إدارة الحوار بين الشرق والغرب

د.علي الخشيبان

في خطبة للملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1347 ه نشرت في الكتاب رقم أربعة وأربعين من سلسلة كتب المجلة العربية، قال رحمه الله في تلك الخطبة" إن البناء المتين لا يؤثر فيه شيء مهما حاول الهدامون هدمه إذا لم تحدث فيه ثغرات تدخل فيها المعاول، وكذلك المسلمين متحدين لما كان في مقدور أحد خرق صفوفهم وتمزيق كلمتهم".

هذه العبارات من ذلك الخطاب ترفع قيمة الوحدة الإسلامية في مفهومها الأممي فالأمة الإسلامية ليس شرطا أن تكون دولة مترامية الأطراف فهذا الشكل السياسي من الدول انتهى ولن يعود، ولكن موقف الأمة الديني يجب أن يكون موحدا في مواجهة تلك الأزمات التي تجتاح العالم الإسلامي وتربك علاقته في العالم من حوله.

لقد أصبح من المستحيل أن يستمع العالم الاسلامي إلى مطالبات بشن الحروب على العالم الآخر لمجرد الاختلاف معه كما أصبح من المستحيل أن يستمع الغرب إلى مطالبات بإعادة الحروب على العالم الإسلامي واحتلاله من جديد ، فمنذ خمسة قرون تقريبا تغير الكثير من المفاهيم حول علاقة العالم ببعضه، ومع تقادم الزمن أصبح التقارب والعقلانية والمصالح الخاصة والعامة هي محور التواصل بين تلك الدول ولكن بقيت الثقافات وتفاوتها بين الغرب والشرق مصدر قلق للكثير من التوتر والتشنج عندما يمارس فرد من الأفراد أو مجموعة منهم أعمالا تضع علاقة الغرب والشرق على المحك في فترات كثيرة.

قبل احد عشر عاما تقريبا تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية إلى هجوم على مركز التجارة العالمي، وخسر أكثر من ثلاثة آلاف إنسان بينهم مسلمون حياتهم، وقد تبنت القاعدة هذا الهجوم الذي تم تنفيذه عبر مجموعة من الأفراد وعددهم تسعة عشر فردا قاموا بالعملية، ولكن بقي السؤال الذي برز في تلك اللحظات كم من ملايين البشر دفعوا ثمنا من حياتهم ومستقبلهم نتيجة هذا الهجوم، وكم من الدول دفعت ثمنا باهظا لما قام به تسعة عشر فردا من المسلمين؟

خلال العقد الماضي دفع المسلمون ثمنا باهظا مقابل ما تعرضوا له من أزمات نتيجة ذلك الخطأ ونتيجة معاول الهدم التي قامت بمثل هذا العمل، لقد تغيرت النظرة إلى الإسلام والمسلمين من جانب الغرب خصوصا بعد شعور الغرب بتفاقم الأزمة لدى الراديكالية الإسلامية التي تسعى إلى مهاجمة المختلفين دينيا وخاصة أن الخطاب والفلسفة التي طرحها المتشددون من الإسلاميين تقتضي فكرة خطيرة كما يراها الغرب وهذا من حقه فعندما يهددك شخص في مستقبلك وحياتك فليس أمامك إلا الدفاع وهذا ليس تبريرا ولكنها غريزة بشرية أن تدافع عن نفسك.

على الجانب الآخر مارست الثقافة الغربية على المستويات الشعبية والسياسية في أحيان كثيرة شكلا من الفهم الخاطئ للعالم الإسلامي وقد كانت القضية الفلسطينية والتحولات الكبرى في الشرق الأوسط مثار تساؤل كبير وقد قال لي أحد الأصدقاء البريطانيين ونحن نتذكر أحداث الحادي عشر من سبتمبر الأسبوع الماضي " لقد كنت أتساءل لماذا احتفل الناس في بعض الدول بالهجوم على برج التجارة العالمي ما الذي فعله الغرب في حق هؤلاء حتى يفعلوا ذلك ويحتفلوا" ؟

انتهى كلامه.

هذا التساؤل مثير من فرد يأتي من الثقافة الغربية وهذا العمل مشين عندما ينسب إلى دين عظيم كالدين الإسلامي والأديان السماوية كلها عظيمة، لقد حاولتُ تفسير تلك العلاقة وكيفية إدارتها فكنت متيقنا وبشكل مستمر أن هذه العلاقة مع الغرب تتحكم فيها موازين القوى بشكل كبير فالقوة الاقتصادية والثقافية والسياسية التي يملكها الغرب جعلت الكفة تميل لصالحه في تحليل أزمة العلاقة بين الشرق والغرب.

من جانب آخر هناك ضعف كبير في تفسير ما هو الإسلام ليس بين الدول الإسلامية فقط بل بين المسلمين أنفسهم ولان هذه التفسيرات المتفاوتة وجدت أرضيات خصبه لنموها فقد أصبحت كل جماعة إسلامية تعبر عن فهمها للإسلام بطريقتها.

اليوم ومع الأزمة التي تزامنت بشكل مثير للقلق مع ذكرى الأحداث السبتمبرية حيث ذهب ضحيتها السفير الأمريكي في ليبيا نتيجة الحديث عن فيلم يسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من إنتاج وعمل شخص يقال عنه انه يهودي هذه الأزمة تعيد الجميع إلى المربع رقم واحد ولكن هذه المرة يأتي الفعل من الغرب وتأتي ردة الفعل من الشرق وكأن هناك من يلاعب الكره بين الفريقين بشكل يهدف إلى ارباك العلاقة بين الشرق والغرب نحو مزيد من الصدام الحضاري.

لن يكون من السهل فهم تلك العلاقة بعيدا عن الميزة الحضارية والثقافية والاقتصادية والسياسية للثقافة الغربية كما لن يكون العمل سهلا بعيدا عن إدراك حقيقي للإسلام والثقافة الإسلامية حيث يتطلب العمل العودة أولًا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي مرات ومرات لفرض الصيغة الأساسية للإسلام بهدف التخلص من الشوائب التي تظهر على شكل جماعات متشددة تحاول أن تقدم الإسلام وفقا لتفسيراتها الخاصة.

الربيع العربي أنتج مفهوما جديدا للدول العربية التي طالتها الثورات وتقدم الإسلاميون في الانتخابات ومع تقدمهم لابد من فهم أن خلفياتهم السياسية التي أتوا منها تستند على تشكيل أيديولوجي لجماعات إسلامية ظلت موجودة لسنوات طويلة، هذا التقدم للإسلاميين ساهم بشكل كبير في تعقيد العلاقة بين الغرب والشرق؛ فالغرب لازال غير متأكد من الشكل الجديد لتلك الدول والانتفاضة الشعبية التي شهدتها بعض الدول العربية أو الإسلامية منها ضد أزمة الفيلم الأخيرة عكست وبشكل كبير تغيرا ملحوظا في النمط السياسي لدى العالم العربي والإسلامي.

ليس هناك شك في أن الأزمات التي يكون الدين طرفا فيها تساهم وبشكل كبير في خسارة متبادلة بين أطراف النزاع وتهدم وبسرعة الكثير من البناءات والاتفاقات المحتملة، لذلك فإن إدارة الأزمة بين الثقافة الغربية والشرق تتطلب موقفا عالميا فقد حان الوقت لأن تدخل الأزمات الثقافية إلى أروقة الأمم المتحدة حيث يتوجب حفظ الأديان والرموز الدينية بشكل مقدس لدى جميع الأطراف، كما أن العالم الإسلامي عليه أن يتبنى المبادرات التي تسعى إلى فرض لغة الحوار بين الأديان والثقافات وجعلها مصدرا من مصادر التفاهم مع الثقافات المختلفة.

المصدر: http://www.alriyadh.com/2012/09/17/article768734.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك