التسامح أولاً
- الحكيم
الصوم لا يعني فقط الامتناع عن الطعام والشراب لساعات محددة، بل هو تدريب للجسم والنفس، وضبط للشهوات، والشعور بمعاناة الفقير.
والصوم لا ينتهي تأثيره بمجرد انتهاء شهر رمضان، بل يبتدئ به، إذ أن من التزم بآداب وقواعد الصيام، دون إفراط، لابد وأن يشعر ـ في غير رمضان ـ بالمعدمين والفقراء الذين يتضورون جوعاً، أو الذين لا يجدون ما يكفيهم لسد احتياجاتهم الغذائية والمادية والنفسية أيضاً.
وقد أكدت الدراسات على فوائد الصيام الجسدية والنفسية. إذ أن الصيام يعلم الصائم المؤمن كيفية ضبط النفس، وتحمل المشاق، والشعور بالآخر، وملامسة آلامهم وهمومهم، فالصوم رياضة للهدوء والاسترخاء وتدريب للنفس، للتخلص من القلق والابتعاد عن الشهوات، وما ينجم عن ذلك من اضطرابات جسدية ونفسية.
وبعد انتهاء شهر الصيام، يحن لنا أن نسأل أنفسنا:
هل استفدنا من هذا الشهر الفضيل، وهل التزمنا بآدابه، أم كانت موائدنا عامرة بمختلف أصناف الطعام لتعويض ما حرمنا منه لساعات معدودة.
وهل كانت الحالة النفسية متوازنة، وماذا عن المشاعر السلبية والغضب والانفعال وغيرها؟
لا شك أن للصوم تأثيرات نفسية إيجابية لا يدركها إلا من التزم بآداب الصيام، كالمغفرة والتسامح وتجنب الضرر بالآخرين وإيذاءهم. إن معنوياً أم مادياً، والتسامح لا يعود بالفائدة على الآخرين، وإنما على الشخص نفسه، إذ أنه يخفض ضغط الدم المرتفع، والتوتر العضلي.
ودقات القلب المتسارعة، والتعرق، والاضطرابات التي تظهر عادة عند الأشخاص المتوترين، أو الذين يعتبرون انفعاليين، حيث يصاب الشخص منهم بالاستثارة حتى لأتفه الأسباب.
فهل نجعل التسامح والمغفرة، وضبط النفس، والمحافظة على هدوء الأعصاب، ودقة البصيرة من المظاهر المميزة لنا في رمضان وغيره من الأشهر، والابتعاد عن مشاعر الغضب، وما يؤذي الآخرين، من أجل التعايش بشكل سلمي وودي، ضمن مظاهر وقيم لا تجملها سوى المحبة والأخوة.
والابتعاد عن المشاعر الملتهبة، والسلبية، وعدم إيذاء الآخرين، أو خداعهم، أو غير ذلك من المشاعر السلبية التي تهدم أقوى العلاقات الإنسانية.
إنها دعوة للتسامح والمحبة.
وكل عام والجميع بخير وصحة وسعادة.
المصدر: http://www.albayan.ae/paths/1130410944679-2005-11-04-1.113928