسب موضوعها وكيفية عرضها، وطبيعة مادتها، ويكفي أن أذكر هنا جملة من هذه القوالب وهي:
1- البرامج الوثائقية: وهذه باب واسع في نشر المعرفة الفقهية بأسلوب البرنامج الوثائقي، فتعد برامج من هذا النوع تعالج قضايا فقهية متنوعة جزئية وكلية مثل أحكام الصلاة، وأحكام التيمم، صلاة المريض، المسح على الجبائر، العشرة الزوجية وما يتعلق بها من قضايا، الربا والربويات ونماذج من التطبيقات المعاصرة البسيطة والمعقدة، تخصيص برنامج لكل باب فقهي خاصة في المعاملات، وكذلك برامج تعالج أخطاء بعض المسلمين في بعض الأبواب التي يكثر فيها الجهل والخطأ كالصلاة والمعاملات والنكاح والمواريث وغيرها.

2- الدروس العلمية المتميزة في موضوعها وإلقائها، المتناسبة مع مستوى المخاطبين المستهدفين، المطعمة بالطرفة والسهولة والوضوح والتطبيق، والمليئة بالحركة بحيث تأخذ بلب المشاهد فتفيده وتمتعه، بعيدا عن القوالب النمطية ذات الإلقاء والأسلوب الأكاديمي وما ينحو نحوه.
وتوضع خطة معينة لهذه الدروس بحيث تتناسب مع المناسبات والأزمنة، فمثلا عندما يأتي رمضان يقدم درس متسلسل عن فقه الصيام، وفي العيد درس عن فقه العيد، وفي الحجة عن أحكام الحج، ومثله في الدروس القصيرة كما في شوال يقدم درس واحد عن صوم الست، والصوم المندوب وأحكامها، فلا يؤخذ الفقه من أوله إلى آخره في درس واحد رتيب، بل توضع عدة دروس على النمط السابق، كما تعالج قضايا معاصرة لها أهمية كبرى مثل: العورة وضوابطها، وأحكام الزينة، وفقه الطبيب ونحوه من المهن والذي يمكن –كذلك- أن يعد بخصوصها عدة برامج وثائقية أو غيرها ويمكن تسمية هذا البرنامج المتسلسل بـ "فقه المهن" وهذا أراه من أوجب الواجبات على علماء العصر، بعد أن اقتصر العلم الشرعي والفقه خاصة على أحكام محدودة، ورسخ في ذهن البعض بوعي أو لا وعي ألا علاقة بين المهن هذه أو غيرها من جوانب الحياة المعاصرة خاصة وبين الفقه والشرع الإسلامي.
كما تشتمل هذه الدروس على أحكام المعاملات المالية ليتبصر الناس بأحكام الدين في هذا المجال الذي بعُد عنه البعض، وتعريفهم بخطورة أبواب الربا والغرر والجهالة وتعاطي العقود الفاسدة.
3- برامج المسابقات والبرامج الترفيهية المتنوعة، وتكون مادتها الأساسية هي الأحكام الفقهية.
4- المقاطع القصيرة التي تعالج أخطاء معينة أو ترسخ معلومة مهمة، وتتنوع أساليبها من نص الصوتي أو مشهد التمثيلي صامت، أو كلمات معدوادات لبعض أهل العلم بخصوص مسألة معينة.
5- البرامج المعتمدة على التحقيقات والتقارير الميدانية المتعلق بقضايا من هذا النوع كـ "البورصات أحكامها وآثارها" وأحكام الجراحة الطبية وأخطاء الطبيب ومعاونيه، والأنكحة المحرمة كنكاح المتعة والمؤقت وما كان بنية التأقيت على خلاف فيه، والتحكيم ومشكلات سوء تطبيقه، والمشكلات التي تواجهها المؤسسات المصرفية الإسلامية.
6- البرامج التثقيفية، والتي تشمل مثلا: تاريخ التشريع، الإعجاز التشريعي والذي يستشهد فيه بالوقائع والواقعات وشهادة العقلاء من غير المسلمين الذين حاولوا تصحيح مسارهم المعوج، كما يمكن الاستعانة بالتاريخ كذلك فهو باب رحب واسع، كما يمكن إعداد برامج تعريفية بنجوم المسلمين من الفقهاء الكبار عبر التاريخ الإسلامي كالخلفاء الأربعة ثم بقية فقهاء الصحابة ثم فقهاء التابعين وتابعيهم ثم الإئمة أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم وهكذا كي يعرف المسلم نجومه الحق الذين نصبهم الله هداة للناس إلى ما فيه صلاحهم دنيا وأخرى، وكي نسد الثغرة الواضحة في المثل العليا التي يتطلع الشباب غالبا للاقتداء بها، والتي تمثل هذه الشخصيات انعكاسا للهدي النبوي مما يعني ضرورة إبراز الجوانب المضيئة في سير أعلام المسلمين.
7- وبما أننا نريد أن يتربى الصغار على ضرورة طلب العلم ومعرفة الحلال من الحرام والجائز من الممنوع، وأهمية مراجعة أهل العلم، فيمكن إعداد برامج "كرتون" تعليمية وترفيهية ذات أهداف مرسومة مسبقا تعالج الجوانب السابقة.
8- البرامج الصحية الجسدية والنفسية: وهذه مجالها الفقهي واسع، ومواضيعها كثيرة ومتنوعة، ويكفي منها الحديث حول عمليات التجميل وأضرارها والتي تنوعت وكثرت في عصرنا الحاضر مثل: شفط الدهون، تغيير الشكل، رتق البكارة وغيرها، إضافة إلى مواضيع أخرى مثل: الإسراف بشتى أنواعه، الصوم وما يقع لبعضهم من أخطاء تتسبب لهم بإضرار بدنية وغيرها، وغيرها كثير.
9- ولا نستبعد الأناشيد فلها تأثيرها الجيد على المشاهد، لكن مضامين هذه الأناشيد هو الأحكام الفقهية فتعالج قصورا، وتعلم حكما، وتعرف بإمام وهكذا.

رابعا:
قناة علمية متخصصة
إن عصرنا ليوم هو أكثر العصور الإسلامية يشكو قلة العلم وأهله، وندرة الفقهاء المتخصصين، بحيث يتعبد المستفتي أحيانا في البحث عن العالم المتخصص، وقد وجدت بعضهم في قرى نائية وقعوا في إشكالات يمكن علاجها شرعيا بسهولة ولا تكلف الكثير، ولكن بسبب قلة أهل العلم لم يجد الناس بدا من تحمل المشقة لسنين، فأحدهم يسأل: بأنه غضب من زوجته الثانية بأنه لو أكل من غنمه الموضوعة عندها فهي طالق، ثم بقي ثمان سنين لا يأكل من تلك الأغنام وتسبب هذا في حرج عليه وعلى زوجته الثانية وعلى أولاده منها، ثم جاء يسال الآن هل من حل؟ رغم أنه كان يمكنه السؤال منذ ثمان سنين وسلم من الحرج الواقع فيه، وبحمد الله أجبناه بأنه لا يجوز الحلف بغير الله سبحانه، وبقول شيخ الإسلام أنه إن قصد اليمين فعليه كفارة يمين، وألا يعود لمثلها.
وهذا نموذج من نماذج وما أكثرها في باب الطلاق وأحكام الأسرة عموما، بيد أن ما أريد أن أصل إليه هو أن وجود فقيه لكل منطقة وقدرها بعض أهل العلم بمسافة القصر، وآخرون بغيرها ضرورة ملحة، ولهذا نص علماؤنا على وجوب إخراج فقهاء متخصصون ينفع الله بهم الأمة ويبينون لها الحلال من الحرام.
لكن قد يقال بأن كثيرا من الدول الإسلامية قد تكفلت بإنشاء كليات ومعاهد شرعية ترفع الحرج والإثم.
وهذا حق، بيد أنه لا ينكر أحد أن الاستزادة من الخير خير هذا أولا، وثانيا: لو بحثت عن مخرجات هذه الكليات والمعاهد رغم كثرة ما تدفع به سنويا إلى المجتمع لوجدت القليل جدا منهم مؤهلا لأن يكون فقيها حقا، والسبب الرئيسي هو هشاشة المناهج في الكثير نم هذه الكليات مما يعني مخرجات هشة، وللأسف أن بعض هذه المخرجات لا تلمس لديه أدب العلم وأهله واحترام العلماء بله العلم المؤسس الشامل.
ثالثا: كثيرون هم الذين يريدون التفقه في الدين ولم يتيسر لهم ذلك لسبب أو لآخر، وهم متعطشون باحثون مهتمون، فمن لهؤلاء؟
رابعا: كما نريد أن نخرج أو نوجد عالم الدين، نريد أن نعمم العلم الديني على المهتمين به من التخصصات الأخرى، فيكون لدينا: الطبيب العالم، والمهندس العالم، والتاجر العالم وكذلك الإداري والمحاسب بل والسمسار العالم والمكينيكي العالم.
لو وجد واحد فقط من هؤلاء في مرفق من المرافق فسينفع الله به الإسلام والمسلمين، وسيكون مرجعا لأهل عمله ومنطقته ومن في مستواه، فتخف حدة المخالفات وتقل مستويات الجهل الديني ويقترب المجتمع أكثر من رضا الله سبحانه.
رابعا: الكثير مما يدرس في الكليات والمعاهد الشرعية يغلب عليه القدم بمعنى أنه قليلا ما يعالج المشاكل المعاصرة في جوانبها المختلفة، ونادرا ما يعرف الطالب بالمستجدات المتعلقة بتخصصه ودراسته، وهذا أمر في غاية الأهمية، فلم يعد –في عصرنا- مكان للانطواء على الذات والاكتفاء بما في المتون والشروح والحواشي.
خامسا: يشكو دارسوا هذه الكليات والمعاهد وهذا ما أثبته الواقع من الاجتزاء في دراسة العلوم الشرعية من ناحيتين:
الأولى: في أن غالب المقررات لا تدرس كاملة بل تجتزء أبواب دون أخرى فلا يلم الطالب بأبواب المادة أو الكتاب المقرر، وهذا خطأ فادح خاصة عندما يكون هو الكتاب الوحيد الذي يدرس في مادة ما.
الثاني: علوم الشرع أو المكملة لها متنوعة ومتعددة ومترابطة بحيث لا يمكن أخذ بعض دون بعض، بل لا بد على الطالب أن يلم بها جميعا ثم يتخصص بعد ذلك في فرع منها، فمثلا لا يمكن أن يغفل متخصص الفقه علوما مثل النحو والصرف، أما لو أغفل علوما مثل: الفروق والمقاصد، فلن يتخرج طالب علم حقا، وكذلك يقال في متخصص السنة وغيرهما.
سادسا: من أكثر ما يعانيه طلاب العلم الشرعي هو قلة المعرفة بالتخصصات الأخرى، وما توصل العلم الحديث فيها، وآخر النظريات والأفكار والمعالجات والعلوم وغيرها فيظهر طالب العلم الشرعي في بعض المحافل التي تناقش فيها قضايا اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها ساذجا بسيطا في فهمه وإدراكه ومناقشاته فيسيء لنفسه ولغيره من طلاب العلم كما يضيع أوقات غيره في ملاحظاته الغريبة.
إضافة إلى أنا نريد العالم بدينه العارف بعصره، لأن العلم بالدين وحده لا يكفي ولا يعطي القدرة على تنزيل الدين على الوقائع والحوادث، مما يتطلب معرفة بالعصر وعلومه، بحيث يستطيع تنزيل الفتوى تنزيلا سليما إما من خلال معارفه أو من خلال فهمه لكلام المتخصصين ومصطلحاتهم.
ولهذا كان ولا بد أن يبصر طالب العلم بهذا الجانب وأن يشجع على مطالعة كتب موجزة أو متوسطة في علوم أخرى.
تجربة سابقة:
ولأجل ما سبق كان من الضروري إيجاد سبل لنشر العلم الشرعي متفاديا السلبيات السابقة، ولكن العوائق كثيرة، فإقامة مراكز أو نحوها لا تكفي، خاصة مع شحة الكوادر المؤهلة.
ومن هنا كانت فكرة القناة الفضائية التعليمية ضرورية.
وهناك تجربة سابقة في هذا المضمار بيد أنها لم تخلو من بعض السلبيات السابقة، وأركز هنا على بعض منها:
1- الرتابة في أسلوب الإلقاء، فلا تغيير ولا تنويع، والنفس تمل بلا شك، رغم إمكانية هذا التنويع بالاستعانة بالوسائل التقنية المعاصرة، بل والاهتمام بأساليب الإلقاء الذي أصبح علما يدرس وله قواعده وضوابطه.
وهناك شيء آخر مهم وهو اهتمام المدرس بأساليب الجذب والترويح، ومن أعلاها الابتسامة، التي توحي بالراحة النفسية للمرسل والمستقبل.
2- عدم التكامل العلمي من ناحيتين:
الأولى: التدرج، والذي يبدأ الطالب فيه الطالب بصغار العلم قبل كباره، وهذا لا نجده في بعض ما يعرض من علوم.
الثاني: إهمال بعض العلوم التي تفيد طالب العلم الشرعي فائدة عظيمة، إضافة إلى أهميتها في تكوين ملكة الفقه والاستنباط.

منهج مقترح:
وفي سبيل تفعيل وزيادة الفائدة العلمية لدى طلاب العلم المتابعين أقترح المنهاج العلمي التالي:
أولا في العقيدة:
1- الأصول الثلاثة:
2- الواسطية
3- متن الطحاوية، ويحضر المدرس من شرحها وغيره مع التركيز على شرح ابن أبي العز.
4- التدمرية: وهذا الكتاب مهم للغاية فمن خلال مناقشتي نع بعضهم وجدت أن معظم شبههم منقوضة بالقواعد التي ذكرها شيخ الإسلام في هذا الكتاب القيم، وأنه ما تأثر المتأثرون ببعض العقائد الدخيلة على الإسلام إلا لعدم قراءتهم واستيعابهم لكتب السنة خاصة هذا الكتاب البديع: التدمرية.
5- أحبذ أن يزاد بعد ما سبق كتاب وجيز يجمع فيه شبه بعض العقائد الدخيلة وينقضها بالحجة الدامغة، فمثلا يعقد فصول: التوحيد وأقسامه، الصحابة، التأويل، الظاهر والباطن في فهم النصوص، العصمة، الإمامة،وغيرها مما دخلته بدع عقدية بعيدا عن ذكر الأسماء والاكتفاء بتوضيح العقيدة الحقة.
ثانيا: التفسير:
وفي هذا العلم نحتاج إلى تسلسل منهجي كذلك أي يبدأ الطالب بالكتاب الصغير قبل الكبير، ولكن نظرا لطول كتب التفسير يمكن أن يتعسر ذلك، ولكني أقترح هنا مقترحين:
أ‌- أن يبتدأ بكتاب صغير كـ"زبدة التفسير" وتكون دراسته قراءة تظهر فيه صفحات الكتاب على الشاشة مرافقة بقراءته، ويخصص لكل يوم مثلا صفحتان، ثم بعد الانتهاء منه يؤخذ كتاب متوسط ممثل: مختصر ابن كثير لأحمد شاكر، فتقرأ الآيات أولا: ثم يقوم المدرس بتدريس الكتاب عن ظهر قلب بعد استيعابه استيعابا تاما.
ب‌- أن يوزع المصحف على الثلاثة المراتب للمبتدئ والمتوسط والمنتهي، لكل مستوى عشرة أجزاء، يحضر المدرس دروسه في المرحلتين الأولى والثانية معتمدا على كتاب واحد ولا مانع من بعض الزيادات، أما الثالثة فيحضر مستفيدا من كافة كتب التفسير إضافة إلى استنباطاته وفهم المعتمد على تمكنه من العلوم اللغوية والبلاغية واطلاعه المتنوع.
ثالثا: علوم القرآن:
ويكتفى بكتاب مباحث في علوم القرآن.
رابعا: الحديث:
من أهم ما ينبغي الاعتناء به الحديث النبوي الشريف، وقد أكد أهل العلم كالشوكاني في أدب الطلب على ضرورة الاستمرار في قراءة دواوين السنة، وألا يكتفي العالم وطالب العلم بكتب محدودة، وللن لضيق الوقت نكتفي بصحيح البخاري، فيدرسه الطالب سندا ومتنا وفقها ويستعين المدرس في تدريسه بشرح الحافظ ابن حجر ولا مانع من الزيادة اليسيرة من شروح أخرى إذا اضطر إلى ذلك، فيقرأ الشيخ السند معرفا كل رجل تعريف مختصرا مع ذكر بعض القواعد والفوائد واللطائف الإسنادية إذا تطلب الأمر ذلك، مع الاهتمام بتعليل تراجم البخاري، ولتوضيح هذا أذكر بعض الأمثلة جاعلا الأسود لمتن الصحيح والأحمر بين قوسين لكلام الشيخ:
- قال خ: حدثنا محمد بن يوسف (هو الفريابي، وإذا أطلقه البخاري فلا يريد به إلا الفريابي) قال أخبرنا سفيان ( وهنا قاعدة: إذا روى محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان فهو الثوري) عن الأعمش (وهو: سليمان بن مهران الكاهلي) عن أبي وائل (وهو: شقيق بن سلمة) عن ابن مسعود قال:...الخ.
- حدثنا عثمان بن أبي شيبة (ثقة له أوهام) قال: حدثنا جرير (إذا ورد في السند الكوفي فهو الضبي، وهذا سند كوفي) عن منصور (هو ابن المعتمر) ...الخ.
- حدثنا يعقوب بن إبراهيم (إذا كان شيخ البخاري فهو الدورقي، وإذا كان شيخ شيخه فهو الزهري) ...الخ.
ثم يقرأ الحديث ثم يبين مسائله مختصرة، كما ذكرها الحافظ، مع قراءة بعض الجمل.
وتشرح هذه جميعها شرحا موجزا مع بيان درجة الحديث.
خامسا: مصطلح الحديث:
ويتكون المنهج من قسمين: دراسي وتطبيقي، أما الدراسي كالتالي:
1- البيقونية.
2- الباعث الحثيث.
3- شرح ألفية العراقي.
والتطبيقي: يكون من خلال طلب تخريج بعض الأحاديث بعد دراسة كتاب في التخريج ودراسة الأسانيد.
سادسا: الفقه:
وهذا بحر واسع مترامي الأطراف، وهدفنا أن نخرج الفقيه المتمكن القادر على الاستنباط المحترم لأهل العلم وفقهاء الإسلام البعيد عن التعصب بالحق وبالباطل.
وهذا لا يتحقق إلا من خلال عدة مواد:
المادة الأولى: الفقه المذهبي:
استقر من المذاهب الفقهية أربعة مذاهب متبوعة تعم العالم الإسلامي، ولا يمكن أن نفرض مذهبا ما دون غيره، إذ نحن بذلك، نضاد سنة الخلاف الفقهي التي تقبلها علماء الإسلام، كما نهمش هذه الموسوعة الفقهية في سبيل جانب منها على آخر، وقديما قيل:
وكل من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم
ولهذا كان ولا بد من وضع منهج فقهي مذهبي يتوزع على المذاهب الأربعة، يختار المشاهد ما يشاء منها، والتي ستكون كالتالي:
• المذهب الحنفي: ويقرر فيه كتاب: الاختيار شرح تعليل المختار للموصلي، أو مختصر القدوري.، وهذان الكتابان متوسطان، وما قبلهما كتب بحثت مسائل العبادات فقط كـ مراقي الفلاح، ونور الإيضاح.
• المذهب المالكي: ويقرر فيه متن الرسالة، أو مختصر خليل للدردير، وهذا ما أفضله، لأن الرسالة كتيب صغير لا يكفي لإعطاء معرفة جيدة عن المذهب المالكي وكذلك منظمة ابن عاشر والتي تقتصر على العبادات وأشياء أخرى، وبما أن مختصر خليل كتاب كبير الحجم والمضمون إذ يشتمل على حوالي تسعين ألف مسألة، ويحتاج إلا بيان وشرح مسهبين اخترت كتابا متوسطا وهو المختصر المذكور.
• المذهب الشافعي: ويقرر فيه كتاب: تحرير تنقيح اللباب لزكريا الأنصاري وهو كتاب متوسط أيضا وله ترتيب بديع لا تجد نظيرا له في غيره من الكتب سواء في المذهب الشافعي أم خارجه.
• المذهب الحنبلي:
ويقر كتاب زاد المستقنع وهو كتاب صغير ومفيد في معرفة المذهب الحنبلي.
هذا ما كتبته أولا ثم جاء ببالي شيء آخر، وهو أن قراءة كتاب واحد لا تكفي لاستيعاب مذهب ما، ولهذا أقول: ما المانع أن يقرر كتابان في كل مذهبن بحيث يبدأ الطالب بالكتاب الأول ليتصور المسائل وأقسامها، ثم يثني بكتاب أوسع يرسخ المعلومة السابقة مع بيان الدليل والقيود والضوابط، وهذا هو ما جرى عليه علماؤنا الأقدمون إذ وضعوا سلسلة من الكتب بحيث يتخرج الطالب وقد استوعب العلم استيعابا صحيحا كاملا.
وعليه سيكون المقرر كالتالي:
• المذهب الحنفي: مراقي الفلاح ثم مختصر القدوري
• المذهب المالكي: الرسالة ثم مختصر الدردير
• المذهب الشافعي: متن أبي شجاع ثم التحرير.
• المذهب الحنبلي: عمدة الفقه ثم الزاد.
وتشرح هذه الكتب شروحا متوسطة ليست بالطويلة المملة ولا الوجيزة المخلة مع مراعاة الفترة الزمنية المحددة لها .
المادة الثانية: القواعد الفقهية:
سيكون منهج القواعد وفق منهج المذاهب، فلا يصلح الخلط بين قواعد المذهب، وإذا بنا نرى من يخرج على المذهب بالقواعد المالكية، وهذا ما يحصل لخريجي الجامعات إذ تلتبس عليهم القواعد ويظنون أنها جميعا متفق عليها، وليس الأمر كذلك، وأقترح التالي:
• المذهب الحنفي: مختصر الأشباه والنظائر لابن نجيم، أو القواعد الفقهية للزرقا والذي شرح في كتابه هذا قواعد مجلة الأحكام.
• المذهب المالكي: قواعد المقري، أو الونشريسي.
• المذهب الشافعي: شرح الجرهزي على منظومة القواعد للأهدل، أو كتابي: الوجيز في القواعد الفقهية، نثرت فيه هذه المنظومة وزدت عليها زيادات توضيحية بسيطة من تعريفات وتقييدات وغيرها.
• المذهب الحنبلي: القواعد الفقهية لابن اللحام، أو مختصر لقواعد ابن رجب.
ويمكن أن يعد كتاب بهذا الشأن يجمع جميع القواعد الفقهية الرئيسية ونبه عند شرحها على الوفاق أو الخلاف فيها.
المادة الثالثة: أصول الفقه:
• وكذلك هنا يكون المنهج وفق الاختلاف المذهبي نظرا للاختلاف في هذا العلم من نواح عدة، ولكن يمكن أن يختار كتاب يجمع مادة الأصول وينبه على الخلاف والوفاق وأقترح كتاب: الورقات ثم مذكرة أصول الفقه للشنقيطي، أو نظم جمع الجوامع بشرح السيوطي أو الشنقيطي أو غيرهما.
المادة الرابعة: الفقه المقارن:
ولأننا لا نريد التقوقع في مذهب واحد، ومن أجل معرفة ما عند المدارس الأخرى، ومعرفة الأقوال وأسباب الخلاف، كان لزاما تقرير منهج في الفقه المقارن.
لكن هناك مشكلة تكمن في تحديد كتاب منهجي مناسب، ولكن يمكن أن أقول بداية بكتاب الدراري للشوكاني، ويمكن أن نكتفي بنيل الأوطار عن الفقه المقارن وفقه الحديث.

المادة الخامسة: تخريج الفروع على الأصول:
وهو علم مهم للغاية، والكتب فيه شحيحة، ولكن يمكن أن يقرر كتاب أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء، للخن.
المادة السادسة: الفروق :
وفي هذا العلم عدة كتب أهمها كتاب الفروق للقرافي لكنه كبير الحجم، وقد هذبه المكي لكنه أطال في اختصاره وأدخل لم يكن من الضروري إدخالها، كما اختصره البقوري ولكنه كان اختصارا مخلا، بحيث لا يظهر في كثير من الأحيان المراد من كلامه إلا بعد الرجوع للأصل أو لقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام أو لغيرهما، ورغم أنه قد حقق مرتين –حسب علمي- إلا أن التحقيقين كانا يغفلان الإشكالات ويوضحان الواضحات.
ولهذا قمت بتهذيب كتاب القرافي وفي حوالي نصف حجمه مركزا على الفرق وما يتعلق به من مسائل توضحه.

سابعا: اللغة العربية:
وتتكون من عدة علوم الذي يهمنا منها: النحو والصرف والبلاغة:
أ‌- النحو: ويكون وفق المنهج التالي:
1- متن الآجرومية.
2- قطر الندى أو ملحة الإعراب
3- ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل.
4- قواعد الإعراب لابن هشام مع شرحه موصل الطلاب، فهو مهم لمعرفة إعراب الجمل وحروف المعاني، ثم يوجه الطالب إلى الكتب الموسعة بما فيها مغني اللبيب لابن هشام.
ب‌- الصرف، وقد ضمنه ابن مالك في ألفيته.
ت‌- البلاغة: ويمكن الاكتفاء بالبلاغة الواضحة للجارم وزميله.
ثامنا: السيرة النبوية: ويقرر فيه كتاب يهتم بفقه السيرة.
تاسعا: المواريث
عاشرا: الآداب الشرعية، والتزكية.
الحادي عشر: علوم تكميلية، يكتفى فيها بمحاضرات يسيرية تعطى معرفة جيدة حول هذا العلم مع التركيز على أهم ما فيه أو ما يحتاج إلى توضيح وبيان، ومن هذه العلوم:
1- الأدب: كي يصقل الطالب موهبته الكتابية والأدبية.
2- التاريخ: يهتم بمرحلة الخلافة الراشدة وإبراز دور الصحابة في القيام بشرع الله في أنفسهم وفي رعيتهم، وفتحهم الفتوح، ودخائل ودغائل الفتنة.
الفترة الزمنية:
يحتاج هذا المنهج إلى أربع سنوات كاملة تتخللها بعض العطل كما سيأتي.
وتقسم الاربع السنوات على مرحلتين: كل مرحلة سنتان.
وتقسم السنة على فصلين كل فصل حوالي خمسة أشهر:
الفصل الأول: من محرم إلى 20 جمادى الأولى
الفصل الثاني: من 10 جمادى الثانية إلى 30 شوال.
ويوزع فيها المنهج كالتالي:

1. 2. 3. 4. 5. 6. 1. 2. 3. 4. 5. 6.
الأولى قرآن (تلاوة) تجويد تفسير
(العشرة الأجزاء الأخيرة من زبدة التفسير) البيقونية متن أبي شجاع و ما في مستواه من المذاهب الأخرى صحيح البخاري قرآن تفسير
من الكهف إلى العنكبوت) من مختصر تفسير ابن كثير) الأصول الثلاثة الآجرومية متن التحرير
أو ما في مستواه من المذاهب الأخرى صحيح البخاري
الثانية تفسير
الخمسة الأجزاء التالية من مختصر تفسير ابن كثير) الواسطية الباعث الحثيث متن التحرير
أو ما في مستواه من المذاهب الأخرى صحيح البخاري مباحث في علوم القرآن تفسير
الخمسة الأجزاء التالية من نفس التفسير متن الورقات الدراري المضيّة
(العبادات) فقه السيرة صحيح البخاري ملحة الإعراب
الثالثة تفسير5 ج التالية صحيح البخاري ألفية الحديث نيل الأوطار ألفية ابن مالك مذكرة أصول الفقه
أو نظم جمع الجوامع صحيح البخاري تزكية ألفية الحديث نيل الأوطار ألفية ابن مالك مذكرة أصول الفقه
أو نظم جمع الجوامع
الرابعة التدمرية نيل الأوطار قواعد الإعراب ألفة العراقي المذكرة أو نظم جمع الجوامع قواعد فقهية دراسة وتخريج الأحاديث منظومة الآداب الشرعية أدب تاريخ الفروق تخريج الفروع على الأصول

أما العطل فكالتالي:
1- شهر رمضان. 2- شهر ذي الحجة 3- الجُمَع
وتقدم فيهما برامج تكون بمثابة دورات علمية فمثلا:
- العشر الأول من رمضان: دورة في فقه الصيام.
- العشر الثانية" " : " " " الزكاة.
- النصف الأول من العشر الأخيرة: فقه الاعتكاف.
- النصف الثاني " " " : فقه العيد.
- العشر الأول من ذي الحجة: فقه الحج، وفقه العيد.
- العشرين الأخرى : محاضرات في فقه النوازل وبعض تطبيقاته.
- ويقدم في الجمع محاضرا مبسطة عامة في علوم إنسانية وتجريبية وقضايا عصرية تهم الفقيه وطالب العلم الشرعي مثل:
- علم النفس. – علم الاجتماع - المحاسبة - مصارف -مالية عامة
- الإعجاز العلمي - تراجم وسير - قضايا المرأة المعاصرة - إعلام إسلامي - إقتصاد إسلامي وغيرها.

خامسا:
قناة الاقتصاد الإسلامي
من أهم ما يميز النهضة الفقهية الحديثة هو تأصيلها لكثير من جوانب الحياة الحديثة ومن أهمها علم المال والأعمال، وبلورة المنهج المالي الإسلامي وما يميزه عن غيره من المناهج الوضعية، ولكن رغم أن المؤسسات المالية الإسلامية قديمة النشأة نسبيا إلا أن الكثيرين يجهلون هذا العلم وتشكل عليهم بعض التعاملات بل وبستغربونها، ففي حين يعلم البعض منهم أحكام العبادات إلا أنه في المال قد يتبنى المنهج العلماني أو غيره، وقد يستنكر إذا سمع أن الربا يدخل المطعومات، وهو ما يسمى بالربويات، بل هذه المسألة مشكلة على كثير من طلاب العلم، من حيث تحقيق علتها وكيفية القياس عليها والتفريق بين علة النساء وعلة الفضل كما هو مذهب مالك وغيره.
ولذلك كان ينبغي محاولة نشر الوعي الديني في المجال المالي عموما من حيث إعداد البرامج المتخصصة والعامة في التعريف بالفقه المالي الإسلامي، ونظرته المتميزه للمال والتعامل معه.
وهذا الباب واسع جدا، وها هي قنوات اقتصادية لا تتبنى هذا المنهج ولديها المادة الوفيرة التي تقدمها للمشاهد فكيف بمن يحمل المنهاج الرباني.

سابعا:
وللمسلمين من غير العرب نصيب
إذا كان المسلمون في البلاد العربية يعانون من ضحالة المعرفة الشرعية فكيف بمن هم في أقطار بعيدة بعد المشرق، وقد رأينا الكثير منهم ممن يجهل البدهيات.
كما رأينا الكثير منهم متعطشون لمعرفة الدين، ولهذا حاول البعض أن يسيطروا على مجموعات من هؤلاء واجتالتهم الكثير من الأهواء والبدع بل والديانات.
فبعد أن كانت أندونيسيا دولة إسلامية 100% أصبحت الآن بنسبة 85%، أي أن النصارى بسبب بعثات التبشير انتزعت خمس المسلمين تقريبا وأدخلتهم النصرانية.
كما حاول ولا زال يحاول بعض أهل الأهواء ممن يحاربون المسلمين ويعلنون براءتهم منهم –وهم كذلك- يشيدون المراكز التبشيرية بمذهبهم، وإذا بنا نرى أجيالا من السنة تحولت إلى (روافض) وإنها لكلمة تشعر بالاشمئزاز والغثيان.
وهكذا غيرهم.
وليس الأمر قاصرا على أندونيسيا فقط بل كذلك جنوب شرق آسيا، ووسط أسيا من الدول التي كانت تحت الحكم الشيوعي والذي مارس عليها عملية تجهيل بشعة.
كما لا ننسى المسلمين في إيران والذي يمارس عليهم نفس المشروع، مما أوجد أجيالا هزيلة الفكر والعقيدة.
والحال نفسه نجده في بعض دول أوروبا إن لم يكن كلها، حيث تنتشر الأفكار التحررية من الدين والتدين.
وإن من الأسباب الكبيرة في هذا الضلال هو تقصير المسلمين الموسرين في تبني مشاريع دعوية تحفظ لهؤلاء دينهم وتحصنهم من الأفكار الغالية والشاطحة.
ومن أهم هذه الوسائل اليوم هو الإعلام بشتى صوره: مرئي ومسموع ومقروء.
ولكن الواقع يدل على أن المرئي أشد تأثيرا من غيره وإن كان لكل رواده، ومع هذا نقول فلنفعل شيئا منها.
وإنه لمن الواجب علينا تجاه هؤلاء أن بين لهم دينهم ونعرفهم بشرعهم، وكيف يحاجون غيرهم من دعاة الأهواء، وإن الجماعة المسلمة تصير آثمة إذا لم تعن العناية الكاملة بهؤلاء وبالإعلام الإسلامي عموما.
ومن هنا نحتاج إلى عدة قنوات في حقيقة الأمر كي نستطيع أن نصل إلى نشر الوعي الديني العام.
ولكن يمكن أن نبدأ بنظام الساعات، فمثلا قناة إسلامية لجنوب شرق أسيا ذات ثلاثة فترات كل فترة ثمان ساعات بثلاث لغات مثلا.
وكذلك يقال في قناة فضائية أوروبية.
كما نحتاج ضرورة في هذه المرحلة إلى قناة فضائية إسلامية ناطقة بالإنجليزية كي تغطي لنا المساحات المتبقية ممن قد يعسر الوصول إليها أو النطق بلغتها، إضافة إلى أن الإنجليزية هي اللغة الأولى اليوم والتي يتكلم بها الكثير من الناس حول العالم.
كما أننا ينبغي ألا ننسى شيئا هو أن الرسالة الإعلامية الإسلامية ليست محصورة بأمة الإجابة وهم المسلمون، بل إن هناك نطاقا أوسع وهي أمة الدعوة وهم غير المسلمين، والتي تفوق أمة الدعوة بثلاثة أضعاف.
ولا شك أن الإعلام الإسلامي هو شكل من أشكال الدعوة الإسلامية بل أشدها تأثيرا اليوم، ووصولا إلى الناس ، وبناءا للأجيال، والله يقول: ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين

ثامنا:
التأسيس قبل البناء
أريد أن أؤكد هنا على ضرورة التأسيس في المجال الإعلامي من حيث الإعداد للكوادر الإعلامية الإسلامية التي تتشرب معاني الدين وتسلطها على المجال الإعلامي.
لأننا نجد فقرنا واضحا في هذا الجانب، ولا يقتصر الأمر على الإذاعي أو المخرج بل يشمل كل تخصصات الإعلام بما فيها كافة الجوانب الفنية، لأننا أحيانا نرى لقطات غير سديدة لبعض المصورين والمخرجين لا تتفق ودين الإسلام.
ولهذا نشد على أيدي القائمين عالى التعليم الإعلامي على مضاعفة الجهود في إيجاد موطء قدم صحيح ومشرف لقسم الإعلام الإسلامي، واتخاذ كافة التدابير اللازمة في سبيل وضع المناهج لذلك، لا أن تؤخذ مادة ضئيلة تسمى بـ "الإعلام الإسلامي".
كما ينبغي التركيز على عنصري التجديد والإبداع، والمعرفة الواسعة بعلوم الشرع، والذي يعطينا مادة وافرة لا تنضب.
كما أوءكد على ضرورة إنشاء مؤسسات إنتاج مرئي تكون ردفا للفضائيات الإسلامية والتي سنستفيد منها من جانبين مهمين:
الأول: تخفيف العبء على الفضائيات الإسلامية في صنع المادة الإعلامية المتميزة، خاصة وأن من أكثر ما تعانيه الفضائيات الإسلامية –حسب ملاحظتي- هو إنتاج الأفلام العلمية والوثائقية والترفيهية وغيرها والي تنطلق من منطلق إسلامي، في حين أن الساحة مملوءة بمؤسسات إنتاج لا تتبنى هذا المنهج بل هي عبارة عن مؤسسات –في أغلبها- مترجمة لما يصنعه الآخرون.
الثاني: التميز، ذلك أن هذه المؤسسات أو الشركات عندما تتخصص في صنع هذه البرامج وتتفرغ لها فالأغلب أنها ستبدع خاصة عندما يسود التنافس.
لكن قد يحجم البعض عن استثمار أمواله في مثل هذه المشاريع لسبب أو لآخر، والواقع أن سوق البرامج رائج وكل ما سنفعله هو أسلمة البرامج بمعنى أنها ستنطلق من المنظور الإسلامي، فلا نقصد هنا إن تكون هذه الأفلام والبرامج دينية صرفة، بل تتنوع بتنوع أشكال وقضايا الحياة، هذه نقطة.
ونقطة أخرى أنه بفضل الله تعالى قد نشأت العديد من القنوات الإسلامية أو التي تعلن ذلك، والتي لها جمهورها ومتابعوها مما يعني وجود سوق مفتوح وجديد أما شركات إنتجيه من النوع الذي نريده.

تاسعا:
رسالة إلى قناة الرسالة
كم يسعد المسلم كثيرا عندا يسمع صوتا جديدا للإسلام في زحمة القنوات الإعلامية الصاخبة والهادمة، فيكون هذا الصوت صوتا للهداية إلى الطريق الحق، وبانيا لما انهدم من حصون التدين في نفوس البعض.
لقد غمرتنا السعادة بظهور قناة الرسالة والتي رأينا فيها واحة أخرى في صحراء قاحلة.
ولكني فوجئت في رمضان ببث القناة لمسلسل حسبته ف ي البداية مفيدا وجيدا وإذا به على خلاف ذلك تماما.
ومن خلال رؤيت لمقطعين يسيرين منه اتضح لي بجلاء مقدار الحنق والحقد على هذا الرجل بل وعلى التاريخ الإسلامي بل على الإسلام ذاته.
لقد كان خالد ابن الوليد سيف الله حقا ولقد ساهم في نشر دين الله حقا ولقد كان الإسلام هو الملجأ الآمن لشعوب أولها العرب عانت من ضيم الكفر والجهل.
لقد تركزت فكرة المسلسل –كما لاحظت- على فكرة انتشار الإسلام بالسيف، وتمثلت هذه الفكرة في عدة مواقف وعلى ألسنة كثير من الشخصيات وبصورة متعمدة بوضوح وحشر للتهديد بالقتل وضرب العنق كما ظهر هذا في مشاهد تصويرية معينة،لا وقت لبيانها وشرحها.
وقد توافق زمن البرنامج مع ثورة المسلمين ضد الباب الذي اتهم الإسلام بنفس التهمة التي ركز المسلسل على إثباتها.
كما صور المسلسل المسلمين في بعض مشاهده كأنهم قطاع طرق، إذ صور دخول المسلمين مكة فاتحين صورة مزرية هي أقرب إلى قطاع الطرق والناهبين المعتدين منه على جيش جاء رحمة للناس يقوده خير خلق الله ومن قال الله فيه وإنك لعلى خلق عظيم هذا مع مخالفة المشهد لم ثبت تاريخيا من دخول الجيش بالوقار والسكينة.
بل لقد وصف رسول الله بوصف فيه تجريح واستهانة بمقامه الكريم وكرر هذا مرتين في مشهد واحد، غذ جاء على لسان قيصر وصف رسول الله بالأعرابي مرتين، وهذا لا يجوز البتة لأن في تنقصا من قدره ولا يشفع لهذا القائل وغيره كونه تمثيلا لأن هذا ليس مبررا للجريمة إذ الجريمة جريمة سواء كان تمثيلا أو غيره ثم على هذا ماذا سيكون الفرق بين التمثيل والرسوم الدنمركية والتي قوطعت بسببه منتجات الدنمرك وثار المسلمون في كل مكان.
ومما يؤكد وجود أيادي أخرى كانت تريد المسلسل على هذا النحو أن هذا الوصف غير موجود فيما اطلعت عليه من كتب السير، وإنما جاء في بعضها ليس على لسان قيصر وإنما على لسان بعض القساوسة الذين دعاهم قيصر لدخول الإسلام وذكوا هذا الوصف مرة واحدة.
إن عرض هذا المسلسل يدل على قصور واضح في الرقابة أو المراجعة -إن وجدت- لما تبثه القناة.
وحقيقة الأمر تتطلب ضرورة وجود هيئة مراجعة شرعية تضبط سير القناة بضوابط الشرع وتحافظ على دين الأمة، هذا إذا كنا نريد قناة إسلامية حقة، وإنها والله أمانة جسيمة على عاتق القائمين على هذه القناة.
وأقول: لماذا دائما نكون عالة على غيرنا لماذا لا تسعى القناة الإسلامية لإيجاد البدائل لتأسيس مؤسسات إنتاج إسلامية لإقامة دورات تدريبية لكوادرها وللكوادر الملتزمة لتحتويهم أو لينطلقوا في الفضاء الرحب داعين على الله.
لماذا لا نسعى للاكتفاء الذاتي مما يقدمه الآخرون مما يختلط فيه الغث بالثمين، والذي قد مله الناس وملهم؟
أرى أننا إذا أردنا أن يتقبل الناس رسالتنا لا بد أولا أن نحدد معالم هذه الرسالة، وأن ننضبط بضوابط الشرع خاصة ونحن نعمل في المجال الإعلامي الذي يكثر فيه الغثاء تنظيرا وعملا بسبب نشوئه في مجتمعات أخرى لا تدين بما ندين به.
وأرجوا ألا تأخذنا سكرة التجديد إلى وديان لا ندري قرارها كما حدث مع هذا المسلسل السيئ والذي لو عرض في قناة دولة أجنبية لكان حريا بالمسلمين أن يواجهوه بما واجهوا به الرسوم الدنمركية.
كما أننا –بداهة- عندما نقول: قناة إسلامية، معناه أنها مصبوغة بصبغة الإسلام، ولا نعني بعضها أو جانبا منها.
فمثلا ظهور واستضافة المتبرجات ممن يكشفن رؤوسهن وأقدامهن وزينتهن الباطنة، على قناة إسلامية لا يتفق مع الإسلام الذي تزعمه هذه القناة، خاصة وأن مديرها زارنا هنا في صنعاء قبل حوالي عام أو أكثر وقال بأنه درس المذاهب الفقهية الأربعة!!!
فإذا كان كذلك فأين قرأ جواز استضافة هذه النوعيات وتقديمهن للمشاهد الملتزم الذي يأمل أن يجد مادة نقية.
إن الإسلام ليس شعارا يرفع للترويج وليس لوحة تعلق أو تكتب في صفحة أو شاشة إنه منهج، إنه دين فيه الحلال والحرام، ولهذا لا يجوز أبدا فيمن يدعي إسلامية قناة فضائية أن يقول: وضعنا نسبة كذا للمتدينين، ونسبة كذا للشباب، ونسبة كذا للمرأة!
فأرجو مراجعة النفس وسؤال أهل العلم، فهم أدلاؤنا إلى الله، وألا نستفرد بعقولنا القاصرة وقلة معرفتنا الشرعية، فإن هذا لن ينفعنا عند الله بتاتا، لأن الله سبحانه قد بين لنا المرجعية بوضوح فقال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون أي لا تعلمون حكم الله، وهو كذلك فيمن لا يمتلك المعرفة الشرعية والقدرة الفقهية والاستنباطية.
ومع هذا أحسب ما حدث كبوة فارس فأرجو ألا تكثر الكبوات.
أشكركم على تجاوبكم.
فهد عبد الله
اليمن- صنعاء

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك