تسامح الإسلام مع غير المسلمين

تسامح الإسلام مع غير المسلمين

حصر واستقراء النصوص والآثار
المتعلقة بتعامل المسلمين مع غيرهم

كتبه:
عبد الباسط بن يوسف الغريب

قال أبو الفوارس ( ):


ملكنا فكان العفو منـا سجية فلما ملكتم سـال بالدم أبطح
وحللتم قتـل الأسارى وطالما غدونا على الأسرى نمن ونصفح
وحسبكم هـذا التفاوت بيننا وكل إنـاء بالذي فيه ينضح

المقدمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن إقامة البراهين الدالة على سماحة الإسلام مع غيره من غير المسلمين كثيرة جداً من كتاب الله وسنة رسوله  والسيرة النبوية والوقائع التاريخية, وقد شهد بذلك القاصي والداني, وشهد بذلك حتى غير المسلمين.
فهذا أحد المستشرقين وهو برناد لويس يقول عن تسامح المسلمين: "وفي نظرة المسلمين إلى المسيحية تسامح وتساهل أكثر بكثير مما في نظرة أوربا المسيحية المعاصرة التي تنظر إلى الإسلام على أنه باطل وشر. وهذه النظرة المتسامحة من المسلمين تنعكس في المعاملة الحسنة والتسامح الكبير الذي يلقاه أتباع الديانة المسيحية في المجتمعات الإسلامية بالرغم من موقف المسيحيين كديانة منافسة( ).
ويقول توماس أرنولد: "إن تسامح العرب كان وراء دخول الكثير في الإسلام"( ).
ويقول فيكتور سحاب: لا شك أن المسيحيين المخضرمين الذين عاصروا الفتح الإسلامي هم أكثر من لمس الأمر بوضوح، إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطهدهم اضطهاداً وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لا يشبه حتى أعمال البهائم، إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم، كما خيرتهم بين اعتناق الإسلام، والبقاء على دينهم بشرط الدخول في ذمة المسلمين، أي بشرط الإنضمام إلى دولة الإسلام ورفض القتال مع أعدائها، وكان ( ألكيروس)- الكنيسة المصرية - متخفياً في الصحاري هرباً من المذابح البيزنطية؛ فلما جاء الفتح الإسلامي عادت الكنيسة المصرية إلى حرّيّتها الكاملة علناً، ولقد كان في الإسلام متسع للنصارى لم يكن متاحاً لهم شيء منه في دولة بيزنطية, وتمتعت المذاهب المسيحية العربية على اختلافها بعد ظهور الإسلام بالحرية التي كانت تقاتل من أجلها تحت حكم بيزنطة، ووقت كانت جميع الدول لا ترضى بدين آخر داخل تخومها( ).
وفي هذا البحث الاستقرائي من سنة المصطفى ، نعرض أوجه كثيرة من تسامح الإسلام مع شتى الديانات بمختلف أصنافها وتنوعها، ونعرض صوراً من هذا التسامح بمواقف مشرّفة من حياة نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي قال الله في حقه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وهو قدوة وأسوة المسلمين جميعاً, نسأل الله أن نكون قد وفقنا في جمع مادة هذا البحث, وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
منهج البحث
هذا الموضوع من الأهمية بمكان, وخصوصا في مثل هذا الزمان الذي كثر فيه الطاعنون في دين الإسلام, ومحاولة تشويه حقيقته المشرفة، وإقامة البراهين الدالة على سماحة الإسلام مع غيره من غير المسلمين كثيرة جداً, وهذه النصوص والمواقف والنماذج العملية كثيرة ومبثوثة في بطون الكتب والمراجع, وتحتاج إلى بحث واستقراء وتأمل في الأحاديث والنصوص, فرب كلمة في حديث طويل دلت على المراد، كما في قصة مقتل عمر بن الخطاب  لما طعن قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام( ). وعلى ذلك:
1- قمت باستقراء الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وكذلك الموطأ والدارمي ودلائل النبوة لأبي نعيم وللبيهقي، وكذلك "مستدرك" الحاكم.
2- بعد ذلك قمت باستقراء الكتب التي عنت بالزوائد على الكتب الستة كـ"المطالب العالية" لابن حجر، و"مجمع الزوائد" للهيثمي ،و"إتحاف الخيرة" للبوصيري، والزوائد على صحيح ابن حبان المسمى "موارد الظمآن".
3- كذلك قمت بالبحث والنظر في كتاب "المصنف" لابن أبي شيبة، و"المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني، وكتاب "المعجم" لابن المقريء، و"البداية والنهاية" لابن كثير, وموسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية، وكتب شيخنا الألباني رحمه الله، وغيرها، كذلك استفدت من الكمبيوتر في بحثي بواسطة أقراص الموسوعات الحديثية.
4- قمت بتخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها وتوثيقها وبيان درجتها من الصحة أو الضعف في الأغلب، وقد اعتمدت توثيق شيخنا الألباني رحمه الله في ذلك في الأغلب.
5- أبقيت الأحاديث المرسلة وبلاغات ابن إسحق المتعلقة بالسيرة النبوية، وقمت بحذف الأحاديث التي في رواتها متروك أو كذاب أو شديدة الضعف في الأغلب.
6- بلغ مجموع الأحاديث والآثار التي قمت بجمعها أكثر من (370) بين حديث مرفوع أو أثر لصحابي أو قول لتابعي.
7- إذا كان الحديث في "الصحيحين" أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليها , فإن لم يوجد في واحد منهما , ووجد في السنن الأربعة اكتفيت بالعزو إليها, فإن لم يوجد في الكتب الستة عزوت الحديث حسب مصدره.
8- قمت بترجمة لأهم الأعلام الواردين في البحث.
9- قمت بذكر بعض فوائد الأحاديث والآثار.
وقد رتبت البحث على النحو الآتي:
الباب الأول:
تمهيد
- بيان أن الإسلام حث على خلق الرحمة مع غير المسلمين.
- بيان أن الإسلام دين هداية.
- التسامح في الاعتقاد والعبادة.
- الوصية بأهل الذمة والإحسان إلى أهل العهد.
- حرمة دماء أهل الذمة والعهد والمستأمنين.
- حرمة أموالهم وأعراضهم.
- حرمة أذيتهم وظلمهم.
- الوفاء بالعهود والمواثيق.
- جواز الصدقة على أهل الذمة والعهد والأمان إذا كانوا فقراء.
- الحكم بين أهل الذمة.
- قبول شهادة غير المسلمين.
- قبول شفاعتهم في بعض الأحوال.
- حكم السلام على غير المسلم ومصافحته.
- الاستئذان على المشركين.
- جواز إكرامهم.
- حل ذبائح أهل الكتاب.
- معاملتهم في البيع والشراء والتجارة والإجارة وغيرها من المعاملات.
- أخذ العلوم عنهم وتعلم لغتهم.
- جواز استطباب غير المسلم.
- حق الجوار لغير المسلم.
- عيادة غير المسلمين.
- الدعاء لهم بالهداية ونحو ذلك.
- مخالطة غير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم.
- التهادي معهم وقبول هداياهم.
- صلة الرحم للمشرك القريب.
- موافقة أهل الكتاب.
- تعزية الذمي ودفنه.
- الإرث والوصية.
- الزواج من أهل الكتاب.
- الرواية والحديث عنهم.
- الإحسان إليهم.
- قبول دعوتهم.
- المن عليهم بالعتق.
- العفو عنهم.
- العدل.
- مظاهر التسامح في الجهاد.
- مظاهر التسامح في الجزية.
10- الباب الثاني: قمت بعد ذلك بذكر القواعد والضوابط الفقهية والآداب السلوكية المستنبطة من الأحاديث والآثار المذكورة في الباب الأول لسماحة الإسلام مع نماذج تطبيقية على حسب مارتبناه في الباب الأول.
11- قمت بعمل فهرس للأحاديث النبوية المرفوعة والأثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين , وفهرس عام .

الباب الأول
تمهيد:
الإسلام دين اليسر ورفع الحرج والمشقة؛ فلا عسر فيه ولا أغلال ولا آصار, وهذه ميزة للإسلام لا يشاركه فيها دين آخر, وقد كانت الأمم السابقة تكلف بتكاليف عسيرة, وفرض عليها فرائض شديدة, وذلك لكثرة عنادهم وشكوكهم، قال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175]، وقال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا [النساء:160]، وقال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].
وقال النبي : ((دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم يسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم))( ).
وقال النبي : ((إنما بعثت بحنيفية سمحة))( ).
ومن هذا المنطلق فقد شمل الإسلام بيسره ورفقه الناس حتى غير المسلمين؛ فتسامح معهم في كثير من القضايا والأحكام, ومنحهم كثيراً من الحقوق( ). وقد تجلى هذا التسامح في رحمة الإسلام الواسعة. فمن أسماء الله تعالى الحسنى الرحمن الرحيم, ومن صفاته الرأفة والرحمة، قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156].
قال الألوسي( ) رحمه الله في تفسير هذه الآية: " أي شأنها أنها واسعة تبلغ كل شيء، ما من مسلم ولا كافر، ولا مطيع ولا عاص، إلا وهو متقلب في الدنيا بنعمتي"( ).
وبين الله أنه أرسل محمداً  رحمة للخلق كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
فرحمة المسلمين لا تختص بهم فقط، بل هي شاملة لهم ولغيرهم من المخلوقات في الدنيا. فقد أمر  أمته برحمة كل من أوجده الله تعالى على هذه الأرض، من إنسان وحيوان.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قَال: قال رسول الله : ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))( ).
و(من) الموصولة في قوله: (ارحموا من في الأرض)، شاملة للإنسان مسلما أو كافراً، وللحيوان كذلك، وعلى هذا حمله العلماء.
قال الحافظ ابن حجر( ) رحمه الله: "قال ابن بطال( ): فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب..."( ).
ونفى الله تعالى رحمته عمن لم يرحم الناس، كما في حديث جرير بن عبد الله ، قَال: قال رسول الله : ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس))( ).
وهو نفي عام يدخل فيه كل الناس، والنفي هنا للوعيد والتحذير والتنفير من الغلظة والشدة والعدوان على الناس، ولا يلزم منه حرمان من فقد الرحمة الواجبة من رحمة الله له في الدنيا، بمنحه الرزق والصحة والقوة المادية والذرية وغيرها، سواء كان من المسلمين أو غيرهم، ابتلاء له وامتحانا، لأن رحمة الله في الدنيا تعم جميع خلقه.
ومن الأدلة على شمول رحمة الخلق أن الله جعل من يقوم على اليتامى، بالإنفاق والكفالة الشاملة التي يحتاجون إليها، شركاء لرسوله  في الجنة، كما في حديث سهل عن الرسول ، قال: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً))( ).
وبين في حديث أبي هريرة أنه يستوي في هذه المنزلة من كفل يتيماً من أقاربه أو من غيرهم، فقال رسول الله : ((كافل اليتيم - له أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى))( ).
وهو يشمل كذلك يتامى المسلمين وغيرهم، كما تدل عليه صيغة العموم، لأن "أل" في اليتيم للجنس.
وقد تعدت رحمة الإسلام حتى إلى الحيوان والطير، ومن أمثلة ذلك:
حديث أبي هريرة ، أن رسول الله  قال: ((بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقِيَ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر))( ).
وصح عنه  أنه أخبر أن الله غفر لامرأة بغي لسقيها كلباً اشتد عطشه. كما في حديث أبي هريرة: ((أن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها))( ).
وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله  في سفر فانطلق لحاجته؛ فرأينا حمّرة( ) معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش (أي ترفرف)، فجاء النبي  فقال: ((من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)), ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: ((من حرق هذه ؟)). قلنا: نحن. قال: ((إنه لاينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار))( ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ، قال: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض))( ).
فإذا كانت هذه الرأفة والرحمة والتسامح مع الحيوان والطير؛ فلا شك أن بني آدم أولى بهذه الرحمة والرأفة بمختلف ألوانهم وأجناسهم.
حث الإسلام على خلق الرحمة مع غير المسلمين
وهنا سرد للأحاديث التي فيها الحث على خلق الرحمة.
1- عن أبي هريرة  قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين! قال: ((إني لم أبعث لعاناً, وإنما بعثت رحمة))( ).
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأل أهل مكة رسول الله  أن يجعل لهم الصفا ذهباً, وأن ينحي عنهم الجبال فيزدرعوا. قال الله عز وجل: إن شئت آتيناهم ما سألوا؛ فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم, وإن شئت نستأني بهم لعلنا ننتج منهم. فقال: لا، بل أستأني بهم . فأنزل الله هذه الآية: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [الإسراء:59]( ).
3- وفي رواية صحيحة عند البيهقي في "دلائل النبوة" (2/272): وإن شئت أن أفتح لهم باب التوبة والرحمة؟ فقال رسول الله: ((لا بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة)).
4- عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي حدثته: أنها قالت للنبي : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: ((لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال؛ فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب؛ فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت؛ فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك, وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم! فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي : ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً))( ).
فوائد الأحاديث:
فيها بيان عظم الإسلام وسماحته، فقد رفض النبي  الدعاء على المشركين ورجا من الله أن يهديهم, وأن يستأني بهم, وأن يفتح لهم باب التوبة.
5- عن مسروق قال: قال عبد الله : إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصوا على النبي  دعا عليهم بسنين كسني يوسف ؛ فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد؛ فأنزل الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11]. قال: فأتي رسول الله  فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: لمضر؟ إنك لجريء. فاستسقى فسقوا. فنزلت: إِنَّكُمْ عَائِدُونَ[الدخان:15]. فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية؛ فأنزل الله عز وجل: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ [الدخان:16]. قال يعني يوم بدر( ).
فوائد الحديث:
في الحديث دليل على سماحة الإسلام ورأفته؛ فمع ما صنعه المشركون برسول الله  وبأصحابه؛ فهو يدعو لهم بالرزق والمعافاه.
6- عن أبي هريرة  قال: بعث النبي  خيلاً قبل نجد؛ فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد؛ فخرج إليه النبي  فقال: ((ما عندك يا ثمامة))؟. فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم, وإن تنعم تنعم على شاكر, وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتى كان الغد فقال: ((ما عندك يا ثمامة))؟. فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتى كان بعد الغد.فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك. فقال: ((أطلقوا ثمامة)). فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي, والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب دين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي, وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة؛ فماذا ترى؟ فبشره رسول الله  وأمره أن يعتمر؛ فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله , ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ( ).
7- زاد ابن هشام في "السيرة" بلاغاً (6/51): ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً؛ فكتبوا إلى رسول الله  إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا؛ فكتب رسول الله  إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل( ).
قال ابن حجر: وفي قصة ثمامة من الفوائد: ربط الكافر في المسجد والمن على الآسير الكافر, وتعظيم أمر العفو عن المسيء؛ لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي  إليه من العفو والمن بغير مقابل، وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب، وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير، اهـ. قلت: ومن فوائده أيضاً أنه دل على جواز تصدير الطعام إلى المشركين, وإن كانوا أهل حرب.
8- عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم)). قالوا: يا رسول الله كلنا يرحم قال: ((ليس برحمة أحدكم صاحبه يرحم الناس كافة))( ).
فوائد الحديث:
أن النبي  ندب إلى رحمة الناس كافة فيدخل فيهم المسلم والكافر والصغير والكبير والذكر والأنثى.
الإسلام دين هداية
حرص الإسلام على هداية الناس لإخراجهم من الضلالة إلى الهدى, وإنقاذهم من النار. ولذلك قال الله مرغباً أهل الكتاب بالإسلام: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:65-66].
فقد جاء الإسلام ليهدي الضالين ليتمكنوا بحججه وبيناته من التفريق بين الحق والباطل، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... [البقرة:185]. وقال تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [الإسراء:9].
وهو امتداد للهدى الذي منحه الله تعالى للبشرية من يوم خلق أصلها آدم ، وجعله معيارا يفرق به بين المهتدين والضالين، كما قال تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:39].
ومن الأحاديث التي تدل على حرص الإسلام على هداية الناس جميعاً وترغيبهم فيه:
9- عن أبي هريرة : قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي  فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها. فقيل: هلكت دوس. قال : اللهم اهد دوساً وأت بهم( ).
فوائد الحديث: جواز الدعاء للمشركين بالهداية , وقد فهم من ذلك الإمام البخاري وعليه فقد بوب باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم .
وقال الكرماني ( ): هم طلبوا الدعاء عليهم ورسول الله دعا لهم, وذلك من كمال خلقه العظيم, ورحمته على العالمين( ).
وبوب البخاري في "صحيحه": باب دعوة اليهود والنصارى وعلى مايقاتلون عليه وما كتب النبي  إلى كسرى وقيصر والدعوة قبل القتال.
وبوب كذلك باب دعاء النبي  إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وقوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ.. إلى آخر الآية/آل عمران (79).
10- ثم ذكر عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه أخبره: أن رسول الله  كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي ,وأمره رسول الله  أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر, وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكراً لما أبلاه الله؛ فلما جاء قيصر كتاب رسول الله  قال حين قرأه: التمسوا لي ها هنا أحدا من قومه لأسألهم عن رسول الله  ... الحديث( ).
وقد أخرج البخاري الحديث مطولاً:
11- عن عبد الله بن عباس: أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش, وكانوا تجاراً بالشأم في المدة التي كان رسول الله  ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسباً. فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه؛ فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل عن هذا الرجل؛ فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال : فهل يغدر؟ قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب؛ فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا. قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل, وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون, وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؛ فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف؛ فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم حتى أخلص إليـه لتجشمت لقاءه, ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله  الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيـه:
((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.
وكان ابن الناطور صاحب إيلياء، وهرقل أسقفاً على نصارى الشأم، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك.
قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله  فلما استخبره هرقل قال: أذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص فلم يروم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي  وأنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت؛ فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي. وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه. فكان ذلك آخر شأن هرقل( ).
قال النووي( ): في هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد منها: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم, وهذا الدعاء واجب والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام, وإن كانت بلغتهم فالدعاء مستحب هذا مذهبنا, وفيه خلاف للسلف.
ومنها: التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط, ولهذا قال النبي  إلى هرقل عظيم الروم؛ فلم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام, ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله  أو ولاه من أذن له رسول الله  بشرط, وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تنفذه الضرورة ولم يقل إلى هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم، أي الذي يعظمونه ويقدمونه وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]. وقال تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، وغير ذلك( ).
قلت: وفيه جواز مخاطبة أهل الشرك بلفظ فيه تعظيم وتبجيل لترغيبه بالإسلام كما قال النبي  عظيم الروم, وفيه إرسال السفراء والدعاة لنشر دين الإسلام.
وفيه أيضا شهادة غير المسلمين بفضائل هذا الدين ومحاسنه كما قال أبو سفيان وكان يومئذ مشركاً لما ذكر ما جاء به النبي : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم, ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
12- عن أنس  أن نبي الله  كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى, وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي  ( ).

قال النووي: وفي هذا الحديث جواز مكاتبة الكفار ودعاؤهم إلى الإسلام( ).
13- وأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن قتادة قال: سمعت أنسا  يقول: لما أراد النبي  أن يكتب إلى الروم قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا أن يكون مختوماً؛ فاتخذ خاتماً من فضة؛ فكأني أنظر إلى بياضه في يده ونقش فيه محمد رسول الله( ).
فوائد الحديث: فيه الأخذ بما تعارف عليه غير المسلمين في كتاباتهم ومراسيمهم.
14- عن أبي هريرة  قال: بينا نحن في المسجد خرج رسول الله  فقال: ((انطلقوا إلى يهود)). فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس، فقام النبي  فناداهم فقال: ((يا معشر يهود أسلموا تسلموا)). فقالوا: بلغت يا أبا القاسم. قال: فقال لهم رسول الله : ((ذلك أريد أسلموا تسلموا)). فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله : ((ذلك أريد))( ).
15- عن أبي هريرة  قال: قام رسول الله  حين أنزل الله عز وجل: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ. قال: يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً, ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً, ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً( ).
16- عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قال رسول الله : عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره؛ فصمت فجاءني جبريل  فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك بالنار. قال: فدعاني فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين؛ فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام, وأعد لنا عسل ولبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت؛ فاجتمعوا له يومئذ وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون؛ فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب الكافر الخبيث فقدمت إليهم تلك الجفنة؛ فأخذ رسول الله  منها حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها, وقال: كلوا بسم الله فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله : اسقهم يا علي. فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا منه جميعاً, وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله؛ فلما أراد رسول الله  أن يكلمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال: لهدّما - كلمة تعجب - سحركم صاحبكم فتفرقوا, ولم يكلمهم رسول الله ؛ فلما كان من الغد قال رسول الله : يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم. ففعلت ثم جمعتهم له فصنع رسول الله  كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا عنه ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا, وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها، ثم قال رسول الله : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل من ما جئتكم به إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة( ).
فوائد الحديثين:
حرص النبي  على دعوة قومه, وفيه أيضاً تلطف النبي  في دعوة قومه والإحسان إليهم.
17- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله  قال: ((اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب)). قال: وكان أحبهما إليه عمر( ).
فوائد الحديث: فيه جواز الدعاء للمشركين بالهداية.
18- عن أنس بن مالك  عن زيد بن ثابت  قال: نظر رسول الله  قبل اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم ثم نظر قبل الشام فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل العراق فقال: اللهم أقبل بقلوبهم, وبارك لنا في صاعنا ومدنا( ).
19- عن جابر  قال: قالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم! قال: ((اللهم اهد ثقيفا))( ).
فوائد الحديث: فيه دليل على سماحة الإسلام فقد رفض النبي  الدعاء على المشركين, وفيه أيضاً جواز الدعاء للمشركين بالهداية.
20- عن سهل بن سعد  قال: قال النبي  يوم خيبر: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)). فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى؛ فغدوا كلهم يرجونه فقال: ((أين علي))؟. فقيل: يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام, وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله رجلاً بك خير لك من أن يكون لك حمر النعم))( ).
قال ابن حجر في بيان فوائد الحديث: يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله( ).
21- عن أنس  أن النبي  كتب إلى بكر بن وائل: ((من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل أن أسلموا تسلموا)) قال: فما قرأه إلا رجل منهم من بني ضبيعة فهم يسمون بني الكاتب( ).
22- عن أبي بردة أنه سمع أباه عن النبي  قال: ((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ويؤدبها فيحسن أدبها ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران, ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمناً ثم آمن بالنبي  فله أجران, والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده))( ).
فوائد الحديث: فيه دليل على حرص الإسلام على هداية الناس وإنقاذهم من الضلالة إلى النور، وترغيب أهل الكتاب في الإسلام ببيان مضاعفة الأجر في إسلامهم.
23- وعن ابن عباس  أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله  فقرأ عليه القرآن؛ فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه. فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال:لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله. قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له. قال: وماذا أقول؛ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا, والله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: قف عني حتى أفكر فيه؛ فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر يأثره عن غيره؛ فنزلت: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا الآيات( ).
قال ابن كثير: وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلاً، وفيه أنه قرأ عليه: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]( ).
فوائد الحديث:
فيه التلطف في دعوة الآخرين وبيان محاسن دين الإسلام، فقد قرأ النبي  قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ. وفيه أيضا شهادة المشرك على محاسن الإسلام كما شهد بذلك الوليد بن المغيرة.
24- وعن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل قدم على رسول الله  المدينة بالعقيق؛ فأسلم وحسن إسلامه, وقال: يا رسول الله إني أحب أن تبعث إلى قومي تدعوهم إلى الإسلام, وأن تكتب لي كتاباً إلى قومي عسى الله أن يهديهم. فقال لمعاوية: اكتب له فكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى الأقيال من حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقة( ).
فوائد الحديث: حرص الإسلام على هداية غيرالمسلمين وإنقاذهم من الضلالة إلى الهدى.
25- عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله  فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة، قال رسول الله  لأبي طالب: ((يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)). فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؛ فلم يزل رسول الله  يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله : ((أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)). فأنزل الله تعالى فيه: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ .. الآية( ).
26- عن معاذ بن جبل  أن النبي  قال: ((يا معاذ لأن يهدي الله على يديك رجلاً من أهل الشرك خير لك من أن يكون لك حمر النعم))( ).
27- وعن عقبة بن عامر الجهني  قال: قال رسول الله : ((من أسلم على يديه رجل وجبت له الجنة))( ).
28- عن عبد الرحمن بن عائذ  قال: كان النبي  إذا بعث بعثاً قال: ((تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تقتلوا رجالهم وتأتوني بنسائهم))( ).
فوائد الحديث: فيه بيان حرص الإسلام على تأليف قلوب غير المسلمين, وأن الله أرسل محمداً  لهداية الناس, وأن القتل ليس مقصودا لذاته.
29- قال البيهقي في "الدلائل" (2/308): باب ما جاء في كتاب النبي  الى النجاشي، ثم روى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن ابن إسحاق قال: هذا كتاب من رسول الله  إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولداً, وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله؛ فإني أنا رسوله فأسلم تسلم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك.
هذا حديث مرسل.
30- عن الزهري عن عبد الله بن عبد القاريء أن رسول الله  بعث حاطب بن أبي بلتعه إلى المقوقس صاحب الإسكندرية؛ فمضى بكتاب رسول الله  إليه فقبل الكتاب وأكرم حاطباً وأحسن نزله وسرحه إلى النبي , وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحدهما أم ابراهيم وأما الأخرى فوهبها رسول الله  لمحمد بن قيس العبدي( ).
31- ثم روي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله  إلى المقوقس ملك الإسكندرية قال: فجئته بكتاب رسول الله  فأنزلني في منزله وأقمت عنده، ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته وقال: إني سائلك عن كلام فأحب أن تفهم عني. قال: قلت: هلم. قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت: بل هو رسول الله . قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟ قال: فقلت: عيسى ابن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى. قلت: فما له حيث أخذوه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله الى السماء الدنيا؟ فقال لي: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث بها معك الى محمد وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك إلى مأمنك.قال: فأهدى الى رسول الله  ثلاث جوار منهم أم إبراهيم ابن رسول الله , وواحدة وهبها رسول الله  لحسان بن ثابت الأنصاري, وأرسل إليه بطرف من طرفهم( ).
فوائد الحديث: فيه دعوة الغير إلى الإسلام والتلطف في الدعوة, وقبول هدية المشرك.
32- قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار قال: وكان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف أشد قريشاً؛ فخلا يوماً برسول الله  في بعض شعاب مكة فقال له رسول الله : ((يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟)). قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك. فقال له رسول الله : ((أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق؟)). قال: نعم. قال: ((فقم حتى أصارعك)). قال: فقام ركانة إليه فصارعه؛ فلما بطش به رسول الله  أضجعه لا يملك من نفسه شيئاً ثم قال: عد يا محمد. فعاد فصرعه فقال: يا محمد والله إن هذا للعجب أتصرعني! قال: ((وأعجب من ذلك إن شئت أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري)). قال: وما هو؟ قال: ((أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني)). قال: فادعها. فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله فقال لها: ((ارجعي إلى مكانك)). فرجعت إلى مكانها قال: فذهب ركانة الى قومه فقال: يا بني عبد مناف ساحروا صاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت أسحر منه قط ثم أخبرهم بالذي رأى, والذي صنع( ).
33- وقد روى أبو داود والترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد ابن ركانة عن أبيه: أن ركانة صارع النبي  فصرعه النبي  ثم قال الترمذي: غريب ولا نعرف أبا الحسن ولا ابن ركانة( ).
34- قال ابن إسحاق: وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر, وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر على بئر يقال له بئر مرق فجلسا في الحائط, واجتمع إليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه؛ فلما سمعا به قال سعد لأسيد: لا أبا لك! انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أن يأتيا دارينا؛ فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدماً. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ؛ فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال: فوقف عليهما متشتماً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. وقال موسى بن عقبة: فقال له غلام: أتيتنا في دارنا بهذا الرعيد الغريب الطريد ليتسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه.
قال ابن إسحاق: فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته, وإن كرهته كف عنك ما تكره. قال: أنصفت. قال: ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام, وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله. ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي. فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكمالم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن؛ سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم؛ فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً, وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك. قال: فقام سعد بن معاذ مغضباً مبادراً مخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً ثم خرج إليهما سعد؛ فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتماً ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني أتغشانا في دارنا بما نكره. قال: وقد قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان. قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً رغبت فيه قبلته, وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره. قال سعد: أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن. وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول الزخرف قال: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين. قال: فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عائداً إلى نادي قومه ومعه أسيد بن الحضير فلما رآه قومه مقبلاً قالوا :نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة؟ قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة, ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون( ).
فوائد الحديث: أن اللين في دعوة الآخرين سبب عظيم لهداية الناس, وفيه أيضاً حسن المعاملة مع المشرك والتلطف به.
35- عن أبي هريرة  عن رسول الله  قال: ((الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))( ).
فوائد الحديث: ترغيب أهل الشرف من غير المسلمين بالإسلام.
قال النووي رحمه الله: ومعناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس( ).
وقال ابن حجر رحمه الله: قوله: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)، وجه التشبيه أن المعدن لما كان إذا استخرج ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته؛ فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفاً في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس؛ فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية( ).
36- عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده: أن النبي  بعثه ومعاذا إلى اليمن فقال: ((يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا))( ).
فوائد الحديث: التيسير واللين واللطف في الدعوة إلى الله.
37- عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لما كنا بالشام أتيت عمر بن الخطاب  بماء فتوضأ منه. فقال: من أين جئت بهذا الماء ما رأيت ماء عذباً ولا ماء سماء أطيب منه؟ قال: قلت: جئت به من بيت هذه العجوز النصرانية؛ فلما توضأ أتاها فقال: أيتها العجوز أسلمي تسلمي، بعث الله محمداً  بالحق. قال: فكشفت رأسها فإذا مثل الثغامة فقالت: عجوز كبيرة, وإنما أموت الآن. فقال عمر : اللهم اشهد( ).
38- عن عدي بن حاتم قال: بعث النبي  فكرهته أشد ما كرهت شيئاً قط؛ فانطلقت حتى أنزل أقصى أهل العرب مما يلي الروم؛ فكرهت مكاني أشد مما كرهت مكاني الأول فقلت: لآتين هذا الرجل؛ فإن كان كاذباً لا يضرني, وإن كان صادقاً لا يخفى علي فقدمت المدينة؛ فاستشرفني الناس وقالوا: جاء عدي بن حاتم. فقال النبي : ((يا عدي بن حاتم أسلم تسلم)). قلت: إني من أهل دين. قال: ((أنا أعلم بدينك منك)). قال: قلت: أنت أعلم بديني مني؟ قال: ((نعم، أنا أعلم بدينك منك)). قلت: أنت أعلم بديني مني! قال: ((نعم)). قال: ((ألست ركوسياً؟)). قلت: بلى. قال: ((أولست ترأس قومك؟)). قلت: بلى. قال: ((أولست تأخذ المرباع؟)). قلت: بلى. قال: ((ذلك لا يحل لك في دينك)). قال: فتواضعت من نفسي. قال: ((يا عدي بن حاتم أسلم تسلم؛ فإني ما أظن أو أحسب أنه يمنعك من أن تسلم إلا خصاصة من ترى حولي, وإنك ترى الناس علينا إلبا واحداً ويداً واحدة؛ فهل أتيت الحيرة؟)) قلت: لا. وقد علمت مكانها. قال: ((يوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار, ولتفتحن عليكم كنوز كسرى بن هرمز، قالها ثلاثا، يوشك أن يهم الرجل من يقبل صدقته))؛ فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت بغير جوار, ولقد كنت في أول خيل أغارت على المدائن، ولتجيء الثالثة إنه لقول رسول الله  قاله لي( ).
الركوسية: هم قوم لهم دين بين النصارى والصابئين.
والمرباع : ربع الغنيمة كان رئيس القوم يأخذه لنفسه في الجاهلية.
فوائد الحديث: وفيه دليل على سماحة الإسلام في دعوة الغير إلى الإسلام باللين واللطف.
39- عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله  لأسقف نجران: ((يا أبا الحارث أسلم)). فقال: إني مسلم قال: ((يا أبا الحارث أسلم)). قال: قد أسلمت قبلك. قال نبي الله : ((كذبت منعك من الإسلام ثلاثة: ادعاؤك لله ولداً وأكلك الخنزير وشربك الخمر))( ).
40- عن يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده قال يونس: وكان نصرانياً فأسلم، أن رسول الله  كتب إلى نجران قبل أن ينزل عليه طس ..: ((باسم إله ابراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران ..، فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد: فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد؛ فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم آذنتكم بحرب والسلام)). فلما أتى الأسقف الكتاب فقرأه قطع به وذعر به ذعراً شديداً, وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة, وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب، فدفع الأسقف كتاب رسول الله  إلى شرحبيل فقرأه. فقال الأسقف: يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما تؤمن أن يكون هو ذاك الرجل ليس لي في النبوة رأي, ولو كان أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأى وجهدت لك. فقال له الأسقف: تنح فاجلس فتنحى شرحبيل فجلس ناحيته، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فأقرأه الكتاب, وسأله عن الرأي فقال له مثل قول شرحبيل. فقال له الأسقف: تنح فاجلس. فتنحى فجلس ناحيته. وبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله فأمره الأسقف فتنحى فجلس ناحيته؛ فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً أمر الأسقف بالناقوس فضرب به, ورفعت النيران المسموح في الصوامع, وكذلك كانوا يفعلوا إذا فزعوا بالنهار وإذا كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع؛ فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله  وسألهم عن الرأي فيه؛ فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي، فيأتوهم بخبر رسول الله . قال: فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللاً لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله  فسلموا؛ فلم يرد عليهم السلام, وتصدوا لكلامه نهاراً طويلاً؛ فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب؛ فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانوا يعرفونهما فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكما، أترون أن نرجع. فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان ولعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إليه ففعلوا فسلموا فرد سلامهم، ثم قال: والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم ثم ساءلهم وسائلوه؛ فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا ما تقول في عيسى؛ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى ليسرنا إن كنت نبياً أن نسمع ما تقول فيه فقال رسول الله : ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى، فأصبح الغد وقد أنزل الله عز وجل هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:59-61]، فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله  الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة, وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه: قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفلهلم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي، وإني والله أرى أمراً ثقيلا, والله لئن كان هذا الرجل ملكاً متقوياً فكنا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بحائجة وإنا أدنى العرب منهم جواراً, ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه لا يبقى على وجه الارض منا شعر ولا ظفر إلا هلك. فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً. فقالا له: أنت وذاك. قال: فتلقى شرحبيل رسول الله  فقال: إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك. فقال: ((وما هو؟)). فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فما حكمك فينا فهو جائز. فقال رسول الله : لعل وراءك أحد يثرب عليك؟ فقال شرحبيل: سل صاحبي فقالا: ما يرد الوادي ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل. فرجع رسول الله  فلم يلاعنهم حتى إذا كان الغد أتوه, فكتب لهم هذا الكتاب: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي الأمي رسول الله لنجران أن كان عليهم حكمه في كل ثمرة وكل صفراء وبيضاء ورقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر الف حلة وذكر تمام الشروط))( ).
فوائد الحديث: دعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام دليل على سماحته, لإنقاذهم من النار, وجواز دخول المشرك المسجد.
41- وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما كان يوم الفتح قال رسول الله  لأبي قحافة: ((أسلم تسلم))( ).
42- وعن أنس أن النبي  قال لرجل: ((أسلم تسلم)). قال: إني أجدني كارهاً. قال: ((أسلم وإن كنت كارها))( ).
43- وعن المسور بن مخرمة قال: خرج رسول الله  على أصحابه فقال: ((إن الله بعثني رحمة للناس كافة؛ فأدوا عني رحمكم الله ولا تختلفوا كما اختلف الحواريون على عيسى عليه السلام؛ فإنه دعاهم إلى مثل ما أدعوكم إليه فأما من قرب مكانه فإنه أجاب وسلم, وأما من بعد مكانه فكرهها فشكا عيسى بن مريم ذلك إلى الله عز وجل فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بكلام القوم الذين وجه إليهم فقال لهم عيسى: هذا أمر قد عزم الله لكم عليه فافعلوا)). فقال أصحاب رسول الله : نحن يا رسول الله نؤدي إليك فابعثنا حيث شئت. فبعث رسول الله  عبد الله بن حذافة إلى كسرى, وبعث سليط بن عمرو إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة, وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى صاحب هجر, وبعث عمرو بن العاص إلى جيفر وعباد ابني جلندا ملكي عمان, وبعث دحية الكلبي إلى قيصر, وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني, وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي؛ فرجعوا جميعا قبل وفاة رسول الله  غير العلاء بن الحضرمي؛ فإن رسول الله  توفي وهو بالبحرين( ).
فوائد الحديث: فيه دعوة غير المسلمين لإنقاذهم من الضلالة إلى الهدى.
التسامح في الاعتقاد والعبادة
44- جاء في كتاب النبي  لأهل نجران: ((ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأرضهم وملتهم وغايبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته))( ).
45- ولما حان وقت صلاة وفد نصارى نجران قاموا يصلون في مسجد النبي ؛ فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله : دعوهم. فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم( ).
وفي هذا يقول ابن القيم( ): جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين. وفيها: تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفى مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً, ولا يمكنون من اعتياد ذلك( ).
46- وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أهل إيلياء - بيت المقدس -: هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم( ).
قال ابن القيم: وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها؛ فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها, ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها.
47- ولما فتح خالد بن الوليد  الشام صالح الروم جاء في هذا الصلح: على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة, وعلى أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات, وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم( ).
48- عن مجمع بن عتاب بن شمير عن أبيه قال: قلت للنبي : يا رسول الله، إن لي أباً شيخاً كبيراً وإخوة فأذهب إليهم لعلهم أن يسلموا فآتيك بهم؟ قال: ((إن هم أسلموا فهو خير لهم وإن أقاموا فالإسلام واسع أو عريض))( ).
فوائد الحديث: عدم إكراه غير المسلمين للدخول في الإسلام.
الوصية بأهل الذمة والإحسان إلى أهل العهد
لم يخل قط المجتمع الإسلامي من غير المسلمين وخصوصا أهل الكتاب, وقد خص الإسلام أهل الكتاب بخصائص, ومن أعظمها الوصاة بهم وعدم التعرض لهم بالأذى أو الظلم.
وإليك النصوص التي فيها حث على الوصاة بأهل الكتاب وعدم التعرض لهم:
49- عن أبي جمرة قال سمعت جويرية بن قدامة التميمي قال: سمعت عمر بن الخطاب : قلنا أوصنا يا أمير المؤمنين. قال: أوصيكم بذمة الله فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم( ).
50- عن عمرو بن ميمون الأودي قال: رأيت عمر بن الخطاب  - لما طعن - قال: يا عبد الله بن عمر اذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقل يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام ثم سلها أن أدفن مع صاحبي؟ قالت: كنت أريده لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي؛ فلما أقبل قال له ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين قال: ما كان شيء أهم إليّ من ذلك المضجع؛ فإذا قبضت فاحملوني ثم سلموا ثم قل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين. أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيراً أن يعرف لهم حقهم, وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوؤوا الدار والإيمان أن يقبل من محسنهم ويعفى عن مسيئهم, وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله  أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من وراءهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم( ).
فوائد الحديث: الحض على الوفاء بالعهد والإحسان إلى أهل الذمة( ).
51- وفي الحديث أن عمر بن الخطاب قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام( ).
فوائد الحديث: وفيه الإحسان إلى أهل العهد والذمة، فهذا عمر قد أحسن إلى أبي لؤلؤة المجوسي وهو مجوسي من غير أهل الكتاب, وأمر مولاه المغيرة أن يرفق به.
وصية النبي  بالقبط
52- عن أبي ذر  قال: قال رسول الله : ((إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحماً أو قال ذمة وصهراً؛ فإذا رأيت رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها. قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فخرجت منها))( ).
قال النووي:
أما الذمة فهي الحرمة والحق وهي هنا بمعنى الذمام, وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم ابراهيم منهم( ).
53- عن عامر بن عبد الله اليحصبي : أن رجلاً جاءه بمخلاة فيها حشيش أو تبن أخذها من بعض أهل الذمة فقال رسول الله  للرجل: ((ما هذا؟)) قال: أخذته وليس بشيء. قال: ((أخفرت ذمتي أخفرت ذمتي أخفرت ذمة رسول الله )). قال: فذهب الرجل فأعطاها صاحبها ثم أتى رسول الله  فأخبره، فقال رسول الله : ((ألم تحتج إلى ما أخذت منه؟)) قال: بلى. قال: ((فهو إلى الذي له أحوج))( ).
54- عن علي  قال: كان آخر كلام رسول الله : ((الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))( ).
55- عن المعرور بن سويد قال: مررنا بأبي ذر بالربذة وعليه برد وعلى غلامه مثله. فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حلة! فقال: إنه كان بيني وبين الرجل من إخوتي كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه؛ فشكاني إلى النبي ، فلقيت النبي  فقال: ((يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية)). قلت: يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه. قال: ((يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديهم؛ فأطعموهم مما تأكلون, وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم فأعينوهم))( ).
56- عن أبي ذر  قال: قال رسول الله : ((من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تلبسون, ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله))( ).
57- عن العباس بن جليد الحجري قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: جاء رجل إلى النبي  فقال: يارسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت. ثم أعاد عليه الكلام فصمت؛ فلما كان في الثالثة قال: ((اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة))( ).
58- عن أبي أمامة  عن النبي  قال: ((الله الله فيما ملكت أيمانكم أشبعوا بطونهم واكسوا ظهورهم وألينوا لهم القول))( ).
59- وعن يزيد بن جارية أن النبي  قال في حجة الوداع: ((أرقاءكم أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون؛ فإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم))( ).
60- وعن رجل من أصحاب النبي  قال: قال رسول الله : ((إخوانكم فأصلحوا إليهم واستعينوهم على ما غلبوا وأعينوهم على ما عليهم))( ).
61- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  في العبيد: ((إن أحسنوا فاقبلوا, وإن أساؤوا فاعفوا, وإن غلبوكم فبيعوا))( ).
فوائد الأحاديث: فيه حث النبي  على الإحسان إلى المماليك وهم في الأغلب من غير المسلمين وحرمة أذيتهم, وفيها الحث على كفايتهم وسد حاجاتهم.
حرمة دماء أهل الذمة والعهد والمستأمنين
62- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: عن النبي  قال: ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً))( ).
63- عن أبي بكرة  قال: قال رسول الله : ((من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة))( ).
وفي رواية عن أبي بكرة قال: قال رسول الله : ((من قتل نفساً معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها))( ).
64- عن أبي هريرة : عن النبي : ((ألا من قتل نفساً معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفاً))( ).
65- عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي  فقال: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة. فقال: فيها الجراحات وأسنان الإبل, والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل, ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك وذمة المسلمين واحدة؛ فمن أخفر مسلماً فعليه مثل ذلك( ).
قال ابن حجر: (قوله ذمة المسلمين واحدة): أي امانهم صحيح؛ فإذا أمن الكافر واحد منهم حرم على غيره التعرض له, وللأمان شروط معروفة. وقوله (يسعى بها): أي يتولاها ويذهب ويجيء؛ والمعنى أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع؛ فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمة لم يكن لأحد نقضه فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة( ).
66- عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : ((من قتل قتيلا من أهل الذمةلم يجد ريح الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً))( ).
67- عن القاسم بن مخيمرة عن رجل من أصحاب النبي  أن رسول الله  قال: ((من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً))( ).
68- عن قرة بن دعموص قال: ألفينا النبي  في حجة الوداع فقلنا: يا رسول الله ما تعهد إلينا؟ قـال: ((أعهد إليكم أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتحجوا البيت الحرام و تصوموا رمضان؛ فإن فيه ليلة خير من ألف شهر, و تحرموا دم المسلم وماله و المعاهد إلا بحقه وتعتصموا بالله والطاعة))( ).
69- عن رجل عن النبي  أنه قال: ((سيكون قوم لهم عهد؛ فمن قتل رجلاً منهم لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً))( ).
70- وعن جندب قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يخفر ذمتي كنت خصمه ومن خاصمته خصمته))( ).
71- وعن أبي أمامة  عن رسول الله  قال: ((لا عدوى ولا صفر ولا هام ولا يتم شهران, ومن أخفر بذمة لم يرح رائحة الجنة))( ).
72- عن أبي سعد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي  ودى العامريين بدية المسلم, وكان لهما عهد من رسول الله  ( ).
73- عن أبي الجنوب الأسدي قال: أتى علي بن أبي طالب  برجل من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة. قال: فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال: إني قد عفوت عنه. قال: فلعلهم هددوك أو فرقوك أو فزعوك؟ قال: لا ولكن قتله لا يرد عليّ أخي وعوضوني فرضيت. قال: أنت أعلم من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا( ).
74- عن عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي  قتل مسلماً بمعاهد وقال: ((أنا أولى من وفى بذمته))( ).
75- عن ابن شهاب: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني إذا كانا معاهدين دية الحر المسلم( ).
76- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي  قال: ((دية المعاهد نصف دية الحر))( ).
واختلف أهل العلم في دية اليهودي والنصراني؛ فذهب بعض أهل العلم في دية اليهودي والنصراني إلى ما روي عن النبي . وقال عمر بن عبد العزيز: دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم, وبهذا يقول أحمد بن حنبل.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم, وبهذا يقول مالك بن أنس و الشافعي و إسحق, وقال بعض أهل العلم: دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم, وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة.
77- عن سفيان بن حسين عن الزهري: أن ابن شاس الجذامي قتل رجلاً من أنباط الشام فرفع إلى عثمان بن عفان ؛ فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله ؛ فنهوه عن قتله. قال: فجعل ديته ألف دينار.
78- وبه عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: دية كل معاهد في عهده ألف دينار( ).
79- عن رباح بن عبيد الله قال أخبرني حميد الطويل: أنه سمع أنسا يحدث أن رجلاً يهودياً قُتل غيلة؛ فقضى فيه عمر بن الخطاب باثني عشر ألف درهم( ).
80- أن عمر بن الخطاب  أتى برجل من أصحابه, وقد جرح رجلاً من أهل الذمة؛ فأراد أن يقيده. فقال المسلمون: ما ينبغي هذا. فقال عمر : إذا نضعّف عليه العقل فأضعفه( ).
والشاهد من الأحاديث أن لدم المعاهد والذمي اعتباراً في ديننا، فمن قتل ذمياً أو مستأمناً خطأ أو عمدا فعليه الدية مع بيان حرمة التعرض لدمائهم.
81- عن جابر قال: كنا لا نقتل تجار المشركين على عهد رسول الله ( ).
حرمة أموالهم وأعراضهم
82- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي  ثلاثين ومائة فقال النبي : ((هل مع أحد منكم طعام)). فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها. فقال النبي : ((بيعاً أم عطية أو قال أم هبة؟)). قال: لا بل بيع فاشترى منه شاة فصنعت, وأمر النبي  بسواد البطن أن يشوى, وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز النبي  له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاها إياه وإن كان غائباً خبأ له؛ فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال( ).
قوله: رجل مشعان، أي منتفش الشعر و في الأصل مشعان أي طويل جداً فوق الطويل.
فوائد الحديث: أن الإسلام لم يحل مال الكافر إلا بطيب نفس منه كما فعل النبي  في هذا الحديث فاشترى منه.
83- عن العرباض بن سارية السلمي قال: نزلنا مع النبي  خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً (المارد العاتي) منكرا؛ فأقبل إلى النبي  فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب يعني النبي  وقال: ((يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد ألا إن الجنة لاتحل إلا لمؤمن, وأن اجتمعوا للصلاة)). قال: فاجتمعوا ثم صلى بهم النبي  ثم قام فقال: ((أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر, وإن الله تعالى لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن, ولاضرب نسائهم, ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم))( ).
فوائد الحديث: حرمة التعرض لأموال أهل الذمة والعهد وأعراضهم.
84- عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله  عن آبائهم دنية (دنية بكسر الدال وسكون النون وفتح الياء معناه لاصقو النسب متصلو النسب)، عن رسول الله  قال: ((ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس ؛فأنا حجيجه (أي أنا الذي أخاصمه وأحاجه) يوم القيامة))( ).
فوائد الحديث: حرمة ظلم أهل الذمة والعهد.
85- عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله  أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لايوشك رجل شبعان على أريكته (السرير) يقول عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه, وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع, ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها))( ).
فوائد الحديث: إذا كان الله حرم لقطة المعاهد فمن باب أولى دمه وعرضه وماله.
86- عن ابن أبي رواد: أن جيشاً مروا بزرع رجل من أهل الذمة فأرسلوا فيه دوابهم وحبس رجل منهم دابته, وجعل يتبع بها المرعى ويمنعها من الزرع؛ فجاء الذمي صاحب الزرع إلى الذي حبس دابته فقال: كفانيك الله - أو قال كفاني الله بك - فلولا أنت كفيت هؤلاء, ولكن إنما يدفع عن هؤلاء بك( ).
فوائد الحديث: أن التعرض لأهل الذمة والعهد سبب لعقاب الله وسخطه.
87- عن رجل من جهينة قال: قال رسول الله : ((لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم؛ فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك؛ فإنه لا يصلح لكم)). قال: فصحبت الجهني إلى أرض الروم؛ فما رأيت رجلاً أتقى للأرض أن يصيب منها شيئاً منه( ).
88- عن خالد بن الوليد  قال: غزوت مع رسول الله  خيبر فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله : ((ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها, وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير))( ).
89- عن أبي هريرة  قال: سمعت أبا القاسم  يقول: ((من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال))( ).
عن الزهري قال: إذا قذف اليهودي والنصراني عزر قاذفه( ).
90- عن عكرمة قال: لو أوتيت برجل قذف يهودياً أو نصرانياً وأنا وال لضربته( ).
91- عن عمار بن ياسر  قال: قال رسول الله : ((من ضرب مملوكه ظلماً أقيد منه يوم القيامة))( ).
فوائد الأحاديث: حرمة التعرض للمماليك وهم في الأغلب من غير المسلمين بأذى أو ظلم أو انتقاص حق.
حرمة أذيتهم وظلمهم
92-عن عروة بن الزبير: أن هشام بن حكيم رأى ناساً من أهل الذمة قياماً في الشمس فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: من أهل الجزية، فدخل على عمير بن سعد, وكان على طائفة الشام فقال هشام: سمعت رسول الله  يقول: ((من عذب الناس في الدنيا عذبه الله تبارك وتعالى)). فقال عمير: خلوا عنهم( ).
فوائد الحديث: أنكر الصحابي ظلم أهل الكتاب أو تحميلهم فوق طاقتهم, وفيه أيضاً فضل السلف وسرعة استجابتهم للنصيحة.
93- عن أبي بشر قال: سمعت سعيد بن جبير عن أبي موسى عن النبي  قال: ((من سمع يهودياً أو نصرانياً دخل النار))( ).
94- عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله : ((اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب))( ).
فوائد الحديث: أن ظلم الكافر لا يجوز وأن المسلم عليه أن يحذر من ظلمهم لأن الله يستجيب للمظلوم, وإن كان كافراً ومشركاً.
95- عن أبي هريرة  قال: بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئاً كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار؛ فقام فلطم وجهه وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي  بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً؛ فما بال فلان لطم وجهي فقال: ((لم لطمت وجهه)). فذكره، فغضب النبي  حتى رئي في وجهه ثم قال: ((لا تفضلوا بين أنبياء الله؛ فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى؛ فأكون أول من بعث؛ فإذا موسى آخذ بالعرش؛ فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي, ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى))( ).
فوائد الحديث: فيه بيان عدل الإسلام وأن اليهودي رفع مظلمته إلى النبي , وأنه قام عندهم أن أهل العهد والذمة لا يجوز التعرض لهم، ولذلك قال للنبي  إن لي عهداً وذمة.
الوفاء بالعهود والمواثيق
96- عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي  قال: ((شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه))( ).
قال ابن حجر: وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس ونحو ذلك من خلال الخير واستمر ذلك بعد المبعث, ويستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام, وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم( ).
قلت: فهذا العهد في الجاهلية حرص النبي  على الوفاء به؛ فلا شك أن العهود في الإسلام أولى بالحرص على الوفاء بها.
97- وحديث جبير بن مطعم هو ما رواه مسلم (2530) عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله : ((لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهليةلم يزده الإسلام إلا شدة)).
98- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : ((أوفوا الحلفاء عهودهم التي عقدت أيمانكم))( ).
99- حذيفة بن اليمان  قال: ما منعنى أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده ما نريد إلا المدينة؛ فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة, ولا نقاتل معه؛ فأتينا رسول الله  فأخبرناه الخبر. فقال: ((انصرفا نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم))( ).
فوائد الحديث: وفيه أن النبي  أمر بوفاء العهد للمشركين مع أنهم من أهل الحرب.
100- عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله  زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق قال النبي : ((إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين)). فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش وسار النبي  حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته. فقال الناس: حل حل فألحت فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء، فقال النبي : ((ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل)). ثم قال: ((والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)). ثم زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً؛ فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله  العطش فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه؛ فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة, وكانوا عيبة نصح رسول الله  من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله : ((إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم؛ فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس؛ فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا, وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره)). فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشاً قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء, وقال ذوو الرأي منهم: هات! ما سمعته يقول قال: سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي ، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم أولست بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولستم بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي  . فقال النبي  نحواً من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك, وإن تكن الأخرى؛ فإني والله لأرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص ببظر اللات أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي ، فكلما تكلم أخذ بلحيته, والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي  ومعه السيف وعليه المغفر؛ فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ، ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله  فرفع عروة رأسه فقال: من هذا ؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك, وكان المغيرة صحب قوماً فـي الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم. فقال النبي : ((أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء)). ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي  بعينه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله  نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه, وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده, وما يحدون إليه النظر تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد  محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره, وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه, وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له, وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه فقالوا ائته؛ فلما أشرف على النبي  وأصحابه قال رسول الله : ((هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له)). فبعثت له واستقبله الناس يلبون؛ فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت؛ فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي : ((هذا مكرز وهو رجل فاجر)). فجعل يكلم النبي ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.
قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي : ((لقد سهل لكم من أمركم)). قال: معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبي  الكاتب، فقال النبي : ((بسم الله الرحمن الرحيم)). قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي : ((اكتب باسمك اللهم)). ثم قال: ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)). فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال النبي : ((والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله)). قال الزهري: وذلك لقوله: ((لا يسألونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)). فقال له النبي : ((على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به)). فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين, وقد جاء مسلماً. فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده, وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليّ. فقال النبي : ((إنا لم نقض الكتاب بعد)). قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبي : ((فأجزه لي)). قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: ((بلى فافعل)). قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله. قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله  فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: ((بلى)). قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: ((بلى)). قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: ((إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري)). قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: ((بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام))؟. قال: قلت: لا. قال: ((فإنك آتيه ومطوف به)). قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله  وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق؟ قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به. قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله  لأصحابه: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا)). قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يانبي الله أتحب ذلك، أخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه؛ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل غماً ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ – حتى بلغ - بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ). فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع النبي  إلى المدينة؛ فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى إذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير: لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله  حين رآه: ((لقد رأى هذا ذعرا)). فلما انتهى إلى النبي  قال: قُتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم. قال النبي : ((ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد)). فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة؛ فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم؛ فأرسلت قريش إلى النبي  تناشده بالله والرحم لما أرسل؛ فمن آتاه فهو آمن فأرسل النبي  إليهم فأنزل الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ - حتى بلغ - الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ). وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت.
قال أبو عبد الله: معرة: العر الجرب. تزيلوا: تميزوا. حميت القوم منعتهم حماية وأحميت الحمى جعلته حمى لا يدخل( ).
القترة: الغبار الأسود. ثنية المرار: مهبط الحديبية وهي طريق في الجبل تشرف على الحديبية. خلأت القصواء: الخلاء للإبل كالحران للخيل. قوله: على ثمد: أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل. يتبرضه الناس: هو الأخذ قليلاً قليلاً. وكانوا عيبة نصح: العيبة ما توضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة. ومعهم العوذ المطافيل: العوذ جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال, والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام, قوله حتى تنفرد سالفتي: السالفة صفحة العنق( ).
فوائد الحديث: في قول النبي  للمغيرة: (أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء): تحريم الغدر ولو كان مع المشركين والمحاربين.
(1) وسيأتي تمام الحديث عن فوائده. وفي رواية عند أبي داود (2766) باب في صلح العدو، وإسنادها صحيح:
101- عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال.
العيبة هنا مثل ضربه والمكفوفة المشرجة المشدودة، والإسلال من السلة وهي السرقة. والإغلال: الخيانة. أغل الرجل إذا خان.
الشروط العمرية
102- عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب  حين صالح نصارى أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب.
قال ابن القيم: وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها؛ فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها.
وقال ابن القيم رحمه الله: ذكر أبو القاسم الطبري من حديث أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا عبيد بن جناد حدثنا عطاء بن مسلم الحلبي عن صالح المرادي عن عبد خير قال: رأيت علياً صلى العصر فصف له أهل نجران صفين؛ فناوله رجل منهم كتاباً فلما رآه دمعت عينه ثم رفع رأسه إليهم قال: يا أهل نجران هذا والله خطي بيدي وإملاء رسول الله  فقالوا: يا أمير المؤمنين أعطنا ما فيه. قال: ودنوت منه فقلت: إن كان راداً على عمر يوماً؛ فاليوم يرد عليه. فقال: لست براد على عمر شيئاً صنعه، إن عمر كان رشيد الأمر, وإن عمر أخذ منكم خيراً مما أعطاكم، ولم يجر عمر ما أخذ منكم إلى نفسه إنما جره لجماعة المسلمين.
وذكر ابن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن علياً  قال لأهل نجران: إن عمر كان رشيد الأمر ولن أغير شيئاً صنعه عمر.
وقال الشعبي: قال علي حين قدم الكوفة: ما جئت لأحل عقدة شدها عمر( ).
فوائد الحديث: فيه حرص الأئمة والخلفاء على احترام العهود والمواثيق والوفاء بها كما في هذه الآثار.
103-عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون (البرذون ضرب من الدواب) وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر؛ فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله  يقول: ((من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها (الأمد الغاية) أو ينبذ إليهم على سواء, فرجع معاوية))( ).
104- عن سعد بن أبي وقاص  قال: لما قدم النبي  المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك نزلت بين أظهرنا؛ فأوثق لنا حتى نأمنك وتأمنا قال: فأوثق لهم ولم يسلموا( ).
105-عن سراقة  قال: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فجعلت لا أمر على مقنب من مقانب الأنصار إلا قرعوا رأسي وقالوا: إليك إليك فلما انتهيت إليه رفعت الكتاب وقلت: أنا يا رسول الله. قال: وقد كان كتب لي أماناً في رقعة، فقال النبي : نعم اليوم يوم وفاء وبر وصدق( ).
106- عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله  فقال: ((يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً منء غيرهم فأخذوا بعض مافي بأيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم))( ).
فوائد الحديث: أن نقض العهود والمواثيق سبب من الأسباب التي يعذب الله بها العباد.
107- عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه نعيم قال: سمعت رسول الله  يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: ((ما تقولان أنتما؟)). قالا: نقول: كما قال. قال: ((أما والله لولا أن الرسل لاتقتل لضربت أعناقكما))( ).
فوائد الحديث: أن الرسل والسفراء ومن هو على شاكلتهم لا يجوز التعرض لهم. 108- عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حنة (الضغن) وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم، غير ابن النواحة قال له سمعت رسول الله  يقول: ((لولا أنك رسول لضربت عنقك))، فأنت اليوم لست برسول؛ فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلاً بالسوق( ).
109-عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار؛ فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي نسأله عن قتله حمزة؟ قلت: نعم, وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. قال: فجئنا حتى وقفنا عليه يسيراً فسلمنا فرد السلام قال: عبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلاماً بمكة فكنت أسترضع له؛ فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلك - أني نظرت إلى قدميك قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر. قال: فلما أن خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال؛ فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع با ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله ؟ قال: ثم أشد عليه فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة؛ فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال؛ فكان ذاك العهد به؛ فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله  رسولاً فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل قال؛ فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله  فلما رآني قال: ((آنت وحشي))؟. قلت :نعم قال: ((أنت قتلت حمزة)). قلت: قد كان من الأمر ما بلغك قال: ((فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني)). قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله  فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله ابن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود( ).
مقطعة البظور: هي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان. قال ابن إسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء، والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم( ).
فوائد الحديث: أن النبي  كان لا يتعرض للرسل, وأن الرسل في مأمن وإن كانوا فعلوا ما يستوجب القصاص .
110- عن أبي رافع أنه أقبل بكتاب من قريش إلى رسول الله  قال: فلما رأيت النبي  ألقي في قلبي الإسلام فقلت: يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله : ((إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع إليهم؛ فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن فارجع)). قال: فرجعت إليهم ثم إني أقبلت إلى رسول الله  فأسلمت. قال بكير: وأخبرني أن أبا رافع كان قبطياً( ).
قال الخطابي( ): يشبه أن يكون المعنى في ذلك أن الرسالة تقتضي جواباً والجواب لا يصل إلى المرسل إلا مع الرسول بعد انصرافه فصار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه.
قال: وفي قوله لا أخيس بالعهد أن العهد يراعى مع الكافر كما يراعى مع المسلم, وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان فقـد وجب عليك أن تؤمنه ولا تغتاله في دم ولا مال ولا منفعة( ).
111- عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ، فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: ((كبر كبر)). وهو أحدث القوم فسكت، فتكلما فقال: ((تحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم)). قالوا :وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: ((فتبرئكم يهود بخمسين)). فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي  من عنده( ).
فوائد الحديث: رفض النبي  أن يتعرض لليهود مع غلبة الظن في قتل عبد الله بن سهل، لأن اليهود كانوا أهل عهد وذمة.
112- عن عبد الله بن عباس: أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشأم في المدة التي ماد فيها رسول الله ... تقدم الحديث( ).
قال ابن حجر: قال ابن بطال: أشار البخاري بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم وليس هو من صفات الرسل( ).
113- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصاً من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها))( ).
قال ابن حجر: الغدر حرام باتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي.
وقال أيضا: وفيه علم من أعلام النبوة والتوصية بالوفاء لأهل الذمة لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع المسلمين, وفيه التحذير من ظلمهم وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئا فتضيق أحوالهم( ).
114- عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم النبي  المدينة جاءت جهينة فقالوا له: أنت قد نزلت بين أظهرنا فما وثقنا حتى نأمنك وتأمنا قال: فأوثق لهم ولم يسلموا( ).
115- وبوّب البخاري أيضاً في (كتاب الجزية والموادعة)، (باب إثم الغادر للبر والفاجر): عن أنس: عن النبي  قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة قال أحدهما ينصب وقال الآخر يرى يوم القيامة يعرف به))( ).
116- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة))( ).
قال النووي: وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين, وقيل لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كذب الملك, والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر, وذكر القاضي عياض احتمالين أحدهما هذا, وهو نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته وللكفار وغيرهم( ).
117- عن جابر قال: قال رسول الله : ((لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم))( ).
118- عن عاصم بن عبيد الله أن النبي  قـال: ((إنها ستكون من بعدي أمراء يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها فصلوها معهم؛ فإن صلوها لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم, وإن أخروها عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية, ومن نكث العهد ومات ناكثاً للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له)). قلت له: من أخبرك هذا الخبر؟ قـال: أخبرنيه عبـد الله بن عامر بن ربيعـة عن أبيه عامر بن ربيعة يخبر عامر بن ربيعة عن النبي ( ).
119-قال ابن إسحاق: ولما انتهى رسول الله  الى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب إيلة فصالح رسول الله  وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح وأعطوه الجزية, وكتب لهم رسول الله  كتاباً فهو عندهم، وكتب ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر؛ فمن أحدث منهم حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه, وأنه طيب لمن أخذه من الناس, وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يردونه من بر أو بحر)). زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق بعد هذا: وهذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله ( ).
120-وعن إبن اسحاق قال: وكتب لأهل جرباء وأذرح: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله  لأهل جرباء وأذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد, وأن عليهم مائة دينار في كل رجب ومائة أوقية طيبة, وأن الله عليهم كفيل بالنصح والإحسان إلى المسلمين, ومن لجأ اليهم من المسلمين)). قال: وأعطى النبي  أهل أيلة برده مع كتابه أماناً لهم قال: فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلثمائة دينار( ).
121- وقال ابن إسحق: وكتب للأسقف هذا الكتاب ولأساقفة نجران بعده: ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك جوار الله ورسوله أبداً ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين)). وكتب المغيرة بن شعبة( ).
122- عن ابن عباس قال: صالح رسول الله  أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة على أن لاتهدم لهم بيعة ولايخرج لهم قس ولايفتنوا على دينهم ما لم يحدثوا حدثاً أو يأكلوا الربا( ).
123- عن سويد بن غفلة قال: كنا مع عمر بن الخطاب  وهو أمير المؤمنين بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي فغضب غضباً شديداً فقال لصهيب: انظر من صاحب هذا فانطلق صهيب؛ فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين؛ فإني أخاف عليك بادرته فجاء معه معاذ؛ فلما انصرف عمر من الصلاة قال: أين صهيب فقال: أنا هذا يا أمير المؤمنين قال: أجئت بالرجل الذي ضربه؟ قال: نعم. فقام إليه معاذ بن جبل فقال: يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه. فقال له عمر: ما لك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها: فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار ثم تغشاها ففعلت ما ترى. قال: ائتني بالمرأة لتصدقك فأتى عوف المرأة فذكر الذي قال له عمر  قال أبوها وزوجها: ما أردت بصاحبتنا فضحتها فقالت المرأة: والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين؛ فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين، فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال. قال: فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب. ثم قال: يا أيها الناس فوا بذمة محمد  فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له. قال سويد بن غفلة: وإنه لأول مصلوب رأيته. تابعه بن أشوع عن الشعبي عن عوف بن مالك( ).
فوائد الحديث: فيه سماحة وعدل الإسلام فقد غضب عمر  لظلم المعاهد.
124- عن أنس بن مالك قال: ما خطبنا نبي الله  إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له))( ).
125- وقال محمد بن اسحاق: فلما رأى رسول الله  ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله عز وجل ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه؛ فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله  إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة, وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة كانت في الاسلام( ).
126- عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي  قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة, وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدماً كثيراً, ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هديـة، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي, وأمروهما وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وخير جار؛ فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ثم قال لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم, وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم, وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم؛ فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم؛ فإن قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما: نعم ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت, وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليردانهم إلى بلادهم وقومهم قال: فغضب النجاشي ثم قال: لا هايم الله إذاً لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم؛ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في أمان المشرك, فقد كان النجاشي مشركاً لما أمنهم ودخلوا في أمانه, وفيه ما تعارف عليه السلاطين والملوك من قبل الإسلام وأقره الإسلام من احترام المستأمن والوفاء بعهده.
127- عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين, ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله  طرفي النهار بكرة وعشية؛ فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي. قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج؛ فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار؛ فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش. فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر. وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء, ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به؛ فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر؛ فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز؛ فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه, وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين؛ فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة, وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل, وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك؛ فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه؛ فإما أن تقتصر على ذلك, وإما أن ترد إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: إني أرد لك جوارك وأرضى جوار الله, ورسول الله  يومئذ بمكة( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في أمان المشرك.
128- عن ذي مخمر عن النبي  قال: ((تصالحون الروم صلحاً آمنا وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم إليه رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: ألا غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله؛ فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون إليكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف))( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في صلح مع المشركين, وسيبقى المسلمون يتصالحون إلى آخر الزمان كما في هذا الحديث.
129- عن جابر  قال: كتب رسول الله  على كل بطن عقولة( ).
130- وقال محمد بن إسحاق: كتب رسول الله  كتاباً بين المهاجرين والانصار وادع فيه اليهود, وعاهدهم, وأقرهم على دينهم وأموالهم, واشترط عليهم؛ وشرط لهم: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم, وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين))، ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار: بني ساعدة وبني جشم وبني النجار وبني عمرو بن عوف وبني النبيت إلى أن قال: ((وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل, ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه, وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيسة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين, وإن أيديهم عليه جميعهم ولو كان ولد أحدهم, ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر, ولا ينصر كافر على مؤمن, وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم, وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس, وأنه من تبعنا من يهود؛ فإن له النصر والأسوة غير مظلومين, ولا متناصر عليهم, وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم, وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً, وإن المؤمنين يبىء بعضهم بعضاً بما نال دماءهم في سبيل الله, وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه, وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن, وإنه من اغتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلى أن يرضى ولي المقتول, وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم الا قيام عليه, وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه, وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة, ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل, وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء؛ فإن مرده الى الله عز وجل وإلى محمد , وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين, وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته, وإن ليهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الأوس وبني ثعلبة وجفنة وبني الشطنة مثل ما ليهود بني عوف, وإن بطانة يهود كأنفسهم وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ولا ينحجر على ثار جرح، وإنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم, وإن الله على أثر هذا, وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم, وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة, وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم, وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه, وإن النصر للمظلوم, وإن يثرب حرام حرفها لأهل هذه الصحيفة, وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم, وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها, وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده؛ فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله, وإن الله على من اتقى ما في هذه الصحيفة وأبره, وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب, وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه, وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم, وإنه من خرج آمن, ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم, وإن الله جار لمن بر واتقى))( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في صلح مع المشركين سواء أكانوا من أهل الكتاب أو غيرهم.
جواز الصدقة على أهل الذمة والعهد والأمان إذا كانوا فقراء
131- عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم فنزلت هذه الاية: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:272]( ).
132- وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي حدثني أبي عن أبيه حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي  أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام حتى نزلت هذه الآية: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين( ).
133- وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا صناب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها فسألت عائشة النبي  فأنزل الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. والحديث أصله في الصحيحين وسيأتي( ).
وقال ابن كثير في قوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8]. قال ابن عباس: كان أسراهم يومئذ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله  أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء. وقال عكرمة: هم العبيد واختاره ابن جرير لعموم الآية للمسلم والمشرك، وهكذا قال سعيد بن جبير وعطاء والحسن وقتادة( ).
134- عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله  في جنازة فرأيت رسول الله  وهو على القبر يوصي الحافر: ((أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه)). فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله  يلوك لقمة في فمه ثم قال: ((أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)). فأرسلت المرأة قالت: يارسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة؛ فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها؛ فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله : ((أطعميه الأسارى))( ).
فوائد الحديث: فيه الإحسان إلى الأسارى، فقد أمر النبي  بإطعامهم.
135- عن الثوري عن أبي إسحاق: أن عمرو بن شرحبيل كان يعطي زكاة الفطر الرهبان من أهل الذمة, وكان غيره يقول يعطيها المسلمين( ).
136- عن إبراهيم النخعي قال: لا يعطى اليهودي ولا النصراني من الزكاة يعطون من التطوع( ).
137- عن الشعبي سئل عن إطعام اليهودي والنصراني في الكفارة؟ قال: يجزئه وقال الحكم: لا يجزئه.
138- وقال إبراهيم: أرجو أن يجزئه إذا لم يجد مسلمين ويعطي المكاتب وذا الرحم لا يجبر على نفقته( ).
139- عن أبي هريرة  قال: كنا نخرج زكاة الفطر على كل نفس نعولها وإن كان نصرانياً( ).
140- عن ابن عباس  قال: يخرج الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه وعن كل مملوك له وإن كان يهودياً أو نصرانياً( ).
141- عن أبي ميسرة: أنه كان يعطي الرهبان من صدقة الفطر( ).
142- عن أنس بن مالك  قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً وكان أحب أمواله إليه بيرحى وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله  يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، قام أبو طلحة إلى رسول الله  فقال: إن الله يقول في كتابه: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، وإن أحب أموالي إلى بيرحى, وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال رسول الله : ((بخ ذلك مال رابح قد سمعت ما قلت فيها, وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)). فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه( ).
فوائد الحديث: جواز الصدقة على المشركين وخصوصاً إذا كانوا أقارب, وعليه بوب النووي على هذا الحديث (باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين).
143- عن أبي رزين قال: كنت مع شقيق بن سلمة فمر عليه أسارى من المشركين فأمرني أن أتصدق عليهم ثم تلا هذه الآية: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا( ).
144- عن سعيد بن جبير و عطاء - في قوله تعالى -: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، قالا: من أهل القبلة وغيرهم( ).
145- عن الحسن في قوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا قال: الأسارى من أهل الشرك( ).
146- عن جابر بن زيد قال: سئل عن الصدقة في من توضع؟ فقال: في أهل المسكنة من المسلمين وأهل ذمتهم. وقال: وقد كان رسول الله  يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس( ).
الحكم بين أهل الذمة
147- عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله  رجم يهودياً ويهودية( ).
الترمذي (1436) باب ما جاء في رجم أهل الكتاب
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، قالوا: إذا اختصم أهل الكتاب وترافعوا إلى حكام المسملين حكموا بينهم بالكتاب والسنة وبأحكام المسملين، وهو قول أحمد وإسحق.
وقال بعضهم: لا يقام عليهم الحد في الزنا والقول الأول أصح.
148- عن الزهري في قوله تعالى: فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة:42]، قال: مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حد نحكم بينهم فيه فنحكم بينهم بكتاب الله. وقد قال الله عز وجل لرسوله : وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]( ).
149- عن الأشعث قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي  فقال لي النبي : ((ألك بينة؟)). قلت: لا. قال لليهودي: ((احلف)). قلت: يارسول الله إذاً يحلف ويذهب بمالي. فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ..} إلى آخر الآية( ).
فوائد الحديث: أن النبي  حكم لليهودي وهو مشرك، لأن الأشعث لم يكن معه بينة، فهو دليل على سماحة الإسلام وعدله, وأن اختلاف الدين لا يمنع من الحكم بالعدل.
150- عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية: فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ*وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآية. قال: كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله  بينهم( ).
قبول شهادة غير المسلمين
قال البخاري: (باب قول الله تعالى): يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المائدة:106- 108].
151- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم؛ فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً من ذهب فأحلفهما رسول الله ، ثم وجد الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أوليائه فحلفا {لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا}، وإن الجام لصاحبهم. قال وفيهم نزلت هذه الآية: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}( ).
قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار بناء على أن المراد بالغير الكفار, والمعنى (منكم) أي من أهل دينكم، (أو آخران من غيركم) أي من غير أهل دينكم, وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه( ).
152- عن يحيى بن وثاب عن شريح: أنه كان يجيز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض( ).
153- عن عامرالشعبي: أنه أجاز شهادة يهودي على نصراني أو نصراني على يهودي( ).
154- عن ابن سيرين قال: شهدت شريحاً أجاز شهادة قوم من أهل الشرك بعضهم على بعض بخفافهم نقع( ).
155- عن إبراهيم الصائغ قال: سألت نافعاً عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض فقال: تجوز( ).
156- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله  فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله : ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم))؟. فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده؛ فإذا فيها آية الرجم فقالوا: صدق يـا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسـول الله  فرجما قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة( ).
قبول شفاعتهم في بعض الأحوال
157- عن محمد بن جبير عن أبيه : أن النبي  قال في أسارى بدر: ((لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له))( ).
النتنى: أي أسارى المشركين.
فوائد الحديث: قبول شفاعة المشرك, وأن جزاء الإحسان الإحسان، فإن المطعم بن عدي أجار النبي  فأراد النبي  أن يرد صنيعه ويكافئه.

حكم السلام على غير المسلم ومصافحته
158- عن أبي عبد الله العسقلاني: أنه أخبره من رأى ابن محيريز صافح نصرانياً في مسجد دمشق( ).
159- عن أبي أمامة الباهلي: أنه كان يسلم على كل من لقيه، قال: فما علمت أحداً سبقه بالسلام إلا يهودياً مرة اختبأ له خلف أسطوانة فخرج فسلم عليه فقال له أبو أمامة: ويحك يا يهودي ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك رجلاً تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن أخذ به. فقال أبو أمامة: ويحك إني سمعت رسول الله  يقول: ((إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا))( ).
160- عن عبد الرزاق قال: سمعت الثوري وعمران لا يريان بمصافحة اليهودي والنصراني بأساً. قال عبد الرزاق: ولا بأس به( ).
وبوب البخاري في "الأدب المفرد": (باب التسليم على مجلس فيه المسلم والمشرك).
161- عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره: أن النبي  ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول, وذلك قبل أن يسلم عدو الله؛ فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين وعبدة الأوثان؛ فسلم عليهم( ).
162- عن أبي عثمان النهدي قال: كتب أبو موسى إلى دهقان يسلم عليه في كتابه، فقيل له: أتسلم عليه وهو كافر؟ قال: إنه كتب إليّ فسلَّم علي فرددت عليه( ).
163- عن علقمة قال: إنما سلم عبد الله على الدهاقين إشارة( ).
164- عن ابن عباس قال: ردوا السلام على من كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً ذلك بأن الله يقول: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا( ).
165- أن عبد الله بن عباس أخبره: أن أبا سفيان بن حرب أرسل إليه هرقل ملك الروم ثم دعا بكتاب رسول الله  الذي مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} إلى قوله:{اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}( ).
166- عن عقبة بن عامر الجهني: أنه مر برجل هيأته هيأة مسلم فسلم فرد عليه وعليك ورحمة الله وبركاته. فقال له الغلام: إنه نصراني؛ فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك وولدك( ).
167- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو قال لي فرعون بارك الله فيك قلت: وفيك وفرعون قد مات( ).
168- عن علقمة قال: أقبلت مع عبد الله من السيلحين فصحبه دهاقين من أهل الحيرة، فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريقهم غير طريقهم؛ فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا فأتبعهم السلام. فقلت: أتسلم على هؤلاء الكفار؟ فقال: نعم صحبوني وللصحبة حق( ).
169- عن أسلم مولى عمر قال: لما قدمنا مع عمر بن الخطاب  الشام أتاه الدهقان قال: يا أمير المؤمنين إني قد صنعت لك طعاماً؛ فأحب أن تأتيني بأشراف من معك فإنه أقوى لي في عملي وأشرف لي. قال: إنا لا نستطيع أن ندخل كنائسكم هـذه مع الصور التي فيها( ).
170- عن ابن عباس رضي الله عنهما: كتب إلى ذمي فبدأ بالسلام. فقلت له: أتبدؤه بالسلام فقال: إن الله هو السلام( ).
171- عن إبراهيم قال: إذا كانت لك إليه حاجة فابدأه بالسلام( ).
172- عن عمرو بن عثمان، سمعت أبا بردة قال: إن رجلاً من المشركين كتب إلى رسول الله  بالسلام فكتب رسول الله  يرد عليه السلام( ).
173- وقال مجاهد: إذا كتبت فاكتب السلام على من اتبع الهدى( ).
174- عن ابن عباس قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً فإن الله يقول: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]( ).
175- وعن أبي بصرة قال: قال رسول الله : ((إنا غادون على يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم))( ).
176- وعن أنس قال: نهينا - أو قال: أمرنا - أن لا نزيد أهل الكتاب على وعليكم( ).
177- عن عون بن عبد الله قال: سأل محمد بن كعب عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام؟ فقال: نرد عليهم ولا نبدؤهم. فقلت: وكيف تقول أنت؟ قال: ما أرى بأساً أن نبدأهم. قلت :لم؟ قال: لقول الله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ( ).
178- عن ابن عجلان: أن عبد الله وأبا الدرداء وفضالة بن عبيد كانوا يبدأون أهل الشرك بالسلام( ).
179- عن معمر قال: قلت للزهري: هل يقال له مرحباً؟ قال: إن كان له عندك يد لم تجزه بها فلا بأس( ).
180- عن قتادة يحدث عن أنس : أن أصحاب النبي  قالوا للنبي : إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال: ((قولوا وعليكم))( ).
قال النووي: واختلف العلماء فى رد السلام على الكفار وابتدائهم به، فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول: وعليكم أو عليكم فقط, ودليلنا فى الابتداء قوله : ((لاتبدأوا اليهود ولاالنصارى بالسلام)). وفى الرد قوله : ((فقولوا وعليكم)), وبهذا الذى ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف.
وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام؛ روى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبى محيريز، وهو وجه لبعض أصحابنا، حكاه الماوردى لكنه قال: يقول السلام عليك ولايقول عليكم بالجمع, واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث وبإفشاء السلام وهى حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث: ((لاتبدأو اليهود ولا النصارى بالسلام)).
وقال بعض أصحابنا: يكره ابتداؤهم بالسلام ولايحرم، وهذا ضعيف أيضاً لأن النهى للتحريم؛ فالصواب تحريم ابتدائهم, وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب، وهو قول علقمة والنخعى. وعن الأوزاعى أنه قال: إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون. وقالت طائفة من العلماء: لايرد عليهم السلام. ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك.
وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يقول فى الرد عليهم: وعليكم السلام, ولكن لايقول ورحمة الله، حكاه الماوردى, وهو ضعيف مخالف للأحاديث, والله أعلم( ).
الاستئذان على المشركين
181- عن عبد الرحمن بن يزيد: أنه كان إذا استأذن على المشركين قال: أندر آيم، يقول: أدخل( ).
182- عن سعيد بن جبير قال: لا يدخل عليّ المشركين إلا بإذن( ).
183-عن أبي المنبه قال: سألت الحسن عن الرجل يحتاج إلى الدخول على أهل الذمة من مطر أو برد أيستأذن عليهم؟ قال: نعم( ).
فوائد الآثار: إن من سماحة الإسلام أنه أمرنا أن نتأدب مع غير المسلمين بآداب الإسلام من الاستئذان وما شابه ذلك.
جواز إكرامهم وعلى ذلك بوب ابن حجر في المطالب العالية
184- عن حسان بن أبي يحيى الكندي عن شيخ من كندة قال: كنا جلوساً عند علي  فأتاه سيد نجران فأوسع له. فقال رجل: أتوسع لهذا النصراني يا أمير المؤمنين؟ فقال: إنهم كانوا إذا أتوا رسول الله أوسع لهم( ).
المسلم يكني المشرك
185- عن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى صفوان بن أمية وهو يومئذ مشرك جاءه على فرس. فقال له النبي : ((انزل أبا وهب))( ).
186- عن الفرافصة الحنفي عن أبيه: أن عمر بن الخطاب كنى الفرافصة الحنفي وهو نصراني فقال له: ((أبا حسان))( ).
187- عن قتادة أن نصرانياً قال لرسول الله  قد أسلمت. فقال النبي  الثالثة: ((أبا الحارث)). فقال: قد أسلمت قبلك! فقال: ((كذبت حال بينك وبين الإسلام ثلاث خلال شربك الخمر وأكلك الخنزير ودعواك لله ولدا))( ).
حل ذبائح أهل الكتاب
من مظاهر التسامح التي اختص بها أهل الكتاب في دين الإسلام إباحة الأكل من ذبائحهم. والأصل في ذلك قوله تعالى:وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ [المائدة:5]. ولكن بشرط أن يذكروا اسم الله عليها.
أما الآثار والأحاديث:
188- عن ابن عباس قال: فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ}، وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ، فنسخ واستثنى من ذلك فقال:وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ( ).
189- عن معمر قال: سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب؟فقال: من انتحل ديناً فهو من أهله, ولم ير بذبائحهم بأساً( ).
190- عن إبراهيم قال: لا بأس بذبائحهم( ).
191- عن غطيف بن الحارث قال: كتب عامل إلى عمر: أن قبلنا ناس يدعون السامرة يقرأون التوراة, ويسبتون السبت لا يؤمنون بالبعث؛ فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم؟ فكتب إليه عمر: أنهم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب( ).
192- عن قيس بن السكن قال: قال عبد الله: لا تأكلوا من الجبن إلاما صنع المسلمون وأهل الكتاب( ).
193- عن سويد غلام سلمان وأثنى عليه خيراً قال: لما افتتحنا المداين خرج الناس في طلب العدو. قال: قال سلمان: وقد أصبنا سلة. فقال: افتحوها فإن كان طعاماً أكلناه وإن كان مالاً دفعناه إلى هؤلاء. قال: ففتحنا فإذا أرغفة حوارى وإذا جبنة وسكين. قال: وكان أول ما رأت العرب الحوارى فجعل سلمان يصف لهم كيف يعمل ثم أخذ السكين وجعل يقطع وقال: بسم الله كلوا( ). الحواري: الأبيض الناعم.
194- عن الحسن وابن سيرين قالا: لا بأس بما صنع أهل الكتاب من الجبن( ).
195- عن أبي وائل وإبراهيم قالا: لما قدم المسلمون أصابوا من أطعمة المجوس من جبنهم وخبزهم فأكلوا ولم يسألوا عن ذلك، ووصف الجبن لعمر فقال: اذكروا اسم الله عليه وكلوه( ).
فوائد الآثار: حل طعام أهل الكتاب بشرط أن يذكروا اسم الله تعالى, ويأخذ منه جواز الأكل من طعام غير أهل الكتاب من الطعام الذي لا يحتاج أصله إلى تذكية كما أكل الصحابة جبن المجوس.
معاملتهم في البيع والشراء والتجارة والإجارة وغيرها من المعاملات
من مظاهر التسامح في دين الإسلام إباحة التعامل مع غير المسلمين في العقود المالية والاقتصادية بشرط خلو هذه المعاملات من معاملات محرمة.
196- عن عبد الله  قال: أعطى رسول الله  خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها( ).
197- عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله  بحلب. فقلت: يا بلال! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله ؟ قال: ما كان له شىء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله تعالى إلى أن توفي, وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض؛ فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين. فقال: يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت؛ فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة؛ فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار؛ فلما أن رآني قال: يا حبشي، قلت: يا لباه (يريد لبيك) فتجهمني (أي تلقاني بوجه كريه), وقال لي قولاً غليظاً. وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك؛ فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله  إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي. فقلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي! إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا, وليس عندك ما تقضي عني, ولا عندي، وهو فاضحي. فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله تعالى رسوله  ما يقضي عني؛ فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني (الترس) عند رأسي، حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق؛ فإذا إنسان يسعى يدعو يا بلال، أجب رسول الله  فانطلقت حتى أتيته؛ فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن، فاستأذنت فقال لي رسول الله : ((أبشر فقد جاءك الله تعالى بقضائك)). ثم قال: ((ألم تر الركائب المناخات الأربع؟)). فقلت: بلى. فقال: ((إن لك رقابهن وما عليهن؛ فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك)). ففعلت. فذكر الحديث .. ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله  قاعد في المسجد فسلمت عليه. فقال: ((ما فعل ما قبلك؟)). قلت: قد قضى الله تعالى كل شىء كان على رسول الله  فلم يبق شىء. قال: ((أفضل شىء ؟)). قلت: نعم قال: ((أنظر أن تريحني منه؛ فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه)). فلما صلى رسول الله  العتمة دعاني. فقال: ((ما فعل الذي قبلك)). قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله  في المسجد وقص الحديث حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني. قال: ((ما فعل الذي قبلك؟)). قال: قلت: قد أراحك الله منه يارسول الله. فكبر وحمد الله شفقاً من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه( ).
198- عن عبد الله بن سلام: إن الله تبارك وتعالى لما أراد هدى زيد ين سعنة قال زيد بن سعنة: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد  حين نظرت إليه إلا اثنين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً. فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، قال: فخرج رسول الله  من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب فأتاه رجل على راحلته كالبدوي. فقال: يا رسول الله قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام كنت أخبرته أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً, وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث, وأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً؛ فإن رأيت أن ترسل إليهم من يغيثهم به فعلت. قال فنظر رسول الله  إلى رجل إلى جانبه أراه عمر فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله. قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه. فقلت له: يا محمد هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: ((لا يا يهودي ولكن أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل كذا وكذا, ولا أسمي حائط بني فلان)). قلت: نعم فبايعني ؛ فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا. قال: فأعطاها الرجل وقال: ((اعجل عليهم وأغثهم بها)). قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله  في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان ونفر من أصحابه؛ فلما صلى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب – بمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم قال: ونظرت إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أي عدو الله أتقول لرسول الله  ما أسمع وتفعل به ما أرى؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي هذا عنقك ورسول الله  ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: ((إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء و تأمره بحسن التباعة. اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعاً من غير مكان ما رعته)). قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر. فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني الله  أن أزيدك مكان ما رعتك. فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا فمن أنت؟. قلت: أنا زيد بن سعنة. قال: الحبر؟. قلت: نعم، الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله  ما قلت وتفعل به ما فعلت؟ فقلت: يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها قي وجه رسول الله  حين نظرت إليه إلا اثنتين لم اختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً. فقد أختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد  نبياً، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالاً - صدقة على أمة محمد  فقال عمر: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله  فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فآمن به وصدقه وشهد مع رسول الله  مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر. رحم الله زيداً. قال: فسمعت الوليد يقول: حدثني بهذا كله محمد بن حمزة عن أبيه عن جده عن عبد الله بن سلام( ).
فوائد الحديث: فيه دليل على حسن خلق نبينا محمد  وما كان عليه من مكارم الأخلاق, وفيه أيضا ما كان عند أهل الكتاب من علم على سمو أخلاق نبينا محمد  وأمته.
وذكر البخاري في (باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام) ما جاء، ثم ذكر:
199- عن عائشة رضي الله عنها: استأجر النبي  وأبو بكر رجلاً من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - الخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل, وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال؛ فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا, وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ بهم أسفل مكة وهو طريق الساحل( ).
200- عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا: خرج النبي  عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عيناً له من خزاعة( ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية( ) رحمه الله:
وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله  مسلمهم وكافرهم، وكان يقبل نصحهم وكل هذا في "الصحيحين"، وكان أبو طالب ينصر النبي  ويذب عنه مع شركه، وهذا كثير، فإن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن كما قال تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا [آل عمران:75]. ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال, وجاز أن يستطب المسلم الكافر إذا كان ثقة نص على ذلك الأئمة كأحمد وغيره، إذ ذلك من قبول خبرهم فيما يعلمونه من أمر الدنيا وائتمان لهم على ذلك، وهو جائز إذا لم يكن فيه مفسـدة راجحة مثل ولايته على المسلمين وعلوه عليهم ونحو ذلك، فأخذ علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابـه( ).
وقال الخطابي: في الحديث أن النبي  أرسل الخزاعي وبعثه عيناً ثم صدقه في قوله وقبل خبره وهو كافر, وذلك لأن خزاعة كانوا عيبة نصح رسول الله  مؤمنهم وكافرهم( ).
201- عن علي بن أبي طالب  يقول: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله , وقد أخذت إهاباً معطوباً فحولت وسطه فأدخلته عنقي وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل, وإني لشديد الجوع, ولو كان في بيت رسول الله  طعام لطعمت منه؛ فخرجت ألتمس شيئاً، فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببكرة له، فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال: ما لك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم. فافتح الباب حتى أدخل ففتح، فدخلت فأعطاني دلوه؛ فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة، حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلو. وقلت: حسبي، فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت، ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله  فيه( ).
202- عن أبي رافع قال: نزل برسول  ضيف , فبعثني إلى يهودي فقال: قل له إن رسول  يقول: بعني أو أسلفني إلى رجب. فأتيته فقلت له ذلك. فقال: والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، فأتيت رسول الله  فأخبرته، فقال: والله لو باعني أو أسلفني لقضيت إني أمين في السماء أمين في الأرض اذهب بدرعي الحديد إليه( ).
203- عن عائشة رضي الله عنه: أن النبي  اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد( ).
قال ابن حجر: وفي الحديث جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه, وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم, واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام، وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربياً, وفيه ثبوت أملاك أهل الذمة في أيديهم( ). وقال ابن حجر: قال العلماء الحكمة في عدوله  عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل( ).
204- عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أسلف رسول الله  لرجل من اليهود يقال له يامين في تمر كيل مسمى إلى أجل مسمى, وقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي : أما من ثمر حائط بني فلان فلا( ).
205- عن حسين بن علي رضي الله عنهما: أن علياً  قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم, وكان النبي  أعطاني شارفاً من الخمس؛ فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت رسول الله  واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين وأستعين به في وليمة عرسي( ).
206- عن محمد بن أبي مجالد قال: أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله ابن أبي أوفى فسألتهما عن السلف؟ فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله ؛ فكان يأتينا أنباط من أنباط الشأم فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى. قال :قلت: أكان لهم زرع أو لم يكن لهم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك( ).
أنباط الشام: هم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام( ).
فوائد الحديث: جواز التعامل مع غير المسلمين في البيع والشراء ونحو ذلك.
207- عن سهل بن سعد: أن علي بن أبي طالب دخل على فاطمة وحسن وحسين يبكيان فقال مايبكيهما؟ قالت: الجوع، فخرج علي فوجد ديناراً بالسوق فجاء إلى فاطمة فأخبرها. فقالت: اذهب إلى فلان اليهودي فخذ لنا دقيقاً فجاء اليهودي فاشترى دقيقاً به. فقال اليهودي: أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول الله؟ قال: نعم. قال: فخذ دينارك ولك الدقيق، فخرج علي حتى جاء فاطمة فأخبرها. فقالت: اذهب إلى فلان الجزار فخذ [لنا] بدرهم لحماً، فذهب فرهن الدينار بدرهم لحم فجاء به فعجنت ونصبت وخبزت وأرسلت إلى أبيها فجاءهم. فقالت: يارسول الله أذكر لك فإن رأيته لنا حلالاً أكلناه وأكلت معنا من شأنه كذا وكذا، فقال: ((كلوا باسم الله))، فأكلوا [منه]، فبينما هم مكانهم إذ غلام ينشد الله والإسلام الدينار، فأمر رسول الله  فدعي له فسأله فقال: سقط مني في السوق، فقال النبي : ((يا علي اذهب إلى الجزار فقل له إن رسول الله  يقول لك أرسل إليّ بالدينار ودرهمك علي)) .فأرسل به فدفعه رسول الله  إليه( ).
208- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي  ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي : ((بيعاً أم عطية؟ أو قال هبة)). قال لا بل بيع فاشترى منه شاة( ).
وبوب البخاري في (باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه)، في كتاب البيوع.
قال ابن بطال: غرض البخاري بهذه الترجمة إثبات ملك الحربي, وجواز تصرفه في ملكه بالبيع والهبة والعتق( ).
209- عن أم سلمة قالت: خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى قبـل موت النبي  بعام( ).
210- عن الثوري قال: إن اشترى رجل من المسلمين ثوباً من مشرك أو استعاره فليصل فيه ولا يغسله إلا أن يعرف فيه شيئاً( ).
211- عن عبد الرزاق قال: سمعت الثوري يقول: لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب النصراني والمجوسي واليهودي إلا أن يعلم فيه شيئاً( ).
212- عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه: أن رسول الله  استعار منه أدراعاً يوم حنين فقال: أغصب يا محمد؟ فقال: ((لا بل عارية مضمونة))( ).
213- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجل من اليهود فاستنظره جابر؛ فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله  ليشفع له إليه، فجاء رسول الله  وكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له؛ فأبى فدخل رسول الله  النخل فمشى فيها ثم قال لجابر: ((جد له فأوف له الذي له)). فجده بعد ما رجع رسول الله  فأوفاه ثلاثين وسقاً وفضلت له سبعة عشر وسقاً فجاء جابر رسول الله  ليخبره بالذي كان فوجده يصلي العصر؛ فلما انصرف أخبره بالفضل فقال: ((أخبر ذلك ابن الخطاب)). فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال له عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله  ليباركن فيها( ).
214- وبوب البخاري (2301) في باب الوكالة: (باب إذا وكل المسلم حربياً في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز)، ثم ذكر عبد الرحمن بن عوف  قال: كاتبت أمية بن خلف كتاباً بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة؛ فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو؛ فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال: أمية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا؛ فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه ثم أبوا حتى يتبعونا, وكان رجلاً ثقيلاً فلما أدركونا قلت له: ابرك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه وأصاب أحدهم رجلي بسيفه, وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه.
قال ابن حجر: ووجه أخذ الترجمة من هذا الحديث أن عبد الرحمن بن عوف وهو مسلم في دار الإسلام فوض إلى أمية بن خلف وهو كافر في دار الحرب ما يتعلق بأموره, والظاهر اطلاع النبي  عليه ولم ينكره.
قال ابن المنذر( ): توكيل المسلم حربياً مستأمناً وتوكيل الحربي المستأمن مسلماً لا خلاف في جوازه( ).
215- عن الحسن: أنه لم يكن يرى بأساً بشركة اليهودي والنصراني إذا كان المسلم هو الذي يرى الشراء والبيع( ).
216- عن إياس بن معاوية قال: لا بأس بشركة اليهودي والنصراني إذا كنت تعمل بالمال( ).
217- عن حماد: أنه كان لا يرى بأساً أن يشتري لأهل الذمة( ).
الشفعة لغير المسلم
218- عن خالد الحذاء قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن لليهودي الشفعة( ).
219- وقال الثوري: الشفعة للكبير والصغير والأعرابي واليهودي والنصراني والمجوسي؛ فإذا علم لثلاثة أيام فلم يطلبها فلا شفعة له, وإذا مكث أياما ثم طلبها وقال:لم أعلم أن لي شفعة فهو متهم( ).
أخذ العلوم عنهم وتعلم لغتهم
220- عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله  فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء يوماً غلام يبكى إلى أبيـه، فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي. قـال: الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبداً( ).
221- زيد بن ثابت قال : أمرني رسول الله  أن أتعلم له كتاب يهود قال: إني والله ما آمن يهود على كتاب. قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له. قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم( ).
222- عن جدامة الأسدية: أنها سمعت رسول الله  يقول: ((لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم))( ). قال مالك: الغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع.
فوائد الحديث: جواز الأخذ من علوم غير المسلمين والاستفادة منهم كما في هذه الأحاديث.
جواز استطباب غير المسلم
223- عن سعد قال: مرضت مرضاً أتاني رسول الله  يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي فقال: ((إنك رجل مفئود (هو الذي أصيب فؤاده)، ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف؛ فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن( ).
224- عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله قال: سمعت رسول الله  يقول: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)). قالت: قلت:لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني؛ فإذا رقاني سكنت. فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله  يقول: ((أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لاشفاء إلا شفاؤك شفاء لايغادر سقماً))( ).
فوائد الحديث: جواز الرجوع إلى غير المسلم في التداوي والطب.
حق الجوار لغير المسلم
225- عن عبد الله بن عمرو: أنه ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله  يقول: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))( ).
226-وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت مرة في أرض قطعها النبي  لأبي سلمة والزبير في أرض النضير فخرج الزبير مع رسول الله , ولنا جار من اليهود فذبح شاة فطبخت فوجدت ريحها فدخلني من ريح اللحم ما لم يدخلني من شيء قط, وأنا حامل بابنة لي تدعى خديجة، فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأته أقتبس منها ناراً لعلها تطعمني، وما بي من حاجة إلى النار؛ فلما شممت ريحه ورأيته ازددت شراً فأطفأته ثم جئت الثانية أقتبس مثل ذلك، ثم الثالثة، فلما رأيت ذلك قعدت أبكي وأدعو الله فجاء زوج اليهودية فقال: أدخل عليكم أحد؟ قالت: [لا إلا] العربية دخلت تقتبس ناراً. قال: فلا آكل منها أبدا أو ترسلي إليها منها. فأرسلت إلي بقدحة ولم يكن في الأرض شيء أدعى إلي من تلك الأكلة( ).
قال ابن بكير: القدحة: الغرفة.
227- عن أبي ثعلبة الخشني أنه سأل رسول الله  قال: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر. فقال رسول الله : ((إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا))( ).
228- عن أبي ثعلبة الخشني قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال: ((أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها. وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل)).
فوائد الأحاديث: الإحسان إلى الجيران بمختلف دياناتهم حث عليه الإسلام.
عيادة غير المسلمين
229- عن أنس: أن غلاماً من اليهود كان مرض فأتاه النبي  يعوده فقعد عند رأسه، فقال له: ((أسلم))، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم فقام النبي  وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار))( ).
230- عن أرطاة بن المنكدر: أن أبا الدرداء عاد جاراً له يهودياً( ).
الدعاء لهم بالهداية ونحو ذلك
231- عن أبي بردة عن أبيه قال: كان اليهود تعاطس عند النبي  رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فكان يقول: ((يهديكم الله ويصلح بالكم))( ).
فوائد الحديث: أن النبي  كان حريصاً على الدعاء لغيره بالهداية.
232- عن إبراهيم قال: جاء رجل يهودي إلى النبي  فقال: ادع لي! فقال: أكثر الله مالك وولدك وأصح جسمك وأطال عمرك( ).
233- عن إبراهيم قال: لا بأس أن يقول لليهودي والنصارى هداك الله( ).
234-عن قتادة: أن يهودياً حلب للنبي  ناقة فقال: اللهم جمله, فاسود شعره( ).
مخالطة غير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم للدعوة وعرض الإسلام أو لأمر لابد منه كالتجارة والبيع والشراء، وغير ذلك
فالأحاديث كثيرة جداً التي تبين أن أهل الكتاب وغيرهم كانوا يخالطون المسلمين للسؤال أو التجارة أو للحكم والتظلم وغير ذلك. ذكر ابن حبان في: (باب ذكر إباحة قضاء حقوق أهل الذمة إذا كانوا مجاورين له فطمع في إسلامهم)، ثم ذكر حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في عيادة النبي  الغلام اليهودي - تقدم.
235- عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله. فقدمت فسألت ابن عباس فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل( ).
236- عن عكرمة: أن النبي  قال؛ يعني لابن صوريا: ((أذكركم بالله الذي نجاكم من آل فرعون وأقطعكم البحر وظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم التوراة على موسى أتجدون في كتابكم الرجم؟)). قال: ذكرتني بعظيم ولا يسعني أن أكذبك. وساق الحديث( ).
237- عن أسامة بن زيد أن رسول الله  ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردفه وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر. قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي؛ فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود والمسلمين، وفي المجلس عبد الله بن رواحة؛ فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله  عليهم ثم وقف، فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلا تؤذنا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك؛ فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد الله ابن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك. فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون؛ فلم يزل النبي  يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب النبي  دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي : ((يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي - قال كذا وكذا)).
قال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك, ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة؛ فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله .
وكان النبي  وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله عز وجل: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا ... الآية، وقال الله: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ..، إلى آخر الآية، وكان النبي  يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم؛ فلما غزا رسول الله  بدراً فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول  على الإسلام فأسلموا( ).
238- عن عبد الله قال: بينا أنا أمشي مع النبي  في خرب المدينة، وهو يتوكأ على عسيب معه فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح؟ وقال بعضهم: لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنه، فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت. فقلت: إنه يوحى إليه فقمت، فلما انجلى عنه فقال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتوا مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً. قال الأعمش هكذا في قراءتنا( ).
239- عن زيد بن أرقم قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله  فقال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؛ فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة فقال رسول الله  : ((حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر))( ).
240- عن الفلتان بن عاصم قال: كنا قعوداً مع النبي  في المسجد فشخص بصره إلى رجل يمشي في المسجد فقال: ((يا فلان أتشهد أني رسول الله)). قال: لا. قال: ((أتقرأ التوراة؟)). قال: نعم. قال: ((والإنجيل؟)). قال: نعم. قال: ((والقرآن؟)). قال: والذي نفسي بيده لو أشاء لقرأته قال: ثم أنشده فقال: ((تجدني في التوراة والإنجيل؟)). قال: نجد مثلك ومثل أمتك ومثل مخرجك, وكنا نرجو أن تكون فينا فلما خرجتت تخوفنا أن تكون أنت فنظرنا؛ فإذا ليس أنت هو قال: ((ولم ذاك؟)). قال: إن معه من أمته سبعين ألفاً ليس عليهم حساب ولا عقاب, وإن ما معك نفر يسير قال: ((فوالذي نفسي بيده لأنا هو وإنها لأمتي وإنهم لأكثر من سبعين ألفا وسبعين ألفا وسبعين ألفا))( ).
241- عن عائشة رضي الله عنها: أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت عائشة رضي الله عنها عن عذاب القبر فقال: ((نعم عذاب القبر حق)). قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله  بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر( ).
242- عن ثوبان مولى رسول الله  قال: كنت قائماً عند رسول الله  فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال:لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله. فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله ، فقال رسول الله : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي. فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال له رسول الله : أينفعك شيء إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني. فنكت رسول الله  بعود معه. فقال: سل. فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله : ((هم في الظلمة دون الجسر)). قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: ((فقراء المهاجرين)). قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: ((زيادة كبد النون)). قال: فما غذاؤهم على إثرها؟. قال: ((ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها)). قال: فما شرابهم عليه؟. قال: ((من عين فيها تسمى سلسبيلا)).قال: صدقت. قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال: ((ينفعك إن حدثتك؟)). قال: أسمع بأذني. قال جئت أسألك عن الولد؟ قال: ((ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله)). قال اليهودي: لقد صدقت وإنك لنبي. ثم انصرف فذهب. فقال رسول الله : ((لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به))( ).
243- عن أنس بن مالك قال: دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال: أيكم محمد؟ ورسول الله  متكىء بين ظهرانيهم فقلنا له: هذا الأبيض المتكىء. فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب. فقال له النبي : ((قد أجبتك)). فقال له الرجل: يا محمد إني سائلك، .. وساق الحديث( ).
244- عن ابن عباس قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله  فقدم عليه فأناخ بعيره عند باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد فذكر نحوه.. قال: فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله : ((أنا ابن عبد المطلب ..))، وساق الحديث( ).
245- عن أبي هريرة قال: أن اليهود أتوا النبي  وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم في رجل وامرأة زنيا منهم( ).
قال الخطابي: في الحديث من الفقه؛ جواز دخول المشرك المسجد إذا كانت له فيه حاجة مثل أن يكون له غريم في المسجد لا يخرج إليه, ومثل أن يحاكم إلى قاض وهو في المسجد؛ فإنه يجوز له دخول المسجد لإثبات حقه في نحو ذلك من الأمور( ).
246- عن هشام بن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق؛ فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له؛ فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنا: والله لا نكلم رسولاً, وإنما بعثنا إلى الملك؛ فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك. قال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام؛ فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام: وما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام. قلنا: ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله أخبرنا بذلك نبينا محمد . قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم؟ فأخبرناه فملىء وجهه سواداً. فقال: قوموا، وبعث معنا رسولاً إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريباً من المدينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك؛ فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال. قلنا: والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك؛ فأمرهم أن ندخل على رواحلنا فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح. قال: فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم, وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة فدنونا منه فضحك. فقال: ما عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها. قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليكم. قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها، قال: فكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، فلما تكلمنا بها والله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة أكلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم ؟ قلنا: لا ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قد خرجت من نصف ملكي قلنا:لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة, وأنها تكون من حيل الناس ثم سألنا عما أراد فأخبرناه ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه فقال: قوموا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير؛ فأقمنا ثلاثا فأرسل إلينا ليلاً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهَّبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتاً وقفلاً؛فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء, وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه, وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا آدم  وإذا هو أكثر الناس شعراً، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء, وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج حريرة سوداء, وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إبراهيم ، ثم فتح باباً آخر فإذا فيه صورة بيضاء وإذا والله رسول الله ، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، هذا محمد رسول الله ، قال: وبكينا. قال: والله يعلم أنه قام قائماً ثم جلس، وقال: والله إنه لهو. قلنا: نعم إنه لهو كأنك تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان متقلص الشفة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا موسى  وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه نبل. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون بن عمران ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا لوط ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أقنى خفيف العارضين حسن الوجه. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسحاق ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يعقوب ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسماعيل جد نبيكم ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة كصورة آدم كأن وجهه الشمس فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يوسف ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفاً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود ، ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرساً فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى ابن مريم . قلنا: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا  مثله. فقال: إن آدم  سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم، فكانت في خزانة آدم  عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي, وإني كنت عبداً لأشركم ملكة حتى أموت ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا؛ فلما أتينا أبا بكر الصديق  فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا. قال فبكى أبو بكر وقال : مسكين لو أراد الله به خيراً لفعل ثم قال: أخبرنا رسول الله  أنهم واليهود يجدون نعت محمد  عندهم.
قال ابن كثير: وهكذا أورده الحافظ الكبير البيهقي رحمه الله في كتاب "دلائل النبوة" عن الحاكم إجازة فذكره: وإسناده لا بأس به( ).
وقال ابن حجر: ووقع في "أمالى" المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان: أن صاحب بصري أخذه وناساً معه وهم في تجارة فذكر القصة مختصرة دون الكتاب, وما فيه وزاد في آخرها. قال: فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها؟ قلت: نعم. فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى؛ فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر إلا أنه دونه. وفي "دلائل النبوة" لأبي نعيم بإسناد ضعيف: أن هرقل أخرج لهم سفطاً من ذهب عليه قفل من ذهب؛ فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد فقلنا بأجمعنا: هذه صورة محمد فذكر لهم أنها صور الأنبياء( ).
247- عن ابن أبي نملة الأنصاري عن أبيه: أنه بينما هو جالس عند رسول الله  وعنده رجل من اليهود مر بجنازة فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي : ((الله أعلم)). قال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله : ((ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله ورسله؛ فإن كان باطلاً لم تصدقوه وإن كان حقاً لم تكذبوه))( ).
248- عن عبد الله  قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله  فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك. فضحك النبي  حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]( ).
249- عن طارق بن شهاب قال: قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا، نعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: فقال عمر: فقد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والساعة وأين رسول الله  حين نزلت، نزلت ليلة جمع ونحن مع رسول الله  بعرفات( ).
250- عن قتيلة امرأة من جهينة: أن يهودياً أتى النبي  فقال: إنكم تنددون وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت, وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي  إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة ويقولون ما شاء الله ثم شئت( ).
251- عن حذيفة بن اليمان: أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشاء محمد, وذكر ذلك للنبي  فقال: ((أما والله إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد))( ).
252- عن عوف بن مالك قال: انطلق النبي  يوماً وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم فكرهوا دخولنا عليهم. فقال لهم رسول الله : ((يا معشر اليهود أنبأنا اثنا عشر رجلاً يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه)). قال: فاسكتوا ما جاء به منهم أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثم ثلث فلم يجبه أحد. فقال: أبيتم فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا كما أنت محمد قال: فأقبل فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك. قال: فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة. قالوا: كذبت ثم ردوا عليه قوله, وقالوا فيه شراً، قال رسول الله : ((كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم ولما آمن كذبتموه وقلتم فيه ما قلتم؛ فلن يقبل قولكم)). قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله  وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10]( ).
253- عن أبي معبد الخزاعي: أن رسول الله  خرج ليلة هاجر من مكة الى المدينة هو وأبو بكر وعامر ابن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي؛ فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية وكانت أم معبد امرأة برزة جلدة تحتبي وتجلس بفناء الخيمة فتطعم وتسقي فسألوها هل عندها لحم أو لبن يشترونه منها؛ فلم يجدوا عندها شيء من ذلك, وقالت: لو كان عندنا شيء ما أعوذكم القِرى وإذا القوم مرملون مسنتون؛ فنظر رسول الله  فإذا شاة في كسر خيمتها فقال: ((ما هذه الشاة يا أم معبد؟)). فقالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: ((فهل بها من لبن؟)). قالت: هي أجهد من ذلك. قال: ((تأذنين لي أن أحلبها؟)).قالت: إن كان بها حلب فاحلبها. فدعا رسول الله  بالشاة فمسحها, وذكر اسم الله ومسح ضرعها وذكر اسم الله ودعا بإناء لها يربض الرهط فتفاجت واجترت فحلب فيها تجا حتى ملأه [وأرسله إليها] فسقاها وسقى أصحابه فشربوا عللاً بعد نهل حتى إذا رووا شرب آخرهم. وقال: ((ساقي القوم آخرهم)). ثم حلب فيه ثانياً عوداً على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا قال: فقلما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزلى لا نقي بهن مخهن قليل؛ فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين هذا اللبن يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاة عازب؟ فقالت: لا والله إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت فقال: صفيه لي فوالله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب. فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة حسن الخلق مليح الوجه لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة قسيم وسيم في عينيه دعج,... ( ).
254- عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي  وأبو بكر مستخفين مروا بعبد يرعى غنماً فاستسقياه اللبن. فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ههنا عناقاً حملت أول الشتاء, وقد أخدجت وما بقي لها من لبن. فقال: ((ادع بها)). فدعا بها فاعتقلها النبي  ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت، وجاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعي ثم حلب فشرب فقال الراعي: بالله من أنت فوالله ما رأيت مثلك قط. قال: أوتراك تكتم علي حتى أخبرك. قال: نعم. قال: ((فإني محمد رسول الله)). فقال: أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: إنهم ليقولون ذلك. قال: فإني أشهد أنك نبي وأشهد أن ما جئت به حق وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي وأنا متبعك. قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا( ).
التهادي معهم وقبول هداياهم
255- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر حلة على رجل تباع فقال للنبي : ابتع هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة وإذا جاءك الوفد. فقال: ((إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة)). فأتي رسول الله  منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت ما قلت فيها؟ قال: ((إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها)). فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم( ).
256- وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله  فاستفتيت رسول الله  قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: ((نعم صلي أمك))( ).
257- عن أنس  قال: أهدي للنبي  جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال: ((والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا))( ).
قال ابن حجر: أي جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك( ).
258- وقال سعيد عن قتادة عن أنس: إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي ( ).
259- وعن عائشة: دخلت يهودية عليها فاستوهبتها شيئاً فوهبت لها عائشة. فقالت: أجارك الله من عذاب القبر. قالت عائشة: فوقع في نفسي من ذلك حتى جاء رسول الله  فذكرت ذلك له. فقال: ((إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم))( ).
2 60-عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي  ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال النبي : ((بيعاً أم عطية؟ أو قال هبة)). قال لا بل بيع فاشترى منه شاة ...
قال ابن حجر: وفي هذا الحديث قبول هدية المشرك لأنه سأله هل يبيع أو يهدي, وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي لأن هذا الأعرابي كان وثنياً( ).
وبوَّب أبو داود:
باب في الإمام يقبل هدايا المشركين، ثم ذكر:
261- عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله  بحلب. فقلت: يا بلال! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله ؟ قال: ما كان له شىء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله تعالى إلى أن توفي, وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض؛ فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين. فقال: يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت؛ فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة؛ فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار؛ فلما أن رآني قال: يا حبشي، قلت: يا لباه (يريد لبيك) فتجهمني (أي تلقاني بوجه كريه), وقال لي قولاً غليظاً. وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك؛ فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله  إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي. فقلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي! إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا, وليس عندك ما تقضي عني, ولا عندي، وهو فاضحي. فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله تعالى رسوله  ما يقضي عني؛ فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني (الترس) عند رأسي، حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق؛ فإذا إنسان يسعى يدعو يا بلال، أجب رسول الله  فانطلقت حتى أتيته؛ فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن، فاستأذنت فقال لي رسول الله : ((أبشر فقد جاءك الله تعالى بقضائك)). ثم قال: ((ألم تر الركائب المناخات الأربع؟)). فقلت: بلى. فقال: ((إن لك رقابهن وما عليهن؛ فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إليّ عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك)). ففعلت. فذكر الحديث .. ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله  قاعد في المسجد فسلمت عليه. فقال: ((ما فعل ما قبلك؟)). قلت: قد قضى الله تعالى كل شىء كان على رسول الله  فلم يبق شىء. قال: ((أفضل شىء ؟)). قلت: نعم قال: ((أنظر أن تريحني منه؛ فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه)). فلما صلى رسول الله  العتمة دعاني. فقال: ((ما فعل الذي قبلك)). قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله  في المسجد وقص الحديث حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني. قال: ((ما فعل الذي قبلك؟)). قال: قلت: قد أراحك الله منه يارسول الله. فكبر وحمد الله شفقاً من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه( ).
262- عن أنس بن مالك: أن ملك ذي يزن أهدى إلى النبي  حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا أو ثلاث وثلاثين ناقة فقبلها( ).
263- وعن بريدة قال: أهدى المقوقس القبطي لرسول الله  جاريتين إحداهما [مارية] أم إبراهيم ابن رسول الله , والأخرى وهبها رسول الله  لحسان بن ثابت وهي أم عبد الرحمن بن حسان وأهدى له بغلة فقبل رسول الله  ذلك( ).
264- وعن أنس بن مالك: أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله م جرة من المن فقبلها( ).
265- وعن عائشة قالت: أهدى المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله  مكحلة عيدان شامية ومرآة ومشطاً( ).
266- وعن ابن عباس قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله  قدح قوارير, فذكر الحديث( ).
267- عن سلمان الفارسي  قال: كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جى, وكان أبي دهقان قريته, وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته أي ملازم النار كما تحبس الجارية, وأجهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يوماً فقال لي: يا بني إنى قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فأطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد. فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون, وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته؛ فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم ورغبت في أمرهم. وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها. فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي, وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله. قال: فلما جئته قال: أي بنى أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم؛ فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بنى ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا. قال: فخافني فجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال: فأخبروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنونى بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام؛ فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة. قال : فجئته فقلت: إنى قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلى معك. قال: فادخل فدخلت معه قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها؛ فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق. قال: وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع. ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئاً. قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه. قالوا: فدلنا عليه. قال: فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقاً. قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلاً لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا آداب ليلاً ونهارا منه قال فأحببته حباً لم أحبه من قبله وأقمت معه زماناً ثم حضرته الوفاة فقلت له: يا فلان إنى كنت معك وأحببتك حباً لم أحبه من قبلك, وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصى بي وما تأمرني؟ قال: أي بنى والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه الا رجلاً بالموصل وهو فلان فهو على ما كنت عليه فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له: يا فلان إن فلاناً أوصاني عند موته أن الحق بك وأخبرني أنك على أمره. قال : فقال لي: أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه؛ فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة. قلت له: يا فلان إن فلاناً أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى فإلى من توصى بي وما تأمرني؟ قال: أي بنى والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه إلا رجلاً بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي. قال: فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت؛ فلما حضر قلت له: يا فلان إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصى بي وما تأمرنى؟ قال: أي بنى والله ما نعلم أحداً بقى على أمرنا آمرك ان تأتيه الا رجلاً بعمورية؛ فإنه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته قال: فإنه على أمرنا. قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري. فقال: أقم عندي فأقمت مع رجل على هدى أصحابه وأمرهم قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة. قال: ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له: يا فلان إنى كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصى بي وما تأمرني؟ قال: أي بنى والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجارا فقلت لهم: تحملونى إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم فأعطيتهموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبداً؛ فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بنى قريظة؛ فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة؛ فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها, وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة فوالله إنى لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال فلان: قاتل الله بنى قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت سأسقط على سيدي قال: ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال: مالك ولهذا أقبل على عملك. قال: قلت: لا شيء إنما أردت أن استثبت عما قال. وقد كان عندي شيء قد جمعته؛ فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله  وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة, وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقربته إليه فقال رسول الله  لأصحابه: كلوا وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئاً وتحول رسول الله  إلى المدينة ثم جئت به فقلت إنى رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله  منها وأمر أصحابه فأكلوا معه. قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله  وهو ببقيع الغرقد قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؛ فلما رآني رسول الله  استدرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي. قال: فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه اقبله وأبكى فقال لي رسول الله : تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس. قال : فأعجب رسول الله  أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله  بدر وأحد قال: ثم قال لي رسول الله : كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله  لأصحابه: أعينوا أخاكم، فأعانونى بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر يعنى الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله : اذهب يا سلمان ففقر لها؛ فإذا فرغت فائتني أكون انا أضعها بيدي، ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله  معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله  بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقى على المال فأتى رسول الله  بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ قال: فدعيت له. فقال: خذ هذه فاد بها ما عليك يا سلمان. فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما على؟ قال: خذها فإن الله عز وجل سيؤدى بها عنك. قال : فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله  الخندق ثم لم يفتنى معه مشهد( ).
فوائد الحديث: أن النبي  وأصحابه أكلوا من هدية سلمان وهو مشرك قبل أن يسلم.
صلة الرحم للمشرك القريب
268- عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، قال: فقال سعيد بن جبير: قربى محمد  فقال: إن النبي  لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة فنزلت عليه إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم( ).
269- قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي  جهاراً غير سر يقول: ((إن آل أبي ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين)).
زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي : ((ولكن لهم رحم أبلها ببلالها)). يعني أصلها بصلتها( ).
قال ابن حجر: والبلال بمعنى البلل وهو النداوة وأطلق ذلك على الصلة كما أطلق اليبس على القطيعة، لأن النداوة من شأنها تجميع ما يحصل فيها وتأليفه بخلاف اليبس فمن شأنه التفريق, وقال الخطابي وغيره: بللت الرحم بلاً وبللاً وبلالا أي نديتها بالصلة( ).
270- عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قال رسول الله : عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره؛ فصمت فجاءني جبريل  فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك بالنار. قال: فدعاني فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين؛ فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام, وأعد لنا عسل ولبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت؛ فاجتمعوا له يومئذ وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون؛ فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب الكافر الخبيث فقدمت إليهم تلك الجفنة؛ فأخذ رسول الله  منها حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها, وقال: كلوا بسم الله فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله : اسقهم يا علي. فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا منه جميعاً, وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله؛ فلما أراد رسول الله  أن يكلمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال: لهدّما - كلمة تعجب - سحركم صاحبكم فتفرقوا, ولم يكلمهم رسول الله ؛ فلما كان من الغد قال رسول الله : يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم. ففعلت ثم جمعتهم له فصنع رسول الله  كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا عنه ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا, وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها، ثم قال رسول الله : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل من ما جئتكم به إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة( ).
271- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أتتني أمي راغبة في عهد النبي  فسألت النبي  آصلها؟ قال: ((نعم)). قال ابن عيينة فأنزل الله تعالى فيها: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ [الممتحنة:8]( ).
272- عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبى وقاص قال: نزلت فيّ أربع آيات من كتاب الله تعالى، كانت أمى حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمدا ؛ فأنزل الله عز وجل: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا, والثانية إني كنت أخذت سيفاً أعجبنى فقلت: يا رسول الله هب لي هذا؟ فنزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ، والثالثة إني مرضت فأتاني رسول الله  فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أقسم مالي أفأوصى بالنصف؟ فقال: لا. فقلت: الثلث. فسكت. فكان الثلث بعده جائزاً، والرابعة إني شربت الخمر مع قوم من الأنصار فضرب رجل منهم أنفى بلحيى جمل فأتيت النبي  فأنزل الله عز وجل تحريم الخمر( ).
273-عن ابن عباس: أن رسول الله  تزوج ميمونة بنت الحارث في سفرته في هذه العمرة, وكان الذي زوجه العباس بن عبد المطلب؛ فأقام رسول الله بمكة ثلاثاً فأتاه حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل في نفر من قريش في اليوم الثالث, وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله  من مكة. فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا. فقال النبي : وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه. قالوا: لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا. فخرج رسول الله  وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه بها بسرف؛ فبنى بها رسول الله  هنالك ثم انصرف رسول الله  إلى المدينة في ذي الحجة( ).
موافقة أهل الكتاب
274- ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي  يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه, وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم, وكان المشركون يفرقون رؤوسهم فسدل النبي  ناصيته ثم فرق بعد( ).
275- عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت {الم *غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ}، فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم, وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}، فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث؛ فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق  يصيح في نواحي مكة: {الم *غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ}، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بينا وبينكم زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارساً في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان. وقالوا لأبي بكر: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال: في بضع سنين. قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير( ).
تعزية غير المسلم وجواز دفنه
276- عن عبد الرزاق قال: سمعت ابن جريج والثوري يقولان: يعزي المسلم الذمي يقول: لله السلطان والعظمة عش يا ابن آدم ما عشت لا بد من الموت( ).
277- عن معمر قال: لو كان معي يهودي أو نصراني فمات, وليس معه من أهل دينه أحد اذا أدفنه ولم أترك السباع تأكله ولا أغسله ولا أصلي عليه( ).
278- عن ابن جريج قال : قال لي عطاء : وليتبع الكافر جنازة المسلم ( ).
279- عن ابن جريج قال: سمعت سليمان بن موسى يقـول: كانوا يتبعون جنائزنـا( ).
280- قال عبد الرزاق: مات سليمان بن داود فتبعه اليهود والنصارى مع المسلمين. قال معمر: ولا بأس به( ).
281- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرت بنا جنازة فقام لها النبي  وقمنا له فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي؟ قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا))( ).
282- عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما. فقيل لهما: إنهما من أهل الأرض أي من أهل الذمة. فقال: إن النبي  به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال : ((أليست نفساً))( ).
قال القاضي عياض( ): ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي, وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه الا إذا تعذر الجمع, وهو هنا ممكن. قال: والمختار أنه مستحب( ).
الإرث والوصية
283- عن عامرالشعبي قال: لا بأس أن يوصي لليهودي والنصراني( ).
284- عن قتادة: إِلاّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا، قال: أولياؤك من أهل الكتاب يقول: وصية ولا ميراث لهم( ).
285-عن قتادة في قوله: إِلاّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا، قال: إلا أن يكون لك ذو قرابة ليس على دينك فتوصي له بالشيء، هو وليك في النسب وليس وليك في الدين. وقال الحسن مثل ذلك( ).
286- عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعه وهو يسأل عن الوصية لأهل الشرك قال: لا بأس بها( ).
287- وقال الحسن: لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث( ).
288- عن ابن جريج قال: قلت لعطاء ما قوله: إِلاّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا، قال: العطاء. قلت: عطاء المؤمن الكافر بينهما قرابة؟ قال: نعم عطاؤه إياه حيا ووصيته له( ).
289- عن نافع عن ابن عمر: إن صفية أوصت لنسيب لها يهودي( ).
الزواج من أهل الكتاب
الأصل فيه: .. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ.. [المائدة:5].
الرواية والحديث عنهم
290- عن عمرو بن الشريد عن أبيه: قال ردفت رسول الله  يوماً فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئاً؟ قلت: نعم. قال: ((هيه)). فأنشدته بيتاً، فقال: ((هيه))، ثم أنشدته بيتاً، فقال: ((هيه))، حتى أنشدته مائة بيت( ).
فوائد الحديث: أن النبي  استنشد من شعر أمية بن أبي الصلت وهو مشرك.
291- عن أبي هريـرة  قـال: قـال رسـول الله : ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))( ).
292- عن عبد الله بن عمرو قال: كان نبي الله  يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى عظم (أي أكثره ومعظمه) صلاة( ).

الإحسان إلى غير المسلمين
293- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي  في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم؛ فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم. فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً؛فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين}. فكأنما نشط من عقال؛ فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: أقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي  فنذكر له الذي كان؛ فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله فذكروا له فقال: ((وما يدريك أنها رقية)). ثم قال: ((قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما)). فضحك رسول الله ( ).
294- أن عبد الله بن عمرو: أنه ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله  يقول: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))( ).
295- عن أبي بصرة الغفاري قال: أتيت النبي  لما هاجرت وذلك قبيل أن أسلم فحلب لي شويهة كان يحلبها لأهله فشربتها؛ فلما أصبحت أسلمت، وقال عيال رسول الله : نبيت الليلة كما بتنا البارحة جياعاً. فحلب لي رسول الله  شاة فشربتها ورويت فقال لي النبي : ((أرويت؟)). قلت : يا رسول الله قد رويت ما شبعت ولا رويت قبل اليوم. فقال رسول الله : ((إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المؤمن يأكل في معاء واحد))( ).
296- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر أتي بالأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي  له قميصاً فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي  إياه؛ فلذلك نزع النبي  قميصه الذي ألبسه( ).
قال ابن عيينة: كانت له عند النبي  يد فأحب أن يكافئه.
297- عن عثمان بن أبي سليمان: أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد منهم جبير بن مطعم. قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي ( ).
298- عمران بن حصين: أنهم كانوا مع النبي  في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس؛ فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر, وكان لا يوقظ رسول الله  من منامه حتى يستيقظ، فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي  فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا؛ فلما انصرف قال: ((يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا)). قال: أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله  في ركوب بين يديه وقد عطشنا عطشا شديداً؛ فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة، فقلنا: انطلقي إلى رسول الله  قالت: وما رسول الله؟ فلم نكلمها من أمره حتى استقبلنا بها النبي  فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها مؤتمة، فأمر بمزادتيها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشاً أربعين رجلاً حتى روينا فملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنه لم نسق بعيراً, وهي تكاد تنض من الملء ثم قال: ((هاتوا ما عندكم)). فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها. قالت: لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا( ).
فوائد الحديث: أن النبي  وأصحابه قابلوا إحسان المرأة بإحسان فلم يتعرضوا لها ولا لقومها.
قبول دعوة غير المسلمين
299-عن أنس: أن يهودياً دعا رسول الله  إلى خبز شعير وأهالة سنخة فأجابه, وقد قال أبان أيضاً: أن خياطاً( ).
300- عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنت مرة في أرض قطعها النبي  لأبي سلمة والزبير في أرض النضير فخرج الزبير مع رسول الله , ولنا جار من اليهود فذبح شاة فطبخت فوجدت ريحها فدخلني من ريح اللحم ما لم يدخلني من شيء قط, وأنا حامل بابنة لي تدعى خديجة، فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأته أقتبس منها ناراً لعلها تطعمني، وما بي من حاجة إلى النار؛ فلما شممت ريحه ورأيته ازددت شراً فأطفأته ثم جئت الثانية أقتبس مثل ذلك، ثم الثالثة، فلما رأيت ذلك قعدت أبكي وأدعو الله فجاء زوج اليهودية فقال: أدخل عليكم أحد؟ قالت: [لا إلا] العربية دخلت تقتبس ناراً. قال: فلا آكل منها أبدا أو ترسلي إليها منها. فأرسلت إلي بقدحة ولم يكن في الأرض شيء أدعى إلي من تلك الأكلة( ). قال ابن بكير: القدحة عرقة .
المن عليهم بالعتق
301- عن علي  قال: كان آخر كلام رسول الله : ((الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))( ).
302- عن إسماعيل بن أبي حكيم: أن عمر بن عبد العزيز أعتق غلاماً له نصرانياً( ).
303- عن ابن عمر: أنه أعتق غلاماً له نصرانياً كان وهبه لبعض أهله فرجع إليه في ميراث فأعتقه( ).
304- عن خارجة بن زيد أن أباه أعتق غلاما له مجوسياً( ).
العفو عنهم
305- جاء في وصف النبي : عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت: أخبرني عن صفة رسول الله  في التوراة. قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحزرا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله, ويفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً( ).
306- وقال كعب: نجده مكتوباً محمد رسول الله  لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، وأمته الحمادون يكبرون الله عز وجل على كل نجد ويحمدونه في كل منزلة, ويتأزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء, لهم بالليل دوي كدوي النحل, ومولده بمكة ومهاجره بطيبة, وملكه بالشام( ).
307- عن عائشة قالت: سحر النبي  يهودي من يهود بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم حتى كان النبي  يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا النبي  ثم دعا ثم قال: ((يا عائشة أشعرت أن الله جل وعلا قد أفتاني فيما استفتيته؟ قد جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي, وجلس الآخر عند رجلي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، فقال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذي ذروان)). قالت: فأتاها رسول الله  في أناس من أصحابه ثم جاء فقال: ((يا عائشة فكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين)). فقلت: يا رسول الله فهلا أحرقته أو أخرجته؟ قال: ((أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس منه شيئاً))، فأمر بها فدفنت( ).
308- عن عائشة: أن النبي  سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه( ).
309- وقال ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب سئل: أعلى من سَحر من أهل العهد قَتل؟ قال : بلغنا أن رسول الله  قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه, وكان من أهل الكتاب( ).
فوائد الحديث: أن النبي  عفا عن اليهودي, وكان بإمكانه الاقتصاص منه.
310- عن سراقة بن خعشم قال: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله  وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره؛ فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس. فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمداً وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلاناً انطلقوا بأعيينا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي, وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره؛ فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى سمعت قراءة رسول الله , وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات, ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت؛ فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان؛ فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله . فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضوا عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: ((أخف عنا)). فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله ( ).
فوائد الحديث: أن النبي  عفا عن سراقة مع أنه أراد النيل من النبي .
311- عن أبي هريرة  قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي  شاة فيها سم، فقال النبي : ((اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود)). فجمعوا له فقال: ((إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه)). فقالوا: نعم. قال لهم النبي : ((من أبوكم))؟. قالوا: فلان. فقال: ((كذبتم بل أبوكم فلان)). قالوا: صدقت. قال: ((فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه))؟. فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: ((من أهل النار؟)). قالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها. فقال النبي : ((اخسؤوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا)). ثم قال: ((هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه)). فقالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: ((هل جعلتم في هذه الشاة سماً))؟. قالوا: نعم. قال: ((ما حملكم على ذلك)). قالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح وإن كنت نبياً لم يضرك( ).
312- عن أنس بن مالك : أن يهودية أتت النبي  بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال: ((لا)). فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله ( ).
313- عن أبي هريرة  قال: مر رسول الله  على عبد الله بن أبي ابن سلول وهو في ظل أجمة فقال: قد غبر علينا ابن أبي كبشة. فقال ابنه عبد الله بن عبد الله: والذي أكرمك والذي أنزل عليك الكتاب لئن شئت لآتينك برأسه. فقال رسول الله : لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته( ).
114- عن شيبة قال: كنت أقول والله لو آمن بمحمد جميع الناس ما آمنت به؛ فلما فتح مكة وخرج إلى هوازن خرجت معه رجاء أن أجد فرصة آخذ بثأر قريش كلها منه قال: فاختلط الناس ذات يوم ونزل رسول الله  عن بغلته فدنوت منه وانتضبت سيفى لأضربه به؛ فرفع لى شواظ من نار كاد يمحشني، فالتفت إليّ رسول الله . وقال: ((يا شيبة ادن منى فدنوت منه فوضع يده على صدرى وقال: اللهم أعذه من الشيطان)). قال: فوالله ما رفع يده حتى لهو يومئذ أحب إلى من سمعى وبصرى، ثم قال: ((اذهب فقاتل)). قال: فتقدمت إلى العدو والله لو لقيت أبى لقتلته لو كان حياً؛ فلما تراجع الناس قال لى: يا شيبة الذى أراد الله بك خير مما أردت لنفسك ثم حدثنى بكل ما كان فى نفسى مما لم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل فتشهدت. وقلت: أستغفر الله فقال: ((غفر الله لك))( ).
315- وقال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن وفد هوازن أتوا النبي  وقد أسلموا قالوا: يا رسول الله إنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك؛ فامنن علينا من الله عليك قال: وكان رجل من هوازن يكنى أبا صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك.. فذكر الحديث والشعر بطوله.
قال ابن حجر رحمه الله: وقد وقع لي هذا الحديث وفيه الشعر عالياً عشاري الإسناد ذكرته في "العشرة العشارية" وأمليته من وجه آخر في "الأربعين المتباينة." وأعل بن عبد البر إسناده بأمر غير قادح قد أوضحته في "لسان الميزان" في ترجمة زياد بن طارق, والله المستعان( ).
316- أنس بن مالك قال: مر يهودي برسول الله  فقال: السام عليك! فقال رسول الله : ((وعليك)). فقال رسول الله : ((أتدرون ما يقول؟ قال: السام عليك)). قالوا : يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: ((لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم))( ).
317- عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي  فقالوا: السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة فقال: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)). قلت: أولم تسمع ما قالوا! قال: ((قلت: وعليكم))( ).
318- عن عائشة قالت: كان على رسول الله  ثوبان قطريان غليظان فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه؛فقدم بز من الشام لفلان اليهودي فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله : ((كذب قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة))( ).
319- عن أبي هريرة : أن النبي  لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام وأبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد على الخيل, وقال: يا أبا هريرة اهتف بالأنصار قال: اسلكوا هذا الطريق فلا يشرفن لكم أحد إلا أنمتموه فنادى مناد لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله : ((من دخل داراً فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن)), وعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة فغص بهم وطاف النبي  وصلى خلف المقام ثم أخذ بجنبتي الباب فخرجوا فبايعوا النبي  على الإسلام.
زاد فيه القاسم بن سلام بن مسكين عن أبيه بهذا الإسناد قال: ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: ((ما تقولون وما تظنون؟)). قالوا: نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم قال: وقالوا ذلك ثلاثاً. فقال رسول الله : أقول كما قال يوسف: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. قال: فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام( ).
320- قال محمد بن اسحاق: حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله  قام على باب الكعبة فقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى؛ فهو موضوع تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج, ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة مائة من الابل أربعون منها في بطونها أولادها. يا معشر قريش, إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} الآية كلها ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟)). قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم .قال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))( ).
321- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه غزا مع رسول الله  قبل نجد؛ فلما قفل رسول الله  قفل معه؛ فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله , وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله  تحت سمرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة ثم إذا رسول الله  يدعونا فجئناه؛ فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله : ((إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله فها هو ذا جالس)). ثم لم يعاقبه رسول الله ( ).
322- عن ابن عباس: أن ضماداً قدم مكة كان من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمداً مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي على يدي من يشاء فهل لك؟ فقال رسول الله : ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد)). قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء فأعادهن عليه رسول الله  ثلاث مرات قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء؛ فما سمعت مثل كلمات هؤلاء, ولقد بلغن ناعوس البحر. قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام قال: فبايعه فقال رسول الله ، وعلى قومك، قال وعلى قومي قال: فبعث رسول الله  سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟. فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة فقال: ردوها؛ فإن هؤلاء قوم ضماد( ).
323- قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير, وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش, وممن كان يؤذي رسول الله  وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة, وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر. قال ابن هشام: والذي أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر عن عروة فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: والله ما أن في العيش [بعدهم] خير قال له عمير: صدقت أما والله لولا دين عليَّ ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم. فقال له عمير: فاكتم عليّ شأني وشأنك قال: سأفعل. قال: ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف. فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر, وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله  فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه. قال: فأدخله عليّ. قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها وقال: لمن كان معه من الأنصار أدخلوا على رسول الله  فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث؛ فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله ؛ فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله يا عمر أدن يا عمير فدنا ثم قال: أنعم صباحاً وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم. فقال رسول الله : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة. قال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال: فما جاء بك يا عمير قال: جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: فما بال السيف في عنقك. قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئاً. قال: اصدقني ما الذي جئت له. قال: ما جئت إلا لذلك. قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت: لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني له, والله حائل بينك وبين ذلك. فقال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي, وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان؛ فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للاسلام, وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله : فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره ففعلوا ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله  فلحق بمكة وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر, وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبداً ولا ينفعه بنفع أبداً.
قال ابن إسحاق: فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعوا إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا فأسلم على يديه ناس كثير( ).
324- عن أبي هريرة  قال: بعث رسول الله  عشرة رهط سرية عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر؛ فأنطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريباً من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمراً تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحداً. قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر؛ فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم؛ فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا ؛ فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب, والله لقد وجدته يوماً يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيباً( ).
فوائد الحديث: هذا الحديث من أعظم الأحاديث التي تدل على سماحة الإسلام فقد كان بإمكان خبيب  أن يقتل الغلام وهو يعلم أنهم سيقتلونه, ومع ذلك لم يتعرض له بأذى.
325-قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه وعبد الله بن أبي عبيدة عن جعفر بن [الفضل بن الحسن بن] عمرو بن أمية الضمري وعبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عوف قالوا: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة ما أحد يغتال محمداً فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا؛ فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله, وقال له: إن أنت وفيتني وخرجت اليه حتى أغتاله فإني هاد بالطريق خريت معي خنجر مثل خافية النسر. قال: أنت صاحبنا وأعطاه بعيراً ونمقه وقال: اطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه إلى محمد قال: قال العربي: لا يعلمه أحد فخرج ليلاً على راحلته فسار خمساً وصبح ظهر الحي يوم سادسه ثم أقبل يسأل عن رسول الله  حتى أتى المصلى فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل فخرج الأعرابي يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل فعقل راحلته ثم أقبل يؤم رسول الله  فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجده؛ فلما دخل ورآه رسول الله  قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدراً والله حائل بينه وبين ما يريده فوقف وقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال له رسول الله : أنا ابن عبد المطلب فذهب ينحني على رسول الله  كأنه يساره فجبذه أسيد بن حضير, وقال: تنح عن رسول الله  وجذب بداخل إزاره فإذا الخنجر فقال: يا رسول الله هذا غادر فأسقط في يد الأعرابي وقال: دمي دمي يا محمد وأخذه أسيد بن حضير يلببه فقال له النبي : اصدقني ما أنت وما اقدمك فإن معه نفعك الصدق وإن كذبتني فقد اطلعت على ما هممت به. قال العربي: فأنا آمن قال: وأنت آمن فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير ثم صارا من الغد فقال: قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك قال: وما هو؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك أنت رسول الله والله يا محمد ما كنت أفرق من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت ثم اطلعت على ما هممت به؛ فما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق( ).
326- وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن حميد ثنا سلمة ثنا ابن إسحاق عن زيد بن أبي حبيب قال: وبعث عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فإن تسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك). قال: فلما قرأه شقه وقال: يكتب إلي بهذا وهو عبدي قال: ثم كتب كسرى إلى باذام وهو نائبه على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به فبعث باذام قهرمانه وكان كاتباً حاسباً بكتاب فارس, وبعث معه رجلاً من الفرس يقال له خرخرة وكتب معهما إلى رسول الله  يأمره أن ينصرف معهما الى كسرى وقال لأباذويه: إيت بلاد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره؛ فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجلاً من قريش في أرض الطائف فسألوه عنه فقال: هو بالمدينة واستبشر أهل الطائف يعني وقريش بهما وفرحوا وقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله  فكلمه أباذويه. فقال: شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذام يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك, وقد بعثني إليك لتنطلق معي فإن فعلت كتب لك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك, وإن أبيت فهو من قد علمت فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك, ودخلا على رسول الله  وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما؛ فكره النظر اليهما وقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا ربنا يعنيان كسرى. فقال رسول الله : ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال: ارجعا حتى تأتياني غداً قال: وأتى رسول الله  الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا من ليلة كذا وكذا من الليل سلط عليه ابنه شيرويه فقتله. قال: فدعاهما فأخبرهما، فقالا: هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا فنكتب عنك بهذا, ونخبر الملك باذام قال: نعم أخبراه ذاك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى, وينتهي الى الخف والحافر وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء ثم أعطى خرخرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على باذام فأخبراه الخبر. فقال: والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبياً كما يقول, وليكونن ما قد قال؛ فلئن كان هذا حقاً فهو نبي مرسل, وإن لم يكن فسنرى فيه رأيا؛ فلم ينشب باذام أن قدم عليه كتاب شيرويه أما بعد فإني قد قتلت كسرى وما أقتله إلا غضباً لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم ونحرهم في ثغورهم؛ فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانطلق إلى الرجل الذي كان كسرى قد كتب فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه ؛فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذام قال: إن هذا الرجل لرسول فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن( ).
فوائد الحديث: أن النبي  لم يتعرض لرسولي كسرى مع أنهم جاءا للقبض والنيل من النبي  بل وعفا عنهم.
327- عن ابن إسحاق: كان مسيلمة بن حبيب كتب إلى رسول الله : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك فإن لنا نصف الأمر ولقريش نصف الأمر, ولكن قريشاً قوم يعتدون فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب؛ فكتب اليه رسول الله : ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)).
328- قال ابن اسحاق: فحدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال سمعت رسول الله  حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما: وأنتما تقولان مثل ما يقول؟ قالا: نعم. فقال: ((أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما))( ).
العدل مع غير المسلمين
329- عن ابن عمر: أن رسول الله  قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله  الصفراء والبيضاء ويخرجون منها، فاشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة، فغيبوا مسكاً فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله : لعم حيي: ((ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟)). فقال: أذهبته النفقات والحروب. فقال : ((العهد قريب المال أكثر من ذلك))، فدفعه رسول الله  إلى الزبير بن العوام فمسه بعذاب, وقد كان حيي قبل ذلك قد دخل خربة فوجدوا المسك في خربة فقتل رسول الله  أبني [أبي] حقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى رسول الله  نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم منها فقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله  ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها؛ فكانوا لا يتفرغون أن يقوموا فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله , وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام يخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر قال: فشكوا إلى رسول الله  شدة حرصه وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله أتطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي, ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير, ولايحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض( ).
330- عن ابن أبي حدرد الأسلمي: أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه فقال: يا محمد أن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها. فقال: أعطه حقه قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها. قال: أعطه حقه. قال : والذي نفسي بيده ما أقدر عليها قد أخبرته إنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئا فأرجع فأقضه قال: أعطه حقه قال: وكان النبي  إذا قال ثلاثاً لم يراجع، فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة, وهو متزر ببرد فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها ونزع البردة فقال: أشتر مني هذه البردة فباعها منه بأربعة الدراهم فمرت عجوز فقالت: مالك يا صاحب رسول الله  فأخبرها فقالت: ها دونك هذا ببرد عليها طرحته عليه( ).
331- عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له. فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم قال: وما يدريك؟ فقال له اليهودي: إنا نجد أنه ليس قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق فإذا ترك الحق عرجا وتركاه( ).
332- عن الزهري: أن يهودياً جاء إلى عبد الملك بن مروان فقال: إن ابن هرمز ظلمني؛ فلم يلتف إليه ثم الثانية ثم الثالثة فلم يلتفت إليه، فقال له اليهودي: إنا نجد في كتاب الله عز و جل في "التوراة": أن الإمام لا يشرك في ظلم و لا جور حتى يرفع إليه؛ فإذا رفع إليه فلم يغير شرك في الجور و الظلم. قال: ففزع بها عبد الملك و أرسل إلى ابن هرمز فنزعه( ).
333- عن عبد الله بن أبي سفيان يعني ابن الحارث بن عبد المطلب قال: جاء يهودي يتقاضى النبي  فأغلظ للنبي  فهم به أصحابه، فقال رسول الله : ((ما قدس الله أو قال: ما يرحم الله أمة لا يأخذون للضعيف منهم حقه غير متعتع))( ).
334- وله شاهد صحيح عند ابن ماجه، إلا أنه قال أعرابي بدل يهودي: فعن عند ابن ماجه (2426) عن أبي سعيد الخدري قال: جاء أعرابي إلى النبي  يتقاضاه ديناً كان عليه؛ فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني, فانتهره أصحابه وقالوا ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي. فقال النبي : ((هلامع صاحب الحق كنتم؟))، ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: ((إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك))، فقالت: نعم. بأبي أنت يا رسول الله. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال: ((أولئك خيار الناس إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع))( ).
335- عن عبد الله  قال: قال رسول الله : ((من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)). قال: فقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك؛ كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي  فقال لي رسول الله : ((ألك بينة؟)). قلت: لا، قال فقال لليهودي: ((احلف)). قال: قلت: يا رسول الله إذاً يحلف ويذهب بمالي؛ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}، إلى آخر الآية( ).
336- عن شريح قال: لما توجه علي الى حرب معاوية افتقد درعاً له؛ فلما انقضت الحرب ورجع الى الكوفة أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق. فقال له علي: يا يهودي هذه الدرع درعي لم أبع ولم أهب. فقال اليهودي: درعي وفي يدي فقال علي: نصير إلى القاضي فتقدما إلى شريح فجلس علي إلى جنب شريح وجلس اليهودي بين يديه فقال علي: لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس، سمعت رسول الله  يقول: صغروا بهم كما صغر الله بهم. فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين فقال: نعم، إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي لم أبع ولم أهب. فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ فقال: درعي وفي يدي. فقال شريح: يا أمير المؤمنين، بينة. قال: نعم، قنبر والحسن يشهدان أن الدرع درعي. قال: شهادة الابن لا تجوز للأب. فقال: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، سمعت رسول الله  يقول: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه وقاضيه قضى عليه، أشهد أن هذا للحق أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وأن الدرع درعك كنت راكبا على جملك الأورق وأنت متوجه إلى صفين فوقعت منك ليلاً؛ فأخذتها وخرج يقاتل مع علي الشراة بالنهروان فقتل( ).
337- عن يحيى بن محمد يقول: حضرت بالري مجلس موسى بن إسحق في الجامع وقد جلس للحكم فقدم إليه يهودي فصاح اليهودي: أيها القاضي أنا رجل يهودي لا يمكنني أن أدخل المسجد؛ فقام موسى من مجلس الحكم وصار إلى باب المسجد فحكم بينه وبين صاحبه؛ فلم يزل باليهودي حتى أسلم( ).
338-قوله تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]. وذلك أن نفراً من الأنصار غزوا مع النبي  في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم فأظن بها رجلاً من الأنصار فأتى صاحب الدرع رسول الله  فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي فأتي به رسول الله ؛ فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء. وقال لنفر من عشيرته: إني قد غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده فانطلقوا إلى نبي الله  ليلاً فقالوا: يا نبي الله إن صاحبنا بريء وإن سارق الدرع فلان, وقد أحطنا بذلك علماً فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك! فقام رسول الله  فبرأه وعذره على رؤوس الناس فأنزل الله: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا، يقول: احكم بينهم بما أنزل الله إليك في الكتاب، وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا* وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ الآية، ثم قال للذين أتوا رسول الله عليه السلام ليلاً: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ إلى قوله: أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً، يعني : الذين أتوا رسول الله  مستخفين يجادلون عن الخائن ثم قال: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا، يعني : الذين أتوا رسول الله  مستخفين بالكذب ثم قال: وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، يعنى: السارق والذين يجادلون عن السارق.
وقال ابن جرير الطبري:
339- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: في قوله: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ، الآية قال: كان رجل سرق درعاً من حديد في زمان النبي  وطرحه على يهودي فقال اليهودي: والله ما سرقتها يا أبا القاسم, ولكن طرحت علي! وكان للرجل الذي سرق جيران يبرئونه ويطرحونه على اليهودي ويقولون: يا رسول الله إن هذا اليهودي الخبيث يكفر بالله وبما جئت به! قال: حتى مال عليه النبي  ببعض القول فعاتبه الله عز وجل في ذلك فقال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا* وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ، بما قلت لهذا اليهودي، إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، ثم أقبل على جيرانه فقال: هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فقرأ حتى بلغ: أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً قال: ثم عرض التوبة فقال: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فما أدخلكم أنتم أيها الناس على خطيئة هذا تكلمون دونه، وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا، وإن كان مشركاً: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، فقرأ حتى بلغ: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ، فقرأ حتى بلغ: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى قال: أبى أن يقبل التوبة التي عرض الله له وخرج إلى المشركين بمكة فنقب بيتاً يسرقه فهدمه الله عليه فقتله، فذلك قول الله تبارك وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، فقرأ حتى بلغ: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا، ويقال: هو طعمة بن أبيرق وكان نازلاً في بني ظفر( ).
مظاهر التسامح في الجهاد
الجهاد في الإسلام مصون بأحكام وقواعد وآداب شرعية كان النبي  يوصي بها قادته حينما يوجههم ليجاهدوا في سبيل الله كما في حديث بريدة( ).
1. النهي عن القتال قبل الدعوة.
2. النهي عن قتل النساء والصبيان ومن لا يقاتل كالرهبان والقساوسة ومن فـي حكمهم.
3. النهي عن الغدر والمثلة.
4. الأمر بالوفاء بالعهود والواثيق.
340- عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كانرسول الله  إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: ((اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام؛ فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين, وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم مـا على المهاجرين؛ فإن أبوا أن يتحولوا منهـا فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجـري على المؤمنين, ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهـدوا مع المسلمين؛ فإن هم أبوا فسلهم الجزية؛ فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم))( ).
341- وقال أبو بكر الصديق في وصيته لجيوش المسلمين قال: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة, سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له( ).
342- وفي وصية عمر كذلك لجيوش المسلمين: فإن قاتلوكم فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً( ).
343- وأخرج الترمذي(1548) كتاب السير في ما جاء في الدعوة قبل القتال عن أبي البختري: أن جيشاً من جيوش المسملين كان أميرهم سلمان الفارسي حاصروا قصراً من قصور فارس فقالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ قال: دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله  يدعوهم فأتاهم سلمان فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي ترون العرب يطيعونني فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا, وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون. قال:ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين وإن أبيتم نابذناكم على سواء. قالوا: ما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم فقالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا ثم قال: انهدوا إليهم قال: فهندنا إليهم ففتحنا ذلك القصر( ).
344- وعن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله  علي بن أبي طالب إلى قوم يقاتلهم ثم بعث إليه رجلاً فقال : ((لا تدعه من خلفه وقل له: لا تقاتلهم حتى تدعوهم))( ).
345- عن ابن عباس قال: ما قاتل النبي  قوماً حتى يدعوهم( ).
346- عن أبي بن كعب  قال: أتى رسول الله  بأسارى من اللات والعزى قال: فقال رسول الله : هل دعوهم إلى الإسلام؟ فقالوا: لا فقال لهم: هل دعوكم إلى الإسلام؟ فقالوا: لا، قال :خلوا سبيلهم حتى يبلغوا مأمنهم ثم قرأ رسول الله  هاتين الآيتين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى، إلى آخر الآية( ).
347- عن خالد بن سعيد قال: بعثني رسول الله  إلى اليمن فقال: ((من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذان فلا تعرض لهم, ومن لم تسمع فيهم الأذان فادعهم إلى الإسلام فإن لم يجيبوا فجاهدهم))( ).
348- وعن أبي وائل قال: كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس يدعوهم إلى الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رسيم ومهران وملأ فارس؛ سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإنا ندعوكم إلى الإسلام؛ فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون؛ فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر, والسلام على من اتبع الهدى( ).
349- عن عبدالله: أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله  مقتولة فأنكر رسول الله  قتل النساء والصبيان( ).
350- عن الزهري عن ابن أخي كعب بن مالك عن عمه : أن رسول الله  لما بعثهم إلى ابن أبي الحقيق نهاهم عن قتل النساء والصبيان( ).
351- عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كان رسول الله  إذا بعث سرية قال: ((بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان))( ).
352- عن ابن عباس: عن رسول الله : أنه كان إذا بعث جيوشه قال: ((أخرجوا باسم الله فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع))( ).
353- عن الأسود بن سريع قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية فبلغ النبي  فقال: ((أوليس خياركم أولاد المشركين ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه))( ).
354- عن عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله  يقول: ((أيما رجل أمن رجلا على دمه ثم قتله؛ فأنا من القاتل بريء و وإن كان المقتول كافراً))( ).
355- عن أنس بن مالك: أن رسول الله  قال: ((انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولاتقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولاصغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}))( ).
356- عن رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله  في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شىء فبعث رجلاً فقال: ((انظر علام اجتمع هؤلاء))، فجاء فقال على امرأة قتيل فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل))، قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلاً فقال: ((قل لخالد لا تقتلن امرأة ولا عسيفاً))( ).
وبوب سعيد بن منصور: باب ما جاء في قتل الرهبان والشمامسة:
357- عن بكر بن سوادة أنه قال:لم نر الجيوش يهيجون الرهبان الذين على الأعمدة ولم نزل ننهى عن قتلهم إلا أن يقاتلوا( ).
358- عن ثابت بن الحجاج الكلابي قال: قام أبو بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا لا يقتل الراهب في الصومعة( ).
359- عن مجاهد قال: لا يقتل في الحرب الصبي ولا امرأة ولا الشيخ الفاني ولا يحرق الطعام ولا النخل ولا تخرب البيوت ولا يقطع الشجر المثمر( ).
360- عن يحيى بن سعيد قال: حدثت أن أبا بكر بعث جيوشاً إلى الشام فخرج يتبع يزيد بن أبي سفيان فقال: إني أوصيك بعشر لا تقتلن صبياً ولا امرأة ولا كبيراً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا الماكلة ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنه ولا تغلل ولا تجبن( ).
361- عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190]. قال: فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية, ومن لم ينصب ذلك الحرب منهم( ).
362- خالد بن معدان قال: نهى رسول الله  عن المثلة( ).
363- عن مكحول أن رسول الله  نهى جيوشه أن يمثلوا بأحد من الكفار( ).
364- وعن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير قال: كنت في الأسرى يوم بدر فقال رسول الله : ((استوصوا بالأسارى خيراً)). وكنت في نفر من الأنصار فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البر لوصية رسول الله ( ).
وبوب سعيد بن منصور في "سننه": باب الإشارة إلى المشركين والوفاء بالعهد، ثم روى بسنده:
365- عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب : والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل إليه على ذلك فقتله لقتلته به( ).
366- عن طلحة بن عبد الله بن كريز الخزاعي قال: قال عمر بن الخطاب: أيما رجل من المسلمين أشار بإصبعه إلى السماء فدعا رجلاً من المشركين فنزل فإن قال: والله لأقتلنك فهو آمن إنما ينزل بعهد الله وميثاقه( ).
367- عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بخانقين لهلال رمضان منا الصائم ومنا المفطر؛ فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم: إن الأهلة بعضها أكبرمن بعض؛ فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس وإذا حاصرتم أهل حصن فأرادوكم على أن تنزلوهم على حكم الله فلا تنزلوهم على حكم الله, فإنكم لا تدرون ما حكم الله فيهم, ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم احكموا فيهم ما شئتم, وإذا قلتم لا بأس أو لا تدهل أو مترس فقد أمنتموهم؛ فإن الله يعلم الألسنة( ).
368- عن شقيق بهذا الحديث قال: وإذا قال الرجل للرجل لا تخف فقد أمنه, وإذا قال مطرس فقد أمنه وإذا قال: لا تدحل فقد أمنه؛ فإن الله يعلم الألسنة( ).
369- عن ميمون بن مهران قـال: ثلاث يؤدين إلـى البر والفاجر، العهد تفي بـه إلى البر والفاجـر، والرحم تصلها برة كانت أو فاجرة، والأمانـة تؤديها إلى البر والفاجر( ).
370- عن عبد الرحمن بن يزيد قال: خرجت في جيش فيه سلمان فحاصرنا قصراً فأمناهم وفتحنا القصر وخلفنا فيه صاحبا لنا مريضاً، ثم ارتحلنا فجاء بعدنا جيش من أهل البصرة ولم يعلموا بأماننا فقال لهم: إن أصحابكم قد آمنونا فلم يقبلوا ذلك منهم ففتحوا القصر عنوة, وقتلوا الرجل المريض، ثم حملوا الذرية حتى أتوا بهم سلمان الفارسي العسكر فقال لهم سلمان: احملوا الذرية فردوها إلى القصر، وأما الدم فيقضي فيه عمر( ).
371- عن ابن سراقة: أن أبا عبيدة بن الجراح كتب لأهل دير طيايا: هذا كتاب من أبي عبيدة لأهل دير طيايا إني قد أمنتكم على دمائكم وأموالكم وكنائسكم أن تسكن أو تخرب ما لم تحدثوا أو تأووا محدثاً مغيله؛ فإذا أحدثتم أو آويتم محدثا مغيله فقد برئت منكم الذمة, وإن عليكم إقراء الضيف ثلاثة أيام, وإن ذمتنا برية من معرة الجيش شهد خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة و قضاعي بن عامر( ).
372- عن محمد بن سوقة قال: كنت جالسا عند عطاء بن رباح فأتاه رجل فقال: يا أبا محمد رجل أسرته الديلم فأخذوا عليه عهداً أن يأتيهم من المال بكذا وكذا, وإلا رجع إليهم فأرسلوه فلم يجد. قال: يفي لهم بالعهد. قال: إنهم مشركون فأبى إلا أن يفي لهم بالعهد( ).
373- عن أبي عطية الهمداني: أن عمر بن الخطاب  كتب: إن مترس أمان فهن قلتموها فهو آمن( ).
374- عن فضيل الرقاشي قال: جهز عمر جيشاً كنت فيهم فحصرنا قرية رامهرمز فكتب عبد أماناً في صحيفة شدها مع سهم رمى به إلى اليهود؛ فخرجوا بأمانه فكتب إلى عمر فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم( ).
مظاهر التسامح في الجزية
375- عن أبي رجاء الخراساني عن جسر قال: شهدت كتاب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى إلى عدي بن أرطاة قريء علينا بالبصرة: أما بعد فإن الله سبحانه إنما أمر أن تؤخذ الجزية ممن رغب عن الإسلام واختار الكفر عتيا وخسرانا مبيناً؛ فضع الجزية على من أطاق حملها وخل بينهم وبين عمارة الأرض؛ فإن في ذلك صلاحا لمعاشر المسلمين وقوة على عدوهم ثم انظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب؛ فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه، فلو أن رجلاً من المسلمين كان له مملوك كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب كان من الحق عليه أن يقوته حتى يفرق بينهما موت أو عتق, وذلك أنه بلغني أن أمير المؤمنين عمر  مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس فقال: ما أنصفناك أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، قال : ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه( ).
376- وعن كعب بن علقمة أن عرفة بن الحارث - وكانت له صحبة وقاتل مع عكرمة بن أبي جهل باليمن في الردة - مر به نصراني من أهل مصر يقال له: المندقون فدعاه إلى الإسلام فذكر النصراني النبي  فتناوله فرفع ذلك إلى عمرو بن العاص فأرسل إليهم فقال: قد أعطيناهم العهد. فقال عرفة: معاذ الله أن تكون العهود والمواثيق على أن يؤذونا في الله ورسوله إنما أعطيناهم على أن يخلى بيننا وبينهم وبين كنائسهم فيقولون فيها ما بدا لهم, وأن لا نحملهم ما لا طاقة لهم به, وأن نقاتل من ورائهم ويخلى بينهم وبين أحكامهم إلا أن يأتونا فنحكم بينهم بما أنزل الله، فقال عمرو بن العاص: صدقت( ).
377- عن أبي الجنوب قال علي: من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا ودينه كديننا( ).
378-عن عمر : أنه كتب إلى امراء أهل الجزية أن لا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، قال: وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان قال يحيى. وهذا المعروف عند أصحابنا( ).

الباب الثاني
القواعد والضوابط الفقهية والآداب السلوكية لسماحة الإسلام
مع نماذج تطبيقية
تعريف التسامح:
التسامح في لغة العرب: من السماح والسماحة الجود. سمح به يسمح بالفتح فيها سماحاً وسماحة: أي جاد وسمح له أي أعطاه والمسامحة المساهلة وتسامحوا تساهلوا. والإسماح لغة في السماح يقال سمح أسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء( ).
ويطلق التسامح ويراد به أيضا معاني قريبة منه مثل: الرحمة، العفو، والمغفرة، والصلح، والصفح، وكذلك تطلق هذه المعاني ويراد بها التسامح.
والآن نأتي إلى القواعد والضوابط الفقهية والآداب السلوكية لسماحة الإسلام:
1- تميز دين الإسلام بأنه دين اليسر ورفع الحرج والمشقة فلا عسر فيه, ولا أغلال ولا آصار, وهذه ميزة للإسلام لا يشاركه فيها دين آخر. كما قال تعالى: ]وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ[ [الأعراف:157].
2- شمل الإسلام بيسره ورفقه غير المسلمين فتسامح معهم في كثير من القضايا والأحكام ومنحهم كثيراً من الحقوق.
3- من مظاهر ذلك الرحمة الواسعة للإسلام كما قال تعالى: ]وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[ [الأعراف:156].
قال العلامة السعدي( ) رحمه الله: ]وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[، من العالم العلوي والسفلي، والبر والفاجر, المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا قد وصلت إليه رحمة الله وغمره فضله وإحسانه( ).
وعلى ذلك فقد شملت رحمة الإسلام للناس كافة حتى تعدت إلى الدواب والبهائم والطير كما تقدم معنا.
وقال ابن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب( ).
ولذلك حث الإسلام على خلق الرحمة مع غير المسلمين:
أ) تقدم أن النبي r أخبر أن الله لا يضع رحمته إلا على رحيم قالوا: يا رسول الله كلنا يرحم قال: ليس برحمة أحدكم صاحبه يرحم الناس كافة. والناس تعم المؤمن والكافر والصغير والكبير والذكر والأنثى.
ب) رفض النبي r الدعاء على المشركين لما قيل له يا رسول الله ادع على المشركين قال: إني لم أبعث لعانا, وإنما بعثت رحمة. ومثال آخر ما صنعه المشركون برسول الله r وبأصحابه فلما جاء الرجل وطلب السقيا لمضر دعا لهم النبي r بالرزق والمعافاه.
ج) طلب أيضاً أن يفتح لهم باب التوبة والرحمة.
د) يجوز تصدير الطعام إلى المشركين, وإن كانوا أهل حرب رحمة وشفقة بهم كما في قصة ثمامة فقد رفض النبي r من ثمامة أن يمنع الحنطة عن قريش لما ناشدوه بالرحم.
4- الإسلام دين هداية:
أ- حرص الإسلام على هداية الناس جميعاً وترغيبهم فيه لإنقاذهم من الضلالة إلى النور, ومن عذاب الله إلى رضوانه. وعليه بوب العلماء في كتبهم، فبوب البخاري في "صحيحه" (باب دعوة اليهود والنصارى). و(باب كتب النبي r إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل، وبوب كذلك: (باب دعاء النبي r إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله).وبوب كذلك في (باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب).
ب- دعوة غير المسلمين تكون باللين والحكمة والملاطفة كما قال تعالى:]ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[ [النحل:125].
قال ابن كثير( ): يقول تعالى آمراً رسوله محمداً r أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة، وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة، (والموعظة الحسنة): أي بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى، وقوله: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ): أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب( ).
وقال ابن كثير عند قوله تعالى: ]فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى[ [طه:44]: هذه الآية فيها عبرة عظيمة, وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين،كما قال يزيد الرقاشي: يا من يتحبب إلى من يعاديه ... فكيف بمن يتولاه ويناديه( ).
وقال وهب بن منبه: قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة.
ومن الأمثلة على ذلك ملاطفة النبي r لثمامة حتى أسلم.
ج - تكون الدعوة كذلك بإبراز محاسن هذا الدين وما يدعو إليه من مكارم الأخلاق،كما قرأ النبي r على الوليد بن المغيرة: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}.
د- من وسائل الدعوة الكتابة لهم - إرسال السفراء - مخالطتهم لهذه الغاية.
هـ - ترغيب أهل الكتاب بالإسلام ببيان مضاعفة الأجر لهم كما في حديث: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين).
و- جواز مخاطبة أهل الشرك بلفظ فيه تعظيم وتبجيل لترغيبه بالإسلام، كما قال النبي r لهرقل عظيم الروم.
ز- يجوز الدعاء للمشركين بالهداية وقد فهم من ذلك الإمام البخاري وعليه فقد بوّب: (باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم)., والأحاديث في ذلك كثيرة كما في دعاء النبي r لدوس وثقيف.
ح- جواز إكرام الوفود والسفراء والتلطف معهم كما صنع النبي r مع وفد نجران وغيره, وملاطفتهم حتى أنه مكنهم من الصلاة في المسجد.
ط- يجوز الأخذ بما تعارف عليه غير المسلمين في كتاباتهم ومراسيمهم من غير أن يكون في ذلك مخالفة شرعية كما صنع النبي r لما اتخذ الخاتم لختم الرسائل لما بلغه أنهم لا يقرؤون إلا كتابا مختوماً.
5- التسامح في الاعتقاد والعبادة: قال تعالى: ]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[ [البقرة:256].
قال ابن كثير: أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه. وسبب نزول الآية كما ذكر المفسرون يبين جانباً من إعجاز هذا الدين، حيث أن الإسلام لم يسمح للمسلمين أن يأخذوا أبناءهم الذين هودوهم صغاراً. فقد رووا عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاة - قليلة النسل - فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده (كان يفعل ذلك نساء الأنصار في الجاهلية)، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار. فقال آباؤهم: لا ندع أبناءنا (يعنون: لا ندعهم يعتنقون اليهودية)، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ [البقرة:256]( ).
من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية بالنسبة للذميين أن نتركهم وما يدينون؛ فلا نتعرض لهم في عقائدهم؛ فحرية العقيدة حق مضمون للذميين. فقد جاء في كتاب النبي r كما تقدم لأهل نجران: (ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأرضهم وملتهم وغايبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته). ولما حان وقت صلاة وفد نصارى نجران قاموا يصلون في مسجد النبي r فأراد الناس منعهم فقال رسول الله r: دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم.
وفي هذا يقول ابن القيم: جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين. وفيها: تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفى مساجدهم أيضا إذا كان ذلك عارضاً( ).
وفي عهد عمر بن الخطاب t كتب إلى أهل إيلياء - بيت المقدس: هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم.
ولما فتح خالد بن الوليد t الشام صالح الروم وجاء في هذا الصلح: على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة وعلى أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم. وبهذا فقد تركت البيع والكنائس في الشام لم تهدم لما جرى من الصلح بين المسلمين وأهل الذمة ولم يرد ذلك الصلح على خالد بن الوليد أبو بكر ولا رده عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم أجمعين( ).
ومن ذلك ما كتبه سويد بن مقرن لرزبان صول بن رزبان وأهل دهستان وسائر أهل جرجان: إن لكم الذمة وعلينا المنعة على أن عليكم من الجزاء في كل سنة على قدر طاقتكم على كل حالم, ومن استعنا به منكم؛ فله جزاؤه في معونته عوضاً من جزائه, ولهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم, ولا يغير شيء من ذلك هو إليهم ما أدوا وأرشدوا ابن السبيل ونصحوا وقروا المسلمين ولم يبد منهم سل ولا غل, ومن أقام فيهم فله مثل ما لهم ومن خرج فهو آمن حتى يبلغ مأمنه( ).
ومن الأمثلة على ذلك لما أراد السلطان العثماني سليم الأول طرد اليهود والنصارى من مملكة الدولة العثمانية ليجعلها صافية إلا من الإسلام قام في وجهه العلماء من مشايخ الدولة العثمانية, وقالوا له بلا محاباة: ليس لك على النصارى واليهود إلا الجزية وليس لك أن تخرجهم عن أوطانهم فيمتثل السلطان العثماني لذلك امتثالاً للشرع الشريف( ).
ومن الأمثلة المعاصرة كذلك أن حائط المبكى الذي يعتبره اليهود اليوم أقدس ذكرياتهم استعادوه في عهد السلطان سليمان القانوني - العاشر الهجري - كما جاء في عدد (23) ربيع الأول 1387هـ، الموافق 1يوليو 1967م من النشرة الرسمية التي تصدرها حكومة إسرائيل في بومباي بعنوان: (أخبار من إسرائيل)؛ أن حائط المبكى كان منذ زمن بعيد مختفياً بين الأنقاض وأكداس القمامة .. فلما علم السلطان سليمان أرسل إلى حاكم القدس التركي يأمره بإزالة ما عليه وتنظيف المنطقة وسمح لليهود بزيارته( ).
وكذلك بقاء الكنائس النصارى ومعابد اليهود في بلاد الشام ومصر وغيرها من بلاد المسلمين إلى هذا العصر، لهو أكبر شاهد على سماحة الإسلام وعدله, وتسامحه في حرية الاعتقاد.
6- الوصية بأهل الذمة:
أ) حث الإسلام على الوصاة بأهل الكتاب وعدم التعرض لهم بظلم أو أذى وقد عمل بذلك الخلفاء بوصية رسول الله r كما في وصية عمر لما طعن وعمل بها الخلفاء من بعده.
ومن ذلك وصية أبي يوسف إلى هارون الرشيد رحمهما الله: وقد ينبغي يا أمير المؤمنين أيدك الله أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم, والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم, ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم( ).
ومن الأمثلة في ذلك أن إمام أهل الشام في عصره الإمام الأوزاعي أنكر في صراحة قوية وعزيمة صادقة لا تخشى الجهر بالحق شيئاً على الأمير صالح بن علي لما أراد إخراج أهل جبل لبنان - وهم أهل ذمة - من ديارهم وتحويلهم من بلادهم وأوطانهم إلى بلاد أخرى من أجل حادث وقع من بعضهم.
وفي رسائل الأئمة الذين استفتاهم الأمير عبد الملك بن صالح في أمر جزيرة قبرص تعبير صادق عن الإيمان العميق بما للوفاء بالعهد من مكانة في الإسلام( ).
ب) وصى النبي r بالأرقاء والعبيد وأمر بالإحسان إليهم والعفو عنهم وهم في الأغلب من غير المسلمين، بل كان ذلك آخر ما وصى به النبي r عند وفاته, ومن الأمثلة على ذلك أن عمر t كان قد أحسن إلى أبي لؤلؤة المجوسي وهو قاتله, وأمر مولاه المغيرة بن شعبة أن يرفق به.
7- حرمة دمائهم:
أ) حرم الإسلام دماء المعاهدين وأهل الذمة وعلق ذلك بدخول الجنة إن تعرض لذلك أحد بغير حق بل وجعله النبي r خصماً له يوم القيامة.
ب) جعل الإسلام لدم المعاهد اعتباراً, ومن ذلك أنه فرض الدية على من اعتدى على ذمي عمدا أو خطأ, وتقدم أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني إذا كانا معاهدين دية الحر المسلم بل وضاعفوا الدية في ذلك إذا كانوا معاهدين.
ج) حذر الإسلام من الغدر أن يؤمن الإنسان أحدا ثم يقتله ولو كان ذلك مع المحاربين.
د) يقاس على ذلك في زماننا كل من دخل بلاد المسلمين بعهد وأمان، كالسفراء، والدبلوماسيين والتجار، وكل من يدخل بلاد الإسلام بعهد الأمان أوالذمة.
8- حرمة أموالهم وأعراضهم:
أ) حق غير المسلم في حرمة ماله وعرضه: اتفق المسلمون في جميع المذاهب، وفي جميع الأقطار، ومختلف العصور، على أن غير المسلمين لهم حق الملكية الخاصة وأموالهم معصومة, وهم في حماية المجتمع المسلم بجميع مؤسساته.
والتاريخ الإسلامي من لدن نبينا محمد r، وحتى آخر الخلافات الإسلامية "الدولة العثمانية" خير شاهد على أن الإسلام كفل حق عصمة أموال غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية، وعلى ذلك استقر عمل المسلمين طوال العصور.
فمَن سرق مال ذمي قُطعت يده، ومَن غصبه عُزِّر، وأعيد المال إلى صاحبه، ومَن استدان من ذمي فعليه أن يقضي دينه، فإن مطله وهو غني حبسه الحاكم حتى يؤدي ما عليه، شأنه في ذلك شأن المسلم ولا فرق.
وبهذا سن الإسلام أعدل القوانين في التعامل مع الآخر، ولم يكن هذا أمرا نظريـاًلم يطبق على أرض الواقع، كما هي أغلب المواثيق الدولية التي تنادي بحقوق الإنسان ولا تطبق( ).
من الأمثلة على ذلك ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم أن من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فهو خصمه يوم القيامة.
ب) منع الإسلام من التعرض للقطة المعاهد واستحلالها كما تقدم فكيف بما هو أعظم من ذلك كالدم والعرض.
ج) بين النبي r حرمة التعرض لأعراضهم وبين أن من قذف مملوكه وهو بريء مما قال أقيم عليه الحد يوم القيامة.
د) رفض النبي r أن يغصب المشرك غنمه مع أنه مشرك ورفض استحلال ماله وأخذ منه شاة شراءً.
هـ) عند حديث أم سلمة مرفوعا : فمن قضيت له بحق مسلم .. الحديث.
قال الإمام النووي: هذا التقييد بالمسلم خرج على الغالب وليس المراد به الاحتراز من الكافر؛ فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد في هذا كمال المسلم( ).
وقال ابن حجر في فوائد حديث صلح الحديبية من قصة المغيرة بن شعبة لما غدر بالمشركين وأخذ أموالهم فرفض النبي r أخذ المال: ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافراً( ).
9- حرمة أذيتهم وظلمهم:
أ) لا يجوز ظلم غير المسلمين بمختلف أجناسهم ودياناتهم، وأمر النبي r باتقاء دعوة المظلوم ولو كان كافراً كما تقدم.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه الرسمي على الإنترنت تحت عنوان (الواجب على المسلم تجاه غير المسلم): لا يظلمه لا في نفس ولا في مال ولا في عرض إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً؛ فإنه يؤدي إليه حقه فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ولا يظلمه في بدنه بالضرب ولا بالقتل( ).
ب) حذر الإسلام من إسماع المعاهدين ما يكرهون كسبهم أو الطعن بهم، وعلى ذلك بوب ابن حبان في "صحيحه" في (باب ذكر إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه) .
ج) لم يهتم تشريع سماوي ولا أرضي بحفظ الأعراض كما اهتم شرعنا الحنيف. يقول الفقيه الأصولي المالكي شهاب الدين القرافي: فمن اعتدى عليهم - أي غير المسلمين - ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيَّع ذمة الله، وذمة رسوله r، وذمة دين الإسلام( ).
فالإسلام يعتبر أن أذى غير المسلم ولو بكلمة كأذى المسلم تماماً، بل قد يكون أشد، وهذا ما قرره الإسلام في فقهه النظري وتطبيقه العملي، كما يقرر هذا أيضاً العلامة ابن عابدين - من فقهاء الحنفية - بقوله: «لأنه بعقد الذمة وجب له ما لنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد( ).
10- الوفاء بالعهود والمواثيق:
أ) أمر الإسلام بالوفاء بالعهود والمواثيق وحذر من نقضها بأي صورة من الصور طالما هي موافقة لمنهج الله وشرعه وموافقة مع المصالح العامة, وقد سمى الله العهد مع الناس عهداً معه ليستحثهم على الوفاء, ويلزم من الأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق النهي عن نقضها ومع ذلك صرح القرآن بالنهي عنه تأكيدا قال تعالى: ]وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[ [النحل:91].
والوفاء بالعهد من أهم الأخلاق التي تبقي جانب الثقة في التعامل بين الناس ولهذا شدد الإسلام في شأن الوفاء بالعهد؛ فلم يتسامح فيه أبداً قال تعالى: ]وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً[ [الإسراء:34]. وذكر المولى عز وجل أن الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين، قال تعالى: ]وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[ [البقرة:177]. ولم يبح لنا الله تعالى أن ننصر إخواننا المسلمين غير الخاضعين لحكمنا على المعاهدين من الكفار لقوله تعالى: ]وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ [الأنفال:72].
فالمعاهدون لهم علينا الوفاء بعهدهم إلى المدة التي جرى الاتفاق عليها بيننا وبينهم ما داموا لم يخالفوا العهد ولم ينقصوا شيئاً ولم يعينوا أحداً علينا، قال تعالى: ]إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ[ [الأنفال:72].
وقد حث النبي rعلى الوفاء بالعهود عامة، وعلى الوفاء بالعهود التي يعقدها رؤساء الأمم في تنظيم العلاقات الدولية خاصة، قال عليه السلام : ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له))( ).‏
وقد كان بينه وبين المشركين عهد، فوفى به، فذكر له بعض الصحابة كما في قصة حذيفة وأبيه أنهم أعطوا المشركين عهدا أن لا يقاتلوا، فقال عليه السلام :‏ ((وفوا لهم، ونستعين بالله عليهم))، كما تقدم، وكان ينهى عن الغدر بمقدار حثه على الوفاء، وكان يعتبر أعظم الغدر غدر الحكام، يقول عليه الصلاة والسلام:‏ ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته، ألا ولا غادر أعظم من أمير عامة))(‏‏ ).
وإذا كانت المعاهدات لا تستمد قوتها من نصوصها، بل من عزيمة عاقديها على الوفاء، فإن الإسلام حث على الوفاء، واعتبر الوفاء بالعهد والميثاق قوة، والنكث فيه أخذاً في أسباب الضعف.‏
وهكذا يكون الإسلام قد وثق أصول القانون الدولي العام الإسلامي أحكم توثيق، وبناها على الوجدان الديني للدولة الإسلامية؛ حيث لا يكون الوفاء للأقوياء، فقط بل يكون هذا الوفاء للأقوياء والضعفاء على السواء.
ولا نعلم ديناً ولا تشريعاً، قد رفع من شأن «العهد» إلى هذا المستوى من القداسة، وقد كان لقاعدة «حرمة المعاهدات وقدسيتها في السلم والحرب» أثرها في العمل على استقرار السلم والأمن الدوليين، من جهة، وعلى تأصيل روح الثقة فيمن يتعامل سياسياً مع الدولة الإسلامية، على الصعيد الدولي من جهة أخرى، مما يعتبر بحق من أهم خصائص سياسة الإسلام الخارجية العادلة.
وبهذا يكون قد تبين أن التسامح الإسلامي مع غير المسلمين من أهل الأديان الأخرى، حقيقة ثابتة، شهدت بها نصوص الوحي، من الكتاب والسنة، وشهد بها التاريخ الناصع منذ عهد الخلفاء الراشدين، ومن بعدهم من الأمويين والعباسيين والعثمانيين والمماليك وغيرهم، في شتى أقطار الإسلام، وشهد بها الواقع الماثل في بلاد العالم الإسلامي كله، حيث تعيش الأقليات غير المسلمة ناعمة بالأمان والاستقرار والحرية في ممارسة حقوقها الدينية والدنيوية، على حين تعيش الأقليات الإسلامية - بل الأكثريات في بعض الأحيان - في كثير من دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، مضطهدين مقهورين، لا يُسمح لهم أن يقيموا دينًا، أو يملكوا دنيا( ).
ب) لا يجوز لمسلم أن يعتدي على كتابي ما دام ملتزماً بعهد الوفاء والاحترام للمشاعر الإسلامية، وبفضل الله ثم هذه الرعاية احتضنت بعض البلاد الإسلامية مثل مصر وسوريا أقليات دينية يهودية ونصرانية لمدة قرون وما زالت هذه الأقليات تحظى برعاية المجتمع الإسلامي, ولهذا فإن نقض العهد من صفات المنافقين، كما تقدم قول النبي r: (أربع من كن فيه ...).
قال ابن حجر في الحديث: الغدر حرام باتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي( ).
ج) ضرب النبي r أروع الأمثلة في وفائه في عهوده ومواثيقه من ذلك: ما جرى في صلح الحديبية، فبينما رسول الله r يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله r وقد فر من الكفار، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلابيبه ثم قال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال رسول الله r: صدقت فجعل ينتره بتلابيبه ويجره ليرده إلى قريش, وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني فقال رسول اله r: يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم.
ومن الأمثلة على ذلك حلف وعهد المطيبين؛ فهذا العهد كان في الجاهلية ومع ذلك حرص النبي r على الوفاء به ؛ فلا شك أن العهود في الإسلام أولى بالحرص على الوفـاء بها.
د) الإسلام ينظر إلى الوفاء بالعهد باعتباره فضيلة ِإنسانية لا يختص بجنس أو عقيدة أو جماعة فهو مع الكافر كحرمته وقداسته مع المسلم وهو مع العدو كحرمته وقداسته مع الصديق( ).
وقد بوب البخاري في "صحيحه":
(باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بمال وغيره وإثم من لم يف بالعهد).
(باب فضل الوفاء بالعهد).
(باب دعاء الإمام على من نكث عهدا).
(باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم).
(باب الوصايا بأهل ذمة رسول الله r).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكما كتب عمر بن الخطاب t على أهل الذمة هذه الشروط والتزموها أوصى بهم نوابه ومن يأتي بعده من الخلفاء وغيرهم وهذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله.
ففي "صحيح البخاري" عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته عند وفاته: وأوصي الخليفة من بعدي بذمة الله وذمة رسوله r أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من وراءهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم. وهذا امتثال لقول النبي r: (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه من حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)( ).
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب "الأموال" لأبي عبيد رحمه الله بسنده: أن الروم صالحت معاوية t على أن يؤدي إليها مالاً, وارتهن معاوية منهم رهناً؛ فجعلهم ببعلبك ثم إن الروم غدرت فأبى معاوية والمسلمون أن يستحلوا قتل من في أيديهم من رهنهم وخلو سبيلهم واستفتحوا بذلك عليهم وقالوا: وفاء بغدر خير من غدر بغدر( ).
هـ) لا يجوز التعرض للرسل كالسفراء والدبلوماسيين ومن هم على شاكلتهم قال ابن القيم رحمه الله: وكانت تقدم عليه رسل أعدائه وهم على عداوته فلا يهيجهم ولا يقتلهم, ولما قدم عليه رسولا مسيلمة الكذاب: وهما عبد الله بن النواحة وابن أثال قال لهما: فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال. فقال رسول الله r: ((لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما))، فجرت سنته ألا يقتل رسول.
وقال أيضاً: وكان هديه أيضاً ألا يحبس الرسول عنده إذا اختار دينه فلا يمنعه من اللحاق بقومه بل يرده إليهم، كما قال أبو رافع: بعثتني قريش إلى النبي r فلما أتيته وقع في قلبي الإسلام فقلت: يا رسول الله! لا أرجع إليهم فقال: ((إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد)).
قال: وفي قوله: (لا أحبس البرد) إشعار بأن هذا حكم يختص بالرسل مطلقاً, وأما رده لمن جاء إليه منهم وإن كان مسلماً؛ فهذا إنما يكون مع الشرط كما قال أبو داود: وأما الرسل فلهم حكم آخر ألا تراه لم يتعرض لرسولي مسيلمة, وقد قالا له في وجهه: نشهد أن مسيلمة رسول الله .
و- أمر الإسلام بالوفاء بالعهد ولو كان ذلك مع المحاربين:
يقول ابن القيم رحمه الله: كان من هديه أن أعداءه إذا عاهدوا واحداً من أصحابه على عهد لا يضر بالمسلمين من غير رضاه أمضاه لهم كما عاهدوا حذيفة وأباه الحسيل أن لا يقاتلاهم معه r فأمضى لهم ذلك وقال لهما: انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم( ).
ز- يجوز عقد الهدنة والسلام مع الأعداء ويجوز ابتداءهم بطلب الصلح.
ولو كان في بعض الشروط ضيم للمسلمين إذا كان في ذلك مصلحة راجحة للمسلمين.
يقول ابن القيم رحمه الله في فوائد صلح الحديبية: وفي القصة دليل على جواز عقد الهدنة مطلقاً من غير توقيت بل ما شاء الإمام, ولم يجيء بعد ذلك ما ينسخ هذا الحكم البتة؛ فالصواب جوازه وصحته وقد نص عليه الشافعي في رواية المزني ونص عليه غيره من الأئمة, ولكن لا ينهض إليهم ويحاربهم حتى يعلمهم على سواء ليستووا هم وهو في العلم بنقض العهد( ). وقال أيضاً: ومنها: جواز ابتداء الإمام بطلب صلح العدو إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه, ولا يتوقف ذلك على أن يكون ابتداء الطلب منهم( ).
وقال: ومنها: أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ودفع ما هو شر منه ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما( ).
وقال ابن حجر في فوائد صلح الحديبية: وجواز بعض المسامحة في أمر الدين واحتمال الضيم فيه مالم يكن قادحاً في أصله إذا تعين ذلك طريقا للسلامة في الحال والصلاح في المآل سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم( ).
ح) يجوز الصلح مع غير المسلمين من غير توقيت: وعليه بوب البخاري في كتاب الجزية والموادعة (باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم)، و(باب الموادعة من غير وقت).
يقول ابن القيم رحمه الله في فوائد صلح الحديبية: وفيها جواز صلح أهل الحرب على وضع القتال عشر سنين وهل يجوز فوق ذلك؟ الصواب: أنه يجوز للحاجة والمصلحة الراجحة كما إذا كان بالمسلمين ضعف وعدوهم أقوى منهم وفي العقد لما زاد عن العشر مصلحة للإسلام( ).
ط) يجوز التحالف مع غير المسلمين وخصوصا في حال الضعف أو الحاجة إلى ذلك كما أخبر النبي r أن المسلمين سيصالحون الروم صلحا آمناً كما جاء في حديث ذي مخمر فيغزون معا عدوا لهم، وكما في دخول خزاعة في حلف مع النبي r كما تقدم من حديث المسور في صلح الحديبية.
11- إقامة العلاقات الدولية:
أ) العلاقات الدولية في الإسلام قائمة على السلم، بل على البر والإقساط والتعاون والرحمة، مع الأمم الأخرى، لقوله تعالى:‏ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ[ [البقرة:208]، فالأصل في العلاقات الدولية في الإسلام تحريم البغي والعدوان، أو التعاون والتحالف على العمل على ارتكابه، لأنه تعاون على الإثم، وهذا محرم بالنص، لقوله تعالى:‏] وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ[[المائدة:2]. وقوله سبحانه تعالى: ]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ[[البقرة:190].
ب) بدأ الاهتمام بالعلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم خارج الجزيرة العربية في المرحلة المكية، عندما نصح الرسول بعض أصحابه من المسلمين الأوائل بالهجرة إلى الحبشة للتخلص من ظلم قريش لهم كما تقدم في الأحاديث، وهو ما يعتبر إرسال وفود إسلامية مظلومة مستضعفة إلى أحد ملوك الأرض وقتها، وهو ما يمكن أن نعبر عنه في العصر الحديث أن النبي طلب حق اللجوء السياسي لأصحابه عند النجاشي في الحبشة حماية لهم فأجاب النجاشي طلب النبي r.
ج) حالما استقرت دولة المدينة بادر النبي rبإرسال رسائل إلى الدول الكبرى في المنطقة (بيزنطة وفارس ومصر واليمن والحبشة) يدعو زعماءها وشعوبها إلى الإسلام.
وبعد ثمانين عاماً كانت الدولة الإسلامية أكبر إمبراطورية في المنطقة تمتد من الهند شرقاً إلى إسبانيا غرباً؛ حيث أصبحت لها حدود مشتركة وطويلة مع العديد من الدول والشعوب غير المسلمة.
وعبر عصور طويلة، مارست الدول الإسلامية توقيع الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول غير الإسلامية. وتضمنت تلك الاتفاقيات التزامات وقواعد وشروطاً ومبادئ عديدة، بشكل يمثل تطوراً في القانون الدولي الإسلامي. ومن خلال التركيز على معاهدات معينة، يمكن اعتبارها خطوات متقدمة في تطوير القانون الدولي الإسلامي، وقبول مفاهيم جديدة، بشكل يجعل الباحث يتصور طبيعة الظروف التاريخية التي جعلت تلك الدول توقّع هذه المعاهدة أو تلك.
د) عرف الإسلام المعاهدات السلمية في السنوات الأولى من تأسيس الدولة الإسلامية الجديدة في المدينة، إذ عقد الرسول r اتفاقيات سلمية مع الجماعات غير الإسلامية. وقد اعتبرت معاهدة الحديبية قدوة ومثالاً لدى الخلفاء والفقهاء عند عقد الاتفاقيات، وإجراء المفاوضات، ومدة المعاهدات السلمية مع غير المسلمين. فعقدت معاهدة الحديبية بين الرسول r ومشركي مكة، قريش، في عام، وكانت مواد المعاهدة تتضمن ضماناً من كلا الطرفين بعدم مهاجمة الطرف الآخر . فرسخت الأمن والسلام الذي كان الطرفان بحاجة إليه، بعد أن شهدت الجزيرة العربية صراعاً عنيفاً وحروباً ومعارك ضارية بين المسلمين والمشركين.
هـ) كان الرسول قد عقد معاهدات أخرى مع اليهود والنصارى، سواء المقيمين داخل الجزيرة العربية أو خارجها، وخارج حدود دولة المدينة فقد عقد اتفاقية سلمية مع نصارى نجران ، ومع يهود فدك وأيْلة وتيماء. وكانت تلك الاتفاقيات تضمن لهم حكماً إدارياً ذاتياً واستقلالا عن دولة المدينة. لقد كان بإمكانهم الاستمرار بتطبيق قوانينهم على أراضيهم. ولم تكن الجزية إلزامية في كل الاتفاقيات والمعاهدات مع أهل الكتاب، ففي معاهدة المدينة بين الرسول ويهود المدينة وأطرافها، وهي أول معاهدة سلمية للدولة الإسلامية،لم تتضمن دفع جزية، بل يمكن اعتبارها «معاهدة صداقة»، وبروتوكولاً ينظم العلاقة والصلاحيات والامتيازات الممنوحة لليهود داخل الدولة الإسلامية، وكان من شأنها ترسيخ الأمن والسلام، إذ لم يسبقها عداء أو حرب مع اليهود ، لولا نكث اليهود لها فيما بعد. كما أن المعاهدة التي عقدها الرسول مع بني ضمرة،لم تتضمن دفع جزية، بل اقتصرت على نصرة الطرفين أحدهما للآخر، وعدم مهاجمته، وعقدت نفس المعاهدة مع بني غِفار، وبالشروط نفسها.
أما العلاقات السلمية مع الحبشة، الدولة النصرانية، فقد استمرت قروناً دون معاهدة مكتوبة. ففي العهد المبكر للإسلام، هاجر إلى الحبشة حوالي (80) صحابياً هرباً من تعذيب قريش لهم، وبحثاً عن ملجأ آمن، حيث أمضوا هناك سنوات. فكان موقف المسلمين هو الشكر والعرفان بالجميل، حتى إنهم اعتبروا الحبشة مصونة عن الجهاد والفتوحات العسكرية، فلم يتعرضوا لها، حتى في أوج قوة الدولة الإسلامية في العصر العباسي( ).

12- الصدقة على غير المسلمين:
أ) يأمر الإسلام بالإحسان والصلة ولو على غير المسلمين كما قال تعالى: ]لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[ [البقرة:272]. فإن سبب هذه الآيات كما تقدم عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم فنزلت الآيات.
وقال تعالى: ]لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ[ [الممتحنة:8]، أي يعاونوا على إخراجكم أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم، ]أَن تَبَرُّوهُمْ[، أي تحسنوا إليهم، ]وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ[، أي تعدلوا ]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[.
وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما لما قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا فأتيت النبي r فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: (نعم صلي أمك). وقد تقدم. وقال تعالى: ]وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا[ [الإنسان:8]. قال ابن عباس: كان أسراهم يومئذ مشركين.
ب) وقد بوب على ذلك العلماء كما بوب الإمام النووي على شرح مسلم في كتاب الزكاة (باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين), وقد استنبط ذلك من حديث أبي طلحة الأنصاري لما أراد أن يتصدق ببيرحاء فقال له النبي r: (أرى أن تجعلها في الأقربين)، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
ج) تقدمت أقوال علماء السلف من التابعين في جواز التصدق وإعطاء غير المسلمين من الصدقة إذا كانوا فقراء .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه الرسمي على الإنترنت تحت عنوان (التبرع بالدم لغير المسلم): لا أعلم مانعاً من ذلك .. فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم كما لو اضطر إلى الميتة وأنت مأجور في ذلك لأنه لاحرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة( ).
13- الحكم بين غير المسلمين وقبول شهادتهم:
أ) مضت السنة أن يرد أهل الذمة والعهد في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حد نحكم بينهم فيه فنحكم بينهم بكتاب الله وقد قال الله عز وجل لرسوله r: ]وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ[ [المائدة:42].
ب) تجوز شهادة غير المسلمين وقبول شهادتهم على بعضهم البعض وعلى المسلمين في السفر كما قال تعالى: ]يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ [ [المائدة:106]، وعليه بوب أبو داود (باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر).
14- قبول شفاعتهم:
يجوز قبول شفاعة الكفار في بعض الأحوال كما قال النبي r في أسارى بدر: (لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له).
15- حكم السلام عليهم ومصافحتهم
أ) يجوز ابتداء اليهود والنصارى بقولنا لهم السلام على من اتبع الهدى كما في رسالة النبي r إلى هرقل.
ب) يجوز التسليم على مجلس فيه المسلم والمشرك كما بوب على ذلك البخاري في "الأدب المفرد".
ج) يجوز السلام عليهم إشارة كما صنع ابن مسعود t.
د) يجوز ابتداؤهم بالتحيات التي يتبادلونها بينهم مالم يكن فيها محذوراً شرعياً.
هـ) يجوز رد السلام عليهم وفي ذلك أحاديث كثيرة , وقد بوب على ذلك العلماء كما بوب ابن حبان في صحيحه باب ذكر إباحة رد السلام للمسلم على أهل الذمة, والقاعدة المقررة كما بينها ابن عباس: ردوا السلام على من كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً ذلك بأن الله يقول: ]وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا[ [النساء:86].
و) يجوز مصافحتهم كما تقدم ذلك عن الثوري وعبد الرزاق وغيرهم من السلف.
ز) يجوز مقابلة الإحسان بالإحسان كما قال ابن عباس: لو قال لي فرعون بارك الله فيك لقلت: وفيك .
ح) للصحبة حق كما قال ابن مسعود قال علقمة: أقبلت مع عبد الله من السيلحين فصحبه دهاقين من أهل الحيرة فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريقهم غير طريقهم فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا فأتبعهم السلام فقلت أتسلم على هؤلاء الكفار فقال نعم صحبوني وللصحبة حق كما تقدم.
16- الاستئذان عليهم:
أ) من سماحة الإسلام أنه أمرنا أن نتأدب مع غير المسلمين بآداب الإسلام.
ب) من الآداب الإسلامية الاستئذان على المسلم وغير المسلم كما جاء عن سعيد بن جبير قال: لا يدخل علي المشركين إلا بإذن.
17- إكرام غير المسلمين:
أ) كالضيافة وحسن الاستقبال وعلى ذلك بوب ابن حجر في "المطالب العالية".
ب) لا بأس بتكنية المشرك وتلقيبه بما يحب ما لم يكن في ذلك مخالفة شرعية.
18- حل ذبائحهم:
أ) من مظاهر التسامح التي اختص بها أهل الكتاب في دين الإسلام إباحة الأكل من ذبائحهم والأصل في ذلك قوله تعالى: ]وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ[ [المائدة:5].
ب) يجوز أكل أطعمة غير أهل الكتاب من المشركين كما أكل الصحابة الجبن الذي يصنعه المجوس؛ وعليه فيجوز أكل كل طعام يصنع غير اللحم لأن شرط اللحم أن يذكر اسم الله عليه عند ذبح أصله.
19- معاملتهم في البيع والشراء وفي غيرها من المعاملات:
أ) من مظاهر التسامح في دين الإسلام إباحة التعامل مع غير المسلمين في العقود المالية وعلى ذلك بوب العلماء. فذكر ابن حبان في "صحيحه" في (باب ذكر الخبر الدال على إباحة مخالطة المسلم للمشرك في البيع والشراء والقبض والاقتضاء)، وذكر البخاري في (باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام). وفي كتاب الشركة في (باب باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة).
قال ابن القيم رحمه الله: (فصل في البيع والشراء منهم):
ثبت عن النبي r أنه اشترى من يهودي سلعة إلى الميسرة، وثبت عنه أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقاً من شعير ورهنه درعه.
وفيه دليل على جواز معاملتهم ورهنهم السلاح وعلى الرهن في الحضر وثبت عنه أنه زارعهم وساقاهم. وثبت عنه أنه أكل من طعامهم وفي ذلك كله قبول قولهم إن ذلك الشيء ملكهم( ).
ب) يجوز الشركة والرهن والإعارة والاستئجار وغير ذلك من المعاملات معهم. ومن الأمثلة على ذلك أن النبي r توفي ودرعه مرهونة عند يهودي.
قال ابن حجر: وفي الحديث جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه, وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم, واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربياً, وفيه ثبوت أملاك أهل الذمة في أيديهم. وقال: قال العلماء الحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل( ).
ج) يجوز العمل عندهم كما في حديث علي لما عمل لليهودي.
د) يجوز السفر إلى بلادهم للتجارة والبيع والشراء.
هـ) يجوز الشفعة لغير المسلم كما تقدم عن بعض السلف.
و) يجوز استئمان غير المسلمين إذا علم منهم النصح.
قال ابن حجر في فوائد صلح الحديبية: وفيه جواز استنصاح بعض المعاهدين وأهل الذمة إذا دلت القرائن على نصحهم وشهدت التجربة بإيثارهم أهل الإسلام على غيرهم, ولو كانوا من أهل دينهم ويستفاد منه جواز استنصاح بعض ملوك العدو استظهارا على غيرهم ولا يعد ذلك من موالاة الكفار ولا موادة أعداء الله بل من قبيل استخدامهم( ).
و قال الخطابي: في الحديث أن النبي r أرسل الخزاعي وبعثه عينا ثم صدقه في قوله وقبل خبره وهو كافر وذلك لأن خزاعة كانوا عيبة نصح رسول الله r مؤمنهم وكافرهم( ).
وقال شيخ الإسلام: وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله مسلمهم وكافرهم وكان يقبل نصحهم وكل هذا في "الصحيحين"، وكان أبو طالب ينصر النبي ويذب عنه مع شركه وهذا كثير. فإن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن كما قال تعالى: ]وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا[ [آل عمران:75]، ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال وجاز أن يستطب المسلم الكافر إذا كان ثقة نص على ذلك الأئمة كأحمد وغيره إذ ذلك من قبول خبرهم فيما يعلمونه من أمر الدنيا وائتمان لهم على ذلك وهو جائز إذا لم يكن فيه مفسدة راجحة مثل ولايته على المسلمين وعلوه عليهم ونحو ذلك( ).
وقال ابن القيم: ومنها أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة لأن عينه الخزاعي كان كافرا إذ ذاك, وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم( ).
20- الاستفادة مما عندهم من علوم ومعارف:
الدليل على ذلك حديث جدامة الأسدية الذي تقدم: أنها سمعت رسول الله r يقول: ((لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم)). قال مالك: الغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع.
ووجه الاستدلال أن النبي r أخذ منهم جواز الغيلة وإن كانوا في الأصل كفاراً.
ومن الأمثلة على ذلك أنه اشتهر أن عمر بن الخطاب t هو أول من دون الدواوين، ذلك أنه لما كثرت الأموال في عهده استشار صحابة رسول الله r ماذا يعمل بها فقال له خالد بن الوليد: قد كنت بالشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً وجندوا جنوداً فاستحسن ذلك عمر وأخذ به( ).
قال الألوسي: وأما الاستعانة بهم يعني الكفار، في أمور الدنيا فالذي يظهر أنه لا بأس بها سواء كانت في أمر ممتهن أو في غير ممتهن كعمل المنابر والمحاريب والخياطة ونحوها( ).
21- استطبابهم:
يجوز الاستفادة مما عندهم من خبرات وتبادل الخبرات والأطباء في ذلك.
قال شيخ الإسلام: وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله مسلمهم وكافرهم. فإن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن كما قال تعالى: ]وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا[ [آل عمران:75]، ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال وجاز أن يستطب المسلم الكافر إذا كان ثقة نص على ذلك الأئمة كأحمد وغيره إذ ذلك من قبول خبرهم فيما يعلمونه من أمر الدنيا وائتمان لهم على ذلك وهو جائز إذا لم يكن فيه مفسدة راجحة مثل ولايته على المسلمين وعلوه عليهم ونحو ذلك، فأخذ علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابه( ).
وقال ابن القيم رحمه الله: فائدة جواز الرجوع للكافر في الطب والكتابة: في استئجار النبي r عبد الله ابن أريقط الدؤلي هادياً في وقت الهجرة وهو كافر؛ دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة, ولا يلزم من مجرد كونه كافرا أن لا يوثق به في شيء أصلاً؛ فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة( ).
22- تعلم لسانهم ولغتهم:
أ) يجوز تعلم لغتهم ولسانهم لمخاطبتهم والتفاهم معهم كما : أمر رسول الله r زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود.
23- حقوق الجوار لغير المسلمين:
أ) الجيران ثلاثة: جار له حق واحد وهو أدنى الجيران وجار له حقان وجار له ثلاثة حقوق فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له؛ له حق الجوار, وأما الذي له الحقان فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار, وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم.
ب) أمر الإسلام بالإحسان إلى الجيران كما قدمنا عن النبي r من الأحاديث فيدخل في ذلك الجيران غير المسلمين؛ فيجوز الإحسان إليهم وتفقدهم إذا كانوا فقراء وعيادتهم إذا مرضوا , ومشاركتهم في أفراح الزواج , والهدية لهم.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه الرسمي على الإنترنت تحت عنوان (الواجب على المسلم تجاه غير المسلم): ومن ذلك أيضاً حسن الجوار إذا كان جارا تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره, وتتصدق عليه إذا كان فقيرا , وتهدي إليه وتنصح له بما ينفعه .. ولأن الجار له حق .. وإذا كان الجار كافراً كان له حق الجوار, وإذا كان قريباً وهو كافر صار له حقان: حق الجوار وحق القرابة, ومن حق الجار أن يتصدق عليه إن كان فقيرا من غير الزكاة.
24- مخالطة غير المسلمين:
يجوز مخالطة أهل الكتاب وغيرهم من غير المسلمين لحاجة دينية كعرض الإسلام عليهم أو دنيوية كالبيع والشراء والحكم بينهم والزيارة وغير ذلك.
ذكر ابن حبان في "صحيحه" في (باب ذكر إباحة قضاء حقوق أهل الذمة إذا كانوا مجاورين له فطمع في إسلامهم).
وقال ابن القيم في فوائد قدوم وفد نجران على النبي r: ومنها جواز إنزال المشرك في المسجد ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه وتمكينه من سماع القرآن ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم( ).
وقال ابن القيم أيضاً في فقه هذه القصة: ففيها: جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وفيها: تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفى مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضا ولا يمكنون من اعتياد ذلك( ).
وقال: ومنها جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم بل استحباب ذلك بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجة عليهم ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة فليول ذلك إلى أهله وليخل بين المطي وحاديها والقوس وباريها( ).
وقال ابن حجر في فوائد قصة صلح الحديبية: وفيه جواز الاعتماد على خبر الكافر إذا قامت القرينة على صدقه قاله الخطابي مستدلاً بأن الخزاعي الذي بعثه النبي r عينا له ليأتيه بخبر قريش كان حينئذ كافراً، قال وإنما اختاره لذلك مع كفره ليكون أمكن له في الدخول فيهم والاختلاط بهم والاطلاع على أسرارهم قال: ويستفاد من ذلك جواز قبول قول الطبيب الكافر( ).
والأمثلة على ذلك كثيرة فقد كان اليهود يأتون النبي r كثيراً ليسألوه وغير ذلك, وكان النبي r يخالطهم لعرض الإسلام وللبيع والشراء وغير ذلك.
25- عيادة غير المسلم:
يجوز عيادة غير المسلمين إذا مرضوا كالجار والصديق والزميل في العمل وما شابه ذلك
قال ابن القيم رحمه الله: (فصل في عيادة أهل الكتاب): قال المروذي بلغني أن أبا عبد الله سئل عن رجل له قرابة نصراني يعوده؟ قال: نعم. وقال الأثرم: وسمعت أبا عبدالله يسأل عن الرجل له قرابة نصراني يعوده؟ قال: نعم. قيل له: نصراني! قال: أرجو ألا تضيق العيادة. وقال الأثرم: وقلت له مرة أخرى: يعود الرجل اليهود والنصارى؟ قال: أليس عاد النبي اليهودي ودعاه إلى الإسلام. وقال أبو مسعود الأصبهاني: سألت أحمد بن حنبل عن عيادة القرابة والجار النصراني؟ قال: نعم( ).
26- الدعاء لهم بالهداية والعافية وما شابه ذلك:
يجوز الدعاء لغير المسلمين بالهداية بل هو سنة, والدعـاء بالعافية كما تقدم في الأحاديث والآثار.
27- زيارة قبر المشرك:
يجوز زيارة قبر المشرك القريب كما فعل النبي r لما زار قبر أمه.
28- التهادي معهم وقبول هداياهم:
أ) يجوز تبادل الهدايا مع غير المسلمين وقبول هداياهم كما قبلها النبي r من ملك أيلة والمقوقس وغيرهم. وقد بوب البخاري (باب جوائز الوفد)، وفي كتاب الهبة (باب قبول الهدية من المشركين). وبوّب أبو داود: (باب في الإمام يقبل هدايا المشركين)، وأقر النبي r قبول أسماء هدية أمها وهي مشركة.
ب) يجوز إهدائهم كما فعل عمر لما رأى اشترى حلة تباع ؛ فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم .
29- صلة الرحم:
أ) أمر الله بصلة الرحم ولو كان لمن لا يدين بدين الإسلام كما قال تعالى: ]قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى[ [الشورى:23].
قال ابن كثير: أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه, وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة( ).
ب) لا بأس بأن يصل المسلم المشرك قريبه إذا كان بينه وبينه رحم، محارباً كان أو ذمياً لحديث سلمة بن الأكوع قال: صليت الصبح مع النبي فوجدت مس كف بين كتفي، فالتفت فإذا رسول الله فقال: هل أنت واهب لي ابنة أم قرفة؟ قلت: نعم. فوهبتها له. فبعث بها إلى خاله حزن بن أبي وهب، وهو مشرك وهي مشركة.
وقال النبي r للمشركين من قومه لما رفضوا دعوته: ولكن لهم رحم أبلها ببلالها. يعني أصلها بصلتها.
وعلى ذلك بوب العلماء كما صنع البخاري في "صحيحه" و في "الأدب المفرد" (باب بر الوالد المشرك). وبوب كذلك في "صحيحه" (باب صلة الأخ المشرك)؟

30- موافقة أهل الكتاب:
كان النبي r يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه لأنهم أهل دين سماوي. ومن الأمثلة على ذلك أن الصحابة على عهد النبي r كانوا يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله تعالى:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم:4-5]، فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب.
31- تهنئة غير المسلم:
يجوز تهنئة غير المسلمين بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك ما خلا أعيادهم.
قال ابن القيم رحمه الله: (فصل في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك)، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى, والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما, ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كما يقول أحدهم متعك الله بدينك أو نيحك فيه أو يقول له أعزك الله أو أكرمك إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر؛ فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه( ).
32- شهود جنائزهم:
يجوز شهود جنائزهم.
قال ابن القيم رحمه الله: (فصل في شهود جنائزهم): قال محمد بن موسى: قلت لأبي عبدالله: يشيع المسلم جنازة المشرك ؟ قال نعم. وقال محمد بن الحسن بن هارون قيل لأبي عبدالله: ويشهد جنازتـه؟ قـال: نعم نحو ما صنع الحارث بن أبي ربيعة كان شهد جنازة أمـه.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبدالله عن الرجل يموت وهو يهودي وله ولد مسلم كيف يصنع؟ قال: يركب دابته ويسير أمام الجنازة ولا يكون خلفه ؛فإذا أرادوا أن يدفنوه رجع.
وقال حنبل: سألت أبا عبدالله عن المسلم تموت له أم نصرانية أو أبوه أو أخوه أو ذو قرابته وترى أن يلي شيئا من أمره حتى يواريه؟ قال: إن كان أباً أو أماً أو أخاً أو قرابة قريبة وحضره؛ فلا بأس, وقد أمر النبي علي بن أبي طالب t أن يواري أبا طالب. قلت: فترى أن يفعل هو ذلك؟ قال: أهل دينه يلونه وهو حاضر يكون معهم حتى إذا ذهبوا به تركه معهم وهم يلونه( ).
33- تعزية غير المسلمين:
يجوز تعزية غير المسلمين بموتاهم على خلاف بين العلماء.
قال ابن القيم رحمه الله: (فصل في تعزيتهم)، ثم ذكر عن الأثرم حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا إسحاق بن منصور السلولي ثنا هريم قال سمعت الأجلح عزى نصرانياً فقال: عليك بتقوى الله والصبر.
وذكر الأثرم: حدثنا منجاب بن الحارث ثنا شريك عن منصور عن إبراهيم قال: إذا أردت أن تعزي رجلاً من أهل الكتاب فقل أكثر الله مالك وولدك وأطال حياتك أو عمرك.
وقال حرب: ثنا إسحاق ثنا مسلم بن قتيبة ثنا كثير بن أبان عن غالب قال: قال الحسن: إذا عزيت الذمي فقل لا يصيبك إلا خير. وقال حرب: قلت لإسحاق :فكيف يعزي المشرك؟ قال: يقول أكثر الله مالك وولدك( ).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه الرسمي على الإنترنت (نور على الدرب, الولاء والبراء): لا بأس أن يعزيهم في ميتهم ويقول لهم جبر الله مصيبتكم أو أحسن الله لك الخلف في خير أو ما أشبه ذلك من الكلام الطيب( ).
34- الوصية لغير المسلمين:
أ) من القواعد المقررة في ديننا أنه لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر كما بين النبي r.
ب) يجوز الوصية لهم وخصوصاً إذا كان قريباً للمسلم, وفي ذلك الآثار التي تقدمت، وقد بوب البخاري في كتاب الوصايا: (هل يوصي لذي قرابته المشرك أو هل يصله).
وقد استنبط قتادة وعطاء من قوله تعالى: ]إِلاّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا[: عطاء المؤمن الكافر بينهما قرابة؛ عطاؤه إياه حيا ووصيته له.
35- الزواج من الكتابيات:
أ) من مظاهر التسامح التي اختص بها أهل الكتاب في دين الإسلام إباحة مصاهرتهم بالتزوج من نسائهم.
قال ابن القيم رحمه الله: فصل جواز نكاح الكتابية ويجوز نكاح الكتابية بنص القرآن قال تعالى: ].. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ..[ [المائدة:5]. والمحصنات هنا هن العفايف. والمقصود أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب وفعله أصحاب نبينا فتزوج عثمان نصرانية وتزوج طلحة بن عبيدالله نصرانية وتزوج حذيفة يهودية( ).
36- الرواية والحديث عنهم:
يجوز الرواية عنهم والحديث عن أخبارهم كما قال النبي r: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج), وكما في استنشاد النبي r لشعر أمية بن أبي الصلت وهو مشرك.
37- الإحسان إلى غير المسلمين:
يقيم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم ممن لم يقاتلوهم في الدين أو يخرجوهم من ديارهم على البر والإقساط والإحسان قال تعالى: ]لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ [الممتحنة:8-9]. ولعل من أبرز صور الإحسان إلى المخالفين في الدين الأمر بالإحسان إلى الوالدين غير المسلمين ثم الأقربين على حسب درجات قربهم قال تعالى: ]وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[ [لقمان:15]. وكما جاء في حديث أسماء بنت أبي بكـر رضي الله عنهما قالت: أتتني أمي راغبـة.
أوضح القرافي رحمه الله بعض وجوه البر والإحسان إلى المخالفين فقال: الرفق بضعيفهم, وسد خلة فقيرهم, وإطعام جائعهم, وإكساء عاريهم, ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة, واحتمال إذايتهم مع القدرة على إزالته لطفا منا لهم لا خوفاً وتعظيماً والدعاء لهم بالهداية( ).
38- قبول دعوتهم:
يجوز إجابة دعوة غير المسلمين إلى وليمة عرس ونحوها بشرط الخلو من معصية فقد أجاب رسول الله r اليهودي لما دعاه إلى خبز شعير وأهالة سنخة.
39- المن عليهم بالعتق:
أمر الإسلام بالإحسان إلى الرقيق ومن الإحسان بهم المن عليهم بالعتق.
40- العفو عن إساءتهم وأذيتهم:
أ) من أعظم سمات تسامح الإسلام مع غير المسلمين طلب الكف والعفو عنهم وعن إساءتهم.
قال ابن كثير في قوله تعالى: ]وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ[، يعني مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك. وقال مجاهد وغيره: يعني بذلك تمالؤهم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، ]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ[، وهذا هو عين النصر والظفر كما قال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه , وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ولعل الله أن يهديهم , ولهذا قال تعالى: ]إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ يعني به الصفح عمن أساء إليك( ).
ب) جاء في وصف النبي r في التوراة كما تقدم: ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, وهو أسوة المسلمين جميعاً.
ج) من الأمثلة على ذلك عفو النبي r عن اليهود الذي كانوا يسلمون عليه بلفظ: السام أي الموت واليهودية التي وضعت السم في الطعام واليهودي الذي سحر النبي r وعن سراقة لما لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وتقدم في ذلك الكثير من الأمثلة, ومن أعظم الأحاديث التي تدل على سماحة الإسلام فعل خبيب رضي الله عنه لما أسره المشركون وأرادوا قتله, كان بإمكان خبيب t أن يقتل الغلام وهو يعلم أنهم سيقتلونه, ومع ذلك لم يتعرض له بأذى.
د) ومن الأمثلة التاريخية على ذلك أن الشريعة الإسلامية كفلت العدالة لرعايا الدول الخاضعين لأحكامها، ولا تتبدل تلك الشرائع، ولا تتغير عدالتها، بل هي محفوظة بحفظ الذكر الذي تكفل الله بحفظه إلى أن يرث سبحانه الأرض ومن عليها؛ رغم الأساليب والممارسات المقابلة التي عامل بها النصارى الصليبيون المسلمين ، عندما غزوا بلادنا، أو عندما صارت لهم الدولة والصولة في بعض بلاد المسلمين.
فيوم استولى الصليبيون على بيت المقدس ذبحوا نحو (70) ألف مسلم، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء في مذبحة استمرت 3 أيام، ولم تنته إلا بعد أن أعياهم الإجهاد من القتل وهذا كله مدوّن في تواريخ النصارى أنفسهم ؛ فضلا عن تواريخ المسلمين.
وأما صلاح الدين فإنه لما استعاد بيت المقدس من أيديهم بعد (90) سنة من هذه المجزرة؛ لم يعاملهم بالمثل، ولما سُلمت له الحامية النصرانية هناك؛ أمّنهم على حياتهم، وكانوا أكثر من (100) ألف، وأعطاهم مهلة للخروج في سلام ولم يقتل أحدا منهم( ).
41- العدل مع غير المسلم:
الأصل في ذلك قوله تعالى: ]إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ[ [النحل:90]، فقد أمر الله بالعدل حتى مع الأعداء؛ فإن الله تعالى جعل العدل واجباً على كل أحد لكل أحد في كل حال؛ فالعدل لا يحده اختلاف الدين قال تعالى: ]وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا[ [المائدة:2]. وفي ذلك يقول ابن القيم في "نونيته" عن دعوة الرسل:
وكذاك نقطع أنهم جـاؤوا بعدل الله بين طوائف الإنسان
الأمثلة على ذلك كثيرة جداً كما قال ابن رواحة لليهود وقد أرسله النبي r ليحصي عليهم نخل خيبر: والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي , ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض، وقد تقدم.
وكتب عليٌّ t إلى بعض ولاته على الخراج: "إذا قدمتَ عليهم فلا تبيعن لهم كسوة شتاً ولا صيفًا، ولا رزقاً يأكلونه ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرضًا (متاعاً) في شيء من الخراج، فإنما أُمِرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفتَ ما أمرتك به، يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك". قال الوالي: إذن أرجع إليك كما خرجت من عندك. (يعني أن الناس لا يُدفعون إلا بالشدة)، قال: "وإن رجعتَ كما خرجتَ»( ).
42- التسامح في الجهاد:
أ) الجهاد في سبيل الله وسيلة من وسائل الدعوة يلجأ إليها المسلمون مضطرين حينما يقف الأعداء مانعين تبليغ رسالة الله إلى الناس في أرجاء المعمورة، قال تعالى: ]كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[ [البقرة:216]. وقال تعالى: ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ[ [البقرة:193]. وقال تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[ [التوبة:33].
ب) الجهاد في الإسلام مصون بأحكام وقواعد وآداب شرعية كان النبي r يوصي بها قادته حينما يوجههم ليجاهدوا في سبيل الله كما في حديث بريدة( ).
وقال أبو بكر الصديق في وصيته لجيوش المسلمين قال: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له( ).
وفي وصية عمر كذلك لجيوش المسلمين: فإن قاتلوكم فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً( ). فمن تلك الآداب:
1. النهي عن قتـل النساء والصبيان ومن لا يقاتل كالرهبان والقساوسة ومن في حكمهم.
2. النهي عن الغدر والمثلة.
3. النهي عن القتال قبل الدعوة.
4. الأمر بالإحسان إلى الأسرى.
5. الأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق.
6. النهي عن قتل الرسل والسفراء.
قال ابن القيم في فوائد حديث بريدة: ومنها أن الجيش ليس لهم أن يغلوا من الغنيمة ولا يغدروا بالعهد ولا يمثلوا بالكفار ولا يقتلوا من لم يبلغ الحلم. ومنها أن المسلمين يدعون الكفار قبل قتالهم إلى الإسلام وهذا واجب إن كانت الدعوة لم تبلغهم ومستحب إن بلغتهم الدعوة هذا إذا كان المسلمون هم القاصدون للكفار؛ فأما إذا قصدهم الكفار في ديارهم فلهم أن يقاتلوهم من غير دعوة لأنهم يدفعونهم عن أنفسهم وحريمهم( ).
ومن أمثلة دعوة غير المسلمين قبل قتالهم: ما قام به عمرو بن العاص بدعوة أهل مصر قبل القتال إذ قال لجنوده: لا تعجلوا حتى نعذر ليبرز إلى أبو مريم وأبو مريام راهبا هذه البلاد. فبرزا إليه فقال لهما عمرو بن العاص: أنتما راهبا هذه البلاد فاسمعا إن الله بعث محمداً r بالحق وأمره به, وأمرنا به محمد r, وأدى إلينا كل الذي أمر به ثم مضى وتركنا على الواضحة, وكان مما أمرنا به الإعذار إلى الناس؛ فنحن ندعوكم إلى الإسلام فمن أجابنا إليه فمثلنا, ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة, وقد أعلمنا أنا مفتتحوكم وأوصانا بكم حفاظا لرحمنا منكم, وإن لكم إن أجبتمونا بذلك ذمة إلى ذمة, ومما عهد إلينا أميرنا استوصوا بالقبطيين خيراً, فإن رسول الله r أوصانا بالقبطيين خيراً( ).
قال ابن القيم في فوائد حديث فتح مكة: وفيها: أن رسول الكفار لا يقتل؛ فإن أبا سفيان كان ممن جرى عليه حكم انتقاض العهد ولم يقتله رسول الله r إذ كان رسول قومه إليهً( ).
وقال ابن القيم: ومنها: إن الرسول لا يقتل ولو كان مرتدا هذه السنةً( ).
ومن الأمثلة على ذلك أن النبي r لم يتعرض لرسولي كسرى مع أنهم جاءا للقبض والنيل من النبي r بل وعفا عنهم, وكذلك لم يتعرض لرسولي مسيلمة الكذاب.
43- مظهر التسامح في الجزية:
أ) يظهر ذلك في قبول الجزية وعدم الإكراه في الدين قال تعالى: ]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[ [البقرة:256]، فلا يجبروا في الدخول في الدين بل يترك لهم حرية الاختيار ويحقن دماءهم وأموالهم ويبقون في حماية المسلمين ماداموا محافظين على العهد ملتزمين فيه.
ب) تسقط عمن أسلم ولا يطالب بما عليه قبل إسلامه ولا تؤخذ من الشيخ الكبير الذي لا يستطيع العمل ولا شيء له, وكذلك المغلوب على عقله لا يؤخذ منه شيء.
قال القرطبي ( ): قال علماؤنا رحمة الله عليهم: والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين لأن الله تعالى قال: ]قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[ [التوبة:29]. فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل, ويدل على أنه ليس على العبد, وإن كان مقاتلاً لأنه لا مال له، ولقوله تعالى قال: {حَتَّى يُعْطُواْ}، ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي, وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين, وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني, واختلف في الرهبان فروى ابن وهب عن مالك أنها لا تؤخذ منهم( ).
ج) لا يحل تكليفهم مالا يقدرون عليه, ولا تعذيبهم على أدائها, ولا حبسهم وضربهم كما يقول ابن القيم رحمه الله( ).
د) تقوم الدولة الإسلامية بكفالة الفقراء والمحتاجين من أهل الذمة مقابل ذلك.
فقد جاء أن عمر بن الخطاب t ذات يوم مر بباب قوم وعليه سائل يسأل شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه وقال : من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له يشيء من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه؛ فوالله ما أنصفناه أن أكملنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم: ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ[ والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب, ووضع عنه الجزية وعن ضربائه وجرى على ذلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله( ).
وفي عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة بالعراق، وكانوا من النصارى: "وجعلت لهم: أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعِيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"( ).
وكان هذا في عهد أبي بكر الصِّدِّيق، وبحضرة عدد كبير من الصحابة، وقد كتب خالد به إلى أبي بكرالصِّدِّيق ولم ينكر عليه أحد، ومثل هذا يُعَد إجماعاً.
وعند مقدم عمر t "الجابية" من أرض دمشق، مَرَّ في طريقه بقوم مجذومين من النصارى، فأمر أن يعطوا من الصدقات، وأن يجرى عليهم القوت، أي تتولى الدولة القيام بطعامهم ومؤونتهم بصفة منتظمة.
وبهذا تقرر الضمان الاجتماعي في الإسلام، باعتباره «مبدأً عاماً» يشمل أبناء المجتمع جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، ولا يجوز أن يبقى في المجتمع المسلم إنسان محروم من الطعام أو الكسوة أو المأوى أو العلاج، فإن دفع الضرر عنه واجب ديني، مسلمًا كان أو غير مسلم( ).
هـ) لا تتوقف هذه المسؤولية تجاه أهل الذمة عند إسقاط الجزية لمن لا يقدر على دفعها, ولا كفالة الفقراء والمحتاجين منهم فحسب بل تتناول حمايتهم ضد أي اعتداء داخلي كان أم خارجي؛ فالمسلمون مطالبون بالحفاظ على حقوق أهل الذمة وأموالهم وأنفسهم.
فهذا أبو عبيدة بن الجراح t لما سمع بتجمع الروم ورأى عدم قدرته على الدفاع عنهم رد ما أخذه من جزية من أهل بعض مناطق الشام وكتب إلى قواده أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع وإنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم وإنا لا نقدر على ذلك( ).
ونقل القرافي عن ابن حزم رحمهما الله قوله: إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هم في ذمة الله تعالى وذمة رسوله r فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة وحكى في ذلك إجماع الأمة( ).
ولهذا فإذا وقع الذميون أسرى في يد عدو ما؛ فعلى الدولة الإسلامية أن تستنقذهم من أيديهم حتى ولو بدفع الفداء عنهم يقول الليث بن سعد: أرى أن يفدوهم من بيت مال المسلمين ويقروا على ذمتهم( ).
وقد تجلى هذا المثل الرائع في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يخاطب قائد التتار قطلوشاه لما أسر عددا من المسلمين والذميين في أن يطلقهم فقال له قائد التتار لكن معنا نصارى فهؤلاء لا يطلقون فقال له ابن تيمية : بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا فإنا نفكهم ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة فأطلق من النصارى من شاء الله.

الخاتمة
من خلال دراستي السابقة، أستطيع أن أوجز هذا البحث في النقاط التالية:
1. تميز دين الإسلام بأنه دين اليسر ورفع الحرج والمشقة فلا عسر فيه, ولا أغلال ولا آصار, وهذه ميزة للإسلام لا يشاركه فيها دين آخر.
2. شمل الإسلام بيسره ورفقه غير المسلمين فتسامح معهم في كثير من القضايا والأحكام ومنحهم كثيرا من الحقوق.
3. حرص الإسلام على هداية الناس جميعاً وترغيبهم فيه لإنقاذهم من الضلالة إلى النور, ومن عذاب الله إلى رضوانه.
4. من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية بالنسبة للذميين تركهم وما يدينون به.
5. حث الإسلام على الوصية بأهل الكتاب والعهد والمستأمنين، وعدم التعرض لهم بظلم أو أذى.
6. جعل الإسلام لدم المعاهد وماله اعتباراً, ومن ذلك أنه فرض الدية على من اعتدى على ذمي عمداً أو خطأً.
7. لا يجوز ظلم غير المسلمين بمختلف أجناسهم ودياناتهم
8. أمر الإسلام بالوفاء بالعهود والمواثيق وحذر من نقضها بأي صورة من الصور طالما هي موافقة لمنهج الله وشرعه وموافقة للمصالح العامة.
9. العلاقات الدولية في الإسلام قائمة على السلم بل على البر والإقساط والتعاون والرحمة، مع الأمم الأخرى.
10. يأمر الإسلام بالإحسان والصلة ولو على غير المسلمين.
11. من مظاهر تسامح الإسلام مع أهل الكتاب إباحة أكل ذبائحهم ومصاهرتهم.
12. من مظاهر التسامح في دين الإسلام إباحة التعامل مع غير المسلمين في العقود المالية.
13. يجوز مخالطة أهل الكتاب وغيرهم من غير المسلمين لحاجة دينية أو دنيوية.
14. يقيم الإسلام العلاقة بين المسلمين وغيرهم ممن لم يقاتلوهم في الدين أو يخرجوهم من ديارهم على البر والإقساط والإحسان.
15. من أعظم سمات تسامح الإسلام مع غير المسلمين طلب الكف والعفو عنهم وعن إساءتهم.
16. الجهاد في الإسلام مصون بأحكام وقواعد وآداب شرعية. فمن تلك الآداب:
• النهي عن قتل النساء والصبيان ومن لا يقاتل كالرهبان والقساوسة ومن في حكمهم.
• النهي عن الغدر والمثلة.
• النهي عن القتال قبل الدعوة.
• الأمر بالإحسان إلى الأسرى.
• الأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق.
• النهي عن قتل الرسل والسفراء.
17. من مظاهر التسامح في الجزية كفالة الفقراء والمحتاجين منهم،وحمايتهم ضد أي اعتداء داخلي كان أم خارجي؛ فالمسلمون مطالبون بالحفاظ على حقوق أهل الذمة وأموالهم وأنفسهم.
هذا ما يسر الله سبحانه وتعالى من الكتابة في هذا الموضوع، نسأل الله سبحانه وتعالى القبول والإخلاص في القول والعمل، والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات.

المراجع

1- الأبادي، محمد شمس الحق، "عون المعبود شرح سنن أبي داود، دار الكتب العلمية، بيروت.
2- ابن أبي شيبة، "الكتاب المصنف"، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
3- ابن العماد، أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي ،"شذرات الذهب"، دار المسيرة، بيروت.
4- ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر، "أحكام أهل الذمة"، دار الحديث، القاهرة.
5- ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر، "بدائع الفوائد"، مكتبة نزار مصطفى الباز.
6- ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر، "زاد المعاد"، مؤسسة الرسالة، بيروت.
7- ابن المقرئ، "المعجم"، مكتبة الرشد، الرياض.
8- ابن تيمية، تقي الدين أحمد، "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، دار العاصمة، السعودية.
9- ابن تيمية، تقي الدين أحمد، "مجموع الفتاوى"، طبع رئاسة إدارات البحوث العلمية.
10- ابن حبان، محمد بن حبان البستي، "صحيح ابن حبان – الإحسان"، بترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.
11- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "الإصابة في تمييز الصحابة"، دار الجيل، بيروت، لبنان.
12- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "التلخيص الحبير"، مكتبة نزار مصطفى الباز.
13- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "الدرر الكامنة"، دار الجيل، بيروت.
14- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "المطالب العالية"، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
15- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "تقريب التهذيب"، دار الرشيد.
16- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "تهذيب التهذيب"، دار الفكر، بيروت، لبنان.
17- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "فتح الباري شرح صحيح البخاري"، دار المعرفة، بيروت.
18- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، "لسان الميزان"، دار الفكر، بيروت، لبنان.
19- ابن حنبل، أحمد،"المسند"، مؤسسة قرطبة – القاهرة.
20- ابن عابدين، محمد أمين "رد المحتار على الدر المختار، حاشية ابن عابدين، دار الفكر
21- ابن كثير، عماد الدين اسماعيل "السيرة".
22- ابن كثير، عماد الدين اسماعيل، "البداية والنهاية"، مكتبة المعارف، بيروت.
23- ابن كثير، عماد الدين اسماعيل، "تفسير القرآن العظيم"، دار الريان للتراث.
24- ابن ماجه، محمد بن يزيد، "السنن"، المكتبة العلمية، بيروت.
25- ابن منصور، سعيد، "السنن"، دار الكتب العلمية، بيروت.
26- ابن منظور: محمد بن مكرم، "لسان العرب" ،دار الفكر، بيروت، لبنان.
27- ابن هشام، "السيرة".
28- أبو نعيم، أحمد بن عبد الله، "دلائل النبوة"، عالم الكتب، بيروت.
29- أبي داود، سليمان بن الأشعث، "السنن"، دار ابن حزم، بيروت.
30- أبي عبيد، القاسم بن سلام، "الأموال".
31- أبي يعلى، المسند"، دار المأمون للتراث، دمشق.
32- أبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم، "الخراج"، دار المعرفة، بيروت.
33- افتاء، موقع دار الإفتاء، "تسامح الإسلام مع غير المسلمين".
34- الألباني، محمد ناصر الدين، "صحيح الجامع وزيادته"، المكتب الإسلامي، دمشق.
35- الألباني، محمد ناصر الدين، "ضعيف الجامع وزيادته"، المكتب الإسلامي، دمشق.
36- الألباني، محمد ناصرالدين، "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، مكتبة المعارف، السعودية.
37- الألباني، محمد ناصرالدين، "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، مكتبة المعارف، السعودية.
38- الألوسي، شهاب الدين السيد محمود، "روح المعاني، دار إحياء التراث، بيروت.
39- البخاري، محمد بن إسماعيل، "الأدب المفرد" دار البشائر الإسلامية، بيروت.
40- البخاري، محمد بن إسماعيل، "الجامع الصحيح"، بيت الأفكار الدولية.
41- البوصيري، "إتحاف الخيرة"، مكتبة الرشد، السعودية.
42- البيهقي، أحمد بن الحسين، "السنن الكبرى"، دار الفكر، بيروت، لبنان.
43- البيهقي، أحمد بن الحسين، "دلائل النبوة"، دار الكتب العلمية، بيروت.
44- البيهقي، أحمد بن الحسين،"شعب الإيمان، دار الكتب العلمية، بيروت.
45- الترمذي، محمد بن سورة، "السنن"، بشرح تحفة الأحوذي، دار الفكر، بيروت.
46- جمعة، علي، "التسامح الإسلامي"، الإنترنت، موقع التقوى.
47- الحسين، عبد اللطيف، "تسامح الغرب مع المسلمين - دراسة نقدية"، دار ابن الجوزي.
48- الحموي، ياقوت، "معجم الأدباء"، دار إحياء التراث، بيروت.
49- الخطابي، حمد بن محمد، "معالم السنن". دار الكتب العلمية، بيروت.
50- الدارقطني، علي بن عمر، "سنن الدارقطني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
51- دارمي، عبدالله بن عبدالرحمن، "السنن"، دار الكتاب العربي، بيروت.
52- ذهبي، عثمان بن قايماز، "تذكرة الحفاظ"، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
53- الذهبي، عثمان بن قايماز، "سير أعلام النبلاء"، مؤسسة الرسالة، بيروت.
54- الرازي، ابن أبي حاتم، "الجرح والتعديل"، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
55- الزركلي، خير الدين، "الأعلام"، دار العلم للملايين، بيروت.
56- السعدي، عبدالرحمن، "تيسير الكريم الرحمن".
57- الشافعي، "المسند"، دار البشائر الإسلامية، حلب، سورية.
58- شبكة الإنترنت، "الإسلام دين هداية ورحمة واستعصاء".
59- الصنعاني، عبد الرزاق، "المصنف"، المكتب الإسلامي، عمان، الأردن.
60- الطبراني، سليمان بن أحمد،"المعجم الصغير"، المكتب الإسلامي، عمان – الأردن.
61- الطبراني، سليمان بن أحمد،"المعجم الكبير"، مكتبة العلوم والحكم، الموصل.
62- الطبري، محمد بن جرير، "تاريخ الأمم والملوك"، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
63- الطبري، محمد بن جرير، "جامع البيان الطبري"، دار الكتب العلمية، بيروت.
64- الطريقي، عبد الله، "الاستعانة بغير المسلمين"، طبع رئاسة إدارات البحوث العلمية، الرياض.
65- العتيبي، بندر، "وجادلهم بالتي هي أحسن".
66- عرجون، محمد صادق، "الموسوعة في سماحة الإسلام"، مؤسسة سجل العرب.
67- العيني، بدرالدين، "عمدة القاري بشرح صحيح البخاري، البابي الحلبي، مصر.
68- القرافي، شهاب الدين أبي العباس، "الفروق، عالم الكتب، بيروت.
69- القرطبي، محمد بن أحمد، "الجامع لأحكام القرآن"، عالم الكتب، بيروت.
70- مالك، الإمام مالك بن أنس، "الموطأ"، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
71- مسلم، الإمام مسلم بن الحجاج، "صحيح مسلم"، بيت الأفكار الدولية.
72- النسائي، أحمد بن شعيب، "السنن"، دار الفكر، بيروت.
73- النسائي، أحمد بن شعيب، "السنن"، دار الكتب العلمية، بيروت.
74- النووي، يحيى بن زكريا، "المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
75- الهيثمي، نور الدين، "مجمع الزوائد"، دار الفكر، بيروت.

فهرس أطراف الأحاديث المرفوعة

1- أبشر فقد جاءك الله تعالى بقضائك، بلال 197.
2- أتدرون ما يقول قال السام عليك، أنس 316.
3- اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً، أنس 94.
4- اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود، أبو هريرة 311.
5- أخرجوا باسم الله فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ابن عباس 352.
6- أخف عنا، سراقة 310.
7- أخفرت ذمتي أخفرت ذمتي، عامر بن عبد الله 53.
8- إخوانكم فأصلحوا إليهم واستعينوهم 60.
9- إذا رأيتم الجنازة فقوموا، جابر 281.
10- أذكركم بالله الذي نجاكم من آل فرعون 236.
11- اذهبوا فأنتم الطلقاء 320.
12- أربع خلال من كن فيه كان منافقاً، ابن عمرو 113.
13- أرسله يا عمر أدن يا عمير 323.
14- أرقاءكم أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم، يزيد بن جارية 59.
15- أرويت، أبو بصرة 295.
16- استأجر النبي r وأبو بكر رجلاً من بني الديل، عائشة 199.
17- استوصوا بالأسارى خيراً، أبو عزيز 364.
18- أسلم لليهودي، أنس 229.
19- أسلم تسلم لرجل، أنس 42.
20- أسلم تسلم، لأبي قحافة 41.
21- أطعميه الأسارى رجل، 134.
22- أعطه حقه، ابن أبي حدرد 330.
23- أعطى رسول الله خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها، ابن عمر، 196.
24- اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة، ابن عمر، 57.
25- أعهد إليكم أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، 68.
26- اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر، بريدة 340.
27- أكثر الله مالك وولدك، إبراهيم مرسلا 232.
28- ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، المقدام 85.
29- ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، خالد 88.
30- ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، 84.
31- ألا من قتل نفسا معاهدة له ذمة الله، أبو هريرة 64.
32- ألك بينة، الأشعث 149.
33- أليست نفسا، سهل بن حنيف 282.
34- أما من ثمر حائط بني فلان فلا، 204.
35- أما والله إن كنت لأعرفها لكم، حذيفة 251.
36- أما والله لولا أن الرسل لا تقتل، نعيم، 107.
37- أمرنا أن لا نزيد أهل الكتاب على وعليكم، أنس 176.
38- إن أحسنوا فاقبلوا وإن أساؤوا فاعفوا، ابن عمر 61.
39- أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل، 34.
40- إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي، ثوبان 242.
41- إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي، أنس 258.
42- إن آل أبي - ليسوا بأوليائي، عمرو بن العاص 269.
43- إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ابن عباس 322.
44- إن الرقى والتمائم والتولة، ابن مسعود 224.
45- إن الله بعثني رحمة للناس كافة، المسور 43.
46- إن الله جعل السلام تحية لأمتنا، أبو أمامة 159.
47- إن النبي r لم يكن بطن من قريش، ابن عباس 268.
48- أن النبي r ودى العامريين، 72.
49- أن النبي اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، عائشة 203.
50- أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله فقرأ عليه القرآن، ابن عباس 23.
51- أن اليهود أتوا النبي r وهو جالس، أبو هريرة 245.
52- أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله مقتولة، 349.
53- إن خالد بن الوليد بالغميم، المسور 100.
54- إن رجلا من المشركين كتب إلى رسول الله، 172.
55- أن رسول الله r لما بعثهم إلى ابن أبي الحقيق، 350.
56- أن رسول الله r رجم يهودياً ويهودية، ابن عمر 147.
57- أن رسول الله r كتب إلى قيصر، ابن عباس 10.
58- أن رسول الله بعث حاطب بن أبي بلتعه إلى المقوقس عبد الله بن عبد القاريء، 30.
59- أن رسول الله كتب إلى نجران قبل أن ينزل عليه، طس 40.
60- أن ركانة صارع النبي r فصرعه، 33.
61- أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء، 297.
62- أن ملك ذي يزن أهدى إلى النبي r، أنس 262.
63- أن نبي الله r كتب إلى كسرى وإلى قيصر، أنس 12.
64- إن هذا اخترط سيفي، جابر 321.
65- إن هذا الرجل يريد غدراً، 325.
66- إن هم أسلموا فهو خير لهم، عتاب 48.
67- إن وجدتم غيرها فكلوا فيها، أبو ثعلبة 227.
68- أن وفد هوازن أتوا النبي r وقد أسلموا، 315.
69- أن يهودياً أتى النبي فقال إنكم تنددون، قتيلة 250.
70- أن يهوديا دعا رسول الله إلى خبز شعير، أنس 299
71- أن يهودية أتت النبي r بشاة مسمومة، أنس 312.
72- أنا أولى من وفى بذمته، ابن البيلماني 74.
73- إنا غادون على يهود فلا تبدؤوهم بالسلام، أبو بصرة 175.
74- إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، عبد الله بن سلام 198.
75- أنت وحشي؟، 109.
76- انزل أبا وهب، الزهري 185.
77- انصرفا نفي بعهدهم ونستعين الله، حذيفة بن اليمان 99.
78- انطلقوا إلى يهود، أبو هريرة .14
79- انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة، أنس 355.
80- إنك رجل مفئود، سعد 223.
81- إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، قيس بن النعمان 254.
82- إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، أبو ذر 52.
83- إنما يلبس هذا من لا خلاق له، ابن عمر 255.
84- إنها ستكون من بعدي أمراء يصلون الصلاة، عاصم 118.
85- إنهم كانوا إذا أتوا رسول الله أوسع لهم، علي 184.
86- إنهم ليعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم، عائشة 259.
87- إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد، أبو رافع 110.
88- إني والله ما آمن يهود على كتاب، زيد بن ثابت 221.
89- إني لم أبعث لعاناوإنما بعثت رحمة، أبو هريرة 1.
90- أهدى المقوقس القبطي لرسول الله، بريدة 263.
91- أهدى المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله، عائشة 265.
92- أوفوا الحلفاء عهودهم، ابن عمرو 98.
93- أوليس خياركم أولاد المشركين، الأسود بن سريع 353.
94- أيما رجل أمن رجلا على دمه ثم قتله، عمرو بن الحمق 354.
95- بخ ذلك مال رابح، أنس 142.
96- بسم الله الرحمن الرحيم إلى الأقيال من حضرموت، مسروق بن وائل 24.
97- بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل، ابن عباس 11.
98- بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغلوا، جرير 351.
99- بعث رسول الله r عشرة رهط سرية، أبو هريرة 324.
100- بيعاً أم عطية أو قال أم هبة، عبد الرحمن بن أبي بكر 82.
101- تألفوا الناس وتأنوا بهم عبدالرحمن بن عائذ، 28.
102- تصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم، ذو مخمر 128.
103- ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، أبو موسى 22.
104- جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله فقال يا محمد إنا نجد، ابن مسعود 248.
105- جد له فأوف له الذي له، جابر 213.
106- حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده، زيد بن أرقم 239.
107- حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، أبو هريرة 291.
108- خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى، أم سلمة 209.
109- خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري، ابن عباس 151.
110- خرجت في يوم شات من بيت رسول الله r، علي .201
111- دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله يدعوهم، سلمان 343.
112- دية المعاهد نصف دية الحر، ابن عمرو 76.
113- سيكون قوم لهم عهد فمن قتل رجلاً منهم، 69.
114- شهدت حلف المطيبين مع عمومتي، عبد الرحمن بن عوف 96.
115- صالح رسول الله أهل نجران على ألفي حلة، ابن عباس 122.
116- الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، علي 301.
117- الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، علي 54.
118- عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم، علي 16.
119- {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}، {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} فنسخ واستثنى من ذلك، ابن عباس 188.
120- قد أجبتك، أنس وابن عباس 243 –244.
121- قولوا وعليكم، أنس 180.
122- كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني، ابن عوف 214
123- كان النبي يحب موافقة أهل الكتاب، ابن عباس 274.
124- كان رجل سرق درعاً من حديد في زمان النبي، 339.
125- كان رسول الله يقسم في أهل الذمة من الصدقة والخمس، جابر بن زيد 146.
126- كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، ابن عباس 220.
127- كان نبي الله يحدثنا عن بني إسرائيل، ابن عمرو 292.
128- كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام، ابن عباس 132.
129- كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، علي 205.
130- كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم، ابن عباس 131.
131- كبر كبر، سهل بن أبي حثمة 111.
132- كتب رسول الله r على كل بطن عقولة، جابر 129.
133- كتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والانصار وادع فيه اليهود، 130.
134- كتب لأهل جرباء وأذرح بسم الله الرحمن الرحيم، 120.
135- كذب قد علم أني من أتقاهم لله، عائشة 318.
136- كذبت حال بينك وبين الإسلام ثلاث، 187.
137- كلوا باسم الله، سهل بن سعد 207.
138- كنا لا نقتل تجار المشركين على عهد رسول الله، جابر 81.
139- كنا نصيب المغانم مع رسول الله فكان يأتينا أنباط، عبد الرحمن بن أبزى 206.
140- كنت رجلاً فارسياً من أهل أصبهان، سلمان 267.
141- كنت مرة في أرض قطعها النبي لأبي سلمة، أم سلمة 226.
142- لا إيمان لمن لا أمانة له، أنس 124.
143- لا بل أستأني بهم، ابن عباس 2.
144- لا بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة، ابن عباس 3.
145- لا بل عارية مضمونة، صفوان بن أمية 212.
146- لا تقاتلهم حتى تدعوهم، أنس 344.
147- لا حلف في الإسلام، جبير بن مطعم 97.
148- لا عدوى ولا صفر ولا هام ولا يتم شهران، أبو أمامة 71.
149- لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته، أبو هريرة 313.
150- لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك، جابر 117.
151- لأعطين الراية غداً رجلاً، سهل بن سعد 20.
152- لعلكم تقاتلون قوما فتظهرون عليهم، 87.
153- لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت، عائشة 4.
154- لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، جدامة 222.
155- لكل غادر لواء يوم القيامة، أنس وأبو سعيد 115 – 116.
156- لم لطمت وجهه، أبو هريرة 95.
157- لما أراد النبي r أن يكتب إلى الروم، أنس13.
158- لما انتهى رسول الله الى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة، 119.
159- لما قدم النبي المدينة جاءته جهينة، سعد بن أبي وقاص 104.
160- لما كان يوم بدر أتي بالأسارى وأتي بالعباس، جابر 296.
161- لما نزلت { الم } { غلبت الروم }، نيار بن مكرم 275.
162- لما نزلت الآية { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم }، ابن عباس 150.
163- لمضر - إنك لجريء، ابن مسعود 5.
164- الله الله فيما ملكت أيمانكم، أبو أمامة 58.
165- الله اهد ثقيفا، جابر 19.
166- اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين، ابن عمر 17.
167- اللهم أقبل بقلوبهم، أنس 18.
168- اللهم اهد دوسا وأت بهم، أبو هريرة 9.
169- اللهم جمله، قتادة مرسلا 234.
170- لو خرجتم إلى أرض الحبشة، 125.
171- لو كان المطعم بن عدي حياً، جبير بن مطعم 157.
172- لولا أنك رسول لضربت عنقك، 108.
173- ما تجدون في التوراة في شأن الرجم، ابن عمر 156.
174- ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، أبو نملة 247.
175- ما زال جبريل يوصيني بالجار، ابن عمرو 225.
176- ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، ابن عباس 273.
177- ما عندك يا ثمامة، أبو هريرة 6.
178- ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير، 329.
179- ما قاتل النبي r قوماً حتى يدعوهم، ابن عباس 345.
180- ما قدس الله أو قال: ما يرحم الله أمة لا يأخذون للضعيف له، 333.
181- ما كانت هذه لتقاتل، رباح بن ربيع 356.
182- ما هذه الشاة يا أم معبد، أبو معبد 253.
183- من أسلم على يديه رجل عقبة بن عامر، 27.
184- من حلف على يمين وهو فيها فاجر، عبد الله 335.
185- من سمع يهودياً أو نصرانياً دخل النار، أبو موسى 93.
186- من ضرب مملوكه ظلماً، عمار 91.
187- من عذب الناس في الدنيا عذبه الله، هشام بن حكيم 92.
188- من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، ابن عمرو ورجل 66- 67 .
189- من قتل معاهداً في غير كنهه، أبو بكرة 63.
190- من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، ابن عمرو 62.
191- من قذف مملوكه وهو بريء، أبو هريرة 89.
192- من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة، عمرو بن عبسة 103.
193- من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموه، أبو ذر 56.
194- من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذان، خالد بن سعيد 347.
195- من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل أن أسلموا، أنس 21.
196- من يخفر ذمتي كنت خصمه، جندب 70.
197- الناس معادن في الخير والشر، أبو هريرة 35.
198- نعم اليوم يوم وفاء وبر وصدق، سراقة 105.
199- نعم صلي أمك، أسماء 256.
200- نعم عذاب القبر حق، عائشة 241.
201- نهى رسول الله جيوشه أن يمثلوا بأحد من الكفار، مكحول 363.
202- نهى رسول الله عن المثلة، خالد بن معدان 362.
203- هذا كتاب من رسول الله r إلى النجاشي، 29.
204- هل دعوهم إلى الإسلام، أبي بن كعب 346.
205- هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت، الشريد 290.
206- هلا مع صاحب الحق كنتم، أبو سعيد 334.
207- والذي نفس محمد بيده لمناديل، سعد بن معاذ أنس 257.
208- والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم، أنس 8.
209- والله لو باعني أو أسلفني لقضيت، أبو رافع 202.
210- ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد، 44.
211- وما يدريك أنها رقية، أبو سعيد 293.
212- ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، ابن مسعود 238.
213- يا أبا الحارث أسلم، أنس 39.
214- يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، 55.
215- يا أبا هريرة اهتف بالأنصار، أبو هريرة 319.
216- يا ابن عوف اركب فرسك، العرباض 83.
217- يا ركانة ألا تتقي الله، 32.
218- يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب، أسامة بن زيد 237.
219- يا شيبة ادن منى، 314.
220- يا عائشة أشعرت أن الله جل وعلا قد أفتاني فيما استفتيته، 307.
221- يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، 317.
222- يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، 38.
223- يا عم قل لا إله إلا الله كلمة، سعيد بن المسيب 25.
224- يا فلان أتشهد أني رسول الله، الفلتان 240.
225- يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا، عمران 298.
226- يا معاذ لأن يهدي الله على يديك رجلاً، معاذ 26.
227- يا معشر اليهود أنبأنا اثنا عشر رجلا يشهدون، عوف بن مالك 252.
228- يا معشر قريش اشتروا أنفسكم، أبو هريرة 15،
229- يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، ابن عمرو 106.
230- يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا، أبو موسى 36.
231- يهديكم الله ويصلح بالكم، أبو موسى 231.

فهرس الآثار

1- أجل والله إنه لموصوف في التوراة، عبد الله بن عمرو 305.
2- إذا كانت لك إليه حاجة فابدأه بالسلام، إبراهيم 171.
3- إذا كتبت فاكتب السلام على من اتبع الهدى، مجاهد 173.
4- إذا نضعّف عليه العقل فأضعفه، عمر 80.
5- أرجو أن يجزئه إذا لم يجد مسلمين، إبراهيم 138.
6- الأسارى من أهل الشرك، الحسن 145.
7- ألا لا يقتل الراهب في الصومعة، أبو بكر 358.
8- أن أبا الدرداء عاد جاراً له يهودياً، 230.
9- أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني، 75.
10- أن أباه أعتق غلاما له مجوسياً، خارجة بن زيد 304 .
11- أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام، 77
12- أن ابن عمر أعتق غلاماً له نصرانياً كان وهبه لبعض أهله، 303.
13- إن اشترى رجل من المسلمين ثوبا من مشرك، الثوري 210.
14- إن أصحابكم قد آمنونا، سلمان 370.
15- إن الأهلة بعضها أكبرمن بعض، عمر 367.
16- أن جيشاً مروا بزرع رجل من أهل الذمة، 86.
17- أن رجلاً يهودياً قتل غيلة، 79 أنس .
18- إن صفية أوصت لنسيب لها يهودي، ابن عمر 289.
19- أن عبد الله وأبا الدرداء وفضالة بن عبيد كانوا يبدأون أهل الشرك بالسلام، 178.
20- أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي 331.
21- أن عمر بن الخطاب كنى الفرافصة، الحنفي 186.
22- أن عمر بن عبد العزيز أعتق غلاماً له نصرانياً، 302.
23- أن عمرو بن شرحبيل كان يعطي زكاة الفطر الرهبان، 135.
24- إن مترس أمان فهن قلتموها فهو آمن، عمر 373.
25- أن يهودياً جاء إلى عبد الملك بن مروان، الزهري 332.
26- إنا لا نستطيع أن ندخل كنائسكم هذه مع الصور، 169.
27- إنما سلم عبد الله على الدهاقين إشارة، 163.
28- أنه أجاز شهادة يهودي على نصراني، الشعبي 153.
29- أنه أخبره من رأى بن محيريز صافح نصرانياً، 158.
30- أنه كان إذا استأذن على المشركين، عبد الرحمن بن يزيد 181.
31- أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري لأهل الذمة، حماد 217.
32- أنه كان يجيز شهادة أهل الكتاب بعضهم، شريح 152.
33- أنه كان يعطي الرهبان من صدقة الفطر، أبو ميسرة 141.
34- أنه كتب إلى امراء أهل الجزية أن لا يضربوا الجزية، عمر 378.
35- أنه لم يكن يرى بأسا بشركة اليهودي والنصراني، الحسن 215.
36- أنه مر برجل هيأته هيأة مسلم فسلم فرد عليه، عقبة بن عامر 166.
37- إني أوصيك بعشر لا تقتلن صبيا ولا امرأة، أبو بكر 360.
38- أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيراً، عمر 50.
39- أوصيكم بذمة الله فإنه ذمة، عمر 49.
40- أولياؤك من أهل الكتاب، قتادة .284
41- بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل، هشام بن العاص 246.
42- ثلاث يؤدين إلى البر والفاجر العهد، ميمون بن مهران 368.
43- حضرت بالري مجلس موسى بن إسحق في الجامع، يحيى بن محمد 337.
44- دية كل معاهد في عهده ألف دينار، ابن المسيب 78.
45- ردوا السلام على من كان يهودياً أو نصرانياً، ابن عباس 164.
46- سئل ابن شهاب أعلى من سحر من أهل العهد قتل، ؟ 309.
47- سئل الشعبي عن إطعام اليهودي والنصراني، في الكفارة 137.
48- سألت الحسن عن الرجل يحتاج إلى الدخول على أهل الذمة، أبو المنبه 183.
49- سألت نافعاً عن شهادة أهل الكتاب، 155.
50- سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى، سعيد بن جبير 235.
51- سمعت ابن جريج والثوري يقولان يعزي المسلم الذمي، 276.
52- سمعت الثوري وعمران لا يريان بمصافحة اليهودي، 160.
53- سمعت سليمان بن موسى يقول كانوا يتبعون جنائزنا، ابن جريج 279.
54- الشفعة للكبير والصغير والأعرابي واليهودي والنصراني، الثوري 219.
55- شهدت شريحاً أجاز شهادة قوم من أهل الشرك، 154.
56- شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة قريء علينا بالبصرة، 375.
57- العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم، عمر 374.
58- على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة، خالد 47.
59- فإن قاتلوكم فلا تغلوا ولا تغدروا، عمر 342.
60- فلعلهم هددوك أو فرقوك أو فزعوك، علي 73.
61- قال لي عطاء : وليتبع الكافر جنازة المسلم، ابن جريج 278.
62- قالت اليهود لعمر لو علينا معشر يهود نزلت، 249.
63- قلت للزهري هل يقال له مرحباً،؟ معمر 179.
64- كتب أبو موسى إلى دهقان يسلم عليه، 162.
65- كتب إلى ذمي فبدأ بالسلام، 170.
66- كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس يدعوهم، أبو وائل 348.
67- كتب عامل إلى عمر أن قبلنا ناس يدعون السامرة، غطيف 191.
68- كتب عمر بن عبد العزيز أن لليهودي الشفعة، 218.
69- كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية { قاتلوا في سبيل الله }، يحي بن يحيى 361.
70- كتبت لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى أهل الشام، عبد الرحمن بن غنم102.
71- كنا مع عمر بن الخطاب بالشام فأتاه نبطي مضروب، سويد بن غفلة 123.
72- كنا نخرج زكاة الفطر على كل نفس نعولها، أبو هريرة 139.
73- كنت مع شقيق بن سلمة فمر عليه أسارى، أبو رزين 143.
74- لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب النصراني والمجوسي، الثوري 211.
75- لا بأس أن يقول لليهودي والنصارى هداك الله، إبراهيم 233.
76- لا بأس أن يوصي لليهودي والنصراني، الشعبي 283.
77- لا بأس بذبائحهم، إبراهيم 190.
78- لا بأس بشركة اليهودي والنصراني، إياس 216.
79- لا بأس بما صنع أهل الكتاب من الجبن، الحسن وابن سيرين 194.
80- لا بأس بها الوصية لأهل الشرك، عطاء 286.
81- لا تأكلوا من الجبن إلاما صنع، ابن مسعود 192.
82- لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا أبو بكر 341.
83- لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث، الحسن 287.
84- لا يدخل علي المشركين إلا بإذن، سعيد بن جبير 182.
85- لا يعطى اليهودي ولا النصراني من الزكاة، إبراهيم النخعي 136.
86- لا يقتل في الحرب الصبي ولا امرأة، مجاهد 359.
87- لم أعقل أبوي قد إلا وهما يدينان الدين، عائشة 127.
88- لم نر الجيوش يهيجون الرهبان، بكر بن سوادة 357.
89- لما افتتحنا المداين خرج الناس في طلب العدو، 193.
90- لما قدم المسلمون أصابوا من أطعمة المجوس، إبراهيم وأبو وائل 195.
91- لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا، أم سلمة 126.
92- لو أوتيت برجل قذف يهودياً أو نصرانياً، عكرمة 90.
93- لو قال لي فرعون بارك الله فيك، ابن عباس 167.
94- لو كان معي يهودي أو نصراني فمات، معمر 277.
95- ما أرى بأسا أن نبدأهم، عمر بن عبد العزيز 177.
96- ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، 65.
97- مات سليمان بن داود فتبعه اليهود والنصارى، عبد الرزاق 280.
98- مضت السنة أن يردوا في حقوقهم، الزهري 148.
99- معاذ الله أن تكون العهود والمواثيق، عرفة بن الحارث 376.
100- من انتحل دينا فهو من أهله، الزهري 189.
101- من أهل القبلة وغيرهم، سعيد بن جبير وعطاء 144.
102- من أين جئت بهذا الماء، عمر 37.
103- من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، ابن عباس 174.
104- من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا ودينه كديننا، علي 377.
105- نجده مكتوبا محمد رسول الله r لا فظ ولا غليظ، 306.
106- نزلت في أربع آيات من كتاب الله تعالى سعد 272.
107- نعم صحبوني وللصحبة حق، ابن مسعود 168.
108- هذا كتاب من أبي عبيدة لأهل دير طيايا، 371.
109- هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء، 46 .
110- والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء، عمر 365.
111- يا ابن عباس انظر من قتلني، عمر 51.
112- يا يهودي هذه الدرع درعي، علي 336.
113- يخرج الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه، ابن عباس 140.
114- يفي لهم بالعهد، عطاء 372.

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك