حقوق النفس

حقوق النفس
سعد بن عبدالله السبر
المعهد العالي للقضاء
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان أحمد سبحانه وأشكره على واسع العطاء ,والإحسان , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن أعظم نعمه على المسلم بعد نعمة الإيجاد والتوحيد والإيمان نعمة العلم الذي شرف الله به الذين يعلمون على الذين لا يعلمون . فهذا بحث عن حقوق النفس حيث الحاجة الماسة لها ولمعرفتها ولم تُبحث مستقلة إنما تأتي في ضمن الكتب أو البحوث فحاولت حصر بعضها لا كلها ,وقسمت هذا البحث لثلاثة مباحث المبحث الأول تعريف الحق والنفس وأركان الحق وحقوق النفس , والمبحث الثاني أوصاف النفس والفرق بينها وبين الروح , والمبحث الثالث حقوق النفس والتزمت في هذا البحث بذكر الحديث دون تخريج إذا كان في الصحيحين وإن كان في غيرهما خرجته ووثقت نقولي وقمت بتعريف المعاني لهذا البحث وأصلت المسألة من الكتاب والسنة و صورة المسألة عند السلف وذكرت المصادر ووضعت خاتمة بالنتائج والتوصيات وقائمة المصادر وفهرس والله أعلم .

المبحث الأول
تعريف الحق والنفس لغة واصطلاحا وتعريف حقوق النفس

تعريف الحق لغة واصطلاحا تعريف الحقوق لغة: قال الجوهري: "الحق: خلاف الباطل، والحق: واحد الحقوق، والحَقة أخص منه، يقال: هذه حقتي أي: حقي"
وقال الفيروز آبادي: "الحق: من أسماء الله تعالى أو من صفاته، والقرآن، وضد الباطل، والأمر المقضي، والعدل، والإسلام، والمال، والملك، والموجود الثابت، والصدق، والموت، والحزم، وواحد الحقوق
قال الجرجاني : في اللغة: هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره،
وجاء في السنة معان مختلفة للحق منها :
• في الصحيحين عنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الوحي الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - الليالي ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ في غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ . قَالَ « مَا أَنَا بِقَارِئٍ » .
• في الصحيحين عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ ، فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا » .
• في الصحيحين عن ابن عمر قصة أصحاب الغار وفيه "ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِى حَقِّى . فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا ، فَإِنَّهَا لَكَ . فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِى" وفيه أيضا قوله " لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ"
• تعريف الحق في الاصطلاح : الحق في اصطلاح الفقهاء ، وقد عرف بتعاريف منها
قال الجرجاني وفي اصطلاح أهل المعاني4: هو الحكم المطابق للواقع، يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب، باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل.
وقيل الحق 5هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة له أو تكليفا عليهً ، ولعل هذا هو الأقرب
أركان الحق 1- صاحب الحق وهو من يثبت له هذا الشيء وهذا الشخص قد يكون الله ، أو قد يكون شخصًا طبيعيًا أو شخصًا اعتباريًا (معنويًا) .
2-من عليه الحق وهو المكلف بالأداء
3-محل الحق هو الشيء المادي أو المعنوي الذي ترد عليه السلطة المخوّلة لصاحب الحق عليه.
تعريف النفس في اللغة : النفس في اللغة النفس : الروح6. قال ابن منظور 7 قال ابن خالوية : النفس : الروح ، والنفس ما يكون به التمييز ، قال ابن برى أما النفس الروح والنفس ما يكون به التمييز ، فشاهدهما قوله سبحانه : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) سورة الزمر: الآية (42) فالنفس الأولى : هي التي تزول بزوال الحياة ، والنفس الثانية : التي تزول بزوال العقل ، والعرب قد تجعل النفس التي يكون بها التمييز نفسين ، وذلك أن النفس قد تأمره بالشيء وتنهى عنه وذلك عند الإقدام على أمر مكروه فجعلوا التي تأمره نفساً ، وجعلوا التي تنهاه كأنها نفس أخرى، والنفس يعبر بها عن الإنسان جميعه كقولهم : عندي ثلاثة أنفس ، وكقوله تعالى ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ) سورة الزمر : آية (56) والنفس : الدم . يقال : سالت نفسه . وفى الحديث : " ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه " . والنفس أيضا : الجسد . قال الشاعر : نبئت أن بني سحيم أدخلوا * أبياتهم تامور نفس المنذر والتامور : الدم . وأما قولهم : ثلاثة أنفس ، فيذكرونه لأنهم يريدون به الإنسان . والنفس : العين . يقال : أصابت فلانا نفس . ونفسته بنفس ، إذا أصبته بعين . والنافس : العائن . والنافس : الخامس من سهام الميسر ، ويقال هو الرابع .
تعريف النفس في الاصطلاح : اختلفت مشارب علماء الاصطلاح في تعريف النفس اختلافاً كبيراً ، والذي يهمنا هو تعريف سلف الأمة لها ، حيث عرّفها الإمام الغزالي 8بأنها : اللطيفة التي هي الإنسان بالحقيقة ، وهى نفس الإنسان وذاته ، وقال أبو عبد الله القرطبي9 : هي جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة يجذب ويخرج ، وفى أكفانه يلف ويدرج ، و به إلى السماء يعرج ، لا يموت ولا يفنى ، وهو مما له أول وليس له آخر ، وهو بعينين ويدين وأنه ذو ريح طيبة وخبيثة وقال أبو محمد بن حزم  : ذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرة بالمعاد إلى أن النفس : جسم طويل عريض عميق ذات مكان ، عاقلة مميزة ، مصرفة للجسد ، وبهذا نقول قال ابن حجر قيل هي النفس الداخل والخارج وقيل الحياة وقيل جسم لطيف يحل في جميع البدن وقيل هي الدم وقيل هي عرض حتى قيل إن الأقوال فيها بلغت مائة ونقل بن مندة عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح وأن لكل مؤمن ثلاثة ولكل حي واحدة وقال بن العربي اختلفوا في الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد قال وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس كما يعبر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس وقد يعبر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجماد مجازا وقال السهيلي يدل على مغايرة الروح والنفس

المبحث الثاني
أوصاف النفس والفرق بينها وبين الروح

أوصاف النفس توصف النفس بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات ، سميت النفس المطمئنة . قال الله تعالى في مثلها ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) سورة الفجر : آية (27) وإذا لم يتم سكونها ، ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها سميت النفس اللوامة ، لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه . قال تعالى (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) سورة القيامة : آية (2) ، وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان ، سميت النفس الأمارة بالسوء . قال تعالى إخباراً عن يوسف  أو امرأة العزيز : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) سورة يوسف : آية (53) .
الفرق بين النفس والروح :بعد هذا الاستطراد في حقيقة النفس والتي تلاقت فيه مع الروح في الكثير الغالب نذكر آراء العلماء في الفرق بينهما ، ولقد سبق أن من معاني النفس في اللغة أنها بمعنى : الروح , ولقد اختلف العلماء في الفرق بينهما إلى فرقتين:
الفرقة الأولى : وهم جمهور الأمة ، حيث قالوا : ليس بين النفس والروح فرق جوهري ، وأنهما بمعنى واحد ، قال أبو عبد الله القرطبي في التفسير ، وابن حزم الظاهري في الفصل ، وابن القيم في الروح .
الفرقة الثانية : قالوا : إن الروح والنفس متغايران ، قال بهذا جماعة من أهل الحديث والفقه والتصوف.
قال ابن القيم: وقالت فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف : الروح غير النفس ، قال مقاتل ابن سليمان للإنسان حياة وروح ونفس ، فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها
وقال أبو عبد الله بن مندة ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس ، فقال بعضهم : النفس طينية نارية، والروح نورية روحانية انتهى كلامه رحمه الله . ولقد تركت أدلة الفريقين وتفاصيلهم لعدم الإطالة والإطناب. وللجمع بينهما يقول ابن القيم : الفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات . أي أن هناك فرقاً ولكنه ليس جوهرياً ، وإنما هو بالأعراض والصفات ، فمن نظر إلى أن بينهما فرقاً نظر إلى صفاتهما ، ومن لم ير بينهما فرقاً نظر إلى ذاتهما وأنهما شيء واحد . والله أعلم . خلاصة ما سبق تبين لي تعريف حقوق النفس
تعريف حقوق النفس : هي الأوامر التي أوجبها الله على الإنسان لإصلاحه وجلب النفع له والنواهي التي نهى الله عنها الإنسان لحفظه من الهلاك ودفع الضر عنه
المبحث الثالث
حقوق النفس

حقوق النفس كثيرة أهمها معرفة أهمية النفس البشرية وحمايتها : لقد عنى الإسلام عناية فائقة بالنفس الإنسانية ، وجعل الإنسان محل عناية الله دائماً ، فلقد خلق الله الإنسان حيث سواه بيده ونفخ فيه من روحه ، وكرّمه بالعقل ، وجعله خليفة له في أرضه ، وأسجد له ملائكته، وزوده بمنهج يسير على مقتضاه حتى لا يضل ولا يشقى، إلى غير ذلك من نواحي التكريم ، ولقد بيّن القرآن الكريم المهمة الأساسية لوجود الإنسان وهى خلافته في الأرض ،وعمارتها , ولأجل ذلك أوجب حقوقا للنفس فعليك أن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك لأداء حق النفس عليك، وأن عليك حقوقاً أهمها أن تستوفيها في مرضاة الله وطاعته، ولا تجعل للشيطان عليها سبيلاً، وبذلك تنقذها من المخاطر والمهالك، وتنجيها من شر عظيم، لذلك أقسم القرآن بالنفس وتسويتها فقال الله تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7 –10] وأن الله أعطاها العقل لتميز بين الفجور والتقوى فمن زكى نفسه فاز ومن لم يزكيها خاب وخسر وبين الله أن من آثر الحياة الدنيا ولم يحفظ نفسه ويصونها من العطب وطغى فمصيره إلى النار , ومن صانها وقام بحقوقها التي أوجبها الله في طاعته فإن الجنة مأواه قال تعالى : فَأَمَّا مَنْ طَغَى  وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا  فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى  وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى  فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعـات:37-41]

ومن حقوق النفس المحافظة عليها من كل ما يلحق بها الضرر : الأصل في ذلك القرآن والسنة حيث تضمنا ما يحفظ للنفس حرمتها ومنزلتها , فأمرهم بالتوحيد وحرم عليهم الشرك ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) سورة النساء آية 36
في صحيح البخاري ج3/ص1049 عن معاذ رضي الله عنه قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير فقال (يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله قلت الله ورسوله أعلم قال فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس قال لا تبشرهم فيتكلوا )
•وحرّم الاعتداء عليها أو على طرف من أطراف الإنسان إلا بحق ، بل إن الشرائع السماوية كلها قد اشتملت على ما يحفظ للنفس حرمتها ، يقول تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) سورة المائدة : آية (32) ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) سورة النساء آية 93.
كذلك بيّنت السنة المطهرة مكانة النفس الإنسانية وعظمها ، وشددت العقاب على كل من يقترف إثماً في قتلها أو إهلاكها بغير حق .
• في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود  قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  ( لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ ) .
•و في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ  أَنَّهُ قَالَ : ( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ).
•و في البخاري عن عبادة بن الصامت  قال : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ : ( تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَسْرِقُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ) .
وحرّم قتل الإنسان نفسه وأوجب عليه حفظها
• و في الصحيحين عن أَبِي هريرة عن النبي قَالَ مَنْ تَرَدَّى مِنْ جبل فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا
 و في الصحيحين عن ثابت بْنَ الضَّحَّاكِ وَأَنَّ قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ ، وزاد مسلم في لفظ " متعمدا "
 وفي البخاري عن أَبِي هريرة قَالَ قَالَ النبي الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعنها يَطْعنها فِي النَّارِ
• و في الصحيحين عن جندب " قَالَ  كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" وهذا لفظ البخاري ،وفي لفظ مسلم" إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا فَلَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ رَبُّكُمْ قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
و في الصحيحين عن أبي هريرة قال :{شهدنا خيبر فقال  لرجل ممن معه يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فأستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فأشتد رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر}
ففي هذه الأحاديث : نص أكيد على إثم من يقتل نفساً بغير حق ، كذلك نهت عن القتل بأنواعه . وحفظ النفس من الأمور الضرورية التي حث عليها الشارع وأولى الاهتمام بحفظها
يقول ابن عاشور : معنى حفظ النفوس ، حفظ الأرواح من التلف أفراداً وعموماً لأن العالم مركب من أفراد الإنسان ، وفى كل نفس خصائصها التي بها بعض قوام العالم ، وليس المراد حفظها بالقصاص كما مثل لها الفقهاء ، بل نجد القصاص هو أضعف أنواع حفظ النفوس لأنه تدارك بعض الفوات ، بل الحفظ أهمه حفظها عن التلف قبل وقوعه مثل مقاومة الأمراض السارية ، وقد منع عمر بن الخطاب  الجيش من دخول الشام لأجل طاعون عمواس والمراد النفوس المحترمة في نظر الشريعة ، وهى المعبر عنها بالمعصومة الدم ، ألا ترى أنه يعاقب الزاني المحصن بالرجم ، مع أن حفظ النسب دون مرتبة حفظ النفس ، ويلحق بحفظ النفوس من الإتلاف حفظ بعض أطراف الجسد من الإتلاف ، وهى الأطراف التي ينزل إتلافها منزلة إتلاف النفس في انعدام المنفعة بتلك النفس ، مثل الأطراف التي جعلت في إتلافها خطأ الدية كاملة . بعد هذا العرض وضح أن الإسلام اهتم بالنفس الإنسانية وحافظ عليها ، فالنفس لها قدسيتها واحترامها في نظر الشارع الحكيم .
ومن حقوق النفس حفظها من الهلكة بمعصية الله ووقوعها في النار وإلزامها بطاعته لنجاتها
قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها النار والحجارة )سورة التحريم آية (6 ) قال القرطبي هي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار. قال الضحاك : معناه قوا أنفسكم، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم. وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم
وأمر الله ورسوله بالبر بالوالدين والإحسان لهما وحرّما عقوقهما( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) سورة الإسراء
وأوجب النفقة على النفس والعمل لإغنائها : قال تعالى (كلوا واشربوا ولا تسرفوا ) سورة الأعراف 30 وقال تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) سورة الملك آية 15
وفي صحيح مسلم ج2:ص692 عن جابر قال أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألك مال غيره فقال لا فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ثم قال ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك
• وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطيور فهو له صدقة ولا ينقصه أحد إلا كان له صدقة وفي رواية له أيضًا فلا يأكل منه إنسان ولا دابة ولا طائر إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة‏
ومن حقوق النفس إعطائها حقها من الراحة وعدم تكليفها فوق طاقتها:
• في البخاري عن أبي سلمة قال حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ - قَالَ - فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي ‏"‏ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ ‏"‏ ‏.‏ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ‏"‏ ‏.‏ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا - قَالَ - فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ قَالَ ‏"‏ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ‏"‏ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ واقرأ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ‏"‏ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ‏"‏ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ‏.‏ فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ‏"‏ ‏.‏ قَالَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَىَّ ‏.‏ قَالَ وَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمْرٌ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ فَصِرْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏

•و في الصحيحين عن عبدالله بن عمرو "فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا ) . وفي البخاري عن أبي جحيفة قصة سلمان الفارسي عندما قال لأبي الدرداء " إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى  فذكر ذلك له فقال  ( صدق سلمان )"  قوله وأن لنفسك عليك حقا أي تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة البشرية مما أباحه الله للإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ليكون أعون على عبادة ربه لذلك جعل من حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى لكن ذلك يختص بالتعلقات القلبية
 ومن حقوق النفس مجاهدتها على فعل الخير وترك الشر فالمحاسبة خير وسيلة لتقويم اعوجاج النفس بين حين وآخر لغرض تزكيتها . ويكون أساس المحاسبة هو مقارنة ما تفعله النفس مع ما يطلبه الشرع. فإن كانت قد وفّتْ ، فهل يمكنها أن تزيد إحسانا ؟ وإن كانت مقصّرَةً ، فما السبيل إلى تقويم اعوجاجها ؟ والوسيلة إلى تنفيذ ذلك هو مخالفة هواها . قال ابن حجر: مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها لذلك حذرها الشر وأمرهم بفعل الخير ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) سورة الحج آية 77 وأمر بأركان الإسلام وبالشهادتين وبالصلاة وجعلها دليل الإيمان ( وأقيموا الصلاة )سورة البقرة 43 والصلاة حق النفس قاله الطيبي  وإيتاء الزكاة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) سورة البقرة آية43 وصيام رمضان ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )سورة البقرة آية 183 وأمرهم بالحج ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) سورة آل عمران 97
 وفي الصحيحين ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام )
قال ابن حجر أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله فان لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهرا وان نصب الحرب لذلك قوتل
 وفي الصحيحين عن أبي ذر قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ قَالَ قُلْتُ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْفَسُهَا عندَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا قَالَ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عن بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ تَكُفُّ شَرَّكَ عن النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ " وهذا لفظ مسلم
 وفي الصحيحين عن أبي سعيد الْخُدْرِيَّ "قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ فَقَالَ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ قَالُوا ثُمَّ مَنْ قَالَ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ" وفي لفظ لمسلم"رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ "
 وفي الصحيحين عن أبي موسى أن  قال "على كل مسلم صدقة قيل أرأيت إن لم يجد ؟ قال يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال قيل أرأيت إن لم يستطع ؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف قال قيل له أرأيت إن لم يستطع ؟ قال يأمر بالمعروف أو الخير قال أرأيت إن لم يفعل ؟ قال يمسك عن الشر فإنها صدقة
 وفي البخاري عن جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن النبي قَالَ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ
 وفي البخاري عن أبي هريرة  : عن النبي قال ( كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة ودل الطريق صدقة
 وفي لفظ لمسلم عن عائشة" إِنَّ  قَالَ إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ أنسانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عن طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عن طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عن مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِ مِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عن النَّارِ "
 وفي البخاري عن بن عمرو يَقُولُ قَالَ أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعنزِ مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ قَالَ حَسَّانُ فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعنزِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عن الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَمَا اسْتَطَعنا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً"
 وأمرهم بمكارم الأخلاق ( وإنك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم آية 4
 في صحيح مسلم ج1/ص 48 عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج أشج عبد القيس (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة )
 ونهاهم عن ما يُضاد الأخلاق الكريمة وفي الصحيحين عن أبي هريرة: أن  قال ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )
وفي مسلم عن بن مسعود قَالَ  فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عندَ الْغَضَبِ " " الصرعة : الذي يصرع الناس
وأمرهم بصلة الأرحام ونهاهم عن قطعها وأمرهم بإكرام الجار ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) سورة الرعد آية 21 ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامك ) سورة محمد آية 22
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره أن يبسط عليه رزقه أو ينسأ في أثره فليصل رحمه
وفي صحيح البخاري ج5/ص2273 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

العفو عن حديث النفس :
وفي صحيح البخاري ج5/ص2020 عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم
قال النووي بيان تجاوز الله تعالى عن حديث النفس ( والخواطر بالقلب إذا لم تستقر وبيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق ) ( وبيان حكم الهم بالحسنة وبالسيئة ) وفيه قوله ( عن أبى هريرة قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسل م ( لله ما في السموات وما في الأرض وأن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير ) سورة البقرة آية284 قال فاشتد ذلك فأنزل الله تعالى في إثرها ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون .... الآية ) سورة البقرة آية285

و حرّم على المسلمين الظلم و سوء الظن والسحر وقتل النفس وسائر الكبائر:
 في مسلم عن أبي ذر عن النبيفِيمَا رَوَى عن اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِر ْلَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَأنسكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَأنسكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَأنسكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إنسان مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عندِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " وفي لفظ لمسلم "إِنِّي حَرَّمْتُ عَلَى نَفْسِي الظُّلْمَ وَعَلَى عِبَادِي فَلَا تَظَالَمُوا "
 وفي الصحيحين عن أَبِي هريرة أَنَّ  قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا
 وفي مسلم عن جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَالَ اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ،
 وفي الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر عن النبي قَالَ الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
 وفي البخاري عن بن عمر قَالَ إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ
 في الصحيحين عن أبي هريرة{اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس} الحديث.
 وفي البخاري عن أنس بن مالك {عن النبي قال أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس } الحديث
 في الصحيحين عن أَبِي هريرة " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ
 وفي مسلم عن أبي أمامة أَنَّ  قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مسلم بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ( دليل على أن الأصل في حقوق العباد المشاحة ، وكذا حديث أن الشهيد يغفر له إلا الدين" وحديث ( من كان عنده مظلمة )وحديث المفلس"
 وفي البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو عن النبي قَالَ الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ ، وفي لفظ للبخاري"جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النبي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْتُ وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ قَالَ الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مسلم هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ"
 وفي الصحيحين عن سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النبي وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النبي إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عنهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عنهُ مَا يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النبي قَالَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَقَالَ وَهَلْ بِي جُنُونٌ
 وفي البخاري عن أبي هريرة: أن رجلا قال للنبي  أوصني قال ( لا تغضب ) . فردد مرارا قال ( لا تغضب )
قال ابن تيمية 2 خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله (والسارق والسارقة فاقطعوا )سورة المائدة آية38 وقوله ( الزانية والزاني فاجلدوا ) سورة النور آية2 وقوله (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) ) سورة النور آية4 وكذلك قوله (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) سورة النور آية4 لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لابد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية

حقوق الجوارح والمحاسبة على كل خطأ يصدر منها :
حقوق الجوارح حق اللسان: (وأما حق اللسان فإكرامه عن الخنى، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، واجمامه إلا لموضع الحجة والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...).
إن اللسان من أهم الجوارح في بدن الإنسان، كما أنه من أخطرها على حياته، فبإقراره واعترافه في حقوق الناس وأموالهم يدان، وقد قال الفقهاء: إقرار المرء على نفسه جائز ـ أي نافذ ـ كما أن الإنسان إنما يعز أو يهان بمنطقة فإن صدر منه خير احترم، وإن صدر منه شر حقر، وقد دعا الإمام الحكيم الإنسان إلى السيطرة على لسانه، وإلزامه بمراعاة الحقوق التالية:
(أ) إكرامه عن الخنى ـ أي الفحشاء ـ لأنها مما توجب سقوط الإنسان ومهانته.
(ب) تعويده على مقالة الخير، وما ينفع الناس ولا يضرهم.
(ج) حمله على التلفظ بالأدب، والكلم الطيب، الذي يرفع إلى الله تعالى.
(د) اجمامه وسكوته إلا لموضع الحاجة من الأمور الدينية أو الدنيوية.
(هـ) إعفاؤه ومنعه من الخوض في فضول القول الذي لا يعود عليه ولا على الناس بخير.
هذه بعض الأمور التي ينبغي للإنسان المسلم أن يحمل لسانه عليها ومن المؤكد أنها ترفع شأنه، وتعزز مكانته.والأصل في ذلك قوله تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) سورة ق آية 18 •عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال لقد سالت عن عظيم وانه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال الآ أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا ‏{‏ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ‏}‏ حتى بلغ ‏{‏يَعْمَلُونَ‏}‏سورة السجدة آية 16 ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله فاخذ بلسانه ثم قال كف عليك هذا قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح  وفي المسند والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا الاستحياء من الله تعالى أن تحفظ الرأس وما وعي وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى 
حق السمع:(وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيراً، أو تكسب خلقاً كريماً، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله..).إن جهاز السمع هو الأداة الفعالة في تكوين شخصية الإنسان، وبناء سلوكه، وذلك بما ينقله من المسموعات التي تنطبع في دخائل الذات وقرارة النفس، ومن حقه على الإنسان أن يجعله بريداً لنقل الآداب الكريمة، والفضائل الحسنة، والمزايا الحميدة ليتأثر بها، وتكون من صفاته وخصائصه. ( حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ) سورة فصلت آية 20
حق البصر:(وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً فإن البصر باب الاعتبار) إن للبصر حقاً على الإنسان، وهو حجبه عن النظر إلى ما حرمه الله الذي هو مفتاح الولوج في اقتراف الآثام، فينبغي للمسلم أن يغض بصره عما لا يحل له، وأن ينظر إلى مواضع العبر ليستفيد منها في بناء شخصيته، كما أنه ينبغي له أن يستفيد ببصره علماً يهذب به نفسه، وينفع به مجتمعه.
حق الرجلين: (وأما حق رجليك فإن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها، فإنها حاملتك، وسالكة بك مسلك الدين، والسبق لك، ولا قوة إلا بالله...). خلق الله الرجلين ليمشي بهما الإنسان إلى مواطن الرزق، فيكد ويعمل ليعيش هو وأفراد أسرته، ومن حقهما عليه أن يسعى بهما إلى طريق الخير والصلاح، وليس له أن يسعى بهما إلى الحرام كالوشاية بمؤمن، أو سرقة إنسان، وغير ذلك مما حرمه الله.
حق اليد: (وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة، في العاجل ولا تقبضها مما افترضه الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت، وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل...).
ومن حقهما أن لا يبسطهما في ما حرمه الله تعالى من نهب أموال الناس، والاعتداء عليهم أو يعين بهما ظالماً على ظلمه، فإنه بذلك يستحق العقاب في دار الآخرة كما يستحق اللوم والعتاب من الناس في دار الدنيا، فالواجب عليه أن يوقرهما بالالتزام بما أمر الله. والأصل قوله تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) سورة الإسراء وقوله ( حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ) سورة فصلت آية 20
حق البطن: (وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاءً لقليل من الحرام، ولا لكثير، وأن تقتصد له في الحلال، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين، وذهاب المروءة، وضبطه إذا همَّ بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة، ومثبطة، ومقطعة عن كل بر وكرم، وأن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومذهبة للمروة...)
في هذه الفقرات بحقوق البطن على الإنسان، والتي منها.
(أ) عدم التغذية بالطعام الحرام فإن له كثيراً من المضاعفات السيئة كقساوة القلب، اللامبالاة الموجبة الانحراف عن الطريق القويم.
(ب) الاعتدال في الأكل، والاقتصاد في تناول الطعام الحلال.
(ج) النهي عن الشبع الموجب للتخمة، فإنها تسبب الإصابة بالكسل، والابتعاد عن البر والكرم، والخلق النبيل، كما أنها تعطل جميع القوى العقلية، بالإضافة إلى ما تحدثه من الأضرار الصحية كالإصابة بمرض السكر، وضغط الدم، والسمنة وغيرها. عن المقدام بن معدي كرب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( ماملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)
حق الفرج: (وأما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك، والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الأعوان، وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوة إلا به...). تتركز الحياة الجنسية في الإسلام على العفة والفضيلة، وصيانة النفس من اقتراف الزنا والفحشاء، أما الطرق الوقائية التي تحجب الإنسان عن هذه الجريمة والأصل في ذلك قوله تعالى ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا )سورة الإسراء . هذه جملة من حقوق النفس ذكرت البعض واختصرت لضيق المجال وخشية الخروج عن المسموح به , ومعلوم أن كل خير أمر الله به أو نهي نهى عنه فهما داخلان في حقوق النفس

الخاتمة : النتائج من هذا البحث والتوصيات هي كالتالي :
1- أن الدين كامل شامل لجميع شئون الحياة
2- أن النفس والروح بينهما تلازم
3- أن النفس من الغيبيات التي أستأثر الله بعلمها وحقيقتها
4- أن التوحيد أول واجب وأهم واجب أوجبه الله على العبيد وحرّم عليهم الشرك
5- أن الحقوق من الأمور التي جاءت الشريعة لإثباتها وضمانها للجميع
6- أن الله كرم النفس البشرية وجعل لها حقوقا وأوجب عليها واجبات وحرّم الاعتداء عليها
7- حرمة قتل النفس وقتل الغير
8- وجوب بر الوالدين حرمة عقوقهما ووجوب صلة الأقارب وإكرام الجار
9- حرمة الاعتداء على النفس البشرية بأي نوع من أنواع الاعتداءات
10- صلاحية الدين لكل زمان لربانية مصدره وشمولية للحياة
11- أن حقوق النفس كثيرة جدا شاملة لك أمر وهي في الشريعة يجلب نفعا أو يدفع ضرا
12- وجوب المحافظة على النفس البشرية وصيانتها من ما يفسدها
13- أن النفس مخلوقة من مخلوقات الله لا يعلم حقيقتها إلا الله

كتبه سعد بن عبدالله السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله بالرياض
المشرف العام على شبكة السبر www.alsaber.net
salsaber@alsaber.net

فهرس المراجع
- القرآن الكريم .
1-إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى ت (505) هـ . ط ، دار إحياء الكتب العربية . فيصل عيسى البابى الحلبى . القاهرة .
2- تفسير الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد بن أحمد بن فرح الأنصارى القرطبى ت (671) هـ . ط / دار الشعب . القاهرة .
3- الجامع الصحيح وهو سنن الترمذى لأبى عيسى محمد بن عيسى.ت(279)هـ.
ط / المكتبة الثقافية . بيروت . لبنان . تحقيق : أحمد محمد شاكر .
4-الجامع الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج القشيرى ت (261) هـ . ط / دار الحديث . القاهرة . تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقى .
5-الروح لابن القيم ت (751) هـ . ط / دار ابن كثير دمشق . ط /3 1419 هـ /
1998 م تحقيق : على بديوى
6-الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للعلامة إسماعيل بن حماد الجوهرى. ط / دار العلم للملايين . بيروت . تحقيق : أحمد عطا .
7-عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى .ط / المكتبة السلفية . القاهرة .
8-فتح البارى شرح صحيح البخارى للحافظ ابن حجر . ط / دار الريان للتراث . القاهرة . ط / 2 . 1407 هـ / 1987 م . تحقيق : محب الدين الخطيب , محمد فؤاد عبد الباقى , قصى محب الدين الخطيب .
9-الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبى على بن أحمد الظاهرى . ن (456) هـ . ط/ شركة مكتبة عكاظ . جدة .
10-لسان العرب لمحمد بن مكرم إبن منظور . ت (711) هـ . ط / دار إحيا التراث العربي و ومؤسسة التاريخ العربي . بيروت . لبنان .ط / 2. 1418 هـ / 1997 م .
11-مختار الصحاح لأبى بكر الرازى .ط / بدون .
12-مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى . ط / دار صادر . بيروت . لبنان
13- سنن ابن ماجة للحافظ أبى عبد الله محمد بن يزيد القزوينى ت (275) هـ . ط / دار إحياء الكتب العربية . فيصل عيسى البابى الحلبى . تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقى
الجامع الصحيح وهو سنن الترمذى لأبى عيسى محمد بن عيسى . ت (279) هـ . ط / المكتبة الثقافية . بيروت . لبنان . تحقيق : أحمد محمد شاكر .
14- شرح النووي على مسلم أبو زكريا يحي بن شرف النوو ي ط / دار إحياء التراث العربي. بيروت . لبنان . 1922 هــ.
15- التعاريف علي محمد الجرجاني ط / دار الكتاب العربي . بيروت . لبنان . 1405 تحقيق إبراهيم الأبياري
16- مذكرة الحق في الفقه الإسلامي د/ خالد الحامد
17- المعجم الأوسط سليمان بن أحمد الطبراني ط/ دار الحرمين . القاهرة . مصر . 1415 هــ . تحقيق عوض بن طارق الحسيني
18- دور السنة في حفظ الضروريات الخمس رسالة دكتوراة ياسين محمود عبد القادر على
19- صحيح سنن ابن ماجة باختصار السند محمد تاصر الدين الألباني ط/ 3 مكتب التربية العربي لدول الخليج الرياض 1408
20- كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني ط/2 مكتبة ابن تيمية تحقيق عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك